يجد تنظيم داعش نفسه محاصراً على الأرض السورية بمواجهة من يسميهم ب"الصحوات"، فيما يجابه حملة عسكرية كبيرة في العراق، لكن ثمة حربٌ غير مكشوفة يخوضها التنظيم المطرود خارج "القاعدة" لا تقل ضراوة، على "حجابات" العالم الافتراضي (الانترنت) وخصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي، للبقاء كقوة تستقطب مزيداً من المقاتلين بدلاً من "خروجهم" الى تنظيمات مناوئة. الرياض (العالم الجديد) وحتى اللحظة، لم تسفر "القاعدة" عن تنظيم موازٍ لتنظيم دولة أبو بكر البغدادي في العراق. على غرار ما حصل في سورية بعد اعلان جبهة ابو محمد الجولاني "النصرة" كممثل وحيد و"شرعي" للتنظيم الدولي من قبل الظواهري. وتشن "داعش البغدادي"، هجمات اليكترونية يومية على مشايخ خليجيين، وتُصعِد من خطابها الحاد ضد "النصرة" و"الجبهة الاسلامية" في سوريا، وتطلق عليهم تسمية "الصحوات" في اشارة الى تجربتها المُرّة مع "الصحوات" العراقية. مجيء الداعية السعودي السلفي ابو عبدالله المحيسني الى سوريا (والذي كشفت "العالم الجديد" عن تحركاته في قصة سابقة)، قلب التوازن ومخطط توزيع الصراع بين المجموعات المتصارعة، بعد ان دخل "الشام" مبايعاً للبغدادي، انقلب لجبهة الجولاني، وبات "الشاهد الملك" لدى الظواهري، وحوّل "تنظيم الدولة" من جناح قاعدي، الى "مجموعة" تطاردها القاعدة نفسها على حد سواء مع التنظيمات الأخرى والحكومات. العمليات النوعية التي نجح بتنفيذها "البغدادي" في العراق، وبسطه للسيطرة على اكبر المحافظات الشامية "الرقة"، اجتذبت عددا كبيرا من المقاتلين او "الجهاديين" من دول المنطقة، عوضا عن اوروبا، فيما كانت نافذة التجنيد هو "الانترنت"، وبذات الوقت السلاح الاقسى الذي استعمله خصوم (داعش) للاجهاز عليها اعلاميا، ولاسيما من الداخل السعودي. خطاب التجريم الشهير للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، والذي عُد اطول خطاب ملكي، وجاء فجأة دون مقدمات كما اعتادت الرياض من قبل، كان نتيجة فشل وساطة سرية قام بها مشايخ سعوديون باشراف مخابراتي دقيق، لاقناع "البغدادي" على عدم حث "الجهاديين" الخليجيين الى العودة الى دولهم، ول"المملكة" على وجه الخصوص. مصادر "العالم الجديد" المطلعة على تنظيم (داعش)، أكدت أن "صفقة تسوية كادت تتم لولا تعنت الطرفين على بنود وجدوها جوهرية". وتقول المصادر، ان "الصفقة كانت ضمانتها الاولى، هي حل الاشكالات الناشبة بين البغدادي والظواهري، كبادرة حسن نية تفضي الى التفاوض". ولفت الى ان "الرياض تعهدت بالضغط على الظواهري ليسحب براءته من (داعش) واعتبارها مطرودة من التنظيم الدولي، والتوصل الى اتفاق يقسم زعامة النفوذ بين البغدادي والظواهري في العراق وسورية فقط، وان يترك البغدادي فكرة بيعة الخلافة". ومن ابرز بنود وثيقة التفاوض التي حملها السعوديون الى تنظيم البغدادي، ان "يلتزم التنظيم بمناطق نفوذ لا تؤثر على سعي السعودية ومجموعاتها المسلحة الى قلب ميزان القوى داخل سوريا، بما يمهد لتراجع الجيش السوري وفتح ثغرات نحو العاصمة دمشق"، فضلا عن "عدم استهداف او التضييق على خطوط الامداد العسكري والمالي لتلك الجماعات، ولاسيما في المناطق التي ينشط بها "داعش"". غير أن البند الأهم في الورقة السعودية التي لم تطرح بادئ الأمر على أنها "رسمية" بل مبادرة يقودها مشايخ سلفيون من الداخل السعودي، هي ان "يضمن البغدادي بقاء مقاتلي التنظيم في سوريا او حثهم بالتوجه الى مناطق صراع اخرى، او فتح جبهات جديدة مع تحمل الرياض جزءاً من التمويل، والحيلولة دون عودتهم الى السعودية او الكويت على وجه الخصوص، او المنطقة الخليجية على وجه العموم". وابرزت احد اهم المحفزات لموافقة البغدادي، بان تدعم السعودية التنظيم بشكل غير مباشر، مالياً ولوجستياً. غير ان البغدادي رفض المبادرة على اساس ان الرياض ليست جادة في مبادرتها، لاسيما مع التقارب الكبير بين جبهة النصرة وبينها، وعقدها لاتفاق مشابه ينص على ان تخفف "الجبهة" من خطابها التكفيري في سوريا، وان تضبط مقاتليها على الارض السورية بما يدعم المشروع السعودي، وعدم السماح لاي عنصر منها بالعودة او التوجه الى اي بلد خليجي، وهو ما بدا واضحاً في التقارب مع "الجبهة الاسلامية" المدعومة بقوة من الرياض، علاوة على "جبهة ثوار سوريا" والتي يقودها جمال معروف، الذي ظهر قبل ايام في صورة مع رئيس الائتلاف السوري المعارض احمد الجربا، المقرب هو الاخر من السعودية. البغدادي رفض المبادرة السعودية. واطلق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي ولاسيما "تويتر" ضد من اسماها ب"الدولة السرورية" ويعني بها "المملكة"، وبحسب المصادر فإن التحرك السعودي جاء على خلفية معلومات مؤكدة لسعي البغدادي القيام بهجمات نوعية في البلدان الخليجية ل"كسر عظم قاعدة الظواهري"، والتشكيك ب"جهادها" ضد "الممالك الكافرة"، وتعزيز صورته كزعيم اكثر قرباً من طموح سلفيي وجهاديي تلك الدول، سعياً للحصول على "بيعة الخلافة". الداعية السلفي الكويتي، شافي العجمي، والذي شن تنظيم البغدادي هجمة شرسة ضده اعلامياً، كان اول الدعاة الذين اطلقوا مواقف علانية عن خطة "داعش" بغزو الخليج (الفارسي)، وبيّن العجمي في تصريح لصحيفة خليجية ان "التنظيم منذ وصل إلى الشام كانت هناك أفكار للقيام بعمليات تفجيرية في داخل تركيا، وتم وضع ثلاثة أهداف في اسطنبول وفي أنقرة وفي الريحانية، وتم تجهيز 9 سيارات مفخخة، لكن الحكومة التركية وقفت بالمرصاد لهذا الفجور ونكران الجميل وابطلت هذه العمليات". ويلحظ ان العجمي استعمل تعبير "نكران الجميل" في اشارة الى تورط تركيا في دعم "داعش" وتسهيل مرور مقاتليه الى الاراضي السورية. وشدد العجمي على ان "الخطر لا زال يهدد تركيا من هذا التنظيم الداعشي الخارجي ودول الخليج (الفارسي) كذلك ليست في منأى عن ذلك". /2336/ وكالة انباء فارس