كتب - نشأت أمين : أكد الشيخ عبدالله السادة أهمية التوسل إلى الله تعالى، مبينا أن له آثارا وثمارا كثيرة في الدنيا وفي الآخرة، مبينا أن المؤمن إذا وقع في شدةٍ فإن عمله الصالح سيصونه ويحميه، ويخرجه من الضيق. وقال، في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع الإمام محمد بن عبدالوهاب، إن التوسل يعني التقرب إلى الله، وأنه يكون بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لافتا إلى أن كل قربةٍ هي وسيلة تقرب المؤمن من حب الله ورضوانه، ورحمته وغفرانه، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى بها وحث على طلبها، يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). وأضاف: يكفي الوسيلة شرفا وسموا ورفعة وعلوا، أنها اسمٌ لأعلى مكانٍ في الجنة، حرص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن ينالها ويتبوأ مكانها، وهو لذلك أهلٌ وبها جديرٌ، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإن من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة؛ فإنها منزلةٌ من الجنة لا تنبغي إلا لعبدٍ من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت له الشفاعة)، والتوسل إلى الله عز وجل يجب أن يأخذ طريقه المشروع، بعيدا عن كل توسلٍ محظورٍ وممنوعٍ. طرق التوسل وتابع: التوسل إلى الله عز وجل يكون بعدة أمورٍ من توسل بها إلى الله سلك طريق الهدى والنور، وحظي من فضل ربه بأعظم الأجور، ومنها التوسل إلى الله عز وجل بالإيمان والعمل الصالح، الذي هو دأب عباد الله الصالحين، وديدن الأبرار المتقين، فهؤلاء الأبرار الأتقياء يجأرون إلى الله بهذا الدعاء: (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار) لقد هضم هؤلاء أنفسهم وتواضعوا لربهم؛ فلم يصفوا أنفسهم بأنهم أبرارٌ، بل توسلوا إلى الله بإيمانهم أن يتوفاهم مع الأبرار. وقال إن التوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصالح لا تقتصر آثاره وثماره على الآخرة، بل يجد المؤمن ثمار ذلك في دنياه قبل أخراه، فالمؤمن إذا وقع في شدةٍ أو حدث له عناءٌ وضيقٌ؛ عرف كيف يتغلب على هذا العناء ويخرج من هذا الضيق، فعمله الصالح الذي عمر به أوقاته، وأنار به حياته، ما زال يصونه ويحميه، وسيخرجه - بإذن الله- من الضيق الذي هو فيه، لذا فهو يستجلب الرحمة الإلهية والعناية الربانية بالتوسل إلى الله بالعمل الصالح؛ فيحفظ من كل عطبٍ، ويحمى من كل مضرةٍ، ويخرج من الشدة التي حلت به كالذهب يخرج من النار وهو ناصعٌ شديد البريق، ولقد ساق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قصة النفر الثلاثة الذين أووا إلى غارٍ فدخلوه، فسدت عليهم صخرة باب الغار؛ فما كان منهم إلا أن واجهوا الخطر المحدق بهم باتفاقهم على كلمةٍ سواءٍ وهي التوسل إلى الله عز وجل بصالح أعمالهم، فتوجهوا إلى الله متوسلين فنجاهم الله، لقد استنزلوا الفرج بزادٍ مباركٍ من أعمال الخير؛ فخرجوا في النهاية سالمين لم يمسسهم سوءٌ، فلا شيء ينجي ويزيل الأزمات كفعل الخير وعمل الصالحات، قال الله تعالى: (من عمل صالحا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون). فوائد العمل الصالح ولفت الشيخ السادة إلى أن العمل الصالح لا يقتصر نفعه على فاعله فحسب، بل يتعداه إلى غيره من أولادٍ كبارٍ أو صغارٍ، ساروا على المسير نفسه، يقول الله تعالى: (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا)، ويقول الله جل شأنه: (وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا)، ويقول سبحانه: (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ كل امرئٍ بما كسب رهينٌ). وتابع: إن من التوسل النافع المفيد التوسل بأسماء الله وصفاته سبحانه، فمن دعا الله عز وجل بها مصطحبا الثقة والإخلاص؛ أجاب الله دعاءه وحقق رجاءه، فقد سمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجلا يقول: (اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحدٌ، فقال: لقد سألت باسم الله الأعظم، الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب)، وعن معاذ بن جبلٍ قال: (سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلا وهو يقول: يا ذا الجلال والإكرام، فقال: قد استجيب لك فسل)، والتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا يذهب الحزن والهم، ويزيل الضيق والغم، ويجلب الفرح والسعادة، ويحقق للمؤمن هدفه ومراده، حسب ما شاءه الله وأراده. وتابع: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب أحدا قط من همٍ ولا حزنٍ فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ في حكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي؛ إلا أذهب الله حزنه وهمه، وأبدل مكانه فرحا)، وعندما استقر يونس -عليه السلام- في بطن الحوت لجأ إلى الله وتوسل إليه بالتوحيد والتسبيح، وحدد الله للحوت وجهته، ليلقي على شاطئ البحر وديعته، فألقاه بعدما تاب وأناب، دون أن يمسه بسنٍ أو نابٍ، ولما شعر بالسقم والإعياء أنبت الله عليه شجرة من يقطينٍ، تظله وتحميه، وتطرد عنه كل هامةٍ أو حشرةٍ تؤذيه، واسترد يونس نشاطه وعافيته، ويمم وجهه شطر قومه وكان قد تركهم كافرين؛ فوجدهم جميعا مؤمنين، كل ذلك تحقق بفضل توسل يونس -عليه السلام- إلى الله بالتوحيد، والثناء والتمجيد، يقول الله تعالى: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). أجلّ المطالب وقال الشيخ السادة إن سؤال الله عز وجل الهداية إلى الصراط المستقيم -وهو الإسلام- من أجل المطالب وأشرف الرغائب، وقد علم الله عباده في سورة الفاتحة كيفية سؤاله هذا، وذلك بالتوسل إليه بالحمد والثناء عليه وتمجيده، وعبوديته وتوحيده، ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسأل ربه المغفرة، بيد أنه كان قبل ذلك يتوسل إليه بحمده وتمجيده والثناء عليه، فعن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو إذا قام يصلي من الليل فيقول: (اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حقٌ، والجنة حقٌ، والنار حقٌ، والنبيون حقٌ، والساعة حقٌ، ومحمدٌ حقٌ. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت؛ فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت). إظهار الضعف ونوه إلى أن من التوسل إلى الله تعالى إظهار المؤمن ضعفه وحاجته إلى ربه وافتقاره إليه، وهو دأب الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين، فعندما طلب زكريا -عليه السلام- من ربه أن يرزقه الولد أعلن بين يدي الدعاء التذلل والضعف والرجاء، قال الله تعالى على لسان زكريا -عليه السلام-: (قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا، وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا). وأضاف: عندما طلب أيوب -عليه السلام- كشف ما نزل به من ضرٍ في الصحة وفقد الولد؛ توسل إلى الله الواحد الأحد؛ بإعلان ضعفه وإظهار ما نزل به من ضرٍ وإصابةٍ، فكان جديرا بالإجابة، يقول الله تعالى: (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضرٍ وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين). وأشار إلى أن من وسائل التوسل إلى الله ، الاعتراف بالتقصير في حق من إليه المرجع والمصير، يقول الله تعالى على لسان آدم وحواء -عليهما السلام- : (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وهذا التوسل هو ما علمه الله لآدم -عليه السلام- في قوله عز وجل: (فتلقى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم)، ويقول الله تعالى على لسان موسى -عليه السلام-: (قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم). جريدة الراية القطرية