قال فضيلة الشيخ عبدالله إبراهيم السادة إن المولى عزّ وجل قد أكمل الدين، ببعثه خاتم النبيين، فلا نبي بعده، ولا دين سوى دينه إلى يوم القيامة، ولا كتاب يعمل به غير الذي أنزل عليه، ولا هدي يتبع إلا هديه - عليه الصلاة والسلام-. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها أمس بجامع مريم بنت عبدالله، إن من آمن فلا يسعه إلا الاتباع والإذعان والخضوع لما أنزل على محمدٍ - صل الله عليه وسلم- لا كتب السابقين تغنيه، ولا أهواء البشر تهديه. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أنه أتى النبي - صل الله عليه وسلم - بكتابٍ أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي - صل الله عليه وسلم - فغضب، فقال:" أومتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيةً، لا تسألوهم عن شيءٍ فيخبروكم بحقٍ فتكذبوا به، أو بباطلٍ فتصدقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى - صل الله عليه وسلم - كان حيًا ما وسعه إلا أن يتبعني". أخرجه الإمام أحمد. لقد خشي النبي - صل الله عليه وسلم - على أمته زيغ القلوب، وفساد العقول، وانحراف الفطرة، وتنكب الطريق، وتبديل الدين، قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: خرج علينا رسول الله - صل الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: "آ الفقر تخافون؟! والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبًا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغةً إلا هيه، وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواءٌ". قال أبو الدرداء: صدق والله رسول الله - صل الله عليه وسلم-، تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواءٌ". أخرجه ابن ماجه بإسنادٍ حسنٍ. وأشار إلى أن من أعظم أسباب الزيغ والهلاك عدم الاستسلام لأمر الله -تعالى-، ورفض الخضوع والإذعان والانقياد لأوامره، والاستهانة بحرماته وشعائره، وتقديم أقوال البشر وأهوائهم على قول الله - تعالى- وقول رسوله - صل الله عليه وسلم-. ولا فلاح ولا فوز للعباد في الدنيا والآخرة إلا بتعظيم الله -تعالى- وإجلاله، ولا يكون ذلك بمخالفة أمره. ولفت إلى أن من عظم الله -تعالى- طرح هواه، واتبع الكتاب والسنة، ونبذ ما سواهما، وهذه صفة أهل الإيمان واليقين والتقوى: "إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون، ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون". فإذا جاء الأمر من الله -تعالى- في الكتاب أو السنة فلا مجال للاختيار أو التردد، بل يجب التسليم والانقياد والطاعة: "وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم...) "الأحزاب: 36". ومن أعرض عن ذلك، ولم يتبع ما جاء به الرسول - صل الله عليه وسلم- فإنما حجبه عن ذلك الهوى: "فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين" ومن كان كذلك فهو مستحقٌ للوعيد الشديد، والعذاب الأليم: "فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ" وقال إن من أعظم الضلال الذي تقع به الفتنة والعذاب هو إهمال النصوص الشرعية المعصومة، والمصير إلى العقل القاصر، وتحكيم أهواء البشر في نصوص الكتاب والسنة.وما زاغ أهل الكلام قديمًا إلا لما سلكوا هذه الطريق الخاطئة، ثم تبعهم في هذه الأزمان أقوامٌ كان جل حديثهم عن العقل ومنزلته في الإسلام، فغالوا في تعظيمه وتمجيده، حتى أعطوه السلطة المطلقة في الحكم على الوحي المنزل، تكذيبًا وتأويلًا، وردًا وتحريفًا. وأشار إلى أنه ما دفعهم إلى ذلك إلا هزيمتهم النفسية أمام الحضارة المادية الإلحادية الأوروبية، التي ألهت العقل وأنكرت ما سواه، فحتى يكون هؤلاء العقلانيون متحضرين ومتفتحين لابد أن يحذوا حذو أهل الحضارة في تعظيم العقل، والمغالاة فيه، ولو على حساب النصوص الشرعية، فزاغوا وضلوا، ومنهم من ألحدوا وكفروا، فأنكروا الغيب كله، ولم يؤمنوا بما لم يشاهدوا، وفي هذا يقول قائلهم: "يمكن للمسلم المعاصر أن ينكر كل الجانب الغيبي في الدين ويكون مسلمًا حقًا في سلوكه". ويقرر آخر أن: "البشرية لم تعد في حاجةٍ إلى قيادتها في الأرض باسم السماء، فلقد بلغت سن الرشد، وآن لها أن تباشر شؤونها بنفسها"! وحينما يتكلم هؤلاء الزائغون فإنهم يتكلمون باسم الإسلام، إمعانًا في الإضلال، وإصرارًا على الضلال، إذ يقول أحدهم: "فلقد حرر الإسلام العقل البشري من سلطان النبوة من حيث إعلان إنهائها كليةً، وتخليص البشرية منها". فهل بعد هذا الضلال ضلالٌ؟!. وقال تأملوا كيف يحاولون هدم الإسلام باسم الإسلام!، مشيرًا إلى أن ديننا بكماله وبيانه لم يعطل العقل أو يهمشه، بل جعله مناط التكليف، فلا تكليف إذا فقد العقل، وهو أحد الضرورات الخمس التي جاءت شرائع الإسلام وأحكامه بلزوم الحفاظ عليها، ولكن في الوقت نفسه لم يكن العقل في شريعة الإسلام حاكمًا على الوحي، لأن للعقل حدوده، وأما الوحي فهو منزلٌ من عند خالق العقل، ومن العليم الخبير الذي ذرأ العباد. وهو أعلم بما يصلحهم.فإذا تعدى العقل حدوده وصادم الوحي كانت الهلكة والضلال، وهل طرد إبليس من الجنة إلا لما أخضع الأمر الإلهي لميزان عقله القاصر؟! فضل وهوى، إذ أمره الله - تعالى- بالسجود لآدم، فلم يرتض عقله أن يسجد من خلق من نارٍ لمن خلق من طينٍ، فجادل وامتنع، فحقت عليه اللعنة: "قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نارٍ وخلقته من طينٍ ، قال فاخرج منها فإنك رجيمٌ، وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين". جريدة الراية القطرية