تذكر مسعود بارزاني فجأة انه عراقي، وان المنطقة الكردية التي يتحكم بها مشاركة مع نظيره الآخر جلال طالباني منذ تشرين الاول (اكتوبر) 1991 هي جزء من العراق، وهو الذي كان الي أسابيع قليلة مضت، يعلن بلا حياء أنه لن يسمح لشرطي عراقي غير كردي بالعمل في الشمال، ويصر بصلف علي عدم رفع العلم العراقي الرسمي في المنطقة، ويهدد عرب العراق، القبول بالتقسيم وينسون وحدة العراق والحكم المركزي، وان بغداد أم الدنيا والعراق جزء من الامة العربية، ويتوعدهم بحرب دامية اذا تمسكوا بعراقية كركوك، ولم يكتف بذلك بل انه راح يطالب بضم نصف محافظة الموصل الي اقليمه المشبوه، المعلن من طرف واحد. كل هذه التحولات في مواقفه الانتهازية المتقلبة، حدث لمجرد ان تركيا لوحت مجرد تلويح بانها ستحرك بعض قواتها نحو خط الحدود مع العراق، لملاحقة مسلحي حزب العمال الكردي التركي، الذين وفر لهم مسعود ومحازبوه، الملاذ ومعسكرات التدريب وقواعد الانطلاق في العديد من البلدات والقصبات الكردية، من العمادية في المثلث العراقي التركي الايراني شرقا، الي الخابور علي الحدود مع سورية غربا، مرورا ببامرني وسوارة توكة وسولاف وزاخو وعقرة وفايدة ومخمور والزيبار وبارزان وميركة سور، في الوقت الذي سمح للحزب الكردي التركي بافتتاح العشرات من المكاتب في اربيل ودهوك والسليمانية والمدن الكردية الاخري، وممارسة انشطته العلنية فيها. ومسعود بارزاني معروف بانه مستعد دائما لاداء الخدمة لمن يحتضنه ويحميه ويدعمه، ولا يهمه من يكون الحاضن والحامي والداعم، الاتحاد السوفييتي السابق والحركة الشيوعية، ام شاه ايران، ام الموساد الاسرائيلي والصهيونية العالمية، ام امريكا كيسنجر وبوش والسي آي ايه، وطبعا لا ننسي تذلله وتقربه الي المجرم صدام حسين الذي أغاثه مرات ومرات ابرزها عندما خلصه من غريمه اللدود جلال طالباني في الحادي والثلاثين من آب (اغسطس) 1996 وسلمه مدينة أربيل بعد طرد الجلاليين منها الذين كانوا يسخرون ويتهكمون علي مسعود بالقول: انه لن يتمكن من رؤية اربيل طوال حياته، بل ان جلال في واحدة من تعليقاته القاسية والمعلنة قال: ان ابن ملا مصطفي لن يري اربيل حتي في الحلم، ورسالة مسعود الي صدام بهذا الصدد منشورة وموثقة، وفيها يتوسل بالرئيس السابق نجدته وانقاذ اربيل المدينةالعراقية حسب وصفه من احتلال الحرس الثوري الايراني وعملائه الاتحاديين ويقصد بهم حزب الاتحاد الوطني الكردي. وواضح ان مسعود في حركاته الجديدة ومناوراته المكشوفة بان توغل القوات التركية في المنطقة الكردية بشمال العراق انتهاك لسيادة العراق، مجرد توسلات مفضوحة، القصد منها حمايته مع اسرته وميليشاته من ردود افعال تركيا التي لديها كم هائل من الوثائق والمعلومات الميدانية عما يحيكه البارزانيون ضدها، ولا يمكن للاتراك ان ينسوا أن رئيس ما يسمي ب (اقليم كردستان) وقف قبل شهرين من الآن وهدد تركيا بان قواتها اذا عبرت حدود الاقليم ستواجه مصيرا أسود من البيش ميركة (البطلة) وسننقل الحرب الي عمق تركيا، وتدور الايام قليلا فاذا بهذا النمر الكردي الورقي يتحول بين ليلة وضحاها الي متسول عون وشحات مساعدات لحمايته من البعبع التركي الذي كان الي فترة قصيرة يهدده بالويل والثبور وعظائم الامور اذا تحرش بما يسميها تجربته (الديمقراطية) في شمال العراق. وعلي ذكر الديمقراطية فاننا تجادلنا قبل اسبوعين في برنامج علي قناة الجزيرة مع فؤاد حسين رئيس ديوان مسعود بارزاني وسقنا مثلا واحدا علي مظاهر هذه الديمقراطية المزيفة القائمة علي التسلط والنهب، عندما حكمت محكمة في اربيل علي صحافي كردي بالسجن لثلاثين عاما لانه كتب مقالة عن الفساد المستشري في كردستان، فسرها مسعود انها موجهة ضد عائلته، فاذا بباشكاتب مسعود يتراجع بسرعة في كلامه عن ديمقراطية اقليمه التي صدع رؤوسنا بها قبل قليل، ليقول انه لم يقل ديمقراطية كردستان، وانما المسار الديمقراطي الجديد في كردستان، في محاولة يائسة لتفادي اكاذيبه الديمقراطية، دون ان يعي (الكاكه) ان الجمهور يتابع ويشاهد ويسمع ويسجل. ان المعلومات الواردة من بغداد تفيد بان مسعود واسرته سيهربون من اربيل وصلاح الدين الي المنطقة الخصراء ببغداد، حيث هيأت القصور الستة المخصصة لمسعود وزوج ابنته نيجرفان من ايام بريمر وهي ضمن مجمع(عدم الانحياز) الذي بناه النظام السابق عام 1982 استعدادا لقمة دول عدم الانحياز التي تأجلت بسبب الحرب الايرانية حينذاك، وقصور المجمع تقع علي شط دجلة في منطقة ام العظام، كما اخليت القصور المخصصة لعدد من مساعدي مسعود في مجمع القادسية في المنطقة ذاتها من أمثال روج نوري شاويس وعارف طيفور اللذين انتقلا للاقامة في فندق الرشيد، وكأن التأريخ يعيد نفسه، عندما هرب مسعود ووالده الملا مصطفي واخوه ادريس والد نيجرفان في نهاية آذار(مارس) 1975 الي ايران عقب انهيار حركة التمرد والعصيان التي قادوها ضد الدولة العراقية، ويومها اسكنهم شاه ايران في قصوره الملكية في مدينة (كرج) فيما توزع الاكراد الذين رافقوهم وكانوا بالالاف في مخيمات بائسة يعانون الجوع والحرمان، وقد أمر مسعود الذي كان مسؤولا عن جهاز المخابرات(بارستن) في حينه باغتيال أحد القيادات الكردية التاريخية الشيخ محمد هرسين لمجرد ان الاخير دعا الي اغاثة اللاجئين الاكراد العراقيين في ايران، والقصة معروفة. ان مجريات التاريخ الحديث تؤكد ان الاسرة البارزانية من الشيخ احمد الي الملا مصطفي الي مسعود، كانت علي الدوام ضد العراق، البلد والشعب والسيادة، وكانت تستقوي دائما بأعداء العراق، وليست لديها تطلعات كردية قومية او سياسية، وانما المهم عندها مصالحها الذاتية والعائلية والعشائرية، وهي الآن عندما تلتزم مقاتلي حزب العمال الكردي التركي وتدعمهم وتفرغ لهم قواعد ومعسكرات، فانها لا تنطلق من مفهوم قومي كردي كما يحاول مسعود وجلاوزته تصوير الامر، فقد سبق لمليشياته ان هاجمت الحزب وقائده المسجون عبد الله اوجلان ووصفت الاخير بانه عميل شيوعي ومتمرد في سنوات نهاية التسعينات، وانما الهدف الاساسي من لعبة بارزاني الجديدة هو الهاء الدولتين العراقية والتركية في مشاكل وأزمات واشاعة التوتر الدائم بينهما، ومحاولة دفعهما الي حرب سيكون هو الرابح الوحيد منها، فثمة غصة في بلعوم مسعود ستخنقه في يوم من الايام، لان العلاقات بين الحكومات العراقية والتركية المتعاقبة سواء في العهد الملكي او العهد الجمهوري كانت وثيقة جيدة، ويعرف ايضا ان صلات الشعب التركي مع عرب العراق الذين يشكلون 83 بالمائة من العراق ارضا وسكانا، كانت وما تزال طيبة في ارقي حالاتها، ولم تحدث اي مشكلة بين بغداد وانقرة علي امتداد اكثر من ثمانين سنة، وهذا ما يقلق القيادات الحزبية الكردية في شمال العراق، التي تسعي الي اشغال البلدين الجارين والصديقين في خلافات وصراعات وحروب. واذا كان مسعود وغيره من رفاقه الاكراد يريدون محاربة تركيا فعليهم خوضها بانفسهم، ولا علاقة بالعراقيين وخصوصا العرب والتركمان وسائر الاقليات الاخري بمثل هكذا حرب مفتعلة، فتركيا بالنسبة للعراق بمثابة الرأس، ومنها ينطلق شريان الحياة في العراق (دجلة والفرات) والعراقيون لن ينسوا لتركيا مواقفها الرسمية والشعبية مع العراق، وللتاريخ فان لتركيا موقفين سياسيين الي جانب العراق لا يمكن لعراقي وطني تجاهلهما، اولهما انها رفضت انزال قوات امريكية وبريطانية في اراضيها لتهديد ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 رغم كونها عضوا في حلف بغداد الذي لم تلتزم ببنوده العسكرية، فيما وافق بلدان عربيان، الاردن ولبنان كميل شمعون علي استقبال تلك القوات في حينه، والموقف الثاني تمثل في رفض تركيا ان تكون ممرا لاحتلال العراق في عام 2003 واعلنت ذلك علي رؤوس الاشهاد بلا خوف او تردد، بينما الكويت مثلا قدمت التسهيلات والخدمات والقواعد لقوات بوش وساعدته علي احتلال بلد عربي، وتركيا وليس غيرها هي التي تعاونت مع العراق في انشاء الخط الاستراتيجي لنقل النفط العراقي الي منافذ التصديرعندما بدأ (الاشقاء) مع الاسف يخلطون المصالح العربية المشتركة بدوائر وحلقات الخلافات السياسية الضيقة. ان حزب العمال الكردي التركي له كامل الحق في طرح تصوراته السياسية ومطاليبه القومية والثقافية، فهذا شأن خاص به، ولكن ليس من حقه علي الاطلاق ان يتخذ من الاراضي العراقية منطلقا لانشطته وهجماته العسكرية ضد المناطق التركية، ويتوهم قادته اذا اعتقدوا ان مسعود يساعدهم لسواد عيونهم او تعاطفا معهم، فهذا الرجل وتاريخه يشهدان علي ان مصالحه اولا وعاشرا ومئة، ولا يعنيه اكراد تركيا او ايران، وهو الذي لا يهتم باكراد العراق الذين يعانون منذ تسلطه علي مناطقهم الظلم والجور والاضطهاد واخيرا الكوليرا في عهده الميمون. يونيو 27th, 2014 in آراء ومقالات, الصفحة الرئيسية | التجمع من اجل الديمقراطية