في أعداد سابقة من صحيفة "الجمهور" تناولنا عبر حلقتين في عمود رأي الأوضاع الصحية المتردية لمعظم المرافق الصحية، ومنها مستشفى الجمهورية التعليمي، وفي هذا العدد والعدد القادم من الصحيفة نتناول وبأمانة أوضاع المجمعين الصحيين في مديريتي المعلا والتواهي وهي خدمات لا تسر عدواً أو صديقاً. بالنسبة للمجمع الصحي بمديرية المعلا فقد تم مؤخراً ترميمه وإعادة تأهيله بملايين الريالات من خزينة الدولة، ويضم عدة أقسام تخصصية منها: عيادة لمعاينة المرضى "طب عام" وعيادة الأطفال، والأسنان، وقسم الأمومة والطفولة، وعيادة الصدر، والعظام، والعلاج الطبيعي، إلى جانب قسم الأشعة ومختبر وقسمي رقود مؤقت ومجارحة وصيدلية خاوية على عروشها ومعدات ثمينة وأجهزة طبية متطورة، لم يستفد منها المرضى حتى الآن و 16 دكتوراً عاماً وأخصائياً وجيش جرار من الممرضين والممرضات والخدميين والإداريين والإداريات واثنين مدراء للصحة للمديرية والمجمع ومكاتب وطوارئ وثلاث نوبات، وينطبق المثل القائل (العزومة كبيرة والعشاء قلية)، وهو في تركيبته الإدارية وطاقمه الخدمي يشبه إلى حد ما إدارة شؤون الزير عند دخول المرضى إلى المجتمع للتطبيب، وعند مدخل الباب لوحة مكتوب عليها بخط جميل ورقيق وبالألوان السوسني والأبيض والأزرق، أسعار الخدمة من معاينة وفحوصات وكشف ومجارحة وتطبيب، قرين كل خدمة يقدمها المجمع مبلغ رمزي من المال، وهذا ما لم نشاهده في أي مستشفى أو مستوصف أو مجمع صحي حكومي أو خصوصي. لكن ما يزيد المريض ألماً إلى ألمه الزحمة الشديدة وطبيب أو اثنان للمعاينة وجهاز واحد لقياس الضغط في المجمع برمته وطوابير لا يقوى على الصمود فيها المرافق للمريض فما بالكم بالمريض نفسه!!. أما المختبر فتجري فيه نوعان فقط من الفحوصات وبقية الفحوصات يتم التفاهم بموجبها مع كشك صغير للفحوصات المخبرية وهو خصوصي يقع بجانب المجمع، هذا باختصار للنوبة الصباحية، أما بالنسبة لنوبة الظهيرة فمراعاة للحيز أورد لكم هذه الحادثة التي كنت شاهد عيان عليها حيث قمت بإسعاف مريضة قبل أسابيع مصابة بنزلة برد وبعد وساطة وشراء تذكرة للمعاينة ونتيجة لحالة المريضة تم إدخالها غرفة المعاينة فوجدنا دكتورة وأخرى متطوعة، وتم إهمال الحالة ساعة ونصف والمريضة ممددة على التيتر بحجة معاينة الحالات حسب الأقدمية، وبعد إلحاح شديد لفتت دكتورة إلى المريضة بدون أن تنطق ببنت شفه وتناولت "روشتة" المعاينة ودونت عليها فحوصات ما أنزل الله بها من سلطان، واتجهنا إلى المختبر والمريضة بالكاد تقوى على السير فوجدنا المختبر مغلقاً من الداخل.. طرقنا الباب وتم التجاوب معنا وفتح الباب بصعوبة فوجدنا عدداً من النساء لم نستطع تمييزهن بحكم ارتداء الحجاب والجلابيب، وسألنا عن الفنية المخبرية المناوبة فردين علينا بالإجماع وبلهجة دول الجوار "سكرنا طال عمرش" الحين وقت صلاة المغرب، ولم يتم تناول روشتة الفحوصات وأخبرتهن بالانتظار حتى يفرغن من أداء صلاتهن بعد أن فشلت في إقناعهن بأن العمل هو عبادة فكانت إجابتهن لا توجد محاليل مخبرية للفحوصات، ولكنهن نصحنني بالذهاب إلى المختبر الخصوصي المقابل للمجمع واثنين على مهارته ودقته في الفحوصات وفي زمن قياسي لا يتجاوز النصف ساعة، ولا أخفي عليكم سرا عملت بنصيحتهن واتجهت إلى المختبر وتناولت فنية المختبر روشتة الفحوصات ودارت إلى الطاولة المقابلة وضغطت على الآلة الحاسبة وطلبت 4200 ريال قيمة الفحوصات، التي لا داعي لها حسب ما أكده الدكتور الذي تواجد بالصدفة في الصيدلية الخاصة بجانب المختبر الخصوصي، الذي وصف لنا العلاج وصفة شفوية (فلتارين) "حقنة" وفيتامين، لكنني فهمت أن هناك حالات كثيرة مشابهة لهذه الحالة يتم ابتزاز المرضى وحكاية "الفيفتي ففتي". صباح اليوم الثاني رفعنا شكوى بهذه الحادثة للدكتور خالد هزاع- مدير المجمع الصحي- الذي أشاد بموقفنا الذي أشرنا فيه بالخطأ والتصرف غير المسؤول الذي يرتكبه الطاقم المناوب تجاه المرضى ووعد بمحاسبته، لكننا لم نلمس أي تحسن في الخدمات أثناء ترددنا على المجمع، بل إن شكاوى المواطنين في تزايد والعيب يكمن في عدم وجود إدارة صارمة تقوم بتطبيق اللائحة المعمول بها في المستشفيات الحكومية إلى درجة أن الإدارة تقوم بمراضاة وإقناع الطاقم التمريضي أن يقوم بواجبه دون إلزامه، ولا مكان في المجمع لمبدأ "الثواب والعقاب" ونورد دليلاً على صحة توجيه اللوم من قبلنا لضعف الإدارة وذلك كالآتي: في منتصف عامنا هذا استحدثت إدارة المجمع العمل بالنوبة الثالثة مسائية من الثامنة مساء حتى مطلع الفجر، وبشرت بها صحيفة "الجمهور" مطلع هذا العام أثناء لقاء أجريته مع الأخ عبدالودود مدير الصحة في المديرية والأخ الدكتور خالد هزاع مدير المجمع الصحي اللذين وعدا في اللقاء الصحفي بتقديم خدمات للمرضى تفوق خدمات مستشفيات أوربية بعد الدعم السخي الذي قدمته وزارة الصحة في الترميم وإعادة تأهيل المجمع والأجهزة الطبية والمعدات، ومن ضمن الخدمات استحداث النوبة الليلية لمساعدة المرضى في الأحياء الفقيرة مثل (حي الشيخ إسحاق وحي ردفان وحي كاسترو وحارة الريلة وحي القلوعة) لكنهم باستحداث هذه النوبة ينطبق عليهم المثل القائل: (جاء با يكحلها عماها). في هذه النوبة الليلية طاقم مكون من ثلاثة: الطبيب المناوب وممرض والحارس فقط وجميع الأقسام الأخرى مغلقة بما فيها المختبر الذي يعتبر العمود الفقري للتشخيص، وتتضاعف خسارة ومعاناة المريض عند إسعافه بسيارة (انجيز) من بيته إلى المجمع منتصف الليل، الطبيب المناوب محتار في تشخيص الحالة وخاصة المصاحبة بارتفاع درجة الحرارة، لا يستطيع الطبيب أن يصرف روشتة علاج للمريض دون معرفة أسباب الحمى، هل هي ملاريا، تيفود، ضنك.. الخ". وينصحه بالذهاب إلى طوارئ خور مكسر مستشفى الجمهورية التعليمي أو مستشفى 22 مايو المنصورة، مما يضطر المريض إلى دفع أجرة سيارتين ولسان حاله يقول مع مرافقه (كأنك يا بو زيد ما غزيت) أما إذا كانت الحالة امرأة أو طفل تكون المصيبة أعظم، فلا توجد طبيبة مناوبة مراعاة لخصوصية المرأة ونفس الشيء إذا عالج الطبيب المناوب الحالة لا توجد ممرضة مناوبة للمجارحة وضرب الحقن، ويتم ترحيلها إلى طوارئ خارج المدينة لتتكبد خسارة مماثلة لمن سبقوها.. وعند استفسارنا عن أسباب فشل نوبة الليل بطل العجب، تصوروا إدارة شؤون الزير فشلت في إقناع ممرضة بالتناوب مع أخريات وفقا للائحة المشار إليها سلفا، ولم تجرؤ على إصدار منشور إداري واحد لإلزام ممرضات بالمناوبة وهن كثر، نجدهن مناوبات ملتزمات مهندمات مبتسمات في مستشفيات خصوصية تشفي العليل ويعملن بأجر زهيد، لكن في مقر أعمالهن الحكومية نجدهن في وضع يختلف تماماً وخدماتهن للمرضى ليست بالمستوى المطلوب رغم الحوافز وعلاوة بدل طبيعة العمل والرواتب المجزية، وشعارهن المحبب "شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي". في العدد القادم: الأوضاع المزرية في المجمع الصحي بالتواهي محافظة عدن