في أعقاب انتخابه رئيسا توافقيا للبلاد في فبراير 2012، عول كثيرون على الرئيس هادي حلحلة القضية الجنوبية وإنهاء مطالب الانفصال من خلال اتخاذ بعض الإجراءات الرامية إلى الاستجابة لمطالب الشارع الجنوبي، وخاصة تلك القضايا المرتبطة بالمسرحين من وظائفهم والمتقاعدين من مدنيين وعسكريين على خلفية حرب صيف 1994 الأهلية، وقضايا الأراضي التي نهبها نافذون في حزب المؤتمر ينتمون لمحافظات شمالية وجنوبية على حد سواء. والملاحظ خلال الفترة الماضية أن مطالب الانفصال في الجنوب خفت وتيرتها، لكن لم يتضح بعد ما إذا كان ذلك نتيجة بعض الإجراءات التي اتخذها الرئيس هادي لحل القضية الجنوبية، خاصة وأنها مازالت عبارة عن قرارات ولجان تم تشكيلها ولم يتم تطبيق شيء على أرض الواقع في هذا الإطار، أم أن الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد جعلت فصائل الحراك الجنوبي تؤجل نشاطها إلى أجل غير مسمى. الحراك الجنوبي وخلال مسيرته التي بدأت منذ العام 2007 وحتى الوقت الحالي عادة ما تتخذ أنشطته طابع الموسمية، والاستجابة للتعبئة الإعلامية، وفي كثير من الأحيان تخف وتيرته -كما هو حاصل الآن- لدرجة يعتقد معها المراقب أن الحراك الانفصالي لم يعد له وجود يذكر، لكن سرعان ما يعود زخم الحراك بقوة في بعض المناسبات ذات الارتباط التاريخي بالقضية الجنوبية، مثل ذكرى الوحدة وحرب صيف 1994 وثورة 14 أكتوبر 1963. وتأتي الذكرى الرابعة والعشرون لتحقيق الوحدة هذا العام وقد مرت القضية الجنوبية بالعديد من المحطات الهامة والمؤثرة في مسارها، لعل أبرزها تلك الخلافات المتفاقمة بين فصائل وقيادات الحراك الجنوبي المختلفة، وإنهاء مؤتمر الحوار الوطني الذي حسم مسألة الوحدة الاندماجية التي تمت في مايو 1990 وقسم البلاد إلى ستة أقاليم فيدرالية، ما يعني أن مطالب الانفصال في هذه المرحلة ستبدو كأنها حِراثة في الهواء، خاصة في ظل بروز تحالفات جديدة وتأثيرها على وحدة الحراك الجنوبي بشقيه السلمي والانفصالي المسلح. كما أن ذكرى تحقيق الوحدة هذا العام تأتي وقد قطعت القضية الجنوبية شوطا كبيرا -على الأقل من الناحية النظرية- في تحقيق الكثير من مطالب الحراك الجنوبي، ويتمثل ذلك في صدور العديد من القرارات الجمهورية التي لامست جوهر القضية الجنوبية، بالإضافة إلى اعتذار الحكومة عن حرب صيف 1994 الأهلية. قرارات متأخرة لم يصدر الرئيس هادي أي قرار يتعلق بالقضية الجنوبية خلال العام 2012، وربما يعود ذلك للانشغال بعملية تقاسم السلطة، والتهيئة لمؤتمر الحوار الوطني، وحل الأزمات المتعلقة بحياة المواطنين مباشرة رغم أنها مازالت قائمة، مثل انعدام النفط والغاز وانقطاعات الكهرباء الطويلة والمتواصلة، وتردي الوضع الأمني والاقتصادي. كما أنه في ذلك الوقت اشتدت وتيرة الحراك الجنوبي بشكل يبدو معه أن أي قرار يصدر في تلك الفترة بخصوص القضية الجنوبية أو أي معالجات فعلية ليس من الممكن تهدئة الغضب الذي اشتعل فجأة بعد تسلم الرئيس هادي للسلطة لاعتبارات تاريخية بين الجنوبيين أنفسهم تعود إلى العداوات التي ترسخت بين تياري الزمرة والطغمة والتي توجت بأحداث 13 يناير 1986 الشهيرة. إلا أنه وخلال العام 2013 صدرت العديد من القرارات الجمهورية المتعلقة بالقضية الجنوبية، وقد يكون لهذه القرارات، التي مازالت حبرا على ورق، دور في تهدئة وتيرة الغضب في الجنوب، لكن من المؤكد أن هناك كثيرا من الأسباب التي أسهمت في خفوت وتيرة الحراك الانفصالي وأعمال العنف التي تطال المواطنين الشماليين العاملين أو المقيمين في المحافظات الجنوبية والشرقية، وقد ذكرنا في السطور السابقة بعض الأسباب المحتملة. كانت أول القرارات المتعلقة بالقضية الجنوبية القرار رقم (2) لسنة 2013 الذي أصدره الرئيس هادي بتاريخ 8 يناير 2013، والذي قضى بإنشاء وتشكيل لجنتين لمعالجة قضايا الأراضي والموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري في المحافظات الجنوبية. هذا القرار فقد فحواه بعد أن أصدر الرئيس هادي، في 17 مارس 2013، قرارا باعتبار شهداء الثورة السلمية من المدنيين الذين سقطوا العام في العام 2011 «شهداء الوطن»، واعتماد رواتب لهم وللجرحى الذين أصيبوا بإعاقات. ونص القرار، الذي تزامن مع الذكرى الأولى لمجزرة جمعة «الكرامة»، على أن توفر الحكومة الرعاية الصحية للمصابين ومعالجتهم في الداخل أو الخارج بحسب طبيعة الإصابة. فقد اعتبر قادة في الحراك الجنوبي حينها أن هذا القرار بمثابة أولى العقبات لإغلاق الباب أمام الحوار الوطني، وأنه قرار تشطيري جاء من أجل ثوار صنعاء وأغفل شهداء النضال السلمي في الجنوب وبقية المناطق. تهديد فصائل الحراك الجنوبي بعدم المشاركة في الحوار الوطني دفع الرئيس هادي إلى العودة إلى الإلمام بالقضية الجنوبية، ووجه الحكومة، في 8 يوليو 2013، بسرعة تنفيذ ما لم يتم تنفيذه من النقاط العشرين التي أقرتها اللجنة الفنية للإعداد والتحضير لمؤتمر الحوار والنقاط الإحدى عشر التي أقرها فريق القضية الجنوبية على أن تتولى الحكومة البحث عن التمويل الكافي للاستحقاقات المترتبة على التنفيذ وذلك عملا بما ورد في الفقرة (27) من الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية. وتضمنت توجيهات هادي في ختام الجلسة العامة الثانية للمؤتمر بان تتولى الحكومة الإشراف على تنفيذ ما تبقى من تلك النقاط، والتي تتضمن الاعتذار الرسمي للجنوب وصعدة. وجاءت توجيهات هادي في استجابة متأخرة لمطالب مؤتمر الحوار، وإنقاذا لمؤتمر الحوار من التوقف في منتصف الطريق، والخشية من أن يتسبب ذلك في انهيار مؤتمر الحوار بشكل كامل. إعادة ضباط إلى أعمالهم في منتصف سبتمبر 2013، أصدر الرئيس هادي قرارات رئاسية قضت بإعادة 785 ضابطا جنوبيا إلى أعمالهم من الضباط الجنوبيين المبعدين قسرا في المؤسستين العسكرية والأمنية. وفد لقيت هذه القرارات ترحيبا واسعا لدى النخب السياسية والقيادات الحزبية والمدنية والشبابية الذين رحبوا بتلك القرارات وأشادوا بها باعتبارها خطوة إيجابية في إعادة بناء الثقة في الشارع الجنوبي وتهيئة الأجواء لمخرجات الحوار الوطني. كما رحب عدد من الضباط الجنوبيين المبعدين قسرا والمعادين إلى أعمالهم وفقا للقرارات الرئاسية الأخيرة، وطالبوا وزارة الدفاع بوضع آلية تضمن إعادتهم إلى أعمالهم وفقا لتخصصاتهم ومؤهلاتهم ومواضعهم السابقة. وفي 8 أكتوبر أصدر الرئيس هادي قرارا بتعيين رئيسة لما أسماه صندوق رعاية أسرى وجرحى الثورة الشبابية والحراك السلمي. معالجة قضايا الأراضي في 11 نوفمبر 2013، أصدر الرئيس هادي القرار رقم (63) لسنة 2013م باعتماد توصيات لجنة نظر ومعالجة قضايا الأراضي في المحافظات الجنوبية المشكلة بقرار رئيس الجمهورية رقم (2) لسنة 2013 بإنشاء وتشكيل لجنتين لمعالجة قضايا الأراضي والموظفين المبعدين عن وظائفهم في المجال المدني والأمني والعسكري بالمحافظات الجنوبية. وفي 9 ديسمبر 2013، أصدر الرئيس هادي القرار الجمهوري رقم (253) لسنة 2013 بإنشاء صندوق تعويضات أصحاب قضايا الأراضي التي تم الاستيلاء عليها والموظفين الذين تم إبعادهم من وظائفهم في المجال المدني والمجال الأمني والمجال العسكري في المحافظات الجنوبية منذ يوليو عام 1994م. ويهدف الصندوق وفقا للمادة (4) منه إلى تعويض أصحاب قضايا الأراضي والموظفين المبعدين عن وظائفهم والمستحقين للتعويض في المحافظات الجنوبية طبقا للمعالجات والقرارات الصادرة عن لجنتي نظر ومعالجة قضايا الأراضي ومعالجة قضايا الموظفين المبعدين من وظائفهم في المجال المدني والمجال الأمني والمجال العسكري المشكلتين بموجب قرار رئيس الجمهورية رقم (2) لسنة 2013. وتعرض الآلاف من الموظفين المدنيين والعسكريين للفصل من وظائفهم بعد حرب صيف 1994 الأهلية. كما استولى العشرات من النافذين المقربين من المخلوع صالح ومسؤولين بالدولة على آلاف الهكتارات من الأراضي المملوكة للدولة والمواطنين وعقارات المؤسسات الحكومية والمدنية بالقوة. وكان الرئيس هادي شكل لجنتين رئاسيتين للنظر بقضايا وتظلمات المواطنين في الأراضي وكذا المفصولين من أعمالهم بعد أن رفعت له لجنة الحوار الفنية النقاط العشرين التي كانت تمهيدا ومقدمة للحوار الوطني والتي أتت تلك النقاط بعد أن تقدم الحزب الاشتراكي ب 12 نقطة كتهيئة للحوار من ضمنها معالجة كافة آثار الحرب على الجنوب وعودة المبعدين من أعمالهم ومعالجة قضايا الأراضي والاعتذار عن تلك الحرب من قبل كل من شارك فيها. إلغاء أحكام وفي أواخر شهر أبريل الماضي وافقت الحكومة على قرار خاص بإلغاء الأحكام الصادرة بحق القادة الجنوبيين. وفي حين اعتبرت قيادات في الحراك الجنوبي أن القرار لا يشكل أي أهمية، يرى مسؤولون ومحللون سياسيون أنه سيكون له أثر بالغ بمسار القضية الجنوبية. واحتوت مسودة القرار على خمس مواد تضمنت إسقاط كافة الأحكام الصادرة بالإدانة والعقوبات الجنائية والسياسية المنسوبة للقيادات الجنوبية جراء حرب صيف 1994، واعتبار جميع تلك الأحكام كأن لم تكن. كما تقضي بالعمل على تأمين عودة جميع القيادات الموجودة بالخارج وتمكينها من مباشرة كافة حقوقها الدستورية والسياسية والمدنية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة خاصة لمعالجة كافة القضايا والحقوق المادية والمعنوية للمشمولين بأحكام القانون. وكانت محكمة استثنائية شكلها الرئيس المخلوع صالح عام 1997 قد قضت بإعدام خمسة من قيادات الجنوب على خلفية حرب 1994، أبرزهم النائب السابق لرئيس دولة الوحدة علي سالم البيض، ورئيس الوزراء السابق حيدر أبو بكر العطاس، كما قضت المحكمة بسجن ثمانية قادة جنوبيين وبرأت اثنين آخرين. وقال فارس السقاف مستشار الرئيس هادي إن القرار جاء ضمن مخرجات الحوار الوطني، وقد سبقه الاعتذار للجنوب. وكان لابد أن يتبع ذلك مثل هذا القرار بحيث لا تبقى أي أحكام قضائية تتعلق بقادة الجنوب، معتبرا ذلك تمهيدا لعودة أولئك القادة ومزاولة العمل السياسي وربما تولي مناصب قيادية بالدولة. وأكد السقاف -في حديث للجزيرة نت- أن مثل هذه القرارات تدل على جدية الرئيس هادي والدولة في تنفيذ الحلول الخاصة بالقضية الجنوبية، والمتمثلة في النقاط العشرين وال11 التي تمخض عنها الحوار، وضرورة إنجازها بأسرع وقت. وتوقع السقاف عودة بعض القادة الجنوبيين من الخارج، مشيرا إلى أن الرئيس هادي لا يريد إقصاء أحد أو معاقبته بسبب أخطاء الفترات السابقة، وأنه يسعى لفتح صفحة جديدة يسهم فيها الجميع ببناء اليمن الجديد دون أخطاء. ويرى مستشار الرئيس أن دعوات الانفصال ستتلاشى تدريجيا في مقابل ما يتم إنجازه من حلول للقضية الجنوبية على أرض الواقع. الأمر الذي سيجعل الجنوبيين يثقون بإمكانية تحقق مطالبهم بغير طريق الانفصال. الخلاصة، لا أحد يمكنه التكهن بمآلات القضية الجنوبية، خاصة في ظل حالة الضعف والهشاشة التي تمر بها الدولة، كما أن فترة الركود التي يمر بها الحراك الجنوبي ليست مؤشرا على خفوت صوت الحراك، والقرارات التي أصدرها الرئيس هادي لن تكون مؤثرة ما لم يتم تنفيذها على أرض الواقع، ولا ننسى أن هناك دعوات من قبل بعض فصائل الحراك لإحياء ما يطلقون عليه "ذكرى فك الارتباط" التي تتزامن مع الاحتفال الرسمي والشعبي بذكرى تحقيق الوحدة الوطنية.