أنقسم مجلس النواب اليوم الاثنين انقساماً حاداً بعد أن تأكد لهم أن نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع لن يحضر. وفي الجلسة التي أدارها الشيخ حمير الأحمر نائب رئيس المجلس لمدة 50 دقيقة فقط، تحدى سلطان البركاني القاعة أن تصوت لصالح تشكيل لجنة للتحقيق في حادثة أبين، وعندما رفع أعضاء المجلس أيديهم مؤيدين فكرة إرسال لجنة، نهض سلطان من مكانه مستفزاً ويتحدى: "أنا أتحداهم يشكلوا لجنة، أنا أتحداكم، أنا أتحداكم" وأصبعه تذهب إلى أذنه. لكن الشيخ حمير الأحمر نائب رئيس المجلس الذي بدا في زنقة حقيقية، بين أغلبية ساحقة رفعت أيديها لتشكيل لجنة خاصة، وصوت رجل يصيح من أقصى اليمين: "هه أنا أتحداهم يشكلوا لجنة أتحداهم"، تجاسر في الأخير وقال هذه الجملة مضطراً: "سنشكل لجنة والذي ما يعجبوش البحر الأحمر قريب". لكنه استدرك: "هيئة الرئاسة تجتمع وتشكل اللجنة هي".
أما سلطان البركاني الذي خذلته الكتلة، فقد أختط طريقه مغادراً وسط الفوضى التي عمت القاعة، وهو مقهور لما صنعه حمير. كان سلطان يرى أن يتخذ قراراً حاسماً وملزماً لنائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع الحضور إلى المجلس بصورة عاجلة غداً، لكنه لم يجد أي مساندة من أشخاص أقوياء.
توترت الأعصاب داخل قاعة البرلمان اليوم، وحاول سلطان البركاني أن يتماسك وأن يواجه القصف بمفرده، في بداية الجلسة كان الجميع ينتظرون مجيء الدكتور رشاد العليمي بناءً على قرار المجلس أمس وكان مقعده على رأس الصف الأول لا يزال شاغراً. لكن كان على النواب بعد ربع ساعة أن يسمعون الحقيقة بأن نائب رئيس الوزراء اعتذر عن الحضور إلى أن ينتهي من كتابة التقرير. فقد قال لهم الشيخ حمير بأن رئيس المجلس أبلغه الصباح اعتذار العليمي عن الحضور بسبب عدم اكتمال التقرير.
وهنا كان على نائب رئيس مجلس النواب الشيخ محمد علي الشدادي أن يهبط من على المنصة إلى المنبر ويعلن تعليق عضويته في البرلمان بسبب تجاهل الحكومة "لما حصل لأطفالنا ونساءنا في المحفد". قال الشدادي وقلبه يعتصر ألماً: "إنني لا أستطيع أن أتحمل قتل الأطفال أيها الزملاء". وأضاف: "لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة غير جادة".
غادر الشدادي القاعة مباشرة، وفي الحال وقف سالم منصور حيدره النائب عن مديرية خنفر أبين، هو الآخر ليقول: "إن الأوضاع أيها الإخوة على وشك أن تتفجر، وعليكم أن تعلموا أن المحافظات الجنوبية اليوم مجتمعة في المحفد".
وأضاف سالم منصور حيدره بأنه تأكد أن مجلس النواب لن يعد قادراً على فعل شيء. كان سالم حيدره غاضباً، واتهم هيئة الرئاسة بأنها هي التي تضعف دور مجلس النواب "ومعها بعض من الإخوة الأعضاء المؤتمرين في القاعة". شدد سالم منصور حيدرة على ضرورة تشكيل لجنة على الأقل لامتصاص غضب المواطنين في أبين، وقال: "إنه إذا لم يتم تشكيل لجنة فإنني أعلن تعليق عضويتي في هذا المجلس".
لم تعد الأوضاع طبيعية أبداً. وحتى رئيس مجلس النواب نفسه اليوم، جاء إلى ساحة البرلمان ثم غادرها مباشرة على إثر مكالمة هاتفية تلقاها وهو نازل من سيارته للتو. والأرجح أنها مكالمة رئاسية، لكن كان على أعضاء المؤتمر الشعبي العام اليوم أن يقولوها بالفم المفتوح داخل القاعة. قال عبدالعزيز جباري: "إن سلطان البركاني، للأسف الشديد، أحد الأسباب الرئيسية في إضعاف البرلمان". ومن المقعد المجاور قالها عبده محمد بشر بالفم المليان: "على الرئيس إذا أراد أن يحافظ على البلاد في يده أن يطرد البطانة التي حوله والتي توهمه أن الأمور تسير على ما يرام".
وطالب عبد الكريم جدبان، النائب المعروف عن مديرية رازح بصعدة بحل البرلمان لأن اليمن صارت على حافة الهاوية". وبدوره النائب علي اللهبي، أيدَّ اليوم، على خلاف أمس، تشكيل لجنة خاصة من الشخصيات الوطنية للتحقيق في حادثة القصف الجوي في أبين. وقال: "إن قتل الأطفال لا يجوز يا رجال".
ورغم أن المعارضة غائبة بشكل كامل، إلا أن صوت النواب المستقلين كان عالياً. فالشيخ علي عبد ربه القاضي رئيس كتلتهم لا يزال يطلق تحذيراته الوطنية منذ عشرة أيام: "المؤتمر الشعبي العام يسير بالبلاد إلى جهنم". وكان الأسبوع الماضي يناشدهم بالله وبوطنيتهم: "أن لا يدفعوا بالأمور إلى مزيد من التأزم، وأن تتوصلوا إلى حل مع أحزاب المعارضة. واليوم قال الشيخ علي عبد ربه القاضي: "على الذين يظنون أنهم يستقوون بالدولة أن يتأكدوا بأن الشعب أقوى".
وكرر النائب صخر الوجيه دعوته بإرسال لجنة للتحقيق فيما حصل للمواطنين في أبين. وقال صخر الوجيه بالحرف الواحد: "أنا أدين سلطان البركاني الذي يؤيد قتل الأبرياء" في إشارة إلى ما حصل بينهما في ملاسنات في جلسة أمس (الأحد).
واجه سلطان البركاني اليوم هجوماً مكثفاً من داخل كتلته ومن خارجها، وعندما وقف يعقب على عبدالعزيز جباري قال: "أيها الإخوة لا تحملوا سلطان البركاني أكثر مما يحتمل". ورداً على اتهامات جباري له بإضعاف دور مجلس النواب قال البركاني مخاطباً جباري: "أنت تعلم وأنا أعلم والكل يعلم والله يعلم". وأضاف مؤكداً لجباري "إنني بريء من الفساد والفاسدين ولكن يا عبدالعزيز كأنك تقول كاد المسيء أن يقول خذوني".
الجدير بالذكر ان سلطان البركاني يدعم بقوة حضور الحكومة أو من يمثلها إلى البرلمان للتوضيح حول ملابسات الحادث والأخطاء التي حصلت، وقال في جلسة اليوم "يجب أن يتخذ البرلمان اليوم قرار قوي ويرسل رسالة مكتوبة وملزمة إلى مجلس الوزراء لحضور نائب مجلس الورزاء غداً" متهما سكرتارية المجلس بالشغل على مزاجها كونها لم تنقل وقائع جلسة الأمس التي خصصت لهذا الغرض في المحضر بصورة شاملة. وقال "إن هذه السكرتارية عمياء، ويجب أن تحاسب". وكان النواب أعترضوا على محضر جلسة أمس كونه لم يذكر تفاصيل الجلسة على الإطلاق، وإنما اكتفى بالقول "إن المجلس عقد جلسة خاصة لمناقشة موضوع أبين".