تأتي الذكرى ال 49 لاستشهاد الزبيري ولها وقعها الخاص لا سيما والإمامة التي ثار في وجهها تطل برأسها باحثة عن بقايا أفكار مقيتة نبذها الشعب اليمني وقدم كل التضحيات في سبيل الخلاص منها. نحتفي بهذه الذكرى برغم كل محاولات التهميش والتنكر التي سلكتها قوى التخلف التي فقدت هيمنتها وقداستها الوهمية ظناً منها أن ذلك سيطمس تاريخ الزبيري ودوره النضالي؛ غير أن الرجل بتاريخه الناصع وعبقه المتجدد بقي حياً في وجدان كل حر, وظل علماً من أعلام التحرر والنضال.
فالزبيري يحتل مكانة بارزة في تاريخ اليمن المعاصر، على الصعيدين النضالي والأدبي.. مكانة لا يمكن نسيانها أو تجاهلها لأنها تنطلق من دوره النضالي والسياسي، إذ كان في طليعة المناضلين والثوار، وفي مقدمة المعارضين للحكم الإمامي البغيض.
أما على الصعيد الأدبي، فالزبيري يعد من أبرز المساهمين في حركة الإحياء الثقافي والشعري في اليمن، ما جعله يستحوذ على اهتمام الأدباء والدارسين والساسة والمثقفين الذين اتجهوا إلى دراسة شخصيته الفذة، وإنتاجه الأدبي، وأجمعوا على أنه قد نال الحظ الأوفر في توجيه مسيرة الشعر الحديث في اليمن.
ولئِن كانت حياة الرجل النضالية والثورية قد أسهمت بشكل كبير في تفجير ثورة 26 سبتمبر 1962 وخلَّصت الشعب اليمني من قبضة الحكم الإمامي فإن دوره في خلق حركة نقدية وأدبية لا يقل أهمية عن ذلك، فلقد كانت بصماته واضحة في هذا المجال، وكان لفكره التحرري وشعره الإحيائي فضل في تحريك المياه الراكدة في حركة النقد، تجلى ذلك في الدراسات والمؤلفات والبحوث والمقالات التي درست سيرته وشعره.
هذا الكم الهائل من الدراسات والبحوث تخللته صراعات وسجالات من قبل عدد من الكتاب الذين اختلفوا حول شعره لاسيما قصائده الموجهة نحو الأئمة, ودخل بعضهم معترك الصراع بقصد النيل من الزبيري وتاريخه؛ لكن ذلك لم يقلل من شأنه وإنما زاد من رصيده ومكانته.. ازداد رفعة وتألقاً وشهرة، وتحول إلى رمز عظيم، وأصبح شعره محوراً مهما من محاور الحركة النقدية اليمنية, أكد ذلك تلك العناوين التي كان الزبيري فيها: شاعر اليمن, شاعر الحرية, الشاعر الناقد, شاعر الوطنية, أديب اليمن الثائر, رائد التجديد الشعري... إلى آخر تلك المؤلفات التي كان الزبيري وشعره ونضاله عنوانها ووجهتها.
إن الأجيال التي تلت ثورة 26 سبتمبر عاشت مع الزبيري وتنورت بأفكاره وارتوت من معينه العذب واستمدت من شعره كل معاني الإباء والتضحية.. وهاهي أجيال اليوم تتذكر حجم التضحيات التي قدمها الزبيري ورفاقه من الثوار الأحرار الذين أزاحوا ركاماً من الظلم والظلام.. تتذكرها وهي مصممة على إكمال مسيرة الأحرار نابذةً خلف ظهرها كل أشكال التخلف والعنصرية المقيتة.