كتبنا مرة أن شعارات ولافتات الصرخة الحوثية لن تصير جريمة، ولا سبباً لاتهام أصحابها بالإرهاب محلياً ودولياً إلا إذا تنباها الإصلاحيون وجعلوها عادة لهم عقب كل صلاة، ورفعوها في كل نشاط سياسي واجتماعي، ورسموها على الجدران والبيوت، وعلى اللافتات القماشية، وفي صفحات الجرائد وعلى واجهات المواقع الإلكترونية.. حينها فقط سوف ينتفض كثيرون ويرون فيها مظهراً للتشدد والانغلاق، وتهديداً للوحدة الوطنية بين المسلمين واليهود والنصارى! وخيانة لمبادىء التسامح والشراكة الإنسانية، وتأجيجاً لأعمال العنف والتطرف ضد الآخر! وسنقرأ عن ألف نشاط احتجاجي لمنظمات المجتمع المدني والحقوقيين الذين سيشكلون حواجز بأجسادهم لحماية الأمريكان في سفارتهم، واليهود في استراحتهم.. وسنقرأ عشرات البحوث التأصيلية التي تحرم الإساءة لأهل الكتاب المستأمنين والذميين، أو لعنهم والحث على كراهيتهم! واليوم تتأكد لنا على الأقل صحة ذلك الأمر؛ فهذا التأييد – أو الدعممة في أقل الحالات- اليساري الماركسي، القومي، التقدمي، الحداثي، الليبرالي، المؤتمري، العلماني، الحراكي، الصوفي الذي واجهوا به التمدد الحوثي المسلح في سبع محافظات حتى الآن يشير إلى أن هؤلاء المذكورة صفاتهم لن يغيروا من حالهم هذا إلا إذا أعلن الإصلاح انضواءه في المسيرة القرآنية مع الحوثيين، واعتماد ملازمهم منهجاً فكرياً له، ومبايعة السيد وإخوانه حكاماً على اليمن، ولو أدى الأمر إلى إعادة دولة المملكة المتوكلية اليمنية، والاعتذار لبقايا بيت حميد الدين، وإعادة ممتلكاتهم ومنازلهم! وتخيلوا الآن ماذا سيكون موقف المؤيدين والمدعممين من أتباع الأصناف المذكورة تجاه ذلك! اليسار بكل أصنافه سينتفض تحت شعار "الجمهورية أو الموت".. والحوثة سيتحولون عندهم إلى ملكيين وعملاء يكفرون الجمهورية! وستتحول كل المقايل اليسارية إلى بؤر تحريض وتحشيد لمواجهة الحوثيين وحلفائهم الإصلاحيين! وألف ناشط وناشطة سوف يتجولون على السفارات الغربية والمنظمات الحقوقية الدولية للتحذير من ردة الحوثي وخطره على الدولة المدنية، والديمقراطية! وسيحيون الأدبيات القديمة كالأغاني الوطنية، وتصير أغنية "جمهورية ومن قرح يقرح" أيقونة اليسار.. ويعاد طبع أشعار الثورة بالفصحى والحميني، ورواياتها وقصصها في كل مكان! وكما لعن الحوثة اليهود وأمريكا وتمنوا لهم الموت فلن يكون مستغرباً أن نسمع الليبراليين والحداثيين وهم يهتفون في كل مناسبة: الموت للحوثيين.. الموت للإصلاحيين.. ألف سلامة على اليهود وإسرائيل! الحراكيون سيسحبون تأييدهم للحوثة، بعد أن اتضح لهم أنهم والإصلاحيين وجهان لعملة شمالية واحدة!
**** الثورة الشبابية الشعبية نفسها ستستعيد حضورها في كتابات قوى الثورة التي صارت تخجل منها، وتتبرأ من مشاركتها فيها، ولا تكاد تتحدث أو تدافع عنها، ومنهم من صار في مربع المخلوع يرتزق باسم مواجهة الخطر الإصلاحي؛ حيث يمكن بسهولة ملاحظة أن الإصلاحيين هم الوحيدون أو الأكثر دفاعاً عن الثورة، والتبشير بحتمية انتصارها رغم كل المشاكل والعقبات.. أما إذا انقلب الحال، وتبرأ الإصلاحيون من الثورة الشعبية فتخيل ولا حرج ماذا سيحدث! حتى جماعة المخلوع بالثورة سيتصدرون المشهد الثوري الجديد، ويمنحون الثورة شهادة إيزو في البراءة والعظمة، ويعترفون لها بأنها أيقظتهم من الغفلة التي كانوا عليها، ونبهتهم للمظالم التي ساموها الشعب، وأنه لولا الثورة لماتوا على جرف هار من النار! وحدثوا ولا حرج عن الندوات المؤتمرات التي ستنعقد للحديث عن الربيع العربي وإنجازاته، والتي سيكون نجمها الأكبر عبده الجندي وأحمد الحبيشي وضاحي خلفان شخصياً أعزكم الله!
**** هل تريدون دليلاً على معقولية هذه النظرية؟ هل لاحظتم قبل فترة عندما انقلب فجأة الإعلام المخلوعي والحوثي مؤيداً للرئيس هادي بحجة دعمه في مواجهة الإصلاح وعلي محسن متهمين هؤلاء الأخيرين بأنهم يشنون حملات إعلامية ضد هادي.. ونسوا كل حملاتهم ضد الرئيس هادي وأولاده، ومخطط الأبينة وتمكين الزمرة للانتقام من الطغمة، وخيانة الرئيس الصالح سابقاً في جريمة النهدين عندما تغيب فلان زعطان عن صلاة الجمعة، جريمة تفكيك الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، وإقصاء القادة المهنيين الذين تصادف أنهم كلهم من قبيلة واحدة وطائفة واحدة وأسرة واحدة! ثم عادت حليمة ومسعدة لعادتها القديمة للتشنيع على.. المهم لاحظوا الارتباط العكسي بين تأييدهم لهادي وسلطته عند ظهور إشاعة فقط عن وجود خلافات بينه وبين الإصلاح وعلي محسن.. وبين عدائهم له إن وجدوا أنه لا مشكلة بينهم! وهكذا لو أردنا أن نحافظ على الوحدة اليمنية مثلاً فالحل هو إقناع الإصلاح بتبني خيار الانفصال والدعوة إليه بوصفه خياراً سياسياً.. وحينها فعينك لن ترى إلا.. فيضانات التأييد للوحدة.. وهتافات: وحدة.. وحدة. والوحدة أو الموت تتردد من جبال الضالع وردفان ويافع إلى سهول حضرموت وكهوف صعدة! وسيصير الحكم المحلي واسع الصلاحيات مؤامرة أطلسية، والفيدرالية خطة رجعية! أما الحديث عن هوية جنوبية وتاريخ جنوبي خاص فهو الخيانة الكبرى التي يستحق أصحابها الموت! ولو أرادت الدولة أن ترتاح من حملات الإعلام ضدها بسبب انقطاع الكهرباء، وانعدام المشتقات النفطية، وتطاول طوابير البترول فليس هناك من سبيل سهل إلا أن يفعل الإصلاح كما يفعل غيره من المشاركين في الحكومة والسلطة.. ينقلب إلى معارض شرس، ويشن حملات لا تبقي ولا تذر ضد وزارة النفط ووزارة الكهرباء (بعد استقالة الأكوع).. وحينها فقط سوف نقرأ ونسمع من يتحدث بعقلانية وموضوعية عن الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن وخاصة بعد 33 سنة من الفشل العفاشي في تأمين خدمة كهربائية مناسبة.. وسيجد وزير الكهرباء الجديد غير الإصلاحي من يبرر انقطاعات الكهرباء بأنها أمر اعتيادي موجود حتى في أمريكا والصومال.. وسيتفرغ الجميع لإثبات أن الوزير لا يتحمل المسؤولية عن الانقطاعات وتخريب خطوط الكهرباء.. وسنجد ناشطين وناشطات يتغزلون في الشموع والفوانيس التي تذكر الشعب بالأصالة والتراث والتقاليد.. ومعها الرومانسية والحب العذري اللا كهربائي! انعدام البترول والمشتقات النفطية لن يصير كارثة.. بل وسيلة لتعليم الصبر والنظام، وسنسمع الحراكيين يقولون إن الطوابير من تراث الجنوب، وأن الذين يكرهونها يسيئون للجنوبيين في هويتهم وتاريخهم الذي عاشوه في الطوابير وبالطوابير وعلى الطوابير ليس من أجل دبة بترول بل من عدة حبات من البصل والبطاط! ولو حدث ما طالب به الأستاذ زيد الشامي من إعادة النظر في العلاقة بين الإصلاح والمؤتمر.. فيا داهية دقي.. سوف يعود المخلوع كما كان في نظر الحوثة والاشتراكيين وأمثالهم أساس مصائب اليمن القديمة والجديدة.. وسينسحب الكتاب الحوثة واليساريون من الكتابة في صحف المخلوع، فهم مثل الفريك ما يحبش الشريك مع المخلوع! وسيخرج حية اللقاء المشترك السابق لينظر في تاريخ العلاقة مؤكداً أنه تأكد أخيراً أن علي صالح وحزبه لا ينفع معهم النصيحة والمحاضرات عن الدولة المدنية التي ظن أن صالح اقتنع بها بعد أن زاره في ذكرى عيد ميلاده!