(لا الزيف يصبح حقيقة لأن قوة كبيرة تقف وراءه، ولا الحقيقة تصبح زيفا لأن أحدا لم يرها)..مهاتما غاندي. حين يعجز الظلمة والمستبدون عن مواجهة الحقيقة، والرد على الحجة بالحجة، والبينة بالبينة، والدليل بالدليل، يلجأون كالعادة إلى تلفيق التهم والافتراءات لصاحبها بالجنون والسحر. والثابت أن كل من يتهم غيره بالاضطراب النفسي والاختلال العقلي فاعلم أنه يخاف من انكشاف أمر خطير وكبير تورط فيه حقا، ويخشى أن يطلع عليه الناس وينكشف لهم شناعة وبشاعة ما قام ويقوم به من ظلم ومن ممارسات مخزية ومخجلة وصادمة. ثمة وقائع يصعب تصديقها، بالرغم من أنها حصلت بالفعل، لأن العقل الباطن للناس رسم عن المتهمين صورة مثالية يصعب معها أن يصدقوا بأن فلانا الأستاذ والقدوة ممكن أن يأتي بمثل تلك الأفعال المشينة. فعقلهم الباطن يرفض أن يقبل تصديق ذلك، مع أن الأمر حدث حقا وفعلا وواقعا. وينسى هؤلاء أن القرآن الكريم حدثنا عن موسى عليه السلام بأنه قتل رجلا، وبأن يوسف الصديق هم بارتكاب الفاحشة، وأن أبونا آدم عصى ربه فغوى. أسلوب اتهام قائل الحقيقة بالاضطراب النفسي والاختلال العقلي قديم قدم الزمن، وفي هذا قال تعالى ( كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون (52)( (الذاريات). فتلك مقولة الأمم المكذبة لرسلها على مر العصور، يتهمون رسلهم بالسحر والجنون والكذب والافتراء، فقد قال قوم نوح - عليه السلام - عنه: (إن هو إلا رجل به جنة) المؤمنون: 25). وقال الله عنهم أيضا: (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) (9)( (القمر). وقوم عاد قالوا عن نبي الله هود عليه السلام: (إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء). هود: 54). وقوم ثمود قالوا لنبي الله صالح عليه السلام: (قالوا إنما أنت من المسحرين) (153 (الشعراء). وقال قوم موسى - عليه السلام - عن نبيهم: (ساحر كذاب) (غافر: 24). وقال عنه فرعون: (وقال ساحر أو مجنون) (39) (الذاريات). ويؤكد هذا قول الشيخ سيد قطب معلقا على هذا الحال: "فهي طبيعة واحدة للمكذبين؛ وهو استقبال واحد للحق وللرسل يستقبلهم به المنحرفون.. كأنما تواصوا بهذا الاستقبال على مدار القرون، وما تواصوا بشيء إنما هي طبيعة الطغيان وتجاوز الحق والقصد تجمع بين الغابرين واللاحقين".
