نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(تحقيق-2): النفايات السامة تحصد التهاميين.."إبادة مسكوت عنها"
رغم تهديد السلاح وصلت "المنتصف" إلى ما عجز عنه فريق حماية البيئة
نشر في المنتصف يوم 01 - 02 - 2013


(الحلقة الثانية) :
الجزء الأول من "ملف الإبادة والتطهير"
التهاميون ضحايا "نفايات المنشآت الصناعية السامة"
الموت القادم من فوهات المصانع
تلقت "المنتصف" تهديداً عقب محاولتها تصوير أحد عمال مصنع المغربي لصهر الحديد إثر خروجه متشحاً بالسواد وكأنه خرج من محرقة
أشهر أمن "مصنع الألبان" السلاح في وجه "المنتصف" إلاّ أنها استطاعت الوصول إلى ما عجز عنه فريق حماية البيئة وقامت بتصوير أنابيب الموت..
منعت حراسة المصنع فريق الهيئة العامة لحماية البيئة من الوصول إلى أنابيب الموت بقوة السلاح...
بعد أن رأى صور أنابيب المصانع، مدير عام المركز الوطني لمختبرات الصحة العامة أعلن عن كارثة بيئية قد حلَّت بتلك القرى وطالب بإعلان حالة الاستنفار الشامل وإقامة مختبرات ميدانية... وإغلاق مصانع الموت!!
أمين عام "منظمة تهامة الشعبية" قال ل"المنتصف":
إن الحاج عبدالجليل ردمان لم يكن يعرف ما يجري في مصنع الألبان وقامت شركته بإزالة أكوام النفايات وإيقاف حرقها لكن توصيات هيئة حماية البيئة لم تُنفذ كاملةً..
كثيرون ماتوا بالسرطان وستقوم الشركة ببناء مركز صحي وهو ما علَّق عليه أحد السكان بقوله "يقتلوننا ويجدون وسيطاً ليبيعوا لنا النعوش"!
كل سكان القرى المجاورة يعملون حمَّالين بأجرٍ زهيد جداً.. وأسرهم تتناول في اليوم وجبة واحدة ويُجبَرون على الصوم!
ملخص ما نُشر, في الحلقة الأولى:
مضت "المنتصف" في ملف الحلقة الأولى تسرد جرائم الأنظمة المتعاقبة على حكم تهامة... بترت أجزاء من مأساة شعبٍ سامه نظام صنعاء القمعي. ليتسع المجال للمنظمات الإنسانية الوقوف على حقائق فاقت الوصف لأركان حكمٍ عهد أن يترك كلّ شيءٍ أطلالاً وبقايا بشر.. في أرضٍ عدها زبانية العذاب فتحاً لهم وملكاً حصرياً لأنجالهم بعدهم.. استطاعت "المنتصف" بما امتلكته من مقدرات نشر ما سرَّبه من امتلكوا قلوباً تئن وتتوجع لما أصاب شعب تهامة وألباباً أدركت أن التهاميين قد حطموا قيود جلاديهم وسيحاسبون بقسوةٍ كل من اقترفت يداه جرائم بحقهم.. فكان لزاماً عليهم إنقاذ أنفسهم من غضبة شعب لن تعرف الرحمة إلى قلبه طريقاً... مئات من العينات تم إسدال الستار على نتائج فحصها... قالوا إن شيئاً ما لا يستحق الالتفات إليه والبت فيه, وما جمع كان كوم رمال لا أكثر... وسوَّقوا لذلك بسطوتهم ... فمادة الزاركينيوم التي تتواجد مع اليورانيوم دوماً واللتان عثر عليهما مطمورتين جوار البحر.. كانتا أضغاث أحلام!! أما الكوبالت والنحاس الأحمر والكلور والبوتاسيوم وما تبعها من معادن حذَّر التقرير من وجودها متحدةً بهذه لخطورتها على كل كائنٍ حي هي بردٌ وسلام كما يزعمون بأعمالهم... كما أن قلعة الموت "سفينة صافر" هي دليلٌ على رخاء سكان "الصليف" ووجودها كان أصلاً لاستجمام سكان المديرية.... وما فناء أطنان الأسماك على شواطئها إلى دليلٌ على ازدحامها ورغبتها في نزهةٍ على السواحل... أما تساقط أجساد المئات من شعب تهامة في الصليف، فهو تأكيدٌ آخر على أن التخمة والترف الزائدين.. إما أن يعيش سكان قرية رأس عيسى وما جاورها من قرى في معتقلٍ لا سبيل للخروج منه إلا بتعريفٍ ممهور من أكثر من معرفٍ موثوق منه لدى ضباط كتائب الفرقة الأولى المدرعة، فيجب ألاّ نسيئ الظن بهم، فهم لحماية سكان تلك القرى وإن كان بخنقهم!!!
ما ورد هو ملخص ساخر وعلقمي المصير يتجرعه شعب تهامة، وهو ما كشفت عنه (المنتصف) في حلقتها الأولى أو كما يحلو للكثيرين من أبناء تهامة تسميتها بصوت الضمير الإنساني...
غادِرْ الحديدة متجهاً شرقاً في خطٍ إسفلتيٍ أُطْلِقَ عليه شارع "صنعاء" كإشارةٍ على السطوة والجبروت وتأكيداً لقوة النظام المركزي ودليلاً آخر على امتهان الحضارات.. لا تلتفت يساراً في الكيلو السابع من رحلتك القصيرة، فهناك ذيل آخر للفرقة المدرعة ونظراتك موضع شك، فهذا المعسكر يحكي قصة شباب الثورة الذين غُيبوا عن أهلهم في نزهةٍ إجباريةٍ بين معتقلاته بعد اعتبارهم مارقين ووجب تأديبهم.. استمر لتقطع ما بقي من الستة عشر الكيلو المتبقية لتستقبلك براميلٌ ووجوهٌ تكسوها حمرةٌ مقزِّزة يوشك أصحابها أن يقتلعوا من يقودون سياراتهم من جذورهم بمجرد رؤيتهم لوحةً فاصلها الرقم6 أو تفيد لهجتهم بانتمائهم لهذه الأرض وهم أيضاً حراسٌ أوفياء مخلصون للقادمين المدجَّجين بمختلف أنواع السلاح في رحلة فتح جديدة لأرض حددوها غزوةً جديدةً لهم وسمعوا أن أرضاً سلمت من بطشِ من سبقهم في مقيل قات افتخر حضوره بتطهيرها ممن سكنها من أبناء تهامة... أَسَلِمتَ من هذا الطوق الأمني أيها القادم بحثاً عن دليلٍ جديدٍ على ما يجري من إبادةٍ وتطهيرٍ؟!! يا هذا اتجه جنوباً لأمتار قليلة ستتوسط سوقاً ترى أجساداً منهكةً توشك أن تتساقط يسند بعضهم الآخر.. تدرك أنك وسط الموت... الموت القادم من فوهات المداخن..!!
أرضٌ محترقة في "جميشة"
يستقبلك مصنع للمشروبات ويليه مصنع للأوراق وآخر غير معروف المعالم والاستخدام وحتى كلا المصنعين السابقين لم يشر إليهما بما يفيد، ولكنهما مثل غيرهما يُعرف بما يحدثه من أثرٍ بيئي قضى بضررها العشرات من سكان قرية "جميشة" عملوا فيها أو كانوا في محيطها 18مصنعاً، كما أفاد بذلك المهندس ياسر الغبير، مدير فرع الهيئة العامة لحماية البيئة.. وأكثر من ذلك ما أثبتته الإحصاءات التي قامت بها "المنتصف" بأن ما ذكره الغبير أقل من المصانع الموجودة في تلك المنطقة المنكوبة التي تجاوز عددها 25مصنعاً عدا من ارتفعت أسواره فلم يعد يدرك ما نوع النشاط الصناعي المحجوب خلف تلك الجدران.. كما أنه لا يتضح أين تذهب تلك المصانع بمخلفاتها الكيميائية الخطرة..
أحد العاملين في مصنع العصائر استطاع الوصول إلى سبب تشديد الحراسة حول تلك الأحواض ومنع اقتراب العاملين منها، يتحدث ل" المنتصف" بقوله: إن تصاعد تلك الروائح الكريهة والأبخرة السوداء التي رآها من شرفة أحد المباني الإدارية جعلته يحاول الوصول إلى حقيقتها، ويضيف أنه بإحدى الطرق استطاع استغلال الوقت المستقطع بين نوبات الحراسة بعد تأكد أمن المصنع من انصراف معظم العمال وتوجه نحو المنطقة المحظورة، فوجد أمراً أثار الرعب في نفسه بعد أن أبصر مستنقعاتٍ تفوح منها روائح خانقة كريهة ما لبث العامل أن وجد الأرض الواقف فوقها تميد به وأدخنة سوداء تتصاعد من تحت أرجله رغم تأكده أنه كان يقف فوق أرضٍ جافة أعقبها بانتشال قدميه بصعوبة كبيرة وفر عائداً من حيث أتى قبل أن يلفت إليه الأنظار أو يغوص بين الأوحال وهو ما يشير إلى توغل تلك المواد الكيميائية إلى طبقات التربة وتسرُّبها إلى المياه الجوفية، وأنها أضحت أرضاً محترقة...
طفلٌ احترق غَرقاً.. فكشف كارثة!!
خرج الطفل علي يحيى زنبور، في الربيع من عمره، في الساعة12ظهراً يوم الاثنين أواخر إبريل عام2006م من منزله في قرية "دير الشيخ" في رحلته اليومية لرعي الأغنام ولم يعد إليها إلى مساء ذلك اليوم.. توجه أقارب الطفل إلى قسم شرطة "جميشة" للإبلاغ عن فقدان ابنهم.. وفي الساعة الثانية عشرة من منتصف ليل نفس اليوم، تلقى القسم بلاغاً جديداً عن وجود مؤشراتٍ لأثر طفل انتهت في أحد أحواض نفايات مصنع "نانا" المجاورة للطريق.. توجّه رجال البحث الجنائي إلى المكان وقت تلقيهم البلاغ، وبحسب التقرير الصادر عن القسم والذي تحتفظ "المنتصف" بنسخة منه الذي ورد فيه نصاً أنهم لم يستطيعوا الاقتراب من تلك البيارات المكشوفة والمجاورة للطريق نظراً لخطورة الاقتراب منها وترهُّل الأرض المجاورة لها لم يستطع رجال البحث انتشال الجثة. كما كشف التقرير وجود أربعة أحواض أخرى وغير ظاهرة للعيان كما أن إدارة المصنع لم تبدِ أي اهتمام للأمر وهو ما جعلهم يعودون إلى المكان نهار اليوم الثاني.... تم انتشال جثة الطفل بصعوبةٍ بالغة وقد تفحَّمت أطرافه ولم تعد تُعرف ملامح وجهه وكأن وجهه صب عليه سائل كيميائي!!!
انتهت قضية الطفل بتسويةٍ قادها إبراهيم شعيب الباشق اختتمها بتنازل والد الطفل وظل الحال كما هو 4 سنواتٍ أخرى، ظل أهالي القرى المجاورة يخاطبون القسم ومحافظ المحافظة بضرورة ردم تلك الأحواض، وخلالها وجدت الأوبئة وسطاً مناسباً لتستوطن في قرية "دير الشيخ"، و"دير حسن".. كما بدأت سحب الدخان الناتج عن حرق المخلفات البلاستيكية والكراتين والمخلفات الصلبة التالفة بأنواعها ليلاً ويظل أثرها على من جاورها إلى وقتٍ متأخرٍ من نهار كلِّ يوم، وما تلبث الرياح أن تأتيهم برماد تلك المحرقة، ويتكرر ذلك كل يوم.
وكما يشير تقريرٌ آخر صدر عن القسم أيضاً في العام 2010م أن أحواض "نانا" ومحرقتها كارثةٌ بيئية بكل المقاييس، واستبشر أهالي قرية دير حسن ودير الشيخ وبقية القرى بوصول قسم الشرطة إلى المكان، انتهت بتوجيه رسالة إلى مدير الشركة المتحدة لصناعة الألبان يطلب فيها إزالة المخلفات أو التخاطب مع الأهالي وأنهى القسم رسالته بتعقيب يوحي بعجزه قال فيها: "إن أخطأنا فمن أنفسنا وإن أصبنا فقد وفقنا الله"! وذيّلها بختمه، وهو ما لم تُعرِه إدارة المصنع أي انتباه....! الأمر الذي جعل عقال تلك القرى يعودون بشكواهم إلى ديوان المحافظة للشكوى مرةً أخرى ليحيلهم المحافظ الأسبق شملان إلى مكتب الأشغال العامة بشكلٍ يوحي أنه أراد التخلص منهم وعجزه عن القيام بدوره المناط به، وكان ذلك في نهاية العام2010م.
عقودٌ من القتل
كشف مصدرٌ مسئولٌ "طلب عدم الكشف عن اسمه" في إدارة المختبرات للجنة الوطنية للطاقة الذرية، أن تأثير المخلفات الصناعية لا يظهر أثره إلا بعد مدة طويلة قد تمتد من5 إلى 10 أعوام، وهو الأمر المخيف من وجود كارثة بيئية قد حلت بتلك القرى، فعلى مساحة 100ألف مترٍ مربع أقامت الشركة المتحدة لصناعة الألبان.. كارثتها البيئية المدمرة لكل حياةٍ في تلك الأرض منذ إنشائها للمصنع في العام 1977م.. ولم تعر أي اهتمام بكيفية تدوير مخلفاتها والتخلص منها، الأمر الذي مكّن من توغُّل تلك المخلفات الخطيرة إلى طبقات الأرض وامتزاجها بالمياه الجوفية التي يسقى منها البشر والدواب والزرع، الأمر الذي يفيد أن كل ما هنالك أضحى ملوثاً بعد عقودٍ من القتل البطيئ.
لحظات تفجر تلال الغضب
احتشد المئات من سكان القرى المحيطة بالمصنع في مطلع إبريل من العام الماضي بعد أن رأوا أن لا جدوى من الشكوى، مغلقين بوابة المصنع.. الأمر الذي جعل محافظ المحافظة يوجّه للهيئة العامة لحماية البيئة بنزول فريق إلى الموقع ورفع تقرير علمي يفضح حقيقة ما يجري تحتفظ "المنتصف" بنسخة منه أشار إلى أن منظمة تهامة الشعبية التي قاد الأمين العام فيها الصلح، كما يظهر لاحقاً أنه أحضر توجيهات المحافظ بعد أسبوعٍ من صدورها، وبناءً عليه تم تشكيل الفريق والنزول يوم وصولها.. وأفاد التقرير أن مهمة الفريق التحقق من الشكوى وإصدار التوصيات اللازمة حيال نتائجها، وورد في التقرير أن فريق حماية البيئة التقى عدداً من المواطنين أفادوا بأن غيوماً سوداء تكسو سماء قراهم كل مساء وذرات رماد تغزوهم طوال اليوم، وهو ما نتج عنه حالات التهاب رئوي وأمراض جلديه ووجود أورام لا يعرف كنهها، كما أشار مهيوب عبدالجبار راجحي، وأرضهم لم يستطيعوا القيام بزراعتها بعد تلوثها وانتشار علب الزبادي وأكياس النايلون وتلوث مياه آبارهم.. إلا أن عمر الأهدل كشف عن وجود حالاتٍ أصيبت بالسرطان.
ولاحظ الفريق أثناء مروره بجوار الجدار المحيط بالمصنع وجود بركٍ ومستنقعاتٍ مكشوفة تنبعث منها روائح خانقة وكريهة مع ظهور رواسب بيضاء تغطي البرك والمستنقعات مصدرها قادمٌ من أنبوبٍ داخل المصنع.. كما لاحظ الفريق أن عمليات حرق لمواد صلبة تتم لعلب الإيسكريم وعلب الزبادي والحقين ومشمعات النايلون وأكياس لمادة هيدروكسيد الصوديوم وبودرة بيضاء لم يتعرفوا على كنهها، وقوارير زجاجية.. كما ورد في التقرير مما ينتج عنه دخان كثيف (سحب سوداء)، كما أن مجرى المخلفات السائلة تغمر مزارع القصب (العجور) المحاذية من جهة الغرب للمصنع وبعد محاولة الفريق الوصول للأنبوب الذي تصب منه المخلفات السائلة قام أفراد الحراسة الأمنية بإشهار السلاح في وجوههم ومنعهم من الوصول إليه لتصويره، ولم يشر التقرير إلى وجود صور تثبت ذلك... وهو نفسه ما جرى ل"المنتصف" أثناء توجهها لتصوير الأنبوب، لكنها استطاعت الوصول إليه والتقاط صور له. كما طلب فريق حماية البيئة الدخول إلى المصنع بعد لقائهم بمحاميه، كما عرّف به الأهالي، إلاّ أنه رفض ذلك، مشترطاً موافقة عبدالجليل ردمان، مدير عام الشركة، كما ورد في التقرير.
وأنهى الفريق تقريره بجملةٍ من التوصيات طالب فيها عدم تصريف المخلفات السائلة خلف المصنع وردم جميع البيارات والأحواض وتقديم خطة إدارة بيئية للمصنع تتضمن إدارة المخلفات الصلبة والسائلة وإطلاع الهيئة عليها، كما ورد في التوصيات بتحمل كافة تكاليف فحص وتحليل عينات المخلفات السائلة، وكذا تحليل عيناتٍ من آبار المياه القريبة من المصنع. إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث عدا إيقاف حرق المخلفات الصلبة ونقل أكوامها إلى مكانٍ آخر!! فقط لا غير.
وبدأت إدارة الشركة تسوير مصنعها لستر ما فُضِحَ ليبقى الأمر طي الكتمان مثل قرنائها ممن ستروا جرائمهم بأسوارٍ عالية وسياج ومدججين.
المغربي لصهر الحديد... والهواء!!
لم يُكتب لأهالي قرية "دير الشيخ" وما جاورها الخلاص من كارثة إلاّ وداهمتهم ما هي أعظم وأشد، فمقارنة مصنع الألبان بمصنع البلاستيك، يعد الأخير أعظم من ذلك وأشد، إلاّ أن هناك ما هو أشد تنكيلاً وفتكاً بمن سكن في تلك الأرض منذ الأزل... فمصنع المغربي لصهر وإنتاج الحديد المسلح وحديد الهناجر كان أكبر خطراً ممن جاوره.. فالأخير تعمل مولدات الطاقة فيه بمخلفات الزيوت المحترقة, كما يعمل بقوته القصوى عادة من مغيب شمس كل يوم ليخفي ظلام المساء براكين سوداء تصدر من فوهة مداخنه تكشف الصور التي استطاعت "المنتصف" الحصول عليها بتكليف مصور ميداني انتظر قدوم الفجر ليلتقط صوراً مرعبة لدخانٍ كثيف غطى سماء كل القرى المجاورة له...
عمال المصنع عقب خروجهم من دوامٍ ليليٍ تحيط به تهمٌ أقلها إبادة لكل ذرة هواء في ذلك المكان- كل صباحٍ توشك أن تجزم أنهم خرجوا من حريق نشب وهم كانوا فيه، فاللون الأسود زيٌ موحدٌ كساهم به دخان المغربي للحديد ولم يبقِ في الهواء ذرةً تصلح للتنفس... حاولت "المنتصف" لقاء إدارة المصنع للتأكد من حقيقة وقود محركاته، فلم تقبل إدارة المصنع ذلك، بحجة أن الوقت لا يسمح والإدارة مشغولةٌ بمهام كثيرة.. وانتهى الأمر بترك رقم الصحيفة لديها إلى حين يتسنى لهم الوقت.. "المنتصف" التقطت صورةً لحارس المصنع الذي يقبع معظم وقته في نوبته بعيداً عن المحركات، إلا أنه اتشح بالسواد، كما غشي العمال، كما أن أنفاسه المتصاعدة تفصح عن إصابته بمرضٍ في صدره.. لم يتوقف الأمر عند ذلك، فعاملٌ آخر في العشرينات من عمره خرج، أثناء الحديث مع الحارس، همَّ بمغادرة المصنع عقب انتهاء دوامه، كان ينطلق من رئتيه سعال شبيه بالحشرجة كأنه كهلٌ في ستينات عمره، حاولت "المنتصف" أخذ صورةٍ له، إلا أن شخصاً آخر يرتدي ثياباً أنيقة ويمتطي على ظهره سلاحاً آلياً منع ذلك وأعاد الشاب إلى المصنع قائلاً بلهجة القادمين من خلف باب الناقة "هيا رح لك...أنت ماتشتيش عمرك"!! فمضت "المنتصف" منقذة نفسها وما التقطته من صور.... ولم يخرج العامل حتى بعد مرور ساعة من عودته إلى داخل المصنع.
يقتلوننا.. ويبيعوننا النعوش!!
بعد أن رأى الدكتور محمود العجيلي، مدير المركز الوطني لمختبرات الصحة المركزية في صنعاء، الماء المتدفق من أنبوب مصنع الألبان ذُهل قائلاً : كثافة الماء واضحة للعيان، وهو ما يؤكد وجود عناصر أخرى بها، وبما أنها ناتجة عن مصنع يستخدم مواد كيميائية في صناعاته أياً كانت، فهذا مؤشر خطر على المحيطين به وحتى على الطيور، وكونها تصب بهذا الشكل، فهذا يتطلب إعلان الاستنفار في كل الأجهزة الصحية والأمنية على حدٍ سواء لمواجهة هذا الخطر.. كما أن رذاذ الحديد المتطاير بين ذرات الهواء والأدخنة المتصاعدة من مصنع صهر الحديد يؤكد وجود إصاباتٍ بالدرن، وهو ما ستكشفه "المنتصف" في الجزء الثاني من هذه الحلقة..
كما أكد الدكتور العجيلي أن مخلفات المصانع بأنواعها، صلبة أو سائلة أو غازية، جميعها مواد مسرطنة. وتساءل عن دور مكتب حماية البيئة المعنية بهذه الجرائم، بحسب وصفه، والتي لا يأتي منها استخراج ترخيص فتح المصنع واستمرار عمله ويعطيها القانون مطلق الصلاحية في إيقافه عن العمل حال الشكوك بتورطه في أي ضررٍ بيئي، وفي مثل هذه الحالات أضاف مدير عام المختبرات أن فحص المخلفات هو أمرٌ حتمي، كما أن فحص ماء كافة الآبار المحيطة بالمصانع وكذا إنشاء مختبراتٍ ميدانية لفحص دم سكان تلك القرى ومثله فحص دماء العاملين في تلك المصانع...
مدير مكتب حماية البيئة لم يكن يعلم أصلاً عدد المصانع الموجودة ومنع بقوة السلاح من زيارتها وأكد ل"المنتصف" عجزه الكامل عن القيام بعمله، وأظهر ذلك أن الفرع لا يمتلك حتى سيارة فما بالك بتمويل راصدين بيئيين، كما أضاف أنهم أثناء تلقي البلاغات المشابهة لهذه الحالة يقومون بتقاسم أجور النقل فيما بينهم للوصول إلى أماكن التلوث ودائماً ما يصابون بالإحباط بعد تجاهل توصياتهم... وأكد أنهم أصدروا توصياتهم ولا يعرفون ما نُفِّذَ منها أو لم يؤخذ به. وقال، في مرارة، إننا كنا في مرمى سلاح أمن المصنع وتراجعنا بقوة السلاح... أما عبدالغني معافا أمين عام منظمة تهامة الشعبية فقال إن هناك عدة حالات وفاة بالسرطان، إلاّ أنه أكد أن الحاج عبدالجليل ثابت التزم بإيصال الكهرباء وبناء مراكز صحية لعلاج سكان القرى كما أوقف المحارق، وهو ما فسره أبناء تلك القرى بقولهم يقتلوننا ويجدون وسيطاً ليبيعوننا النعوش...
أجر السخرة لا أكثر!!
أكثر من خمسةٌ وعشرين مصنعاً في منطقة "كيلو 16" تزأر كل يوم موشكةً التهام من يحيطها من ساكني القش والصفيح... لم يقبل مالكو تلك المصانع أهالي القرى للعمل عندهم إلا حمَّالين لمنجاتِ مصانعهم فقط لا غير، حتى وإن امتلك بعضهم شهاداتٍ ذات شأن... يتقاضى أغلب "الشيالون" أجراً لايزيد عن 1500ريال لقاء كدِ يومٍ يبدأ من فجره إلى مغيب شمسه... أجر السخرة، كما يقول أحمد صالح سعيد الشاب الجامعي، الذي يعمل في مصنع طلب عدم ذكر اسمه خشية طرده من عمله... أحمد حاصل على تقدير متفوقٍ في كلية التجارة بجامعة الحديدة قضى زهاء العامين باحثاً عن عملٍ يعول منه أسرته المكونة من أبويه وسبعة أشقاء بينهم 3بنات لا فرق بين لون أجسامهن والأرض الثكلى بهم جميعاً، صفة الأرض تنطبق على الحاجة سعيدة التي لم تنل من اسمها أدنى حظ غير جمالٍ أسدل الفقر أستاره عليه... سعيدة الأربعينية العمر تقول ل"المنتصف": (يا ولدي ما ناهب نشكي لمن غيره هو بس شرحَمِحْنَا..حينوا نتقرأ ونصوم لما أمليل لما يروح خيك أحمد وديمه يقولوا يامعين) تقصد بقولها أنهم لا يملكون ثمن الأكل وبعد تناولهم وجبة الإفطار يصومون كرهاً لحين عودة ابنها أحمد حاملاً بين يديه وجبة العشاء وإفطار يوم جديد وما أن يلبث ملقياً جسده المضنى تعباً وشقاءً طيلة يومها حتى تسمع أنينه... القادم من أضلاعٍ أنهكها كدُّ يوم كامل، وهو هكذا يراه إخوته، سيفني حياته إلى نهايتها.. أحمدُ يتقاضى1500ريال لا أكثر، بل ربما تتناقص بحسب مزاج المشرف... أمثالُ أحمد العشرات، لا.. بل المئات يكدون بأجر السخرة لا أكثر....!!!
تقرأون في الجزء الثاني من الحلقة الثانية - العدد القادم- بالأرقام والصور عشرات المصابين بالسرطان والأوبئة.... كافة القرى مهددة بالموت..
* صحيفة المنتصف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.