اختطاف ناشط في صنعاء بعد مداهمة منزله فجر اليوم بسبب منشورات عن المبيدات    بيان لوزارة الخارجية بشأن مقتل 4 عمال يمنيين في قصف حقل غاز في العراق    استشاري سعودي يحذر من تناول أطعمة تزيد من احتمال حدوث جلطة القلب ويكشف البديل    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    اليوم السبت : سيئون مع شبام والوحدة مع البرق في الدور الثاني للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    مقاتلو المغرب على موعد مع التاريخ في "صالات الرياض الخضراء"    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    مركبة مرسيدس بنز ذاتية القيادة من المستوى 3    جماعة الحوثي توجه تحذيرات للبنوك الخاصة بصنعاء من الأقدام على هذه الخطوة !    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    ضبط المتهمين بقتل الطفل الهمداني في محافظة إب بعد تحول الجريمة إلى قضية رأي عام    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    حادث مروع .. ارتطام دراجة نارية وسيارة ''هليوكس'' مسرعة بشاحنة ومقتل وإصابة كافة الركاب    قتلوه برصاصة في الرأس.. العثور على جثة منتفخة في مجرى السيول بحضرموت والقبض على عدد من المتورطين في الجريمة    بعد القبض على الجناة.. الرواية الحوثية بشأن مقتل طفل في أحد فنادق إب    كان يرتدي ملابس الإحرام.. حادث مروري مروع ينهي حياة شاب يمني في مكة خلال ذهابه لأداء العمرة    عشرات الشهداء والجرحى في غارات إسرائيلية على وسط وجنوب قطاع غزة    تعرف على آخر تحديث لأسعار صرف العملات في اليمن    السلفيون في وفاة الشيخ الزنداني    مأرب تقيم عزاءً في رحيل الشيخ الزنداني وكبار القيادات والمشايخ في مقدمة المعزين    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: إعلان أمريكي بإسقاط وتحطم ثلاث طائرات أمريكية من طراز " MQ-9 " قبالة سواحل اليمن    توني كروس: انشيلوتي دائما ما يكذب علينا    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(المؤتمرنت)تنشر نص الرؤية التاريخية التي كتبها الأستاذ مطهر الإرياني لمسلسل(سيف بن ذي يزن)(الحلقة الرابعة)
نشر في المؤتمر نت يوم 22 - 12 - 2003

حصل(المؤتمرنت) على نسخة من الرؤيا لتاريخية التي كان الأستاذ مطهر الإرياني قد كتبها بهدف إدراجها ضمن سيناريو مسلسل (سيف بن ذي يزن)الذي عرض على شاشة الفضائية اليمنية
وشاشة الفضائية السورية والمنتج من قبل شركة (لين) السورية بالاشتراك مع المؤسسة العامة اليمنية للإذاعة والتلفزيون ولاقى رفضاً قويا من قبل اليمنيين بسبب تشويهه لتاريخ بطل يمني هو سيف بن ذي يزن.
مطهر الإرياني انتقد المسلسل بشدة واوضح أن الجانب السوري تعمد الإساءة الى سيف بن ذي يزن وانه رفض اخذ مضمون ما كتبه في هذا الجانب.
(المؤتمرنت) يواصل نشر نص الرؤية التاريخية التي كتبها الأستاذ مطهر الإرياني في حلقات.
يا (زيد إل) قدم للمرافقين شرابهم من عصير العنب الذي قطفناه اليوم، وكلّف من يهتم بأمر الخيل، وابعث إلينا بالوصيفة (صبيحة).
ويشير (شرحبيل) إلى (معدي كرب) بالجلوس على الجانب الأيمن من النافذة الجنوبية مرحباً، ويجلس هو مقابلاً له، وينظران إلى ما تطل عليه النافذة من المناظر، ويقول (شرحبيل)
أنظر أيها الضيف الكريم، إننا من هنا نستطيع أن نطل على الساحة كلها، فتلك إلى الجنوب الشرقي هي كما تعلم مدينة (ذمار) و...
وقبل أن يسترسل يُقرع الباب ويأذن (شرحبيل) بالدخول فتدخل (صبيحة) وهي فتاة في نحو العشرين، برونزية اللون دقيقة الملامح، نجلاء العينين، شأن العرق الإفريقي الذي خالطه الدم العربي منذ قرون من الزمن وبابتسامة مشرقة تقول:
نعم مولاي.. مرحباً بك أيها الضيف الكريم.. ماذا تأمران؟
ويقول لها (شرحبيل):
إحضري لنا شراباً من الدن الأوسط الذي تعرفينه.
فانصرفت باسمة، وأراد (شرحبيل) أن يشفل الوقت بحديث عادي حتى تعود، فقال بحميمية أراد أن يضفيها على المجلس:
إنها يا صديقي الحميم من مولَّدات (عَدُولي)، كنت أتاجر إلى ذلك المرفأ (الأكسومي) فتعرفت عليها وعلقت بي وعلقت بها، وعرضت عليها السفر معي فوافقت، ووافق أهلها، وجعلتها قَينَةً لي فهي تجيد الغناء بالعربية والجَعزِية، وجعلتها وصيفة لأم أولادي (بنت ذي مَذرح) فألفتها ولم يحدث ما يعكر صفو حياتنا في البيت.
وحضرت القَينة (صبيحة) ووضعت صحفتها على منضدة أمام الرجلين وانصرفت بدلال.
وصب (شرحبيل) إلى الأقداح فأخذ كل منهم كأسه، وعادا إلى ما كانا فيه من الحديث فقال (شرحبيل):
نعم، تلك مدينة (ذمار) وإلى جنوبها وجنوبها الشرقي يقع معسكر (أرياط)، أما إلى غربها فيقع معسكر (أبرهة) ومن معه من الأقيال.
يطّرح (معدي كرب) كأسه جانباً ويقول:
هل انضم أحد من الأقيال إلى معسكر (أرياط) في هذه الأيام الأخيرة؟
شرحبيل: لا، لم ينضم أحد، إلا أنهم يراسلونه باستمرار، كما أن عدداً من مقادمة القبائل مع رجالهم المحاربين يتوافدون عليه، حتى لقد أصبح قسمٌ كبير من جند (أبرهة) من اليمنيين.
(معدي كرب) يقول وكأنه يحدث نفسه: إن هذا لأمر عجيب له ما بعده، ثم سأل قائلاً:
ما هي آخر أخبارهم عندك يا أخا (سماه سميع)؟
شرحبيل: إن رسلي ذاهبة آيبة إلى (الأقيال) وأهم ما أخبروني به، أنهم قد دفعوا بالخلاف بين المعسكرين إلى أقصى مدى، واستطاعوا بدهاء أن يستفزوا (أرياط) الحقود الغضوب إلى حد أنه استدعى كل سرياه التي بعثها إلى المناطق المجاورة لتدمير مقرات ملوك حمير، فجمعهم كلهم إلى معسكره، وأصبح لا هم له إلا الاستعداد للصّدام مع (أبرهة) و...
معدي كرب (مقاطعاً): نعم لقد بلغتني هذه الأخبار منذ أيام، ولكن هذا الصدام لم يحدث حتى الآن.
شرحبيل بطريقة تدل على الغيظ يقول: آه.. إن هذا كله من مراوغة الداهية (أبرهة) فبرغم ما يبديه له الأقيال من المؤازرة، ويظهره لهم من الثقة فيهم، إلا أنه يراوغ ويماطل قائلاً: "لننتظر الوقت المناسب".
معدي كرب: ما هو الذي يدعوه إلى هذا التسويف فيما ترى؟
شرحبيل: لقد أعرب لي القيل الداهية (ذو معاهر) في إحدى رسائله إلي فقال: "إن فهمه للرجل باطناً وظاهراً قد أوحى إليه أن (أبرهة) يخشى أن تؤدي الحرب بين المعسكرين إلى ضعف الجند (الأكسومي) عامة وليس لهم مصدر قريب للإمداد، وهو ليس على ثقة حقيقية ب (الأقيال) فهم بعد ذلك إما أن يتخلصوا منه، أو يجعلوه واجهة يحكمون باسمها".
معدي كرب مبتسماً بإعجاب: يا لحكمة (ذي معاهر)! إن هذا لهو السبب، والسر الباطن في نفس (أبرهة)، ولا أكتمك يا أخا (بني سميع) أنني أخشى مطامع (أبرهة) وطموحه أكثر مما أكره (أرياطاً) وبطشه الهمجي، فالعدو الملايِن والمراوغ بمعسول الكلام، أدعى إلى تخاذل أعدائه وافتراق صفوفهم.
يقرع الباب ويطل (زيد إل) بوجهه قائلاً:
إن طعامكم حاضر أيها القوم الكرام.
يتوجهان إلى قاعة الطعام ويلتقيان بالمرافقين وفيهم (سيف) الذي كانت ابتسامته عريضة لا تزال مرتسمة على وجهه، فقال له عمه:
ما سر هذه البسمة العريضة على وجهك يا (سيف).
سيف: إن سرها هو أُحجية قالها لنا هذا الفارس المرح –يشير إليه- فعجزنا عن حلها حتى حلها لنا هو.
معدي كرب: وما هي هذه الأحجية؟
سيف: قال لنا: "أحاجيكم عن شيء أقرب إلى اللمس، وأبعد من الشمس!" فأخذنا نجيب إجاباتٍ تطيش هنا وهناك وهو يهز رأسه نفياً، حتى قلنا له: "عجزنا، ونحمل حمول مرهِق، من هنا إلى المشرق" فقال وهو يبتسم بسخرية منا: "هو (حصن وهران)" وقلنا له: كيف؟ فقال: "هو أقرب إلى اللمس من معسكرات الأحباش، وأبعد عليهم من الشمس لمناعته".
فضحك الجميع، وقال (شرحبيل):
سأزيد لكم الأمر إيضاحاً أثناء تناول الطعام فهيا بنا.
فتوجه الجميع إلى قاعة الطعام، ونظراً لحالة الحرب فإن القصر كان قد أخلي من رياشه وأودعت في الحصن الذي يقع فوق القصر من باب الاحتياط، ولذلك رص الطعام على الأرض وفيه الخراف المشوية والمحشية ب(السمد) وأقراص السبئية المغمورة بالعسل والسمن وغير ذلك من الألوان مع أباريق الشراب وأقداحه ولكل ما يناسبه، وجلس القوم (خولنة) وأخذوا في الأكل، بعد برهة قال (شرحبيل) والجميع يحتسون رشفات من كؤوسهم:
نعم: إن (هران) ليس من الجبال الشامخة، وحصنه ليس بارتفاع حصون مثل (أشيح) و(وتيح) و(نعمان) وغيرها. ولكنكم تعلمون جميعاً أن الحصون هي أعدى أعداء جنود الأكسوم، فكل قيلٍ أو كبير اعتصم منهم بحصنه أو مصنعته لم ينالوا منه شيئاً إلا من جاء إليهم بإرادته لغاية من الغايات، وفي حصني هذا رتبت مئتي مقاتل من أفضل المقاتلين وخاصة من المشهورين بالبراعة في رمي السهام، أما جند الغزاة هؤلاء، فإن أكثر سلاحهم هو (المزاريق) تلك الرماح القصيرة التي يرمونها زرقاً، وهم يجيدون استعمالها حقاً، ولكن ذلك لا يكون إلا عند التحام المتقاتلين لقصر المدى الفعال لها، فلو هاجمنا هؤلاء فسندعهم حتى يصبحوا عند المدى الفعال للسهام فنمطرهم بها، وحتى القصر إذا أرادوا نهبه وتدميره، فسنحميه بالسهام ولم نرفع بعض نفائسه إلى الحصن إلا زيادة في الحذر.
واستطرد مبتسماً وهو ينظر إلى الفارس المرح، فقال:
ولهذا فإن أحجيتك صحيحة أيها الفارس الذي يواري حكمته بالفكاهة.
وبعد الانتهاء من تناول الطعام عاد كل إلى مقره، واصطحب (معدي كرب) (سيفاً) معه، وبمجرد أن استقروا في مجالسهم، كست ملامح الجد وجه (معدي كرب) وقال:
ما أظنك يا (أخا بني سميع) إلا عالماً بالغاية التي جئت من أجلها.
فكست ملامح الجد وجه (شرحبيل) وقال:
إنني لسعيد كل السعادة بمجيئك أياً كانت غايته، ولكنني أكاد أحدس أن أهم ما ترمي إليه هو الاتصال بالأقيال في معسكر (أبرهة)، ثم أنه قد بلغني كل ما تم في لقاء (مصنعة كدور) وإني لمؤيد له ومبايع للملك (ذي سمهر) بيعة لا نكوص عنها.
معدي كرب وقد انبسطت أساريره: يا لحدسك الحكيم أيها الأخ الحميم، إن ذلك هو ما أرمي إليه، بل أريد بعد التواصل مع الأقيال الانضمام اليهم لأن الأحداث تمضي الآن في مسارين، فلعلي بعون الرحمن أوفَّق في توحيد المسارين أو توحيد الهدف الذي نتوخاه وإن تعددت المسارات.
شرحبيل متنهداً: ليباركن الرحمن جهودك أيها القيل العظيم، فأمرني بما تشاء تجدني طوع أمرك.
معدي كرب: تعلم أيها الأخ الحميم، أن التحاق (قيل ذي يزن) بمعسكر (أبرهة) رغم ملاينته للأقيال، وملاينة عدد منهم له.. أمر مستحيل، لما عرف عن (اليزنيين) من مقاومتهم السابقة واللاحقة لمساعي (الرومان) الطامعة في بسط نفوذهم على اليمن بواسطة (الأكسوم).
يتأمل (معدي كرب) أثر كلامه على ملامح شرحبيل ويتساءل:
أليس الأمر كذلك أيها الصديق الكريم؟
وبودٍّ وصدق يسرح (شرحبيل) بنظره في الأفق متذكراً الأحداث ويقول:
بلى: إن الأمر كذلك، وإنني لأتذكر حينما نجحت المساعي الرومانية الأكسومية، في إخراج الملك الشرعي (معدي كرب يُعفِر) عام ثلاثين وستمئة من سني حمير من (ظفار) ونصبت بعده (لحي عثت يُرخِم) ملكاً بعد تعميده مسيحياً استغلالاً للدين في تغطية أغراضهم في الهيمنة، فإن جدكم العظيم (ملشان أريم) وكبار (ذي يزن) لم يدينوا لهذا الملك ومن نَصَّبه بالطاعة، وحينما ثار الملك (يوسف أسأر) عليه وقتله وقتل حاميته الأكسومية وأخرج الأحباش من اليمن، كان أهم القادة في جيش (يوسف) هم (بنو ذي يزن)، وحينما قتل (يوسف) وبسط النفوذ الخارجي على اليمن، نصح الرومانُ الأكسومَ بتنصيب والدك (سميفع أشوع) –الذي كان على دين المسيح من قبل باختياره وإرادته- فنصبوه ملكاً، فلما حامى عن قومه ولم يحقق للغزاة أغراضهم، خلعوه وقتله السفاح (أرياط)، وبعد بسط هذا النفوذ الخارجي عقب مقتل (يوسف) كان أول ثائر عليه هو (أبو مره الفياض) قَيل (ذي يزن) وكان هو أول من فكر في معادله دعم (الرومان) ل(الأكسوم) سعياً وراء الهيمنة على اليمن بالاستعانة ب(الفرس) أعداء (الرومان) خاصة وأنه لم يكن ل(الفرس) أي مساعٍ للهيمنة على اليمن، وكل ما يسعون إليه هو مقاومة الرومان وإفشال مساعيهم في التوسع، فهاجر (أبو مرة) لهذه الغاية وأدركه أجله في (حيرة النعمان) ب(العراق) قبل تحقيق هدفه، وها أنت يا قيل (بني ذي يزن) تجدد سيرة أسلافك ال ...
يقاطعه (معدي كرب) زهداً في الثناء ويقول:
ليباركنك الرحمن أيها الصديق، وما دام الأمر كذلك فإن التحاقي بالأقيال في المعسكر أمر بعيد المنال، ولكن لي بين الأقيال أصدقاء أخص منهم (ذا معاهر) وسأسطر له رسالة لتدبير انضمامي إليهم، وما دام لك رسلٌ يترددون عليهم فباستطاعتهم إيصالها، ولن أوقعها باسمي ولكني سأذكره بأمر لا يعرفه غيري وغيره ومضيفنا الكريم، وسيكون مع الرسول ابن قريبي (سيف) لإزالة كل ريب قد يخامر (ذا معاهر)، وحتى يجهل الأحباش أمرها إن وقعت في أيديهم.
شرحبيل: إفعل وسأنفذ الأمر تواً.
كان (سيف) مستغرقاً أمام النافذة يتأمل منطقة غربي ذمار فلما سمع اسمه قال:
وأنا لك أسمع وأطوع يا عماه.
يتناول (معدي كرب) كيسه الجلدي الذي لا يفارقه ويخرج منه شريحة مطوية من الرق، ويقص منها قطعة بحجم الكف ويخرج دواته وقلمه المبري من (اليراع) ويستغرق في الكتابة، وبعد فراغه من كتابتها قرأها على (شرحبيل) وهي تقول:
إلى القيل (ذي معاهر) من صديقه (أبي نمران) الذي قضى معه ليلة سمر في قصر (ذي ثات) بالقرب من (العرش)، أريد الالتحاق بكم في كنف هذا الأجعزي النبيل، فماذا ترى؟ ويحمل هذا رسول خاص، ومعه ابني (سيف) وأنتظر الجواب اليوم.
مسطرهُ /أبو نمران عامر أريم
وخرج (شرحبيل) لإحضار الرسول، وتهيأ (سيف) للذهاب معه، وجاء الرسول فسلمه (معدي كرب) الرسالة مطوية فأخفاها في طيات ثيابه، وأوصاه (شرحبيل) أن يؤدي الإشارة المعهودة حتى يلاحظها (ذو معاهر) فيخرج إليه من فسطاط الأقيال كما هي العادة، وانطلق الرسول و(سيف) فلما وصلا إلى باب الفسطاط الخاص بالأقيال حك الرسول أرنبة أنفه وتكلف أن يعطس ثلاث عطسات فخرج إليهما (ذو معاهر) وقال للرسول:
من أنت أيها الفتى؟ لعلك طالب صدقة، فهل لديك رسالة من كبير قريتك تثبت فقرك؟
فأخرج الرسالة وسلمها قائلاً:
نعم. هذه هي.
وقال (ذو معاهر): ومن هذا الصبي الذي معك؟
فأجاب سيف: أنا صبي فضولي جئت معه، أما اسمي فهو (سيف بن عامر أريم) وقد قال لي أبي أنه يعرفك أيها القيل المبجل.
فهمهم (ذو معاهر) كأنه يحدث نفسه: (أريم).. إن هذا لقب (يزني)، فربت على كتف (سيف) وتنحى به جانباً وهمس له قائلاً:
هل أنت (يزني)؟
فقال سيف: نعم: أنا (سيف بن عامر أبي مرة الفياض) الثاوي ب(حيرة النعمان).
فربت (ذو معاهر) على كتفه: باركك الرحمن يا بني.
ثم تنحى (ذو معاهر) جانباً، وجلس على مصطبة خلف السرادق وقرأ الرسالة، وأخرج دواة وقلماً من خلف خنجره وكتب جوابها على ظاهر الرق نفسه، وسلمها إلى الرسول وودعهما وعاد إلى السرادق قائلاً لمن فيه:
سينضم إلينا اليوم أحد كبار الرجال من (بني ذي معاهر) وهو ابن عمي (عامر يمجد). فظهر البشر على وجوههم مرحبين.
ووصل الرسول و(سيف) إلى قصر (ذي هران) وتسلم (معدي كرب) الجواب وقرأ على (شرحبيل)، ونصه يقول:
إلى ابن العم العزيز (عامر أريم)، لقد أخبرت القوم بقدومك فرحبوا بك، وسأخرج لاستقبالك عند العصر، فقابلني على الطريق العام غرب (هران).
مسطرهُ –ذو معاهر-
ونظرا إلى الشمس فوجداها قد مالت عن كبد السماء بمقدار يدل على دنو وقت العصر، فارتدى (معدي كرب) ملابس سفره وزاد فعفرها وتوجه إلى جواده فامتطاه وانطلق به إلى الطريق العام، ولزيادة التمويه اتجه شمالاً مسافة معينة ثم كر راجعاً نحو الجنوب وكأنه قادم إلى (ذمار) من (صنعاء) أو نحوها من المناطق الشمالية ولما حاذى غربي (ذمار) رأى فارساً قادماً لم يشك أنه (ذو معاهر) فلما تدانيا ترجلا وتعانقا بحرارة وقال (ذو معاهر) مبتسماً:
لقد اخترت للتعريف بنفسك ليلة لا تنسى وهي ليلة سمرنا البهيج في قصر (ذي ثات) وبمجرد قراءتي لهذه الأمارة عرفت أن القادم هو (معدي كرب ذو يزن) فسررت غاية السرور، وقد أخبرت الأقيال أن القادم هو أحد أبناء عمومتي، ولكننا في جلسة الليل السرية التي نعقدها كل ليلة سنبين كل شيء، فمرحباً بك أيها القيل الكبير بيننا.
وأضاف رجماً بالغيب: وسيقوى بك الأمر الذي نحن عليه بعد أن نبينه لك بتفاصيله.
فتكلم (معدي كرب) ساهماً وقال: لك الشكر أيها القيل الكبير، ولعل الرحمن بعونه يجمع الشمل، ويوحد الأقيال على الرأي السديد، ففي الوحدة واجتماع الكلمة يكون الخلاص من هذا البلاء الذي حل بالبلاد والعباد، كما أن الوحدة ضمان للحاضر والمستقبل، وفي الماضي كانت قوة اليمن تشتد وتتعزز بالوحدة، ولم يكن الضعف ينتابها إلا بالفرقة والخلاف بين أبنائها.
وأطرق (ذو معاهر) مفكراً وهو يعلم أن ما قاله القادم الجديد هو الحق الذي لا مراء فيه، ولكن جهود الأقيال في الكيد للأحباش قد قطعت شوطاً يقربها من النهاية، فقال بصدق:
إن الحق كل الحق هو فيما قلته يا ابن العم، ولكن الغاية الشريفة قد يكون لها سبيلان وكلاهما شريف ما دام يؤدي إليها.
وشدد على عبارة ((يا ابن العم)) ليذكره بأن اسمه سيظل عند (أبرهة) (عامر أريم المعاهري) حتى جلسة المساء السرية حيث سيعرف (الأقيال) الحقيقة.. أما القادم الجديد فقد لزم الصمت لأنهما كانا قد وصلا إلى المعسكر وأصبحا أمام سرادق (الأقيال) فدخلا وهب الجميع مرحبين بالقادم من (بني ذي معاهر)، فيتعانقون ونسمع:
أهلاً وسهلاً.. مرحباً بك.. مرحباً بالقادم الكريم.. ونحو ذلك من كلمات الترحيب.
ويجلسون برهة قصيرة ويقول (ذو معاهر):
لقد آن وقت الخروج للصيد، فهيا بنا إلى سرادق (أبرهة) وسنعرِّفه بالقادم الجديد من (بني ذي معاهر) وسيفرح به ليسأله عن ابنه (يكسوم) الذي عينه قيلاً على بلاد (ذي معاهر) وقبائلها، وسيسره أن يثني (عامر أريم) على ابنه وحسن سيرته.
وتوجه الجميع على خيولهم إلى سرادق (أبرهة) فاستقبلهم مرحباً ببشاشة لا يشك أدق الناس ملاحظة في صدقها، وقدم له (ذو معاهر) ابن عمه القادم الجديد قائلاً:
هذا أيها القائد الشجاع هو ابن عمي (عامر أريم) وهو آخر قادم من تلك المنطقة وعنده علم بأحوالها.
فانبلجت أسارير (أبرهة) وبرقت عيناه بسرور عارم، وعانقه بعنف غليظ وقال مرحباً:
أهلاً وسهلاً بك يا (ابن ذي معاهر) وإنني لمسرور بقدومك.
وبعد صمت قصير، ردد الكلام الذي طالما كرره فقال:
إن (بني ذي معاهر) أحب الناس إلي، وقد استبقت الجِلف (أرياط) قبل أن يولّي على بلادكم جلفاً من أجلافه فيسيء السيرة ويعيث في البلاد فساداً، فوليت إبني وأوصيته بحسن السيرة وأخذ حق المظلوم من الظالم، وإنصاف الضعيف من القوي، فكيف وجدتم سيرته فيكم؟
يطرق (معدي كرب) وهو هنا باسم (عامر أريم) ويقول:
إنه أيها القائد لكما تأمل، وهو بك يقتدي، وعلى نهجك يسير، ولا يُسَرّ الأبُ أن يفوقه أحدٌ في أعماله إلا أن يكون ابنه، فلتسرّ أيها القائد بأعمال ابنك.
يضحك (أبرهة) بابتهاج، ويقول:
لقد قلت كلاماً جميلاً، وسأكتب له أن يفوقني في كل شيء لأفرح به، وأكافِئُك يا (أخا ذي معاهر) فأدعوك للخروج معنا للصيد!
ويتوجه الجميع إلى خيولهم فيمتطونها ويخرجون من المعسكر متوجهين غرباً، ولم يكن الخروج للصيد إلا أمراً ظاهرياً أما الغاية فهي التباحث حول وسيلة الخلاص من (أرياط) فقد غرس الأقيال في نفس (أبرهة) فكرة الخلاص من خصمه ليكون الأمر له وهم معه، وفي تلك الأيام كان لا يزال في سهول اليمن وجبالها قطعان من الظباء والأوعال فكانوا يكلفون بعض مرافقيهم من الجنود بمطاردة ظبي هنا ووعل هناك لتضليل عيون (أرياط) وجواسيسه، أما الأقيال و(أبرهة) فكانوا يختارون مكاناً مناسباً للجلوس على شكل حلقة ليتحدثوا حول الأمر الذي هم فيه، وفي ذلك اليوم بعد أن جلسوا متحلقين افتتح الكلام القيل (ذو المعافر) مباشرة وبلا مقدمات –وهو أيضاً من دهاة الرجال- فقال:
ما هو القرار الأخير الذي اطمأن إليه قلبك أيها القائد؟
ويقول (أبرهة) بصرامة وكأنه قد أعد جوابه النهائي:
المبارزة.. ولا شيء غير المبارزة، ولا عودة إلى أي كلام سبق أن قلناه، وستترفع جنودنا كلها غداً نحو (صنعاء) وسأبارزه قبل الوصول إليها، فأنا أكره أن أدخلها معه وأشاهد ما سيلحقه ب(صنعاء) من الفظاعات، فأما أن أقتله وأدخلها بسلام وحدي، وإما أن يقتلني...
الأقيال يهمهمون ويردد كل واحد منهم عبارة مثل: لا قدر الرحمن ذلك... الرحمن أرحم بك وبالناس.. لن يكون هذا بقوة الرحمن.. سيكون الرحمن معك. ويستطرد أبرهة:
وإما أن يقتلني، ويدخل (صنعاء) بجنوده، وحينئذ فليكن الرحمن وابنه المسيح والروح القدس مع (صنعاء) مما سيحل بها على يد هذا الرجل الذي لا دين له ولا قلب.
يطرق الأقيال بحزن، ويتصدى (ذو المعافر) للكلام بدهاء وبلهجة تعجبية استنكارية فيقول:
يا لمقادير السماء! إنك (أبرهة الجعزيّ أبو يكسوم)، ذو العقل، والحكمة ، والشجاعة، والسياسة.. أَوَرجلٌ مثلك بهذه الصفات يبارز ذئباً بشرياً لا يمت إلى حضارتكم (الأكسومية) بصلة؟ ولا ندري من أي غابة جلبه (إيل أصبحة) ليرسله قائداً لجيشٍ أنت فيه واحدٌ من ضباطه.. ثم تحكم المقادير أن تبارزه أنت، فإن قتلته قتلت ذئباً لن يخسر الناس بموته شيئاً إلا ما سيُكفونه من شره، وإن –لا قدر الرحمن- قتلك، فقد الناس بك رجلاً وخسروا خيراً كثيراً.
ينظر (أبرهة) إلى (ذي المعافر) بمكرٍ ويتساءل ويقول:
عهدي بك يا (ذا المعافر) ممن لا يعاد عليهم الكلام، وقد قلنا أننا لن نعود إلى كلام سبق أن قلناه، ولمعرفتي بك فإنني أعتقد أن لكلامك هذا غايةً تريد الوصول إليها، فما هي غايتك أيها القيل المحنك؟
ذو المعافر: فيما قلته عنك لم أتملق، وفيما قلته عنه لم أبهته، وإني لأخشى، بل إني على يقين أن (أرياط) لن يبارزك بشرف مبارزة الند للند، ولكنه سيدبر أمراً فيه مكيدة كأن يرصد لك كميناً يمطرونك ب(مزاريقهم) بمجرد أن تهيء (مزراقك) للرمي فيقتلك غدراً ولن يحاسبه بعد ذلك أحد.
يُجيل (أبرهة) نظرة خوف على الحاضرين ويقول بقلق:
يا معشر الأقيال، لقد صدق القيل (ذو المعافر) ف(أرياط) لا يتورع عن شيء، فهو من قبيلة لا تزال على الوثنية ولا أثر فيها لمسيحية ولا أي دين قويم، فماذا ترون ؟
ينظر الأقيال إلى (ذي المعافر) ليكمل إحكام ما نسج فيقول:
أيها القائد الشجاع: إن من يدبر غدراً كمن يدبر جريمة، وإيقاف الجريمة قبل وقوعها عمل شريف تقره شرائع الأرض والسماء، وأرى على سبيل التحوط أن تُعِدَّ كميناً لإيقاف جريمة غدر (أرياط) قبل وقوعها، وإيقاف الجريمة بقتل مدبرها أكثر عدلاً من إيقافها بقتل منفذيها، ولهذا فليكن (أرياط) هو هدف الكمين الاحترازي.
ورغم أن (أبرهة) معروف بالشجاعة وبقدر من الورع المسيحي المتسامح، إلا أن كلام (ذي المعافر) قد وَقَر في نفسه فاقتنع بالفكرة مبرراً لنفسه بأن ذلك إنما هو من باب (التحوّط) و(الاحتراز) كما قال (ذو المعافر)، ولذلك فإنه بعد قليل من التفكير قال:
سنُعد هذا الكمين ولن يكون إلا من رجل واحد، ففي جندي محارب اسمه (أَرَنْجَدَه) هو أرمى خلق الله ب(المزاريق) وإنه بمزراقه ليصيب الطير في أجواز الفضاء.
واستكمالاً لخطته يقول (ذو المعافر):
تعلم أيها القائد أن الناس سيقفون صفين، رجالك في صف على يسارك، ورجال (أرياط) على يساره، فاجعل للكمين حفرة غير عميقة بإزائك بينك وبين رجالك، واجعل أقرب رجل إلى موقع كمينك إنساناً يتصف بالطول وحدة البصر وقوة الملاحظة، وأمره ألا يرفع بصره عما حول (أرياط) فإذا رأى للغدر أول بادرة فليهتف بصوت عالٍ يسمعه الجميع قائلاً: "غدروا يا (أَرَنْجَدَه)" فإذا قالها بادر (أرنجدة) مسرعاً برمي مزراقه حالاً إلى صدر (أرياط) وحبذا لو أصاب موضع القلب.
أبرهة: وفي جندي محاربٌ اسمه (قَسْوَرة) من أطول الناس قامة وأحدهم بصراً وأقواهم ملاحظة، وسأستدعي الرجلين إلى سرادقي وألقنهما هذه التعليمات، فمرحىً لك يا (ذا المعافر) من رجل داهية حكيم.
وأوشكت السماء على الغروب فنهض القوم وامتطوا خيولهم وعادوا إلى معسكرهم، وتوجه (أبرهة) إلى سرادقه واصطحب معه (ذا الكلاع) لأمر يريده، واتجه الأقيال إلى سرادقهم الواسع، وبعد استراحة قصيرة حضر طعام العشاء وهم في أحاديث متنوعة انتظاراً لعودة (ذي الكلاع) وبعد العشاء عاد (ذو الكلاع) فسألوه عن سر اصطحاب (أبرهة) له، فقال:
لقد طلب مني أن أبعث رسولاً إلى (وحاظة) وأن أطلب منهم إذا هم سمعوا بقتل (أرياط) أن يرسلوا حملةً للاستيلاء على (ظفار) واعتقال حامية (أرياط) فيها حتى يرى فيهم رأيه، وقال إنه وجنده سينطلقون غداً مبكرين ونحن معهم، واستنصحني أين يضرب معسكره غداً، فنصحته أن يُعَسكِر بين بلدة (ضاف) ونقيل (يكار –يسلح-).
واستدعى (ذو الكلاع) أحد رجاله وقال له:
انطلق غداً في الصباح الباكر إلى (وحاظة) ثم لقنه الرسالة لإبلاغها.
وجلس (ذو الكلاع) وأخذوا يتبادلون الأحاديث حتى يحين الموعد المحدد لإطفاء السرج والتظاهر بالنوم ثم النهوض لعقد اجتماعهم السري ليلاً كالعادة، فتم ذلك وكان أول حديثهم قول (ذي الكلاع) ل(ذي المعافر):
يا لك من رجل داهية لا يشق له غبار يا (ذا المعافر)، لقد أرعبت الرجل حتى ظهر الخوف في نظراته.
وقال ذو رعين موجهاً الكلام إلى ذي المعافر: أريد أن أعرف كيف جاءتك فكرة الكمين؟ وماذا تريد من ورائها؟
ذو المعافر: إذا كان هنالك كلبان.. كلب ينبح لك وكلب ينبح عليك ثم تهارشا، فأيهما تحب أن يقتل الآخر؟
ذو رعين: طبعاً أحب أن يُقْتَل الكلب الذي ينبح علي.
ذو المعافر: إذاً فدعوا هذا الأمر الآن، وسأحدثكم عن التفاصيل فيما بعد.
لاحظوا أن المصابيح قد أطفئت في سرادق (أبرهة)، فأطفأوا مصابيحهم ولزموا مضاجعهم لفترة مناسبة حتى همهم (ذو معاهر) فنهضوا وأشعلوا سراجاً واحداً وتحلقوا حوله في وسط السرادق، وكان أول المتكلمين هو (ذو معاهر) فقال بصوت خفيض:
أول ما أحب أن أعلمكم به أن ضيفنا القادم الجديد هو القيل الكبير (معدي كرب ذو يزن) وهو كما تعلمون ابن (سميفع أشوع) الملك المقتول ظلماً...
وكان البعض عالماً أما الآخرون فبدت على وجوههم الدهشة في ضوء السراج الشاحب وكرروا عبارات الترحيب مثل:
مرحباً يا (ذي يزن).. أهلاً بك بيننا... سعدنا بالتحاقك بنا...
أما (معدي كرب) فكان يكرر:
شكراً.. شكراً لكم.. أنا سعيد بوصولي إلى هنا.. أنا مهتم بما أسمع وأرى
ذو ثات: لقد لاحظت ولاحظنا جميعاً أنك في جلستنا غرب (ذمار) لم تتكلم ولم تشارك برأي، وكان الرجل ينظر إليك بريبة بين حين وآخر، ولكنك لم تتكلم أبداً.
معدي كرب: لقد كنت أقلب له كفيّ وأميل برأسي إشارة إلى عدم معرفتي ما دار من قبل، فدعه يعتقد أن ذلك لعدم علمي بالأحاديث السابقة.
يتساءل (ذو المعافر) بدهاء: والحقيقة؟!
معدي كرب: الحقيقة أنتم تعرفونها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.