ثعلب يمني ذكي خدع الإمام الشافعي وكبار العلماء بطريقة ماكرة    قطوف مدهشة من روائع البلاغة القرآنية وجمال اللغة العربية    بعد خطاب الرئيس الزبيدي: على قيادة الانتقالي الطلب من السعودية توضيح بنود الفصل السابع    الحرب القادمة في اليمن: الصين ستدعم الحوثيين لإستنزاف واشنطن    الحوثي والحرب القادمة    كيف تفكر العقلية اليمنية التآمرية في عهد الأئمة والثوار الأدوات    الأكاديمي والسياسي "بن عيدان" يعزّي بوفاة الشيخ محسن بن فريد    بمنعهم طلاب الشريعة بجامعة صنعاء .. الحوثيون يتخذون خطوة تمهيدية لإستقبال طلاب الجامعات الأمريكية    تفاصيل قرار الرئيس الزبيدي بالترقيات العسكرية    المشرف العام خراز : النجاحات المتواصلة التي تتحقق ليست إلا ثمرة عطاء طبيعية لهذا الدعم والتوجيهات السديدة .    شيخ حوثي يعلنها صراحة: النهاية تقترب واحتقان شعبي واسع ضد الجماعة بمناطق سيطرتها    الحوثيون يزرعون الموت في مضيق باب المندب: قوارب صيد مفخخة تهدد الملاحة الدولية!    أرسنال يفوز من جديد.. الكرة في ملعب مان سيتي    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    الحوثيون يلفظون أنفاسهم الأخيرة: 372 قتيلاً خلال 4 أشهر    مارب.. تكريم 51 حافظاً مجازاً بالسند المتصل    " محافظ شبوة السابق "بن عديو" يدقّ ناقوس الخطر: اليمن على شفير الهاوية "    رسالة حوثية نارية لدولة عربية: صاروخ حوثي يسقط في دولة عربية و يهدد بجر المنطقة إلى حرب جديدة    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يفوز على مايوركا ويقلص الفارق مع برشلونة    مأرب تغرق في الظلام ل 20 ساعة بسبب عطل فني في محطة مأرب الغازية    مقرب من الحوثيين : الأحداث في اليمن تمهيد لمواقف أكبر واكثر تأثيرا    ريال مدريد يسيطر على إسبانيا... وجيرونا يكتب ملحمة تاريخية تُطيح ببرشلونة وتُرسله إلى الدوري الأوروبي!    17 مليون شخص يواجهون حالة انعدام الأمن الغذائي باليمن.. النقد الدولي يحذر من آثار الهجمات البحرية    تكريم مشروع مسام في مقر الأمم المتحدة بجنيف    يا أبناء عدن: احمدوا الله على انقطاع الكهرباء فهي ضارة وملعونة و"بنت" كلب    الحوثيون يستعدون لحرب طويلة الأمد ببنية عسكرية تحت الأرض    الثلاثاء القادم في مصر مؤسسة تكوين تستضيف الروائيين (المقري ونصر الله)    #سقطرى ليست طبيعة خلابة وطيور نادرة.. بل 200 ألف كيلومتر حقول نفط    آرسنال يفوز على بورنموث.. ويتمسك بصدارة البريميرليج    مكتب الأوقاف بمأرب يكرم 51 حافظاً وحافظة للقران من المجازين بالسند    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و654 منذ 7 أكتوبر    نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين تصدر بيانا مهما في اليوم العالمي لحرية الصحافة (3 مايو)    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    أول مسؤول جنوبي يضحي بمنصبه مقابل مصلحة مواطنيه    الرئيس الزُبيدي : نلتزم بالتفاوض لحل قضية الجنوب ولا نغفل خيارات أخرى    الرئيس العليمي يوجه بالتدخل العاجل للتخفيف من آثار المتغير المناخي في المهرة    بدء دورة للمدربين في لعبة كرة السلة بوادي وصحراء حضرموت    تعز مدينة الدهشة والبرود والفرح الحزين    المخا الشرعية تُكرم عمّال النظافة بشرف و وإب الحوثية تُهينهم بفعل صادم!    اسقاط اسماء الطلاب الأوائل باختبار القبول في كلية الطب بجامعة صنعاء لصالح ابناء السلالة (أسماء)    تن هاغ يعترف بمحاولةا التعاقد مع هاري كاين    معركة مع النيران: إخماد حريق ضخم في قاعة افراح بمدينة عدن    أفضل 15 صيغة للصلاة على النبي لزيادة الرزق وقضاء الحاجة.. اغتنمها الآن    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب ( 12 12 )
نشر في المؤتمر نت يوم 30 - 04 - 2009

ارتبط صعود الصحوة الجديدة للاسلام السياسي في اليمن والسعودية بانتشار ظواهر التشدد في ممارسة التدين السني الحنبلي الوهابي لجهة تعظيم ما يسميه بعض المحللين ( اسلام المظاهر ) أو (الإسلام القشري) مثل: إعفاء اللحية، وتحريم إسبال الثياب ، وتكفير الغناء والموسيقى والفنون والرسوم والتصوير ،والتحريض على معادة غير المسلمين وكراهيتهم ، حيث درج الصحويون على ربط هذه المسائل بعقيدة ( الولاء والبراء ا ) التي يعترونها ركنا من أركان الدين الاسلامي .
والثابت أن عقيدة الولاء والبراء كانت ولا زالت بمثابة الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الاخواني الصحوي في اليمن والسعودية وسائر البلدان العربية ، قبل أن تتحول الى عقيدة سياسية ودينية للجماعات الجهادية السلفية الارهابية وفي مقدمتها تنظيم ( القاعدة ) على نحو ما أوضحه القائد الثاني والمنظر الايديولوجي لهذا التنظيم الارهابي الدكتور أيمن الظواهري ، في كتابه الشهير ( الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود ) الذي زعم فيه أن الولاء والبراء فريضة الهية لايكون إيمان المسلم إلا بها .
بوسع من يقرأ كتاب الظواهري عن الولاء والبراء أن يلاحظ تطابقا تاما بين أفكاره بهذا الشأن و أفكار شيوخ الحركة الصحوية في اليمن والسعودية وأبرزهم محمد بن عقلاء الشعيبي وربيع بن هادي المدخلي وعلي الخضير وناصر الفهد و محمد سرور بن نايف زين العابدين وعبدالمجيد الزنداني وياسين عبدالعزيز وعبدالله صعتر وعبدالوهاب الديلمي وغالب عبدالكافي القرشي وغيرهم ممن لا يتسع الحيز لذكر أسمائهم .
وبحسب هذه الايديولوجيا التي يسترشد بها الصحويون ، تعد علاقات الصداقة بين الدول والشعوب والمجتمعات الاسلامية مع غير المسلمين كفرا وخروجا صريحا عن الدين ، ويندرج ضمن الكفر والخروج عن أول الدين إكرام غير المسلمين عندما يزورون ديار الاسلام أو يعيشون فيها بدعوى أنهم ضيوف مستأمنون ، كما لا يتجوز المشاركة في أفراحهم والتعزية في أحزانهم سواء في ما يسميه الصحويون ( دار الكفر ) أو ( دار الاسلام ) !!
لا يكتفي الصحويون بهذا القدر من تعريف عقيدة الولاء والبراء ، بل أنهم يذهبون الى أبعد من ذلك ، حيث يحرمون الالتزام بتنفيذ أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقوانين المدنية التي تساوي في العقوبات بين المسلمين وغير المسلمين وبين الرجال والنساء . كما يحرم الصحويون التعاملاات بين المسلمين وغير المسلمين من خلال مواثيق واتفاقيات دولية لم يتحدث عنها الفقهاء الأسلاف . كما أنهم يحرمون أيضا الاشادة بما وصل اليه غير المسلمين من تقدم تكنولوجي وحضاري ، ويدخلون في فسطاط الكفر كل من يدعو الى الحوار معهم ، ويأخذ من علومهم ونظمهم ن وكل من لا يعلن البراء منهم من خلال إظهار العداوة والبغضاء والكراهية لغير المسلمين ، وتجنب توجيه التحية لهم أو مصافحتهم ، ورفض تقليدهم في اللباس والعيش والسكن !!
وانطلاقا من مفهوم الحركة الصحوية الاخوانية للولاء والبراء بما هي الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي لا يعترف الصحويون السلفيون( بشقيهم المدني السلمي والجهادي الارهابيا ) بلولاء الوطني ، بل أنهم يستبدلونه بالولاء الديني العقدي الذي يتذرعون به في تحريضهم على خروج الشباب إلى الأقطار الأخرى لقتال غير المسلمين تحت مسمى الجهاد في سبيل الله !
ولاريب في ان نشر فكرة الولاء للعقيدة على حساب الولاء الوطني، يفسر لنا تعاطف شريحة كبيرة من المواطنين والشبان اليمنيين والسعوديين مع الحركات الجهادية في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي اليمنية والسعودية ذاتها!
فالصحويون لا يؤمنون بمبدأ الولاء للوطن إنطلاقا من آيديولوجيا الولاء والبراء التي استبعدت القضايا الوطنية من الخطاب الإعلامي الصحوي العربي واليمني والسعودي،
حيث يتم تعبئة الناس ضد الدولة الوطنية، وتحريضهم على إضعافها والتمرد عليها في سبيل بناء الدولة الأمة، وإقامة نظام الخلافة الذي يعتبر هدفاً استراتيجياً للاسلام السياسي منذ انبعاثه الجديد على يد جماعة الاخوان المسلمين منذ تأسيسيها كرد فعل على إلغاء نظام الخلافة وإقامة النظام الجمهوري في تركيا بعد قيام الثورة التركية بقيادة كمال اتاتورك والتي كانت بدورها نتيجة طبيعية لتحلل نظام الخلافة وهزيمته في الحرب العالمية الأولى.
تأسيسا على ذلك يرى الشيخ الزنداني بحسب ما قاله في الحوار الذي أجرته معه صحيفة ( الوسط ) ونشرته في عددها رقم 233 الصادر يوم الاربعاء 1 أبريل 2009م ان الكيان الاسلامي لا يعرف الحدود بين البلدان الاسلامية ، حيث يحق للمجاهدين التطوع لقتال العدو الكافر إذا عجزت الجيوش الاسلامية الرسمية من أداء هذا الواجب (الشرعي ) أو امتنعت عن القيام به ، بمعنى عدم الاعتراف بالسيادة الوطنية للدول والحكومات الاسلامية على أراضيها وحدودها .
من جانبه لا يعترف الشيخ سلمان العودة بحقيقة الوطن ، حيث يقول في كتابه ( رسالة من وراء القضبان) :
( ولست أبغي سوى الإسلام لي وطنا
الشام فيه وباكستان سياني
وحيثما ذكر اسم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني )
ثم يضيف قائلا :
( لا يوجد شيئ اسمه قضية أو قضايا وطنية ..قضيتنا قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام ) .
ولئن كان خطر الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الصحوي يكمن في عدم الاعتراف بفكرة الوطن الذي يستبدله الصحويون بفكرة بالكيان الاسلامي ، فإن خطورة هذه الايديولوجيا تتسع حين يخرج الصحويون كل المسلمين الذين يخالفونهم الرأي والفكر من دائرة الاسلام ويرمونهم بالكفر والشرك ، حيث لا يسقط عنهم حق الانتماء الى الدين بل وحق المواطنة الاسلامية أيضا . وهو ما يمكن الاستدلال عليه من كتيب للشيخ سفر الحوالي بعنوان ( الأقلية حين تتحكم بالاغلبية ) الذي قال فيه : ( لا نؤمن بالوطنية ولا بالقومية .. بل كلها عصبية جاهلية وضعها الرسول تحت قدميه .. وفي هذه البلاد يولد الشيعي ويموت شيعيا دون أن يحاسبه أحد بحجة أنه مواطن لا يتعدى على قوانين الدولة ولم يقصر في واجب ما يسميها العلمانيون المواطنة.. أما ما يعتقده أهل السنة في الشيعة وغيرهم قاتلهم الله ، وما يجب عليهم من بيان الحق ودعوة الأمة الى العقيدة الصحيحة فهذا واجب ديني تجاه كل من يعيش في دار الاسلام ولا يجوز للحكومة الاسسلامية إسقاطه بحجة ما يسمى احترام حقوق المواطنة المتساوية بين أتباع المذاهب الاسلامية المختلفة كما يروق للبعض إطلاقه على الفرق الضالة والمشركة ) .
ما من شك في أن إطلالة بسيطة على الحهاز المفاهيمي لعقيدة الولاء والبراء في منظور الصحوة الجديدة للاسلام السياسي ، سوف تساعد على إعادة ااكتشاف مفاعيل البيئة الثقافية التي ساهمت الحركة الصحوية في تشكيلها وتغذيتها بالأفكار التكفيرية التي مهدت الطريق لتأصيل ثقافة العنف والارهاب في اليمن والسعودية على تربة التزاوج بين الفكر الاخواني القطبي والفكر الوهابي السلفي ، وكلاهما ينطويان على نزعة تكفيرية بامتياز .
وكان المفكر والداعية الاسلامي السعودي الشيخ حسن بن فرحان المالكي قد أصدر كتابا بعنوان ( محمد بن عبدالوهاب داعية وليس نبيا ) وجه فيه نقدا شديدا لجذور الحركات التكفيرية في الفكر الوهابي ، مشيرا الى ان النقاد بالغوا في نقد سيد قطب لأنهم وجدوا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، لكن الشيخ محمد بن عبد\الوهاب قام بتوسيع دائرة التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه!
ويشدد الشيخ حسن بن فرحان المالكي على ضرورة ( بيان أخطاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب في جانب التكفير، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون لتكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب، وقد رأينا فتاوى لبعضهم في الحكم بردة بعض الناس الى درجة تبادل التكفير بين علماء الدعوة أنفسهم عندما اختلف ولدا الأمير فيصل بن تركي (عبد الله وسعود) رحمهم الله، فكان مع كل أمير علماء يكفرون الطائفة الأخرى ) !!!
ويرصد الشيخ المالكي في كتاب (الدرر السنية) مجلدين كبيرين بعنوان (الجهاد)، كلهما في جهاد المسلمين، وليس فيه حرف واحد في جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى، مع أن بلاد المسلمين المجاورة في الخليج والعراق والشام كان فيها مستعمرون محتلون غير مسلمين!!!؟؟
ويذهب المالكي الى تعريف (الفوضى التكفيرية) بوصفها (( نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي توسع في التكفير، حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها. بل حركة الحرم وأصحاب التفجير في العليا والمحيا وغيرها من المدن السعودية ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير )) !!.
في الحلقات السابقة من هذا المقال سبق لي القول أن الاسلام السياسي شهد تحولا خطيرا بعد التزاوج الذي تم بين الاخوان المسلمين والمؤسسة الدينية غير الرسمية في المملكة العربية السعودية على تربة الصدام بين جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو من جهة، وبين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بعد فرار الاخوان الى السعودية عقب فشل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر التي خطط لها الجهاز السري الخاص للاخوان ونفذها في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954م ، ما أدى الى صدور قرار من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو بحل تنظيم الاخوان وهجرة قياداته وكوادره الى السعودية ، الأمر الذي أسفر عن إعادة بناء الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي على تربة تكفير المجتمع العربي والاسلامي والنظام الدولي وتقسيم العالم الواقعي الى فسطاط للامان وآخر للكفار وغيره ذلك من الأفكار المتطرفة التي تبلورت في كتاب معالم على الطريق للمفكر الاخواني سيد قطب ، ثم تبلورت في ما تُسمى الصحوة الاسلامية والفكر الصحوي ، خصوصا بعد اختلاط الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي بمخرجات فقه عصر الانحطاطة والفكر الوهابي التكفيري في بيئة الجهاد الأفغاني التي لا يجب إنكار وتبرئة الإخوان ودور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في صناعة تلك البيئة الجهادية التي ألحقت كوارث خطيرة بالعالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي جعل الأخوان المسلمون من أراضيها ومؤسساتها الخيرية منشأ ً للايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي. ولعل ذلك يفسر المعاني العميقة للتصريح الشهير الذي أصدره الأمير نائف بن عبدالعزيز عام 2004 وتداولته على نطاق واسع الاعلام السعودية والعربية والعالمية ، والذي أتهم فيه الإخوان المسلمين بأنهم أصل المصائب في العالم العربي والإسلامي .
ومن نافل القول أن المملكة العربية السعودية دفعت ثمنا كبيرا من جراء انتشار الفكر الضال والثقافة المتطرفة في المجتمع السعودي من خلال المناهج الدراسية والمدارس الدينية وتكايا المساجد والجمعيات الخيرية والتجمعات والمخيمات الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن ، بالإضافة إلى نمط الحياة المتشددة الذي يحاول المتطرفون تسويقه وفرضه بالقوة تحت واجهة حماية الفضيلة وردع المنكرات، عبر تحريم الغناء والموسيقى والألعاب الرياضية والسينما ومختلف الفنون، وصولاً إلى تكفير المجتمع والدولة وممارسة الإرهاب والعنف ضد مؤسسات الدولة والتجمعات السكنية والمواطنين الأبرياء.
من يتابع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في السعودية سيلاحظ بكل وضوح أن الأفكار المتطرفة تتراجع في بلد المنشأ، وأن الحوار مع تنظيم ( القاعدة ) الذي يدعوا اليه بعض الصحويين في اليمن ليس جديداً أو إختراعا يمنيا ً.. فقد كان شيوخ الحركة الصحوية في السعودية سباقين في ذلك ، بيد أنهم فوجئوا بموقف رافض وحازم من الحكومة السعودية التي رفضت الحوار مع الارهاب واستبدلته بما تسمى بلجان المناصحة التي كانت ولا زالت تتحاور مع أعضاء وأتباع القاعدة من المتورطين في جرائم إرهابية في السجون السعودية على غرار ما كان يفعله الأخ القاضي حمود الهتار مع الموقوفين في سجون الأمن السياسي .
لا أريد أن أعلق على نتائج حوارات القاضي حمود الهتار التي يرى كثيرون أنها لم تمنع استمرار الجرائم الإرهابية ، ناهيك عن الأسرار الخطيرة التي كشفها ناصر البحري سائق أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في حوار مهم جدا نشره موقع ( نيوز يمن ) بتاريخ 8 يوليو 2007 وأعادت نشره صحيفة ( الوسط ) آنذاك ، كشف فيها النقاب عن أسرار مثيرة تتعلق بكيفية تعاطي أعضاء وأتباع تنظيم ((القاعدة)) مع حوارات الهتار!!، لكنني سأتحدث حول نتائج عمل لجان المناصحة في السعودية والتي لم يكن لها أي تأثير على وقف انتشار الجرائم الإرهابية في السعودية . مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة مواجهة جادة للإرهاب في السعودية تتمحور بدرجة رئيسية حول تجفيف وسد منابع الثقافة المتشددة والأفكار المتطرفة في مناهج التعليم والمساجد والجمعيات الخيرية والخطاب الديني والمناشط الدعوية بأشكال ووسائل مختلفة .. ولعل من يقرأ الصحف السعودية اليومية ملاحظة أنها أكثر جرأة وجدية في مواجهة هذه الثقافة في بلد المنشأ قياسا إلينا في اليمن. وكانت الصحف السعودية قد نشرت في العام الماضي أراء كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين بشأن حال الفكر المتطرف في السعودية وحال لجان المناصحة التي أعاد القاضي الهتار إنتاجها في اليمن !!
وبوسعي القول استنادا الى معطيات نشرتها الصحف السعودية ، أن حملة ( المناصحة ) ظلت مقصورة على الموقوفين في السجون بتهمة اعتناق الفكر المتشدد. وهدفها تغيير قناعاتهم الناشئة عن بعض التأويلات لبعض النصوص الدينية التي يسوغون بها الأفكار التي يعتقدون بها والجرائم الارهابية التي ينفذونها. وقد لفت هذا التزايد في أعداد معتنقي هذا الفكر أنظار المسؤولين السعوديين في الجامعات والصحافة وأجهزة الأمن ، مما جعلهم يدركون حقيقة أن وقف انتشار هذا الفكر الضال لا يتطلب " مناصحة " مَن وقع في الشَّرَك فقط أو الحوار معه على طريقة القاضي حمود الهتار ، بل لابد من تجفيف المنابع الحاضنة التي تغذيه وتنميه وتنشره بين صغار السن خاصة. وقد أشار كثير من الكتّاب والباحثين السعوديين منذ سنوات إلى بعض تلك المنابع وفي مقدمتها المدارس وبعض النشاطات التي تقام في المساجد وبعض النشاطات في “المخيمات الصيفية"، واستغلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية .
وكما هو معروف فقد تعرض بعض هؤلاء الكتاب والباحثين لكثير من اللوم والتشنيع والتهديد من قبل الذين يدافعون بحسن نية أو بسوئها عن الممارسات الخطرة التي كانت تنشط في البيئة الثقافية والاجتماعية السعودية ، شانهم في ذلك شأن نظرائهم الذين لا يزالون يواجهون معاناة مماثلة في اليمن ، خصوصا في ظل تزايد النشاط المحموم لنشر الأفكار التكفيرية التي تعتبر الغناء والموسيقى حراما وكفرا بواحا ، وتصف الذين يطالبون بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة ، وتمنع مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل وتجيز زواج القاصرات والأطفال الاناث ، بأنهم ينفذون مخططا يهوديا وعلمانيا معاديا للاسلام ، حيث بدأ المتشددون يطالبون قيادة الدولة جهارا نهارا بتمكينهم من التحول الى رجال اكليروس في الدولة والمجتمع ، وانشاء محاكم تفتيش دفاعا عن الفضيلة وتكوين شرطة دينية لهدم البيوت وتنفيذ الحدود بالشبهات ، وملاحقة وإيذاء الناس والعائلات في المصانع والجامعات وأماكن العمل و المنازل والشوارع والشواطئ تحت غطاء الولاء والبراء ، وحماية الفضيلة و النهي عن المنكرات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.