الحكومة اليمنية ترحب بقرار إسبانيا والنرويج وايرلندا الإعتراف بدولة فلسطين مميز    خبير عسكري سعودي يعلق على خطاب القيادي الحوثي: "المشاط يقول عين الصواب والعقل والمنطق"!    سيلفا: الصدارة هدفنا الدائم في الدوري الانكليزي    جوارديولا يفوز بجائزة أفضل مدرب في الدوري الانجليزي للموسم 2023-2024    مفاوضات إيجابية بين بايرن ميونخ وخليفة توخيل    اليابان تسجل عجزاً تجارياً بلغ 3 مليارات دولار    بتصريح ناري.. نائب رئيس الانتقالي بن بريك: غرقنا في الفساد الذي غرقت فيه الشرعية    الاتحاد الأوروبي يجدد التزامه بوحدة اليمن وجامعة الدول العربية تبعث تهنئة للرئيس العليمي    الخارجية الأمريكية تهنئ حكومة وشعب اليمن بناسبة عيد الوحدة اليمنية    رونالدو على رأس قائمة منتخب البرتغال في بطولة أمم أوروبا    نافذون حوثيون يسطون على مقبرة في بعدان شرق محافظة إب    عرض عسكري في مأرب احتفاء بالعيد الوطني ال 34 للجمهورية اليمنية 22 مايو    انقلاب حافلة محملة بالركاب جنوبي اليمن وإصابة عدد منهم.. وتدخل عاجل ل''درع الوطن''    أغادير تستضيف الملتقى الأفريقي المغربي الأول للطب الرياضي    اعلان القائمة الموسعة لمنتخب الشباب بدون عادل عباس    إعدام رجل وامرأة في مارب.. والكشف عن التهمة الموجهة ضدهما (الأسماء)    ورحل نجم آخر من أسرة شيخنا العمراني    22 مايو لا عظيم ولا حدثآ تاريخيا    الأحزاب اليمنية حائرة حول القضية الجنوبية.. هل هي جزئية أم أساسية    الحاكم اليمني النازح الذي عجز عن تحرير أرضه لم ولن يوفر الخدمات لأرض غيره    في ذكرى عيد الوحدة.. البرنامج السعودي لإعمال اليمن يضع حجر الأساس لمشروع مستشفى بمحافظة أبين    هل ستُصبح العملة الوطنية حطامًا؟ مخاوف من تخطي الدولار حاجز 5010 ريال يمني!    مفاتيح الجنان: أسرار استجابة الدعاء من هدي النبي الكريم    "دمت تختنق" صرخة أهالي مدينة يهددها مكب النفايات بالموت البطيء!    الرئيس العليمي يبشر بحلول جذرية لمشكلة الكهرباء    بطل صغير في عدن: طفل يضرب درسًا في الأمانة ويُكرم من قِبل مدير الأمن!    رئيس إصلاح المهرة: الوحدة منجز تاريخي ومؤتمر الحوار الوطني أنصف القضية الجنوبية    "العدالة تنتصر.. حضرموت تنفذ حكم القصاص في قاتل وتُرسل رسالة قوية للمجرمين"    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن والمواطنة في ميزان الاسلام السياسي
نشر في براقش نت يوم 12 - 10 - 2013

ارتبط صعود الصحوة الجديدة للإسلام السياسي في اليمن والسعودية بانتشار ظواهر التشدد في ممارسة التدين السني الحنبلي الوهابي لجهة تعظيم ما يسميه بعض المحللين (إسلام المظاهر) أو (الإسلام القشري) مثل: إعفاء اللحية، وتحريم إسبال الثياب، وتكفير الغناء والموسيقى والفنون والرسوم والتصوير،والتحريض على معاداة غير المسلمين وكراهيتهم ، حيث درج الصحويون على ربط هذه المسائل بعقيدة ( الولاء والبراء) التي يعتبرونها ركناً من أركان الدين الإسلامي.
والثابت أن عقيدة الولاء والبراء كانت وما زالت بمثابة الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي الإخواني الصحوي في اليمن والسعودية وسائر البلدان العربية، قبل أن تتحول إلى عقيدة سياسية ودينية للجماعات الجهادية السلفية الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم (القاعدة) على نحو ما أوضحه القائد الثاني والمنظر الايديولوجي لهذا التنظيم الإرهابي الدكتور أيمن الظواهري، في كتابه الشهير (الولاء والبراء عقيدة منقولة وواقع مفقود) الذي زعم فيه أن الولاء والبراء فريضة الهية لايكون إيمان المسلم إلا بها .
بوسع من يقرأ كتاب الظواهري عن الولاء والبراء أن يلاحظ تطابقاً تاماً بين أفكاره بهذا الشأن و أفكار شيوخ الحركة الصحوية في اليمن والسعودية وأبرزهم محمد بن عقلا الشعيبي، وربيع بن هادي المدخلي، وعلي الخضير وناصر الفهد و محمد سرور بن نايف زين العابدين وعبدالمجيد الزنداني وياسين عبدالعزيز وعبدالله صعتر وعبدالوهاب الديلمي وغيرهم ممن لا يتسع الحيز لذكر أسمائهم.
وبحسب هذه الايديولوجيا التي يسترشد بها الصحويون ، تعد علاقات الصداقة بين الدول والشعوب والمجتمعات الاسلامية مع غير المسلمين كفرا وخروجا صريحا عن الدين ، ويندرج ضمن الكفر والخروج عن أول الدين إكرام غير المسلمين عندما يزورون ديار الاسلام أو يعيشون فيها بدعوى أنهم ضيوف مستأمنون ، كما لا تجوز المشاركة في أفراحهم والتعزية في أحزانهم سواء في ما يسميه الصحويون ( دار الكفر ) أو ( دار الاسلام ) على نحو ما جاء في فتوى أصدرتها ما تسمى الهيئة الشرعية للإصلاح في مصر التي كان يترأسها خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة ( الاخوان المسلمين ) أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسي !!
لا يكتفي الصحويون بهذا القدر من تعريف عقيدة الولاء والبراء ، بل إنهم يذهبون الى أبعد من ذلك، حيث يحرمون الالتزام بتنفيذ أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقوانين المدنية التي تساوي في العقوبات بين المسلمين وغير المسلمين وبين الرجال والنساء . كما يحرم الصحويون التعاملات بين المسلمين وغير المسلمين من خلال مواثيق واتفاقيات دولية لم يتحدث عنها الفقهاء الأسلاف .
كما أنهم يحرمون أيضا الاشادة بما وصل اليه غير المسلمين من تقدم تكنولوجي وحضاري ، ويدخلون في فسطاط الكفر كل من يدعو الى الحوار معهم ، ويأخذ من علومهم ونظمهم وكل من لا يعلن البراء منهم من خلال إظهار العداوة والبغضاء والكراهية لغير المسلمين ، وتجنب توجيه التحية لهم أو مصافحتهم ، ورفض تقليدهم في اللباس والعيش والسكن !!
وانطلاقا من مفهوم الحركة الصحوية الاخوانية للولاء والبراء بما هي الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي ، لا يعترف الصحويون السلفيون( بشقيهم المدني السلمي والجهادي الارهابي ) بالولاء الوطني ، بل أنهم يستبدلونه بالولاء الديني العقدي الذي يتذرعون به في تحريضهم على خروج الشباب إلى الأقطار الأخرى لقتال غير المسلمين تحت مسمى الجهاد في سبيل الله !
ولاريب في ان نشر فكرة الولاء للعقيدة على حساب الولاء الوطني، يفسر لنا تعاطف شريحة كبيرة من المواطنين والشبان اليمنيين والسعوديين مع الحركات الجهادية في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي اليمنية والسعودية ذاتها!! .. فالصحويون لا يؤمنون بمبدأ الولاء للوطن إنطلاقاً من آيديولوجيا الولاء والبراء التي استبعدت القضايا الوطنية من الخطاب الإعلامي الصحوي العربي واليمني والسعودي، حيث يتم تعبئة الناس ضد الدولة الوطنية، وتحريضهم على إضعافها والتمرد عليها في سبيل بناء الدولة الدينية، وإقامة نظام الخلافة الذي يعتبر هدفاً استراتيجياً للاسلام السياسي منذ انبعاثه الجديد على يد جماعة الاخوان المسلمين كرد فعل على إلغاء نظام الخلافة وإقامة النظام الجمهوري في تركيا ، بعد قيام الثورة التركية بقيادة كمال اتاتورك والتي كانت بدورها نتيجة طبيعية لتحلل نظام الخلافة وهزيمته في الحرب العالمية الأولى.
تأسيساً على ذلك يرى الشيخ الزنداني بحسب ما قاله في الحوار الذي أجرته معه صحيفة ( الوسط) ونشرته في عددها رقم 233 الصادر يوم الاربعاء 1 أبريل 2009م ان الكيان الاسلامي لا يعرف الحدود بين البلدان الاسلامية، حيث يحق للمجاهدين التطوع لقتال العدو الكافر إذا عجزت الجيوش الاسلامية الرسمية عن أداء هذا الواجب (الشرعي) أو امتنعت عن القيام به ، بمعنى عدم الاعتراف بالسيادة الوطنية للدول والحكومات الاسلامية على أراضيها وحدودها.
من جانبه لا يعترف الشيخ سلمان العودة بحقيقة الوطن ، حيث يقول في كتابه ( رسالة من وراء القضبان) : (ولست أبغي سوى الإسلام لي وطنا الشام فيه وباكستان سياني وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني ) ثم يضيف قائلاً : ( لا يوجد شيء اسمه قضية أو قضايا وطنية .. قضيتنا هي قضية الإسلام والمسلمين في كل مكان، ينبغي أن تزول فكرة الحواجز والحدود والسدود والموانع التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما كان أو مظلوما كما أمر النبي عليه الصلاة والسلام).
ولئن كان خطر الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي الصحوي يكمن في عدم الاعتراف بفكرة الوطن الذي يستبدله الصحويون بفكرة الكيان الاسلامي ، فإن خطورة هذه الايديولوجيا تتسع حين يخرج الصحويون كل المسلمين الذين يخالفونهم الرأي والفكر من دائرة الاسلام ويرمونهم بالكفر والشرك ، حيث لا يسقط عنهم حق الانتماء الى الدين بل وحق المواطنة الاسلامية أيضاً.. وهو ما يمكن الاستدلال عليه من كتيب للشيخ سفر الحوالي بعنوان ( الأقلية حين تتحكم بالاغلبية ) الذي قال فيه : ( لا نؤمن بالوطنية ولا بالقومية .. بل كلها عصبية جاهلية وضعها الرسول تحت قدميه .. وفي هذه البلاد يولد الشيعي ويموت شيعياً من دون أن يحاسبه أحد بحجة أنه مواطن لم يتعد على قوانين الدولة ولم يقصر في واجب ما يسميها العلمانيون المواطنة.. أما ما يعتقده أهل السنة في الشيعة وغيرهم قاتلهم الله ، وما يجب عليهم من بيان الحق ودعوة الأمة الى العقيدة الصحيحة فهذا واجب ديني تجاه كل من يعيش في دار الاسلام ولا يجوز للحكومة الاسلامية إسقاطه بحجة ما يسمى احترام حقوق المواطنة المتساوية بين أتباع المذاهب الاسلامية المختلفة كما يروق للبعض إطلاقه على الفرق الضالة والمشركة ).
ما من شك في أن إطلالة بسيطة على الجهاز المفاهيمي لعقيدة الولاء والبراء في منظور الصحوة الاخوانية الجديدة للاسلام السياسي، سوف تساعد على إعادة اكتشاف مفاعيل البيئة الثقافية التي ساهمت الحركة الصحوية في تشكيلها وتغذيتها بالأفكار التكفيرية التي مهدت الطريق لتأصيل ثقافة العنف والارهاب في اليمن والسعودية على تربة التزاوج بين الفكر الاخواني القطبي والفكر الوهابي السلفي، وكلاهما ينطويان على نزعة تكفيرية بامتياز .
كان المفكر والداعية الاسلامي السعودي الشيخ حسن بن فرحان المالكي قد أصدر كتاباً بعنوان (محمد بن عبدالوهاب داعية وليس نبياً) وجه فيه نقداً شديداً لجذور الحركات التكفيرية في الفكر الوهابي، مشيرا الى ان النقاد بالغوا في نقد الداعية الإخواني سيد قطب لأنهم وجدوا في (متشابه) كلامه ما يوحي بالتكفير، لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب قام بتوسيع دائرة التكفير في (صريح) كلامه لا متشابهه، واعترف بأنه يقاتل «كفاراً» ينطقون بالشهادتين ويصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون ويزكون !!؟ .. علماً بأن هؤلاء الذين يعتبرهم الشيخ محمد بن عبدالوهاب كفاراً هم مسلمون يخالفونه في آرائه وأفكاره.
ويشدد الشيخ حسن بن فرحان المالكي على ضرورة ( بيان أخطاء الشيخ محمد بن عبدالوهاب في جانب التكفير، لأن المجتمع السعودي علماؤه وطلاب العلم فيه تربوا على فتاوى الشيخ وعلماء الدعوة الذين كانوا يميلون إلى تكفير المسلمين، ولابد أن يتأثر بعضهم بهذا الجانب، وقد رأينا فتاوى لبعضهم في الحكم بردة بعض الناس الى درجة تبادل التكفير بين علماء الدعوة أنفسهم عندما اختلف أولاد الأمير فيصل بن تركي (عبد الله وسعود) رحمهم الله، فكان مع كل أمير علماء يكفرون الطائفة الأخرى ) !!!
وقد رصد الشيخ المالكي في كتاب (الدرر السنية) للشيخ محمد بن عبدالوهاب مجلدين كبيرين بعنوان (الجهاد)، كلاهما في جهاد المسلمين، وليس فيهما حرف واحد في جهاد الكفار الأصليين من اليهود والنصارى، مع أن بلاد المسلمين المجاورة في الخليج والعراق والشام كان فيها مستعمرون محتلون غير مسلمين!!!؟؟
ويذهب المالكي الى تعريف (الفوضى التكفيرية) بوصفها ((نتيجة طبيعية وحتمية من نتائج منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب الذي توسع في التكفير، حتى وجدت كل طائفة في كلامه ما يؤيد وجهة نظرها. بل أن حركة الحرم ومنفذي التفجيرات الارهابية في العليا والمحيا وغيرها من المدن السعودية ما هم إلا نتيجة لمنهج الشيخ في التكفير )) !!.
سبق لي القول في مقالات سابقة نشرتها في هذه الصحيفة أن الاسلام السياسي شهد تحولا خطيرا بعد التزاوج الذي تم بين الاخوان المسلمين والمؤسسة الدينية غير الرسمية في المملكة العربية السعودية على تربة الصدام بين جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو من جهة، وبين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بعد فرار الاخوان الى السعودية عقب فشل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر التي خطط لها الجهاز السري الخاص للاخوان ونفذها في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954م ، ما أدى الى صدور قرار من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو بحل تنظيم الاخوان وهجرة قياداته وكوادره الى السعودية ، الأمر الذي أسفر عن إعادة بناء الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي على تربة تكفير المجتمع العربي والاسلامي والنظام الدولي وتقسيم العالم الواقعي الى فسطاط للإيمان وآخر للكفار وغيره ذلك من الأفكار المتطرفة التي تبلورت في كتاب «معالم على الطريق» للمفكر الاخواني سيد قطب ، ثم تبلورت في ما تُسمى الصحوة الاسلامية والفكر الصحوي ، خصوصاً بعد اختلاط الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي بمخرجات فقه عصر الانحطاط والفكر الوهابي التكفيري في بيئة الجهاد الأفغاني التي لا يجب إنكار وتبرئة الإخوان ودور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في صناعة تلك البيئة الجهادية التي ألحقت كوارث خطيرة بالعالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي جعل الإخوان المسلمون من أراضيها ومؤسساتها الخيرية منشأ ً للايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي. ولعل ذلك يفسر المعاني والأبعاد العميقة للتصريح الشهير الذي أصدره الأمير نائف بن عبدالعزيز عام 2004 رحمه الله عندما كان وزيرا للداخلية في حكومة المملكة العربية السعودية ، وتداولته على نطاق واسع وسائل الاعلام السعودية والعربية والعالمية ، والذي أتهم فيه الإخوان المسلمين بأنهم أصل المصائب في العالم العربي والإسلامي .
من نافل القول أن المملكة العربية السعودية دفعت ثمنا كبيرا من جراء انتشار الفكر الضال والثقافة المتطرفة في المجتمع السعودي من خلال المناهج الدراسية والمدارس الدينية وتكايا المساجد والجمعيات الخيرية والتجمعات والمخيمات الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن ، بالإضافة إلى نمط الحياة المتشددة الذي يحاول المتطرفون تسويقه وفرضه بالقوة تحت واجهة حماية الفضيلة وردع المنكرات، عبر تحريم الغناء والموسيقى والألعاب الرياضية والسينما ومختلف الفنون، وصولاً إلى تكفير المجتمع والدولة وممارسة الإرهاب والعنف ضد مؤسسات الدولة والتجمعات السكنية والمواطنين الأبرياء.
ومن يتابع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في السعودية سيلاحظ بكل وضوح أن الأفكار المتطرفة تتراجع في بلد المنشأ، وأن الحوار مع تنظيم (القاعدة) الذي يدعو اليه بعض الصحويين الاخوانيين في اليمن ليس جديداً أو إختراعا يمنياً.. فقد كان شيوخ الحركة الصحوية الاخوانية في السعودية سباقين في ذلك، بيد أنهم فوجئوا بموقف رافض وحازم من الحكومة السعودية التي رفضت الحوار مع الارهاب واستبدلته بما تسمى بلجان المناصحة التي كانت وما زالت تتحاور مع أعضاء وأتباع القاعدة من المتورطين في جرائم إرهابية في السجون السعودية.
وبمقدور كل من يقرأ الصحف السعودية اليومية، ملاحظة أنها أكثر جرأة وجدية في مواجهة هذه الثقافة في بلد المنشأ قياسا إلينا في اليمن. وكانت الصحف السعودية قد نشرت مؤخراً آراء كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين بشأن حال الفكر المتطرف في السعودية وحال لجان المناصحة التي التي سعى الاخوان المسلمون الى إعادة انتاجها في اليمن أثناء حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح تحت مسمى ( الحوار الفكري مع اتنظيم القاعدة ) من خلال القاضي حمود الهتار!!
وبوسعي القول استنادا الى معطيات نشرتها الصحف السعودية، إن حملة (المناصحة) ظلت مقصورة على الموقوفين في السجون بتهمة اعتناق الفكر المتشدد. وهدفها تغيير قناعاتهم الناشئة عن بعض التأويلات لبعض النصوص الدينية التي يسوغون بها الأفكار التي يعتقدون بها والجرائم الارهابية التي ينفذونها. وقد لفت هذا التزايد في أعداد معتنقي هذا الفكر أنظار المسؤولين السعوديين في الجامعات والصحافة وأجهزة الأمن، ما جعلهم يدركون حقيقة أن وقف انتشار هذا الفكر الضال لا يتطلب ((مناصحة)) من وقع في الشرك فقط أو الحوار معه على طريقة القاضي حمود الهتار الذي خدع الحكومة اليمنية بها قبل أن تظهر حقيقته العارية التي كشفت علاقته الفكرية بالتطرف والمتطرفين، بل لابد من تجفيف المنابع الحاضنة التي تولد الارهاب وتغذيه وتنشره في المجتمع وبين صغار السن خاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.