ربما يكون سيف بن ذي يزن هو أول من أستعان بمرتزقة في تاريخ اليمن, فقد الجأته الظروف السياسية لليمن في تلك الحقبة لطلب العون من الفرس وتجنيد مرتزقتهم لطرد مرتزقة الحبشة من اليمن. لعب مرتزقة الفرس حينها دوراً أساسياً في استعادة سلطة اليمنيين, لكنهم سرعان ما استحوذوا عليها لحسابهم وأقصوا اليمنيين من الحكم, وعاد المستعمر من الباب بعد أن كان خرج من النافذة. وطيلة ثماني سنوات متوالية (1962 - 1970) واجه الجمهوريون في ثورة 26 سبتمبر حركة مضادة ومحاولة لاستعادة حكم الاستبداد, قادها الملكيون وحلفاؤهم في المنطقة, وكان المرتزقة الذين جيئ بهم من أكثر من بلد هم عماد الجيش الملكي الذي حاول وأد الثورة وإخمادها والعودة بالبلاد إلى الوراء, وتواصلت حرب الاستزاف في الداخل والخارج, وتحت غواية الذهب وتأثير المال المدنس باع الكثير ذممهم, ورضوا أن يلعبوا دور المرتزقة في الداخل مقابل حفنة ريالات تقاضوها لتنفيذ مهمات قذرة, لكن الثورة تمكنت من هزيمتهم ودحرهم, وانتصرت إرادة الشعب وتحرر اليمنيون من ربقة حكم ملكي وراثي متخلف ومستبد. وسقط مشروع المرتزقة في اليمن كما سقط مشروعهم مؤخراً في ليبيا. بيد أن الاستبداد عاد مجدداً من الباب الخلفي تحت عبائه الجمهوريين الجدد, وتقمص أشكالاً جديدة من الحكم الجمهوري المستبد, وصولاً لديمقراطية علي صالح الكاذبة. وباسم تلك الديمقراطية الخادعة والانتخابات المزيفة التي أحتكر صالح أدواتها, وسخّرها لتغييب إرادة الشعب وتكريسه حاكماً أوحد, تجذر حكم عائلي جديد, يدعي نسباً لديمقراطية شوهاء وتداول سلمي للسلطة لما نره منذ 33 سنة!! واستفاق الشعب من جديد, وخرج يحاول استعادة حقوقة المغتصبة, وأعلنها ثورة سلمية في وجه المستبدين الجدد, الذين تدثروا بالجمهورية فيما حكمهم ملكي بغيض. وإذا بالتاريخ يعيد نفسه, وتتجدد الثورة, ويبقى المرتزقة هم المرتزقة, لكنهم اليوم يعتلون كراسي الحكم, وتلك هي المفارقة!! مرتزقة اليوم في هذه البلاد ما عادوا قتلة مستأجرين وحسب, بل غدو حكاماً متسلطين بيدهم الأمر والنهي! يتعاطون الحكم كشركة استثمارية خاصة يعود ريعها لجيوبهم, يسرقون وينهبون ثروات البلد عياناً جهاراً كحق مكتسب, ويتاجرون بتلك الثروات في الداخل والخارج, فيما الشعب وحده يدفع فاتورة فسادهم, لا يؤدون واجباتهم كحكام بقدر ما يستغلون مواقعهم للارتزاق والتكسب وجني الأرباح, مرتزقة جدد بمسوح الوطنية والشرعية الدستورية. لا تنقصهم فظائع وجرائم المرتزقة من قتل وسفك للدماء واعتداء على الحقوق وانتهاك للحريات, غير أنهم يحتمون خلف شرعية مزيفة تحوطها فتاوى مدفوعة الأجر تحاول منحهم حصانة من المساءلة. لقد أضحى الارتزاق في عهدهم مهنة الكثيرين, حتى أن الرجل ليبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ولا يبالي! ولأن الحكام المرتزقة باتوا مهيمنين على مقاليد الحكم في هذا البلد, فقد انتعش سوق الارتزاق في عهدهم, وبخاصة مع تفجر الثورة الشعبية السلمية. ويمكن رصد صنفين آخرين من المرتزقة يجري توظيفهما لخدمة المرتزقة الكبار في هذا البلد, صنف خارجي جرى استقدامه من وراء البحار المجاورة, وهؤلاء يؤدون مهمات قذرة في التصدي للثورة الشعبية, تارة بقتل اليمنيين باسم القاعدة في أبين وما حولها, وتارة أخرى بقنصهم في شوارع العاصمة وبقية المدن اليمنية الأخرى كبلاطجة مستأجرين, بل وصل الأمر حد استخدام بعض هؤلاء المرتزقة كطيارين لضرب مناطق نهم وأرحب وغيرهما. الصنف الآخر هم مرتزقة محليون, وهؤلاء كثر كما هي مهماتهم, فمنهم من يقتل المتظاهرين السلميين لحساب النظام البلطجي, ومنهم من ينصب الكمائن لاغتيال هذا المسئول أو ذاك سواء من دائرة النظام أو من خارجها, ومنهم من يقوم بمهمة التضليل الإعلامي وخداع الجماهير والتلاعب بعقولهم, وتزييف وعيهم بقلب الحقائق وتشويهها بغية السيطرة عليهم وتوجيههم حيث يشاء صالح وبقايا نظامه. ونتيجة لذلك, انحرفت مؤسسات الدولة عن تأدية مهامها المنوطة بها إلى ممارسة مهنة الارتزاق, وغدا مسئولو تلك المؤسسات مجموعة مرتزقة يمتهنون هذه الصنعة سيئة الصيت بقصد التكسب دون أدنى اعتبار لمصالح البلد. هذا ما صرنا نراه اليوم للأسف بعدما صار الحاكم يُقرب منه المرتزقة والبلاطجة ظناً منه أن بوسعهم حمايته, والتصدي لثورة الشعب وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. والواقع أن الثورة الشعبية اليمنية كشفت بجلاء حقيقة النظام الذي يحكمنا منذ ثلاثة عقود, وفضحت العصابة الإجرامية المستحوذة عليه, والتي ظلت ترتزق منه طيلة الفترة الماضية. عصابة احترفت الإجرام والبلطجة وفنون الارتزاق, وأحاطت نفسها بالمرتزقة من صنوف شتى. لقد عبثت بحياة الناس وأفكارهم وأخلاقهم, وغيرت الكثير من طباعهم السوية لتوائم طباعها الإجرامية الارتزاقية, كي تحملهم بذلك على الدفاع عنها بعدما ربطت مصيرهم بمصيرها. تلك كانت مهمة هذه العصابة العائلية الإجرامية, لذا لا نجد غير البلاطجة والمرتزقة يحيطون بها ويدافعون عنها, أما الشرفاء فقد نأو بأنفسهم عن التورط مع هذه العصابة التي دنت نهايتها وقربت لحظة حسابها.