ما إن تحدث قضية من القضايا حتى يتم تشكيل لجنة رئاسية على وجه السرعة لحل هذه القضية في تجاهل متعمد لمؤسسات الدولة، وكان آخر هذه اللجان اللجنة التي تم تشكيلها لحل مشكلة نتائج محاولة مسلحي الحوثيين دخول مدينة عمران بأسلحتهم، ولكن سرعان ما انصدم أهالي عمران خصوصاً والرأي العام اليمني عامة بقيام اللجنة الرئاسية بتحكيم مسلحي الحوثيين بعدد من الأثوار والأسلحة في محاولة لإرضائهم، في تجاهل متعمد لجميع ضحايا مليشيا الحوثي والتي لم تكتف بهذا الإجراء بل طلبوا من اللجنة الرئاسية موافقة الرئيس على هذا التحكيم وبالشروط التي وضعوها هم والتي من ضمنها دخول المدينة بسلاحهم ومعالجة جرحاهم والتعامل مع قتلاهم شهداء ومواصلة الاعتصام المسلح حتى يتم تغيير من يريدون من المسئولين والقادة العسكريين وغيرها من الشروط. اعتراف بالإدانة الباحث في شئون الجماعات المسلحة – علي الذهب – اعتبر أي تحكيم لأي جماعة مسلحة، هو اعتراف بالإدانة، وهو بمثابة تخلٍّ حقيقي عن وضعه الطبيعي كرئيس أو كحاكم للبلاد، يقع عليه إخضاع الجميع للقانون، واعتبر الذهب ذلك محاولة للاستعانة بأدوات القبيلة في ظل هذه الظروف المضطربة، بعيدا عن الأدوات القانونية، لاسيما أن هنالك من يحاول دفع الجميع إلى المواجهة المسلحة، وإثارة الفوضى في البلاد، ليسهل له الانقضاض على السلطة وإفشال أي مكاسب تحققت خلال الثلاثة الأعوام الماضية.
وأضاف الذهب في تصريح ل(الصحوة): اشتراط المحكَّمين توقيع وتعميد رئيس الجمهورية لوثيقة التحكيم، دلالة واضحة على فداحة مضمون الحكم الذي يرتبون له، وأنه سيكون حكما ابتزازيا مبالغا، على المستوى المادي والسياسي، وأنه سيتجاوز ما بلغه الحكم الذي خرجت به الهبة الحضرمية في واقعة مشابهة، هي مقتل الشيخ سعد بن حبريش واثنين معه، عند نقطة عسكرية في حضرموت، أو ما توصلت إليه اللجنة المكلفة بحل النزاع في الضالع.
وتأسف الذهب أن تظهر وثيقة التحكيم بهذه الركاكة والسطحية، حيث كان مضمونها محدَّدا: أشخاصا، وموضوعا، وزمانا، ومكانا؛ إذ سمّى من جرى تحكيمهم: (مشايخ، وعقال، وشباب) المعتصمين والمتظاهرين في عمران، كما سمى موضوع التحكيم وزمانه ومكانه، بأنه في «الستة الشهداء الذين سقطوا قبل أسبوع، في حادث الضبر، وفي علاج الجرحى» ما يعني أن مسألة معاودة أي محاولة للحوثيين في اقتحام عمران أو الإخلال بأمنها أمر خارج نطاق هذا التحكيم، وأنه قضية أخرى، مع أنها تقف خلف كل ما يجري.
وحول تأثيرات هذا التحكيم اعتبر الذهب أن مثل هكذا سلوك، سيلقي بظلاله على معنويات الجنود في كل مواقع تواجدهم، لكن تظل القيادة السياسية وقيادة وزارة الدفاع والداخلية هي من يتحمل- دون سواها- نتائج ذلك، وهي من يحق له اتخاذ مثل هذه القرارات.
وتمنى الذهب أن لا يتحول التحكيم إلى ظاهرة تنتشر على طول البلاد وعرضها خلال الفترة القادمة، ليغيب معها القانون تماما، وأن يتحول التحكيم إلى أداة للابتزاز المادي والسياسي، كما أنها قد تتبع كوسيلة لتجريد مراكز قوى معينة مما تتمتع به من نفوذ لصالح مراكز قوى أخرى، بدليل ما كشفت عنه وقائع التحكيم التي شهدتها مناطق كثيرة، كحضرموت، وأرحب، والجوف، والضالع. بادرة خطيرة من جانبه أكد الباحث السياسي نبيل البكيري أن لجوء الدولة إلى مسألة التحكيم والعرف القبلي في كثير من القضايا وخاصة مع قضايا جنائية وسياسية تتعلق بالأمن والاستقرار الذي تحاول أن تزعزعه قوى مسلحة متمردة بادرة خطيرة جدا وخاصة أن يأتي مثل هذا الحدث بعد ثورة شبابية سلمية وكذلك بعد مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يفترض به أن يعمل على تعزيز سيادة الدستور والقانون وتعزيز مبادئ الدولة المدنية والدولة الضامنة لكافة حقوق كافة أفرادها لا العودة إلى مربع البداية وهو مربع العرف القبلي الذي تجاوزناه بعقد اجتماعي يتمثل بالدستور والقانون الضامن لوجود هذه الدولة. وأضاف البكيري في تصريح ل(الصحوة) أن مثل هذا التصرف بادرة خطيرة ستؤدي إلى نسف كل الجهود التي قام بها اليمنيون خلال الفترة الماضية ممثلة بثورة فبراير ومؤتمر الحوار الوطني، موضحاً: نحن أمام مرحلة تحول حقيقي وهذه المرحلة يجب ان تكون حاسمة يسود فيها الدستور والقانون لا اللجوء إلى التفاوض وقفا لأحكام وأعراف قبلية في قضايا تخص أمن وسيادة الدولة. التحكيم سقوط للدولة واعتبر البكيري أن خطورة ما حدث في عمران من قضية تحكيم جماعة مسلحة أثناء محاولتهم الدخول بقوة السلاح إلى محافظة عمران يعتبر سقوط كبير للدولة وسقوط لمفهوم السياسة كاملاً وهي إحدى الإشكاليات الأمنية حيث تحول الصراع إلى مسألة صراع قبلي وكأن الدولة طرف من أطراف هذا الصراع وكأن الجهة المقابلة لها هي الطرف القبلي وبالتالي خطورة هذا الوضع أن يأتي في هذا الوقت التي يأمل اليمنيون أن تكون هناك دولة ضامنة لحقوق جميع أفرادها. وأضاف: أخطر ما في مسألة تحكيم الجماعات المسلحة أنه يهدف بدرجة رئيسية إلى تدمير لمعنويات القوات المسلحة والأمن والجيش وفي هذه المرحلة يفترض أنها القوة الرادعة والحازمة التي يجب أن تعلي من قدرها كقوة رادعة لحماية الدستور والقانون، معتبراً أن ما حدث من تحكيم لجماعة الحوثي وإغفال شهداء الواجب الذين سقطوا لمحاولة الدفاع عن المدينة هو يهدف إلى تهديد معنويات هذه القوة وتحويلها من قوة رادعة إلى قوة تابعة لا قيمة لها. وحول تشكيل اللجان الرئاسية في أغلب القضايا والمشاكل قال البكيري: اعتقد أن اللجان الرئاسية هو نوع من العبث وفي هذه المرحلة بالذات، وينظر إليها كدليل كبير وواضح على مسألة إفراغ مؤسسات الدولة من وظيفتها وتحويل دار الرئاسة إلى دار قبلي يتم فيه إرسال الوفود للصلح العام وإلغاء لكل مكونات مؤسسات الدولية الأمنية والتشريعية والقضائية وتحويل المشاكل إلى مجرد أزمات يتم حلها بالأعراف والعرف القبلي. ضرب لمخرجات الحوار المحامي – حزام المريسي – قال إن مسألة حل المشاكل في ظل ضعف الدولة وعدم فرض هيبتها وسلطتها على الواقع وتنفيذ سيادة القانون فإن الدولة قد تلجأ إلى هذه المناورات بين الحين والآخر وهذا التصرفات لها أثر سلبي على استمرار ضعفها وتقوية أي طرف آخر من الجماعات المسلحة الموجودة في البلد، وأضاف: مسألة تطبيق القانون هي من مقومات بقاء الدولة كنظام حاكم فإذا انعدم هذا المقوم وأصبحت تأخذ مأخذ الوساطة ولا تطبق القانون ولا تفرض هيبة الدولة فإن المقوم الأساسي لبقاء الدولة أصبح شبه منعدم وتحول الأمر إلى إرضاء فئة من الفئات التي تحسب على توازن القوى في الساحة اليمنية وكأن الدولة الآن أصبحت جزء مثلها مثل الحوثي والحراك المسلحة وغيرها وهذه كارثة. وحول المسئولية القانونية أكد المريسي في تصريح للصحوة أن المسئولية القانونية تلقى على عاتق الدولة ممثلة برئيس الجمهورية باعتباره المسئول الأول في تطبق الدستور والقانون. وأشار إلى أن العدالة والمتمثل بالتحقيق في مثل هذه الجرائم وقيام السلطة القضائية بواجبها فإن السلطة القضائية أكثر سلطة من سلطات الدولة تهميشاً حيث أنه بمجرد أن يقوم قاضي بإصدار حكم يتم اختطافه والاعتداء عليه أو نهب سيارته في الشارع أو يتم تهديده ولم تعالج أي قضية من هذه القضايا وردود الاعتبار لهذه السلطة التي تعتبر رأس الحربة فيما يتعلق بإيقاف هذا العبث في البلاد، فلا سلطة قضائية مصانة كرامتها ومعطى حقوقها ولا دولة ممثلة بسلطة تنفيذية تفرض سيادة القانون كما يجب, وبالتالي ماذا ننتظر من موضوع هزلي كهذا سوى ما يحدث الآن!! وحول تجاهل التحكيم للشهداء والجرحى من الجنود الذين سقطوا برصاص مسلحي الحوثي أثناء محاولتهم دخول مدينة عمران بأسلحتهم اعتبر المريسي أن معالجة القضية بهذه الصورة الخاطئة أكثر قبحاً من الجريمة ذاتها، واعتبار الحق لطرف دون طرف كون الجنود من أبناء الدولة وهم المدافعون عن حياض الدولة وهيبتا وفرض النظام والقانون هم المسئولين عن فرض القانون وسلطته في المجتمع وسيادته وبالتالي أن يتم التضحية بالجنود دون أي اهتمام بينما قاتلهم يكرم بهذا الكرم فهذه جريمة لا تقارن بمسألة الخطأ التي تقوم به الدولة في علاج مثل هذه القضايا، كونه يتم هضم وضرب وإضعاف الجهة التي تنتمي إلى الدولة والدفاع عنها. وأكد المريسي أن هذه التصرفات تشعر الرأي العام والمواطنين بالإحباط بسبب أسلوب الدولة في تعاطي الدولة مع ما يتعرض له أبناء قوات الجيش والأمن كون الموضوع أصبح شبه توجه لغض الطرف عن هذه الجهات بطريقة أو بأخرى وهذا يؤدي كذلك إلى فقد الثقة في المستقبل كون ما يحصل الآن يعتبر ضرب مخرجات الحوار الوطني وعائق أمام تنفيذ أي شيء منها.