حين نقف عند مسميات الأنظمة وعند الألقاب التي عادة ما تُخلع على هذا الحاكم او ذاك علينا أن لا نتوقف كثيراً عند هذه المسميات أو عند هذه الألقاب؛ سيما إذا ما كنا جادين في البحث عن اسباب معاناتنا وعن أسباب تعثراتنا وإذا ما كنا امام مشهد فرز اجتماعي هو غاية في السوء وفي الإحباط بين من يمتلكون قصوراً هي أشبه ما تكون بقصور "كسرى آن شروان" وبقصور "أباطرة وقياصرة الروم" وبين من لا يجدون مأوى حتى لو كان من القش أو الصفيح. إذا ما فتشنا في صفحات تاريخنا الحديث عن أسباب معضلاتنا الناجمة عن حكام هذا البلد سواء في العهد الإمامي أو العهد الجمهوري سنجد أن تلك المعضلات لا تكمن في مسمى النظام أو بلقب هذا الحاكم او ذاك فيما إذا كان رئيساً أو إماماً، وإنما في شخص الحاكم ذاته، فالإمام البدر -مثلا- حين كان ولياً للعهد يُشهد له من قبل كل المؤرخين لحقبة الإمامة أنه كان منفتحاً على الحياة وعلى التقدم وعلى مد يده للقوى التقدمية في الداخل وفي الخارج وبالذات للرئيس الراحل جمال عبدالناصر خلافاً لأبيه وجده اللذان كانا منغلقان تماماً على الحياة وعلى كل ما يمت للتقدم بصلة. إذا ما اسقطنا هذه المقارنة في عهد النظام الجمهوري بين الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وبين علي عبدالله صالح – على سبيل المثال- سنجد كم هو الفارق بين طموحات الاول ووطنيته ونزاهته وعشقه لوطنه وما حققه من إنجازات خلال فترة قصيرة لا تتعدى ال 3 سنوات وأربعة أشهر، وبين تفكير الثاني المحصور في تشييد امبراطوريته الخاصة به وبأسرته وفي تكويم الثروات وشراء الولاءات وإيصال البلد ومن عليه إلى هذا المصير الذي بات مهدداً فيه الجميع دون استثناء. ما من شك وفي ضوء قراءتي لكثير من مذكرات مناضلي ثورة سبتمبر وفي مقدمتهم المناضل الجسور القاضي عبدالرحمن الارياني أن وضع البلد ووضع قاطنيه خلال فترة حكم الأئمة كان وضعاً مظلماً بكل ما لهذا الوصف من معنى! لكن وعلى الرغم من هذه الصورة القاتمة التي اجمع عليها كثير ممن تناولوا حقبة ما قبل ثورة سبتمبر بالتفصيل إلا أنهم لم يسقطوا من ذاكرتهم الجمعية تفوق الإمام يحيى والإمام أحمد على غيرهم ممن كانوا يعملون في إطار منظومة حكمهم سواء في العلم وفي الثقافة وفي الذكاء وفي الحزم وفي الشدة عندما يتعلق الامر بأمن وسيادة واستقرار الوطن، ناهيك عن عدلهم في الظلم الذي عمّ البلاد حين كان ظلمهم غير محصور في فئة من الناس وإنما طال القوي قبل الضعيف والشيخ قبل الرعوي ومسئول الدولة الحاكم قبل المحكوم، بل لقد وصل الامر بالإمام أحمد إلى قطع رؤوس أخويه: عبدالله والعباس، عندما حاولا تنحيته عن الحكم عام 1955م. ما يدفعني عادة للغوص في التاريخ المتعلق بالإمامة هي محطة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر عند زيارته لمدينة تعز مطلع ستينات القرن الماضي، وبالتحديد لحظة وقوفه في المتحف الوطني بالعرضي للإطلاع على مقتنيات الإمام أحمد ووسائل رفاهيته المعيشية حين وقع بصره على سرير الإمام الحديدي الذي لا يتوقف عن الإزعاج كلما وقعت اليد عليه، وعند تدقيقه في كرسي الإمام المتهالك الذي لا يليق بحاكم دولة وبمظلة كانت تعلو هذا الكرسي كتلك المنتشرة اليوم في أسواق الخضار. لقد تسمر الرئيس ناصر في مكانه وهو يجري لحظتها بالتأكيد مقارنة بين قصور الباشاوات في مصر وما تحتويه من أثاث ومن وسائل ترفيه جُلبت من إيطاليا وفرنسا وبين هذه الأشياء الهالكة التي مكانها في دول أخرى براميل القمامة لا هذا المكان الذي يطلق عليه بالمتحف ليقول لمن حوله وهو في حالة وجوم وحسرة وحيرة: (لقد ظلم الإمام نفسه وظلم معه شعبه. محطة أخرى لفتت انتباهي كما جاء في مذكرات كثير ممن كتبوا عن الثورة وهي عندما حاولت حكومة الثورة استرجاع ما اودعه الإمام من مال في البنوك الأجنبية حيث تفاجأ من ذهبوا للبحث عن هذه الأموال أن جميعها كانت مودعة باسم المملكة المتوكلية الهاشمية أي باسم الدولة لا باسم الإمام أو احداً من أبناءه أو زوجاته، الأمر الذي سهل كثيراً على حكومة الجمهورية التصرف بتلك الاموال!. محطة أخرى وهي المتعلقة بقصور الإمام وغيره من الأمراء، إذ وعلى الرغم من تواضعها إذا ما قورنت اليوم بمنزل مأمور سجن ولا أقول بقصور علي محسن أو آل الأحمر او غيرهم ممن أثروا ثراءً فاحشاً في زمن حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، جميع قصور الأئمة صودرت بالكامل لصالح بيت المال، بينما قصور أئمة وطغاة هذا الزمن لا أحد يقترب منها بغرض المصادرة رغم ملكيتها الفعلية للشعب لما يعرفه كل الناس أن من وصلوا للسلطة ذات يوم كانوا لا يملكون من حطام الدنيا شيئاً. محطة رابعة وهي تلك المتعلقة بأسرة آل حميد الدين وفي مقدمتهم الإمام البدر الذي لم يدم في كرسي الحكم غير أسبوعاً واحداً، جميع هذه الأسرة ممن أمكنهم الخروج من أرض الوطن لم يكن أحدهم يمتلك شيئاً من المال لا في بنوك عربية أو أجنبية! إذ تكفلت المملكة السعودية برعايتهم بما فيهم الإمام البدر الذي اضطر لطلب اللجوء لبريطانيا بعد أن احتدم الخلاف بينه وبين النظام السعودي حول خرائط هامة كان يحتفظ بها تتعلق بالحدود اليمنية السعودية رفض تسليمها لآل سعود مفضلاً تسليمها للخارجية اليمنية رغم حاجته للمساعدة المالية السعودية وللجوء في هذه الأرض التي يتنسم فيها نسائم بلاده العليل. في هذه العجالة وفي هذا الاختزال الشديد لوقائع تأريخية الكل في أمس الحاجة لاسترجاعها في هذا الوقت العصيب الذي يمر به الوطن... ما ابتغيته من هذا الطرح الموجز هو المقارنة بين من حكموا هذا البلد في إطار نظام ملكي وبين من حكموه في إطار نظام جمهوري وبالتحديد منذ عام 1978م وحتى اليوم، إذ ما يجدر بنا فعله للوقوف على ما حلّ بهذا البلد من نهب ومن فوضى هو أن نجري فقط مقارنة بين قصور الأئمة التي صادرتها الدولة بعد ثورة سبتمبر 1962م وبين قصور كبار منظومة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح التي لا مثيل لتصاميمها او زخرفتها وأثاثها في أي مكان في العالم هذه القصور التي تمنيت على جماعة أنصار الله أن لا تكشف عنها لما لمشاهدها وتفاصيل ما تحتويه من بذخٍ ومن ترفٍ من إحباط ومن صدمات نفسية على كثير ممن لا يجدون ولو عششاً يأوون إليها. علينا أن نجري مقارنة بين المساحات الشاسعة من الاراضي التي استولت عليها منظومة حكم الرئيس السابق في اكثر من محافظة وبالأخص محافظة الحديدة وبين ما كان تحت يد الإمام أو أسرته من أراضي... علينا أن نجري مقارنة بين ما تمتلكه أسرة حميد الدين في البنوك العربية والأجنبية وبين ما تمتلكه منظومة حكم الرئيس السابق وفي مقدمتهم علي محسن من أموال تصل إلى عشرات المليارات ولربما لمئات المليارات من الدولارات فضلاً عن الأصول الثابتة من مصانع وشركات وعقارات ومزارع وأساطيل نقل بحرية وبرية وما خفي كان اعظم. ما نستنتجه من كل هذه المقارنات بين من حكموا في إطار نظام ملكي وبين من حكموا في إطار نظام جمهوري أن النهب والعبث بثروات ومقدرات الشعوب لا علاقة لها بمسميات الأنظمة أو بالألقاب التي تُخلع عادة على الحكام، إذ ما يجب علينا إدراكه وفهمه عن ظهر قلب أن مشكلتنا مع هذه العاهة الخطيرة ومع هذه المعضلة إنما هي مع أشخاص وصلوا إلى السلطة في غفلة من الزمن وفي لحظة سبات غشى سكان هذا البلد بحيث لم تنفع معهم الثورات؛ بدليل إفلات علي محسن - الذي امتص ثدي هذا الوطن كما يمتص حيوان "الورل" ثدي البقرة أو الشاة حتى يُمِيتها- من قبضة ثوار فبراير 2011م حين تحول إلى قائد ثورة وإلى متلقٍ للأوسمة والدروع من قبل من اطلقوا على أنفسهم باللجان الثورية، دليل أخر هو إفلات هذا الجنرال وللمرة الثانية من قبضة جماعة أنصار الله خلال الانتفاضة الشعبية التي تكللت بإسقاط مقر الفرقة الاولى مدرع وكر هذا الجنرال على امتداد اكثر من 3 عقود زمنية. سؤالنا هنا: من هم أئمة هذا البلد وطغاته؟ هل هم من حكموا قبل ثورة سبتمبر 1962م أم من حكموا بعد هذه الثورة ب 15 عاماً وبالتحديد منذ عام 1978م وحتى اليوم في ظل علمنا التام أن منظومة علي عبدالله صالح مازالت تحكم حتى اليوم وأن كبير نافذي هذه المنظومة وهو الجنرال علي محسن مازال طليق حتى هذه اللحظة، فيما مئات ولربما آلاف من اللصوص ممن أجرموا بحق هذا البلد هم طُلقاء ايضا وخارج إطار عدالة الأرض قبل السماء حتى اللحظة. [email protected]