فجعني كما فجع أهله ومحبيه وكل من تعرف عليه نبأ وفاة الزميل والصديق العزيز عبدالودود المطري " أبو فهيم" وانتقاله للرفيق الأعلى بلا مقدمات كيف لا والتواصل بيننا عبر الشبكة العنكبوتية لم ينقطع حتى الأسبوع الماضي ، منذ أن شاءت أقدارنا أن تفرق بيننا بعد سنوات من العيش والعمل والغربة عشناها معا في ود واحترام لم تنفصم عراهما. جمعتنا صحيفة الثورة في بادئ الأمر عندما جاء الينا بعد انتهائه من أداء خدمة الدفاع الوطني – التجنيد – أوائل ثمانينات القرن الماضي .. وحتى قبل انضمامه للصحيفة كنت قد التقيت به في القاهرة ، حيث كنت على وشك التخرج من الجامعة وكان في بداية مشواره .. كما التقيت به خلال مهمة صحفية مشتركة في مارب التي أوفدتني اليها الصحيفة بينما أوفدته اليها صحيفة 26 سبتمبر.. في صنعاء كانت للراحل صولات وجولات ونوادر لا تعد ولا تحصى .. فقد كان أكثر نشاطا وحيوية وإثارة للجدل من الكثير من زملائه .. حتى وجدناه يصدر صحيفته الخاصة " الراصد " والتي كادت أن تصبح مؤسسة صحفية متكاملة لولا صولاته وجولاته .. من صنعاء انطلق إلى بريطانيا لعلاج ابنه فهيم .. وهناك كانت له صولة أخرى حيث التحق بالمعارضة الجنوبية التي تزعمها حينها السيد عبدالرحمن الجفري .. هناك أراد الحصول على حق اللجوء ، لكن البريطانيين رفضوا طلبه وقالوا له: أنت شمالي فكيف تكون مع المعارضة الجنوبية !! أعتدت وغيري من محبيه أن نقول له : مالك والمعارضة الجنوبية الانفصالية وأنت شمالي وحدوي ؟؟ فكان يرد : أنا يمني ولا أفرق بين معاناة الجنوب أو الشمال .. اليوم أنا مع المعارضة الجنوبية لأن هناك ظلم وقع بالجنوبيين ، وغدا قد تراني مع المعارضة الشمالية إذا ما شعرت بأن الشماليين في أزمة .. من لندن غادر إلى القاهرة التي عاش فيها معارضا لنظام صنعاء حتى تمت المصالحة بين النظام ومجموعة المعارضة التي تزعمها الجفري .. عاد إلى وطنه بعد غياب لسنوات لم ينقطع خلالها تواصلي معه ، لأن علاقتنا كانت أقوى من خلافاتنا السياسية ، ولأننا كنا دائما نتذكر العيش والملح واللحظات الجميلة التي جمعتنا وعندما عاد إلى صنعاء سألته : كيف وجدتها ؟ فقال : بصراحه توقعت أن يستقبلني رئيس جهاز الأمن السياسي أو من ينوب عنه بملطام .. لكنهم أحسنوا استقبالنا وأكرمونا وسعدوا بنا لأننا عدنا إلى حضن وطننا .. في صنعاء حاول مجددا وبعناد عجيب استئناف إصدار صحيفته .. لكنه مرة أخرى وقع في المحظور وكاد أن يدخل سجن الصحافة والمطبوعات لولا ستر الله وتعاطف محبيه الذين نصحوه بمغادرة اليمن حتى تهدأ نفوس من أغضبهم .. عاد إلى القاهرة التي عاش فيها لاجئا سياسيا مع المعارضة الجنوبية ، ليجد نفسه مستشارا إعلاميا في السفارة اليمنية وديبلوماسيا رزينا تخلى إلى حد ما عن بعض صولاته ، لكن جولاته لم تتوقف / حيث تسنى له زيارة بعض دول أوروبا للتعرف عليها والكتابة عنها. وفي القاهرة كانت لنا لقاءات عديدة حتى تقرر إنهاء فترة عمله في السفارة وعودته إلى اليمن التي لم يرغب في الاستقرار فيها لأن أوضاعها لم تسره. غادر اليمن وهو يبكيها حسرة عليها والما ممن خذلوها وأضاعوا حلمه وحلم جيله ممن أرادوا أن تصبح اليمن دولة مستقرة طبيعية بعد عقود من الثورة على الظلم والفقر والجهل والمرض. وفي القاهرة ، خلال الأزمة الأخيرة ، لم يتردد في التعبير عن أرائه بشجاعة ، حتى أنه أصبح واحدا من الخبراء ومحللي أوضاع اليمن السعيد الذين تطالعنا بهم القنوات التليفزيونية من القاهرة. رحل عنا دون أن يودعنا وكأنه يقول : نحن السابقون وأنتم اللاحقون .. إنا لله وإنا اليه راجعون. "الثورة"