الآن وقد قرر الرئيس المستقيل المتراجع عن استقالته الإعلان من طرف واحد أن عدن عاصمة البلاد لأن صنعاء باتت محتلة ، في مخالفة واضحة للدستور اليمني الذي يبدو أن بعض الأشقاء والأصدقاء لم يتأملوا نصوصه بدقة ، وبعد خطابه الأخير الأشبه بإعلان الحرب على خصومه .. لم يعد الحديث عن الحوار م مقبولا في رأي الكثير من اليمنيين ! فالمتأمل للتطورات التي تابعناها خلال الأشهر الماضية وتحديداً منذ التوقيع على اتفاق السلم والشراكة الوطنية ، سيجد أيضاً أن التراجع إلى ما قبل 21 سبتمبر الماضي ، كما يريد الرئيس هادي ، أيضاً لا يبدو منطقيا. ذلك أن تمسك الرئيس المستقيل العائد عن استقالته عبدربه منصور هادي بالحوار واقتراحه نقل هذا الحوار إلى خارج اليمن ، لم يعد مجدياً بعد خطابه الأخير وبعد الدور السلبي الذي لعبه منذ تسلمه رئاسة البلاد .. تلك الرئاسة التي وصلت إليه وفقا للمبادرة الخليجية ، كحل مؤقت بعد أحداث فبراير 2011م وما أعقبها ، ثم كرئيس منتخب في اقتراع لم يكن سوى مجرد استفتاء بنعم أو بلا. الرئاسة التي جاءت ليه في وقت ما كان يجب أن يحتفل بها ، وقد أمضى قرابة عقدين من الزمن تحت ظل الرئيس السابق علي عبدالله صالح .. فالرئيس هادي الذي أراد أن يظهر للجميع أن لا علاقة مباشرة بالخلاف أو الأزمة التي أوصلته السلطة ، وظل يقدم نفسه على أنه رئيس لكل اليمنيين ، دون أن يتمكن من إقناع الكل بأنه رئيسهم بالفعل ، أثبت اليوم أنه كان وما يزال الطرف الخفي الذي أدار الأزمة عن بعد بالريموت كنترول ، دون أن ينجح في حلها!! فمنذ بدء الحوار الوطني حرص الرئيس هادي على إظهار أنه ليس طرفا فيه ، وأنه يراقب ما يدور في قاعات الحوار دون أن يكون له دور مباشر ملموس ، وكأنه أراد إقناع الناس بأنه لا يرغب في خصومة طرف من أطراف ذلك الحوار .. لكن ما إن انتهى ذلك الحوار الطويل الممل وخرج علينا المشاركون فيه بورقتهم التي عرفت بمخرجات الحوار والتي تبين فيما بعد أن بعض المشاركين كانت لهم ملاحظات على بعض ما جاء فيها ، حتى وجدنا الرئيس هادي يكشر عن أنيابه ويظهر للعالم أنه صاحب الدور الخفي ، عندما تجاهل رأي المتحفظين وقرر المضي قدما بتلك الوثيقة داعيا الجميع إلى تنفيذ ما جاء فيها ، دون أن يبادر هو شخصيا بالخطوة الأولى في رحلة الألف ميل.. وحتى عندما تقرر أن تستكمل لجنة صياغة مشروع الدستور عملها خارج اليمن ، بطريقة ما زالت غامضة حتى اللحظة ، وإمعاناً في دوره الخفي لم ينبر الرئيس هادي ليوضح لليمنيين أسباب نقل اجتماعات اللجنة للخارج ، ولم يطلب حتى من رئيس وأعضاء اللجنة توضيح خلفيات ذلك القرار المريب .. وبعد اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي أشرف عليه دون أن يكون طرفا مباشراً فيه – كعادته – ظل الرئيس هادي يماطل في تنفيذ بنود ذلك الإتفاق ، حتى وجد نفسه حبيسا في داره غير قادر على الحركة الطبيعية .. ولم يكن أمامه سوى تقديم استقالته المثيرة للجدل .. وقبل توجهه إلى عدن بتلك الطريقة الغامضة تابع الجميع تسريبات حالته الصحية المتدهورة وحاجته للعلاج ، دون إدراك لخططه الخفية .. وهاهو اليوم يظهر حرصه على تواصل الحوار ، لكنه في الوقت نفسه يتهرب من حقيقة أنه أشرف على توقيع اتفاق السلم والشراكة الوطنية ثم اتفاق تشكيل حكومة الكفاءات ، متجاهلاً أنه شخصياً يتحمل مسؤولية عدم تنفيذ اتفاق الشراكة كما تحمل مسؤولية تنفيذ اتفاق تشكيل حكومة الكفاءات التي وقع رئيسها وأعضاؤها ضحية لسوء تقدير الرئيس هادي بل ولسوء إدارته لشؤون البلاد والعباد منذ تسلمه مهامه !! وبدلا من العمل على إقناع الجميع بموقعه كرئيس مسؤول لكل اليمنيين هاهو يفاجئنا مجددا بمناشدة المجتمع الدولي ورعاة المبادرة الخليجية ليعيدوا له هيبته التي فقدها ، وليمكنوه مجددا من رئاسة اليمن ، متجاهلا حقيقة أن اليمنيين وحدهم هم من يمكنهم تقرير مصير رئيسهم ، وهم وحدهم من يمكنهم حل مشاكلهم .. ومع ذلك فإذا أراد أشقّاء اليمن وأصدقاؤه وخاصة رعاة المبادرة الخليجية ، بالفعل مساعدة اليمنيين فعليهم أن يتعاملوا مع أطراف الأزمة الراهنة بنفس الروح التي سادت خلال المفاوضات التي سبقت التوقيع على المبادرة الخليجية .. لا أن ينحازوا إلى طرف دون آخر أو أن يعملوا على تأجيج الأزمة وإطالة أمدها وتحويل اليمن إلى ساحة حرب طاحنة بين بني الوطن الواحد .. حرب لن تسلم من تداعياتها دول الجوار ، لكن من سيدفع ثمنها بالتأكيد هم أبناء اليمن .. "الثورة"