يعتبر من أشعلوا فتيل الحرب التي تدور رحاها في الوطن وكذلك الذين يخوضونها, أنها متنفس لحياتهم التي يمضونها في صراع للبقاء خالدين دون أن تلحق بهم اللعنة. ولعل هذا الأمر هو أخطر من الحرب نفسها على الوطن، كون ذلك يولد ثقافة قذرة في ذهنهم أنهم صنعوا مجداَ متجدداً خلال مسيرة حياتهم عبر بطولات انتصاراتهم على خصومهم. وكثير ما يتناوله المفكرون والناضجون الذين كوتهم نار الحروب... أن مثل هذه الحروب هي دمار الأوطان ونهاية مؤسفة، قد تترك جروح مؤلمة في الوطن وإن انتهت تلك الحروب. بينما نحن اليمنيين لا نعتبر ذلك الأمر خطراً بقدر ما نعتبره انتصاراً للنفس, ونوع من النزهة والتجوال من مدنية إلى لأخرى ومن محافظة إلى لأخرى عبر السهول والجبال, مع ارتكاب القتل والنهب لممتلكات الناس مُعتبرين انه أمر من الفيد والغنيمة والظفر بكنز نالوه خلال سياحتهم الداخلية, بل إن الأمر تعدى ذلك, وأصبح البعض يلتقط صورة تذكارية في غرف نوم الخصم وكأنه سائح يتذكر رحلته, ومبتهجاً من خلال تلك الصورة التي ألتقطها في غزوته وفتوحاته التي يعتبر نفسه منتصراً فيها. حقيقة أن ذلك السلوك أصبح لغزاً مُحيراً ومعقداً في شخصية الإنسان اليمني الذي يحمل قدرا كافياً من الطيبة والتسامح والسلم- إلا أنه يلبي مُنذ الوهلة الأولى لنداء حرب لمجرد أن تدق طبولها. ولعل اعتقادي ان حرمان اليمني من أبسط حقوقه الاجتماعية وحلمه المسلوب وعيشه في كنف الوالي أمر يجعله يهب ويندفع لذلك النداء معتبرا نفسه في فسحة من التنزه في ساحات الصراع, من خلال صعوده الجبال الشاهقة وقطع المسافات الطويلة مغامراً بحياته محملاً بالبارود الذي قد يفجر به قبل خصمه دون سبب يذكر غير أنه سيق لحرب لا داعي لها. إن هذه الحروب لم تقتصر فقط على من يشعلها ويلبيها, بل ان ذلك أصبح يشمل المدنيين من النساء والأطفال والأبرياء الذين يذهبون ضحيتها, بينما هنالك أطرافاً يكتفون بمشاهدة وسماع أزيز الرصاص وكأنها "سيمفونية " مسرح وليس حرباً تلتهم الأخضر واليابس وتبيد ما حولها. ما يحدث اليوم بالوطن من حربٍ وقودها البشر, ومن المشاهد المرعبة والموجعة لهذه الحرب, بالأمس مساءً وأثناء ما تدمر مدينة من المدن اليمنية بقصف ينفذه طيران الخليج بقيادة السعودية, سألت صديق عبر الهاتف عن الوضع الذي تعيشه تلك المدينة, ليرد على سؤالي وكله رعب وقلق من قوة القصف: هل تصدق يا عزيزي أن شوارع المدينة كل يوم في هذا الوقت لا تجد أحداً فيها وكأنها شبه خالية, واليوم لأنه في طائرات تدك مراكز عسكرية في المدينة, جميعهم في الشارع يتفرجوا! وكانت الساعة التاسعة مساءً, هنا زادت غرابتي من الأمر وما كان مني إلا أن أقول له: يا عزيزي نحن شعب محروم من كل شيء, وأي كارثة يراه أحدنا أمام عينه يندفع أليها حتى لو تؤدي به للقبر كما هو اندفعنا إلى الحرب عنوة ونحن في غناء عنها...!! رد قائلا: صحيح والله حتى أنا بسطح المنزل رغم معرفتي بخطورة الأمر, لكني اعتبرتها فرجة. يعتصرني اﻻلم وأنا أشاهد نهاية وطن لطالما حلمت به حراً عزيزاً لطالما ارتحلت بحثاً عنه. وانتهت قصتي معه على هذه العبارة الموجعة التي ذكرها. ما أريد قوله هُنا: أن الإنسان اليمني بطبيعة حاله يندفع إلى كل ما يحيط به من مخاطر انتقاما من نفسه ومن غيره ومن وطنه عبر حروب لتصفيات متكررة باسم الوطنية, وما يحدث اليوم من حرب في وطننا الحبيب, هي حرب انتقامية سببها صراع مراكز قوى الامس الذين هم سبب بقدوم من ينتقمون مننا مدعين حمايتنا مستغلين الفوضى في البلاد؛ ليدمروا كل مقدراته من عتاد عسكري وأمني, ليصبح بعدها وطن هش سهل المنال أمام الطامعين. حينها سيدرك وسيندم الجميع أن تلك الحروب عبثية, بعد ان سطرها التأريخ في صفحاته لعنة تلحقهم وتتوارثها أجيال بعد أجيال.