محمد قحطان.. والانحياز لليمن الكبير    في ذكرى إعلان فك الارتباط.. الانتقالي يؤكد التزامه باستعادة دولة الجنوب (بيان)    النص الكامل لكلمة الرئيس العليمي التاريخية بمناسبة العيد الوطني المجيد 22 مايو عيد الوحدة اليمنية    المجلس الانتقالي الجنوبي يصدر بيان "فك الارتباط عن الجمهورية العربية اليمنية"    أبين.. منتخب الشباب يتعادل مع نادي "الحضن" في معسكره الإعدادي بمدينة لودر    بايرن ميونيخ ينتظر مكافأة مالية من برشلونة بسبب ليفاندوفسكي    العليمي: الوحدة اليمنية لحظة تاريخية جديرة بالتأمل والتعلم    العلمي في خطاب الوحدة يُبدئ انفتاحه على كل الخيارات بما فيها تقرير "المركز السياسي" للدولة    التعادل يسيطر على مباريات افتتاح بطولة أندية الدرجة الثالثة بمحافظة إب    القبض على متهم بابتزاز زوجته بصور وفيديوهات فاضحه في عدن    الوزير الزعوري يناقش مع وحدة الإستجابة برئاسة مجلس الوزراء الملف الإنساني    وزير الشؤون الاجتماعية يشيد بعلاقة الشراكة مع اليونيسف في برامج الحماية الإجتماعية    تسريب معلومات صادمة عن طائرة الرئيس الإيراني وسبب سقوطها والجهة التي تقف وراء مقتله    لاعب ريال مدريد كروس يعلن الاعتزال بعد يورو 2024    الامين العام للجامعة العربية يُدين العدوان الإسرائيلي على جنين    تراجع أسعار النفط وسط مخاوف من رفع الفائدة الامريكية على الطلب    المبعوث الامريكي يبدأ جولة خليجية لدفع مسار العملية السياسية في اليمن مميز    إحصائية حكومية: 12 حالة وفاة ونحو 1000 إصابة بالكوليرا في تعز خلال أشهر    الآنسي يعزي في وفاة الشيخ عبدالمحسن الغزي ويشيد بأدواره العلمية والدعوية والوطنية    الوزير البكري يلتقي رئيس أكاديمية عدن للغوص الحر "عمرو القاسمي"    الحوثي للاخوان: "اي حرب ضدهم هي حرب ضد ابناء غزة"!!!!    إصابة امرأه وطفلين بانفجار لغم زرعته المليشيات غرب تعز    مركز الملك سلمان للإغاثة يدشن حملة علاجية مجانية لمرضى القلب بمأرب    تناقضات الإخواني "عبدالله النفيسي" تثير سخرية المغردين في الكويت    "وثيقة".. كيف برر مجلس النواب تجميد مناقشة تقرير اللجنة الخاصة بالمبيدات..؟    موقف جريء ل ''بن عديو'': تجربة الوحدة اليمنية تعرضت لسوء الإدارة.. وهذا هو الحل الذي سيحفظ لليمني كرامته!!    تقرير برلماني يكشف عن المخاطر المحتمل وقوعها بسبب تخزين المبيدات وتقييم مختبري الاثر المتبقي وجودة المبيدات    تعميم هام من وزارة الخدمة المدنية والتأمينات لكافة موظفي القطاع الحكومي    انهيار مرعب للريال اليمني.. ووصول أسعار صرف الدولار والريال السعودي إلى أعلى مستوى    الحوثيون يعبثون بقصر غمدان التاريخي وسط تحذيريات من استهداف الآثار اليمنية القديمة    المشاط يدافع عن المبيدات الإسرائيلية وينفي علاقتها بالسرطان ويشيد بموردها لليمن    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كانَ حياً، صار ميتاً..!
نشر في الوحدوي يوم 22 - 11 - 2008


لشهيد الطفولة: حبيب، مهما بلغَ الحُزن.. لا يكفيني!
هذا الحزن.. يتسعُ لي ويسمعني، هذا الحزن، يناسبني، ويومَ تجلى على الأرضِ بغيضاً وحيداً كانَ سميي، هذا الحزنُ مشواري للأمل، مشواري للسعادة، مشواري للموت، مشواري للنهاية، هذا الحزن غيمٌ يعجبني، يعجنني، هذا الحزن حقيرٌ وابنُ كلب.
كانَ حياً، صار ميتاً..!
حينَ أشركتَني في قرار الرحيل، كان لي من رحمةِ اللهِ سقوطٌاً "من طولي" وصرخاتٌ بعثرت نفسها خناجرَ في آذانِ السامعين، لكن "أولوا القبض" مالاً وأرواحاً، استغشوا ضميراً ميتاً على آذانهم ملء الجُرم، يحجبُ نزعَ الصوتِ الممشوجُ من فزَعِ يومِ الصُوْر..!
لمَ ضاقت بكَ الدنيا يا إنسان عيني، لم تكن طفلاً قبيحاً، لا غبياً ولا ثقيل الظل، والحياة – كلُ الحياة – فاردةً ريعها ملء اختيارك، لكنك عزفت ورُمتَ غيابا
كانَ حياً، صار ميتاً..!
وباسم الله يبدأون "الرغي": "اللهُ أراد، اللهُ أمات، اللهُ رغِب"، وهل رغِب الله أن تتجشأوا علينا سماً ذفِراً يقتلنا، هل أراد اللهُ أن تتسرطَن ضحكاتُنا ومساءاتُ حُبنا الأسريُّ بجمجمةِ الموتِ المعبَّأ في كل شيء..! هل نموتُ نذرَ كروشٍ تتدلى وأموالٌ تتلى ريعَ رفاتنا وإعاشة لدودِ القبور..!
من يرحمنا من قرصنةِ إقطاعٍ يجترُّ منا عِرق الحياة وعذاب العيشِ على هذه الأرض؛ نحو الموت..!
قتلوكَ يا حبيب، ولم تعدُ الرابعة.. لم تمت نظيرَ "فاحشةُ في الأرضِ وفسادٌ كبير"، ولم تعلق رقابهم على المشانق في "باب موسى"، ولم تعلب لهم الموتُ في الطماطم وتسالي الأطفال، لم تغمُر حياتهم بالقهر كما فعلوا بنا، فقط كنتَ خائناً؛ حين خيبتَ متعتهم في امتداد القُبح على هذه الأرض، فكنتَ قطرةً نقيَّة في بحرٍ دنِس، ونقاهَةُ روعةٍ في أفقٍ كئيب، كنتَ جميلاً وبارعاً، ملاكاً حيثُ كانت الأرضُ عامرةٌ بالشياطين،
وها أنت يا ابن أمي، تموتُ لا جزاء جُرم، ولا نتيجَةَ إثم، تسقطُ ميتاً – وفقط – إرض اءً لحقهم في القتل وسفكِ البراءةِ في المهد، إرضاءً لاختيار الحياة في أن تكون دنيئةً وكريهة.
كانَ حياً، صار ميتاً..!
ليتك تدري أيها الكهلُ الصغير، كم هوَ "الصعب" رحبٌ كصحراء، ثقيلٌ كجبل، ومخلخلٌ للأوصال كبردِ "إسكيمو"، كم هوَ صعبٌ وقاهرٌ هذا الصعب الذي يواجهنا حين إدراك هذه المفارقة، كيفَ جئتَ ورُحت، كيف عشتَ ومتّ..،
كانت تشطرُ قلبي حدةِ سيفٍ يماني لا تعطف، وأنا أتملى جمالَك وحلو طلتك عند ميلادك باكياً، وأتمنى أن لم تأتِ إلينا حتى لا تصيبُك لعنَةُ البؤس الدميم، أتمنى أنَّك أتيتَ في بيتٍ يليقُ بك، بحجم الحب الذي يصبُ من حولك لك، وأحزنُ لأجل ما تعانيهِ في المكانِ الذي تهربُ منهُ كل الكلماتُ المتفائلة ليبقى الحزنُ سيداً فيه.
البارحة فقط، كنتَ تركُضُ في الغرفةِ/ القبر بدلالٍ طالباً "مصروف"، أو تركضُ آتياً من بعيدٍ قائلاً: "إذانااااا"، أو حين تقولُ لي في لحظةِ مشاكسةٍ أبكيها كثيراً: "أنتَ قُزَّة"، وحيناً يغمرُك مرحُك الدائم قائلاً: "ساسا، حلوة ورقَّاصة" كم سأبكي يا حبيب وأنا أهيلُ دمي ودمعي على الذكريات الصعبة، حين تبكي راغباً بالمجيء إليّ، أو راغباً بالعودةِ إلى "تعز"، ها هي المدينةُ التي سحقت فرحتكَ فيما سبق، تسحقُ لحمَك اليوم يا نسجَاً ربانياً لا يضاهى..!
ما لجوارحي الحمقاءُ يا حبيب؛ ما يمكنها أن تدَّخر كلّ ممكناتِ الخيال و"الميلودراما" لتتذكر: سماءً ليليةً سوداء، وبردٌ صنعاني، بيتٌ شعبيٌّ مستأجَر، وفرشٌ خفيفُ، وطفلٌ كأجمل ما في الدنيا، يصرخُ ملءَ الهواء: "رااااااااااااسي، يا رااااااااسي" ويبكي وروحي تقطرُ معهُ دمعةً دمعةً، وتستطيرُ صرخةً صرخة، وتعودُ كظيمةً محتزة.
وكيفَ للعالمِ الذي يركعُ بأجمعهِ على ركبتيهِ باكياً، وطالباً السماح، كيفَ يمكن أن تسامحهُ على لحظةٍ أغرقها بؤسُ الدنيا، وأنتَ تنظرُ بعينينِ مسهبتين عذاباً ويأساً قائلاً: "أماه.. أريد أن أشفى" أو كما تنطقها تماماً: "أماه.. أشتي أحيييي".
وكيفَ أغفرُ لي وأنا أراكَ، معطَّل الجوارح، وعيناك اللتانِ تغيبُ عنهما الرؤيا، ذهنُك الذي لم يعد يتذكرُني ولا يتذكرُ أمك حتى، جسدُكَ المليءُ بالحبوب المنمشة زرقاءٌ وخضراءٌ وحمراء، عظامُك التي رابت، ورأسُكَ المليئةُ بالأورام، عينُك اليمنى التي صغُرَت وربما ضمرَت، وإحساسُك الذي غابَ عن طعمِ الدنيا، كنتُ أقولُ يا حبيب الرحمن: ليتكَ تشفى أو تموتُ، رحمةً من هذا العذابُ الذي يهدُّنا قبلك، ولم أدرك يا أخي كم هوَ الموتُ طامّ، لم أدرك أن هذا ما يمكنُ قولهُ: "ليتك متّ"، ها أنت متّ وتركتني أغتصُ بعدَك قروحَ الحياة.
هل أقول ارتحتُ منك؟
نعم، ارتحتُ من قلقٍ لا يهاود، من ألمٍ لا يعرفُ الهدنة، ومن خشوعٍ لجلالةِ فقدٍ قد تحيق فلا تضمرُ سكينةً ولا رحمَةً تغفرُ لي متاعَ نِعمة بعدك يا أخي..!
هل أقولُ تعذبتُ بك؟
نعم، تعذبتُ برحيلك، أنازعُ رمقَ أملٍ أخير في الدنيا عشعش لعقدٍ وأكثر، وقلبي الذي تركتَ شرايينه خاليةً من حبك، رمى نفسهُ في بئرٍ من أسيد..
كيفَ أسامحُ نفسي أنني فقدتُك، ليتك تُدرك كم هو هذا الذي يحبُّكَ حقود على نفسهِ ولا يغفر..!
يا أخي: ها مشهدٌ لا يليقُ بالعصورِ إلا خلوَةً؛ ولا يتكررُ إلا هنَّةً لا ازدياد، ها "تبانةُ" الحبِّ التي نسجتُها لكَ فتلةً فتلة، أطعمتها سلوَ قلبي، أنفستها سديمَ روحي، ها هيَ مكعَّبةُ التفاصيل، شفافةٌ كحلمي النزيه الذي حملتُ لك، ها هي؛ "تبانةُ" حبُّك الممشوقُ على سطح قلبي كسنديانٍ يوخِزُ صدرَ السماء مجدوعَة الجيدِ إثرَك، يا حبيبها الذي شردَ لجوارِ الله، مجدوعَةٌ حين غدا قلبيَ الذي تسكنُهُ بخاراً يحتسيهِ هواءٌ يمنحُ الشياطينَ شهوَة البقاءِ أحياء، مجدوعةٌ إذ أيقنَت: أن لا قلبٌ يتسعُ لها إلا صريعُ البئر.
ها قد نفضَت الحياةُ نفسها عنك، أصبحَتِ الأمكنَةُ التي خلَّفتها بلا روح، مكانُك في حضنِ أمك، مساحتُك على فراشِ النوم، أكياسُ اللوزِ "الطبيعي" الفارغة، ألعابُك، سريرُكَ في مستشفى الثورة، راحةُ يد الدكتور عبد الحميد أبو حاتم التي لمستْكَ يوماً، ملابسُك، بطانيتكُ في بيت جدي محمود، الإبر والمغذيات والجرعات العلاجية، حضني أنا، حبُ إخوتك، وأوراقُ النقد التي كانت بانتظارك دائماً،
ها نحنُ نلُفك بقماشٍ أبيض، ونضعُك في مكانٍ أوسع وأكثرُ نقاءً، على الأقل هناك لن تجد حياةً مسممةً كحياتنا هذه،
سيظلُ قبرَكَ – يا أخي – نُدبَةً كبرى على صدغِ الأرضِ، شجتها أذرعُ أخطبوطٍ بقلبٍ من رملٍ ميت..
نعم يا ابنَ أمي: هذه راحتي منك؟! حزنٌ يليقُ بفقدك ولا يعلمونُ؛ كم يهدُّني بنيَّةِ القيامَة على أودي النحيل..!
وكم أشفقُ على نفسي من حملِ حبِّك الذي يحيلُ الحياةَ بعدَكَ "سلةَ مهملات"..!
رحِمَك الله،


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.