- في غمرة الحديث عن الاعتذار للجنوبيين عما أصابهم من نهب لممتلكاتهم وثرواتهم وتاريخهم وما لحق بهم من إقصاء وتشريد وطمس لهويتهم ومصادرة دولتهم من قبل قوى ومشايخ ومفتيي الحرب الظالمة التي شنت عليه بصيف 94م الملتهب, فلاتزال هذه القوى تمارس الشيء ذاته بالجنوب, تقصي, تنهب, وتقضي على ما بقي من رسم وأطلال لتاريخ الجنوب وإرثه التليد، ولكن هذه المرة ليس من ظهر دبابة مطهمة كما كان عام الغزو التسعيني, بل من نافذة إعادة تقاسم الغنائم من جديد, بعملية يمكن تسميتها ب(هيكلة النهب). فإن كان هؤلاء القادمون من هناك قد تقاسموا إرث الجنوب عام 94م كشركاء حرب, فهاهم اليوم يعيدون التقاسم ويتحاصصون الجنوب كخصوم (مفترضين), والضحية بالحالتين الجنوب ومرافقه العامة وموظفو دولته المسلوبة.! - تلفزيون عدن واحد من اكثر ممتلكات الجنوب، وأهم معالمه المعاصرة (تأسس في سبتمبر عام 1964م) التي تعرضت للعبث من قبل قوى النهب منذ عام 94م حتى اللحظة ضُرب بالصميم في كل شيء بكوادره ووثائقه وممتلكاته وانتزعت شريحة ذاكرته التي هي ذاكرة للجنوب كله.! - تعالوا نرصد ما يمكننا رصده من أضرار طالت هذا الصرح الإعلامي الشامخ الذي يعد اقدم تلفزيونات الجزيرة العربية وأعرقها. فتغيير اسم القناة من (تلفزيون عدن) الى (يمانية) يعد عنوانا بارزا لمدى الحقد الدفين الذي مارسه ويمارسه أمراء الحرب والتكفير على الجنوب. فتحت هذا العنوان المستفز نأخذ نتفاً من كومة العبث المتكورة التي طالت اقدم صرح إعلامي بالجزيرة والخليج على الإطلاق, ولاتزال هذه التسمية (يمنات) قائمة على الأقمار الصناعية ولم يغيروها إلا مضطرين بالشاشة فقط بعد ظهور (قناة عدن لايف) لغرض سياسي معروف.! - قبل أيام فقط وتواصلا لسلسلة الإقصاءات والطرد الوظيفي الذي يتعرض له الكادر التلفزيوني الجنوبي ارتكبت مذبحة وظيفية جديدة على يد وزير الإعلام اليمني في صنعاء (العمراني)، الذي اصدر قرارا - بنكهة حزبية إصلاحية ممزوجة بمذاق شطري لاذع - بتعيين موظفين لا يملكون من المؤهلات الفنية والإعلامية غير انتمائهم لحزب الوزير(الاصلاح). كانت هذه التعيينات والتي لم تكن هي الاولى من نوعها عبارة عن استمرار لعملية تطهير للكوادر الجنوبية على قلتهم، في الوقت الذي لا ينفك هذا الوزير ومعه حزبه الديني من الحديث عن القضية الجنوبية وشرح جذورها وتبرئة نفسه من وزر الجنوب وقهره ولا يتحرج هذا الوزير ومعه حزبه ايضا من تحميل ما يسميه ب(نظام المخلوع) المسئولية عن احتلال الجنوب واستعماره ونهب وإقصاء موظفيه.! تخيلوا ان (ينط) مراسل قناة "سهيل" فجأة الى مدير دائرة بالتلفزيون، او تخيلوا ان يتم تعيين سائق المدير السابق للتلفزيون عبدالغني الشميري واسمه (ناظم المخلافي) مديرا (للمكتبة التلفزيونية)، وهي اهم دائرة بالتلفزيون, ولا نعرف ما العلاقة بين (عجلة القيادة) وبين مكتبة تليفزيونية تعد بحق هي الصندوق الأسود لتلفزيون عدن وللجنوب كله, وهذا التعيين تم ضمن التعيينات الأخيرة التي استهدفت ما تبقى من الجنوبيين برغم التصدي الشجاع الذي أبداه هؤلاء الموظفون المستهدفون بوجه قرار الوزير ورئيس المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي قدم من صنعاء الى عدن خصيصا ليشرف على عملية التطهير قبل ان يتم طرده من المبنى. مع العلم ان كثيرا من كوادر التلفزيون الجنوبي لا يزالون - أصلًا - ضحية سياسة (خليك في البيت) منذ عام 94م !. - سياسة التطفيش لم تبارح مكانها بحق كوادر التلفزيون منذ غداة الحرب عام 1994م حتى اليوم بأشكال متعددة من (طرد وتركين قسري وتوقيف) وغيرها من التعسفات, ومن حالفه الحظ وبقي فهو ليس بعيدا عن حد سيف التنكيل بذرائع عديدة, وأحيانا غريبة مثل ان يتم توقيف معد او مخرج برنامج بسبب اذاعته لأغنية (الحبيب الأولِ) أو بسبب عرضه لفيلم ديني يتحدث فيه قائد إسلامي الى جنوده قائلا: (هيا الى الساحات), فهذا المخرج او المنتج او المعد هو عميل للحراك الجنوبي ويدعو لخروج مسيرات بالساحات تستهدف الوحدة المباركة.! - قبل سنة تقريبا يكشف موظفو التلفزيون لصحيفة (عدن الغد) عن خروج أربع شاحنات ممتلئة بآلاف الأشرطة من مواد فيلمية وتاريخية ووثائق مخطوطة الى صنعاء بذريعة نسخها وإعادتها. ومن حينها (خرج تاريخ الجنوب ولم يعد).! - قوة بث القناة لم تتجاوزعدة كيلومترات من عدن ويتم ربطها ميكرو ويف عبر, مما يعني اولاً انها تحت رحمة الريموت الصنعاني, وثانيا ان الثقة بالكادر الجنوبي معدومة !. - مبنى متهالك ووعد عرقوبي ببناء مبنى بديل بمنطقة حقات حسب السيد محمد باسندوة العام الفائت, وأجهزة مهترئة وأسلاك ممزقة وأثاث رث وبالٍ. حتى أن الإعلامية بالتلفزيون (رندا عكبور) بأحد مقالاتها التي تكشف فيه الاستقطاعات الجائرة بالمعاشات الشهرية للموظفين وأن أجور المذيعين في القناة لا تساوى نصف ما يتقاضاه مذيعو قناة "سبأ" أو اليمن, تصف جزءا من هذا المشهد البائس داخل مبنى التلفزيون قائلة: (..عندما تتحرك في استوديو الأخبار تجد نفسك في كل خطوة تصطدم بكابل من الكابلات المرمية على أرض الاستوديو، مكيفات تبقى معطلة بالأشهر، كرسي في استوديو الأخبار مكسور وقعت من عليه مذيعة، وهي تقرأ النشرة..).! - تردي حالة التلفزيون ومستقبله المظلم ناهيك عن التغييب المتعمد للدورات التأهيلية للكادر الإعلامية والتمييز الشطري المشين جعل افضل كوادره وأنجحها تفضل الهجرة عنه إما الى قنوات في صنعاء او قنوات عربية أخرى مثل فيصل باعباد ومحمد شيخ، وجميل مهدي بقنوات إذاعية إماراتية، والى قناة الشارقة غادر كل من ليلى كليب ورعد أمان، وغادر الى الجزيرة الرياضية رائد العابد, وإلى قناة ال(bbc) وديع عبدالله, ويبقى الباب مواربًا للبقية!.