على الرغم من جهود واشنطن لإقناع حلفائها في مجلس التعاون الخليجي بأنّ الاتفاق النووي الشامل مع إيران من شأنه أن يخدم مصالحهم على المدى الطويل، لكن لا يزال معظم ملوك الخليج العربي غير مقتنعين بذلك. بالإضافة إلى المخاوف الاقتصادية بشأن إعادة الاندماج المحتمل من الغاز الإيراني والنفط في الأسواق العالمية، تخشى دول مجلس التعاون الخليجي أنّ ذوبان الجليد في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران سوف يقلل من قيمتهم الاستراتيجية لدى أمريكا. تحت قيادة الملك سلمان، اتخذت المملكة العربية السعودية موقفًا متشددًا بهدف إلى مواجهة نفوذ إيران الإقليمي. وفي ظل مضاعفة الرياض دعمها للمقاتلين الإسلاميين السُنة، بما في ذلك جبهة النصرة، التي تقاتل النظام المدعوم من طهران في دمشق، يبدو أن سياسة واشنطن غير المتماسكة تجاه سوريا تضع مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية على رأس أولوياتها. وعلى الرغم من خطاب الحكومة الأمريكية ورعايتها لما يسمى بالمسلحين "المعتدلين" المناهضين للأسد في ساحات القتال في سوريا، لكنّ المكاسب الجهادية الأخيرة في سوريا تدفع إدارة أوباما إلى مزيد من التشكيك في حكمة الضغط من أجل تغيير النظام في دمشق. وقد زادت وجهات النظر المتباينة بين واشنطن والرياض حول البرنامج النووي الإيراني والحرب الأهلية في سوريا التوترات في العلاقة المضطربة بالفعل منذ 11 سبتمبر 2001. وفي وسط هذه التوترات تأتي مخاوف السعودية بشأن أهداف الهيمنة المزعومة من إيران في الشرق الأوسط واستيائها من جهود إدارة أوباما لتغيير سياسة واشنطن تجاه إيران من "الاحتواء" إلى "المشاركة المحدودة". وعلى الرغم من غضب المملكة العربية السعودية؛ إلّا أنّ الرياض تبدو عاجزة نسبيًا لثني واشنطن عن تقديم مبادرات دبلوماسية للجمهورية الإسلامية. وفي حين أنّ المملكة قد عمقت علاقاتها الاقتصادية مع الصين كوسيلة للحد من الاعتماد على الولاياتالمتحدة، لكنّ لا الصين، ولا أي قوة عالمية أخرى من المتوقع أن تحل محل أمريكا باعتبارها الشريك العسكري الرئيس للمملكة العربية السعودية. وبغض النظر عما إذا كانت مجموعة P5 + 1 وإيران سوف تتوصل إلى اتفاق نووي شامل، ستبقى دول مجلس التعاون الخليجي ضمن المدار الجغرافي السياسي لواشنطن، والدليل على ذلك هو الحرب الحالية في اليمن، التي استمرت بسبب دعم الولاياتالمتحدة في شكل التزود بالوقود جوًا، وتبادل المعلومات الاستخباراتية واللوجستية. التحوّل في السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية بعد الانتفاضات العربية في عام 2011، واجه الملك عبد الله فصائل المعارضة الديمقراطية المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين في عدة بلدان. ترى المملكة أنّ جماعة الإخوان المسلمين -هي حركة شعبية تتبنى النشاط السياسي، والعدالة الاجتماعية، والمؤسسات الديمقراطية وتؤيّد نسخة متنافسة إسلامية من الحُكم- تشكّل تهديدًا وجوديًا على شرعية العائلة الحاكمة، وأحقيتها في الحُكم ودورها كخادم للمدينتين المقدستين، مكةالمكرمة والمدينة المنورة. وعلى النقيض من الدول العربية الأخرى -البحرين، الكويت، لبنان، المغرب وتونس- التي تضم هيئات تشريعية تحصل فيها الأحزاب الإسلامية على بعض المقاعد، المؤسسات الديمقراطية لا وجود لها داخل المملكة العربية السعودية. الحكّام في الرياض ينظرون إلى الإسلاميين الديمقراطيين أصحاب الفكر التقدمي باعتبارهم تهديدًا للنموذج السياسي داخل المملكة الذي لا يتسامح مع المعارضة ويطالب رعاياه بالطاعة الكاملة. في فترة الستينيات والسبعينيات، قدمت المملكة الدعم والملاذ الآمن لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الذين فروا من حملات القمع المناهضة للإسلاميين التي شنّها جمال عبد الناصر في مصر وحافظ الأسد في سوريا. وخلال هذه الفترة من الحرب الباردة، كانت المملكة العربية السعودية ترى الإخوان المسلمين كحليف ضد الشيوعية والاشتراكية والقومية العربية في العالم الإسلامي. كما استضافت المملكة الجمعيات الخيرية الدينية، بما في ذلك رابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وكان لجماعة الإخوان المسلمين أدوار حاسمة. وفي الثمانينيات، استفاد السعوديون من الشبكات الدولية التي أنشأتها جماعة الإخوان المسلمين لتأجيج تدفق المقاتلين والأسلحة إلى أفغانستان طوال فترة الغزو والاحتلال السوفيتي. ومع ذلك، توترت العلاقات بين الرياض والجماعة في أعقاب حرب الخليج عام 1990-1991، والتي خلالها دعم الإخوان المسلمين صدام حسين ونددوا بعائلة آل سعود الحاكمة لدعمها الحملة العسكرية التي تقودها الولاياتالمتحدة ضد بلد مسلم. تكثفت حملة القمع من المملكة ضد الجماعة في أعقاب الثورات العربية في عام 2011 بسبب أنّ المخاوف الخطيرة من نفوذ الإخوان المسلمين المتنامي في مصر وأماكن أخرى يمكن أن تحشد المواطنين في المملكة لتحدي المؤسسة السياسية في المملكة. وفي عام 2014، انضمت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر في وصف جماعة الإخوان المسلمين بالمنظمة "الإرهابية". وعلى الرغم من هذه الحملة، لكنّ رسالة الإخوان المسلمين المناهضة للفساد والرافضة لسياسة الولاياتالمتحدة الخارجية، العدالة الاجتماعية لاقت تأييدًا كبيرًا داخل المجتمع السعودي، وفقًا لاستطلاع للرأي من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. ربما تأكّدت مخاوف المملكة من جماعة الإخوان المسلمين من خلال التوتر الذي تراكم بين المملكة العربية السعودية وقطر، التي وفرت الدعم المعنوي والمالي والدبلوماسي للفروع الإقليمية التابعة للجماعة. وفي مارس عام 2014، سحبت المملكة العربية السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة سفراءها من الدوحة ردًا على دعم قطر للإخوان في مصر وغيرها من البلدان. كما هددت المملكة العربية السعودية بفرض الحصار البري والبحري على قطر قبل أن تُرجع سفيرها إلى الدوحة في نوفمبر الماضي. وقبل أقل من أسبوع واحد بعد انقلاب يوليو عام 2013، قدّمت الرياض 5 مليارات دولار للجيش المصري، مما يؤكد التزام المملكة العربية السعودية بمواجهة الحزب الإسلامي الذي وصل إلى السلطة في أول انتخابات ديمقراطية في مصر. ولكنّ الملك سلمان بدأ تخفيف حدة التوتر السعودي مع الإخوان المسلمين. وكانت إحدى العلامات الأولى لهذا الموقف المتطور في فبراير عام 2015، عندما أعلن أحمد التويجري، وهو عضو سابق في مجلس الشورى السعودي، أنه "من غير المعقول تمامًا" وصف جماعة الإخوان المسلمين بالإرهابية. سُئل التويجري عن مقابلة مع وزير الخارجية آنذاك سعود الفيصل، الذي أوضح أنّ الرياض "ليس لديها مشكلة" مع الإخوان المسلمين، على الرغم من أنها حذت حذو القاهرة في العام السابق ووصفت الجماعة كمنظمة إرهابية. ردًا على ذلك، ذهب التويجري إلى أبعد من ذلك ووصف الجماعة بأنها "حليف طبيعي" للمملكة العربية السعودية، وحاول تبرير وصف الجماعة كمنظمة إرهابية على أساس "السياق اللغوي" المعقد وراء وصفها العام الماضي. ومنذ يناير الماضي، تحسنت العلاقة بين المملكة وحماس، وهي فرع تابع لجماعة الإخوان المسلمين، والتجمع اليمني للإصلاح في اليمن، اللتين تربطهما علاقات متوترة مع المملكة العربية السعودية. ويؤكّد المحللون أن احتضان الرياض لفروع الإخوان المسلمين يجب فهمه في إطار جهود المملكة العربية السعودية لإقامة نظام لعموم السُنة لمواجهة الجهات الفاعلة المدعومة من إيران في اليمن وغيرها من المناطق الساخنة في الشرق الأوسط. في الواقع، بعد أن تلقت الدعم لإطلاق "عملية عاصفة الحزم" من حماس والتجمع اليمني للإصلاح، يبدو أن مبادرات الملك سلمان لجماعة الإخوان المسلمين قد آتت أكلها سياسيًا. في خطوة أخرى، احتضنت الرياض رسميًا الإسلاميين السُنة الأكثر تطرفًا في المنطقة. في مايو الماضي، اعترف مصدر مسؤول في العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية أنّ الرياض كانت تعمل مع تركيا وقطر لدعم جيش الفتح في سوريا، وهذا يشكّل تحولًا كبيرًا في استراتيجية السياسة الخارجية. جيش الفتح هو تحالف جهادي في إدلب تهيمن عليه جبهة النصرة والميليشيات الإسلامية السُنية الأخرى، بما في ذلك أحرار الشام، وجند الأقصى، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفيلق الشام وأجناد الشام. في نفس الوقت، أصبح التزام المملكة العربية السعودية بهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية مشكوكًا فيه على نحو متزايد في ظل أنّ مخاوف الرياض بشأن العراق أصبحت أكثر تركيزًا على علاقة الحكومة المركزية مع طهران. يتفق معظم الخبراء على أن الملك سلمان أعطى الأولوية للحملة العسكرية السعودية في اليمن عن الجهود لمساعدة قوى حلف الناتو ودول عربية أخرى في هزيمة داعش. وعلى الرغم من التهديد الواضح الذي يشكّله داعش على المملكة؛ إلّا أنّ عددًا من السعوديين يرون أن هذا التنظيم أداة فعالة في صد النفوذ الإيراني في العراق وسوريا، التي تعتبره الرياض تهديدًا أكثر خطورة. تغيّر موقف الرياض بشأن جبهة النصرة من المحتمل أن يكون بسبب فهم أن الجبهة في أفضل وضعية لكسب النفوذ في سوريا أكثر من الفصائل التي تقاتل النظام في دمشق. وقد تأكدت هذه الحقيقة في مارس الماضي عندما سقطت إدلب من سيطرة النظام واستولى عليها جيش الفتح، لتكون المقاطعة الثانية التي تسقط من سيطرة دمشق بعد سقوط الرقة في مارس عام 2014. وبعد أن استولى جيش الفتح على المقاطعة بأكملها في الشهر التالي، ارتكب مقاتلو الجماعة مجزرة في قرية قلب لوزة استهدفت الدروز، وهم أقلية دينية لها جذور قديمة في سوريا. باختصار، لتحقيق أهداف جيوسياسية في الإطاحة بحليف إيران في سوريا وسحق الحوثيين الزيديين الشيعة في اليمن، بغض النظر عما إذا كان أي من هذه الأهداف واقعية، خلصت الرياض إلى أن انضمام أنقرةوالدوحة في دعم جيش الفتح، مع تحسين العلاقات مع الإخوان المسلمين، هي أفضل الطرق لتحقيق الهدف الاستراتيجي للمملكة في مواجهة النفوذ الإيراني في العالم العربي. مضامين العلاقة بين السعودية والولاياتالمتحدة يخشى مسؤولون أمريكان من دعم المملكة العربية السعودية لجيش الفتح. وفي حين يتجه الدعم المحدود من واشنطن للمسلحين في سوريا إلى المتمردين "المعتدلين" الذين يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية، لا تزال الرياض تركّز على الجهود الرامية لإسقاط نظام الأسد، الذي تلقي المملكة باللوم عليه في صعود الدولة الإسلامية في سوريا. أصبح التزام أمريكا بإسقاط الرئيس السوري بشار الأسد مشكوكًا فيه بشكل متزايد الآن بعد أن استولى تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا. من خلال رعاية جبهة النصرة، تدعم المملكة العربية السعودية جماعة تستهدفها قوات التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدة في سوريا. وفي سبتمبر عام 2014، أمر الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشنّ ضربات جوية ضد جبهة النصرة التي تُعدّ تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، إلى جانب تنظيم داعش. وقد تعلمت واشنطن أنّ دعم هذه الفصائل محفوف بالمخاطر، بالنظر إلى أن ولاء هذه الجماعات المتطرفة للرعاة ومقدمي الأسلحة والدعم المالي عادة ما يكون مؤقتًا في ظل الفوضى الحالية في الشرق الأوسط. ومن خلال إلغاء زيارته إلى قمة كامب ديفيد في شهر مايو الماضي، بعث الملك سلمان رسالة واضحة بعدم إقراره بالمبادرات الدبلوماسية من واشنطن تجاه طهران. كما أرسل عاهل البحرين الملك حمد، الذي أمضى تلك الأيام في معرض الخيول مع الملكة إليزابيث في إنكلترا، رسالة مماثلة. وفي نهاية المطاف، أثبتت القمة فشل محاولة إدارة أوباما لإقناع معظم قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن الاتفاق النووي الشامل مع إيران من شأنه أن يخدم مصالح جميع دول المنطقة. ومثل القيادة الإسرائيلية، لا يؤمن الملك سلمان بما يُقال ويرى أنها لعبة محصلتها صفر لجميع الأطراف، حيث إنّ أي فوز جيوسياسي لطهران يشكّل خسارة للرياض. وبالطبع، تشعر قيادة المملكة العربية السعودية بالاستياء من جهود أوباما لتجاوز أزمة الرهائن في عام 1979، وبدء صفحة جديدة في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوإيران. وفي الوقت نفسه، يرى مسؤولون أمريكان أنّ دعم المملكة العربية السعودية للميليشيات الجهادية المتشددة هو سياسة خطيرة تهدد بتحقيق المزيد من المكاسب الإرهابية في سوريا. وعلى الرغم من إدراك اتساع الفجوة بين استراتيجيات السياسة الخارجية الأمريكية والسعودية؛ إلّا أنّ إدارة أوباما عازمة على عدم توتر العلاقة مع الرياض. خلال زيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف ونائب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض في مايو الماضي، أشاد الرئيس أوباما ب "الصداقة غير العادية" بين المملكة والولاياتالمتحدة التي يعود تاريخها إلى عام 1940، لدرجة أنّ بعض المسؤولين في إدارة أوباما رفضوا مزاعم بأن غياب الملك سلمان في قمة كامب ديفيد شكّل أي نوع من أنواع الازدراء لواشنطن. وفي حين أنّ العلاقات بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية قد توترت في الماضي، ولاسيما بسبب القضية الفلسطينية وحقوق الإنسان وأسعار النفط، لكنّ واشنطن والرياض حافظتا على قوة تحالفهما، وكان الدافع هو الاقتصاد. ولكنّ الولاياتالمتحدة ستكون مضطرة للإجابة عن أسئلة صعبة بشأن تحالفها مع المملكة العربية السعودية في ظل تفكير قادة الشرق الأوسط في الآثار الجيوسياسية للاتفاق النووي الشامل مع إيران واستمرار مخاوف الغرب من الميليشيات الجهادية في سوريا.