نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    مليشيا الحوثي تنظم رحلات لطلاب المراكز الصيفية إلى مواقع عسكرية    بعد أيام فقط من غرق أربع فتيات .. وفاة طفل غرقا بأحد الآبار اليدوية في مفرق حبيش بمحافظة إب    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تهريب 73 مليون ريال سعودي عبر طيران اليمنية إلى مدينة جدة السعودية    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    العليمي يؤكد موقف اليمن بشأن القضية الفلسطينية ويحذر من الخطر الإيراني على المنطقة مميز    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    هل الشاعرُ شاعرٌ دائما؟ وهل غيرُ الشاعرِ شاعر أحيانا؟    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تجعلنا قراءة الأدب أكثر إنسانية؟
نشر في الرأي الثالث يوم 12 - 08 - 2022

يقول الروائي الأميركي جورج ر. مارتن إنَّ القارئ يعيش ألف حياة قبل أن يموت، أما الشخص الذي لا يقرأ فهو يعيش حياةً واحدةً فقط. تُثبت الدراسات الحديثة في علم النفس والأعصاب صحّة قول مارتن، إذ يوكّد الباحثون حالياً أن قراءة القصص الخيالية يمكن أن تُظهر لنا وجهات نظرٍ مختلفةٍ، وتُشكّل وعينا الاجتماعي وتزيد من ارتباط بعضنا ببعض.
صحيح أنَّ من السذاجة الاعتقاد بأنَّ القراءة يمكن أن تحلَّ بالكامل مشاكلنا العديدة، لكنَّها يمكن على الأقل أن تساعد في جعل العالم مكاناً أكثر تعاطفاً. وقد توصلت مجموعة من الباحثين إلى أن الأشخاص الذين يقرأون الروايات، يميلون إلى فهم مشاعر الآخرين، حتى لو كان أولئك يختلفون عنهم كثيراً.
التعاطف: غِراء المجتمعات الإنسانية
إذا بحثنا في قواميس اللغة عن معنى كلمة "تعاطف"، نجد أن فعل "تَعاطفَ" مع فلان يعني "عطف عليه" و"أشفق وحَنا عليه". يوصَف "التعاطف" أيضاً بأنَّه نوعٌ من المشاركة الوجدانية، وهو الغراء الذي يربط المجتمعات الإنسانية، ومن دونه لما استطاعت البشرية أن تتقدم.
لطالما اعتمد أسلافنا على التعاطف والرعاية للبقاء على قيد الحياة. والتعاطف لا يتجسّد فقط بمشاركة المشاعر، ولكن أيضاً باقتسام الموارد، والمساعدة في معالجة المرضى، والحماية من الحيوانات المفترسة... نحن إذاً بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى التعاطف للمضيّ قُدُماً في حياتنا.
يقول الباحث في "جامعة تورونتو" كيث أوتلي، إنَّ قراءة الروايات تُمكّننا من تطوير مهاراتنا، وفهم الأشخاص الآخرين حولنا بشكلٍ أفضل، واستيعاب ما يدور في أذهانهم من أفكار، وما يخططون له، خاصَّةً أنَّ الروايات تفتح المجال للتعرف إلى عيّنات عديدة من أناس جدد، قد لا نلتقي بهم أبداً في حياتنا الحقيقية، أو في البيئة التي نعيش ضمنها.
كما يكتسب الطيارون خبرات الملاحة الجوية من خلال البرامج التي تحاكي الطيران، تُسهم الروايات عبر محاكاتها للواقع في إثراء التجارب الاجتماعية للأفراد، وتُمكّنهم من استيعاب شبكة العلاقات في المجتمع الإنساني وتعقيداتها.
أضف إلى ذلك أن علماء النفس يؤكّدون قدرة الخيال على تمكين القارئ من الانتقال إلى عقلِ ووعي شخصٍ آخر، ما يسمح له برؤية ما يفعله والشعور بما يحسّه. فقراءة الروايات تجعل القرّاء يتعرّضون لظروفٍ حياتيةٍ مختلفةٍ تماماً عن ظروفهم الأصلية.
يتيح السرد الروائي في هذه الحالة تجربة العالم بعيني شخصٍ من عرقٍ آخر، أو ثقافةٍ مغايرةٍ، أو فئةٍ عمريةٍ مختلفةٍ، أو ربما مهنةٍ بعيدةٍ جداً عن مجالنا العملي. وهكذا يصبح باستطاعة القارئ إدراك ما يعنيه فقدان طفلٍ عزيزٍ بالنسبة إلى أمٍّ ثكلى، أو خوض حربٍ ضروسٍ من قبل جندي محارب على الجبهة، أو العيش وسط عائلةٍ مُعدَمةٍ، أو حتى مغادرة الوطن والهجرة إلى بلدٍ جديدٍ. كل هذه القراءات تؤثّر من دون أدنى شك في كيفية ارتباطنا وإحساسنا بالآخرين في العالم الحقيقي.
القراءة تطوّر المهارات الاجتماعية وتساعد على فهم الآخرين
القصص هي إذاً نوعٌ من المحاكاة التي لا تساعد في فهم الشخصيات الروائية فحسب، بل أيضاً في فهم نفسية البشر بشكلٍ عام، والإحساس بمشاعرهم وهمومهم وآلامهم. شخصيات الروايات هي أشبه ما تكون بالدوائر في علم الجبر. على مثال علماء الرياضيات الذين يستخدمون الدوائر لحل المسائل الرياضية، يستغلُّ الروائيون شخصياتهم لمعالجة المشاكل المجتمعية والإنسانية.
ساد الاعتقاد طويلاً أنّ الأشخاص المهووسين بالمطالعة، والذين يقبعون في عتمة المكتبات الرطبة ويُلقبون عادة ب"فئران الكتب"، هم أشخاصٌ منغلقون وفاشلون اجتماعياً، يستخدمون القراءة كحجّةٍ للهروب من الواقع المرير.
يتيح السرد الروائي تجربة العالم بعيني شخصٍ من عرقٍ آخر، أو ثقافةٍ مغايرةٍ، أو فئةٍ عمريةٍ مختلفةٍ، أو ربما مهنةٍ بعيدةٍ جداً عن مجالنا العملي.
ولكن وفقاً لعالم النفس ريموند مار، الباحث في "جامعة يورك" في تورونتو، فإنَّ العكس هو الصحيح، فهؤلاء الأشخاص يمتلكون مهارات اجتماعية تفوق تلك التي يمتلكها الذين لا يقرأون الروايات، كما يتمتعون بقدرةٍ أكبر على فهم مشاعر الآخرين من خلال نظرات العيون.
وكما يكتسب الطيارون خبرات الملاحة الجوية من خلال البرامج التي تحاكي الطيران، تُسهم الروايات عبر محاكاتها للواقع في إثراء التجارب الاجتماعية للأفراد، وتُمكّنهم من استيعاب شبكة العلاقات في المجتمع الإنساني وتعقيداتها.
الحقيقة أنَّ قوة الرواية تكمن في الارتباط العاطفي الذي تخلقه بين القارئ والشخصيات التي يقرأ عنها. بكلمة واحدة، هذا يعني التعاطف.
قامت مجموعة من علماء الأعصاب بقياس نشاط المخ لمجموعةٍ من الأشخاص، بواسطة تقنية "الرنين المغناطيسي"، وذلك أثناء قراءة إحدى الروايات، ولاحظوا أنَّ دماغ القارئ يتفاعل مع الرواية كما لو أنّه يشعر فعلياً بأحاسيس الشخصية، وكما لو أنّه يقوم بالتصرفات نفسها.
وأثبتت الصور أن قشرة الفص الجبهي من الدماغ، المسؤولة عن الأهداف والمقاصد، تنشط عندما تُحدّد الشخصية هدفاً جديداً لتحقيقه، والقشرة الصدغية تنفعل عندما يكون هناك تحولاتٌ وانعطافاتٌ مهمةٌ في أحداث القصة، فضلاً عن أنَّ هناك مناطق أخرى في المخ تستجيب لمؤشرات الزمان أو تغييرات المكان. وهذا يعني أن المناطق الدماغية تتنشط كما لو أن القارئ يقوم فعلياً بهذه الأعمال والإجراءات، في حين أنَّ كل ما يقوم به هو القراءة فقط.
اختلاف عقلية القرّاء ونفسياتهم وخلفياتهم الثقافية، وأيضاً جيناتهم الوراثية، تجعلهم يتأثرون بدرجاتٍ متفاوتةٍ بقصةٍ معينةٍ، لذلك يحتاجون إلى قصص مختلفة تُراعي الفروقات بينهم.
عندما تشير كلمات الرواية إلى أنَّ شيئاً ما تمَّ التقاطه، على سبيل المثال: "أمسكَ السيد أحمد بقارورة العطر الثمين ونثرَه على قفطانه"، فإنَّ صور الرنين المغناطيسي تُبين أنَّ المناطق المرتبطة بهذه الحركات قد تفعّلت.
تشمل هذه المناطق منطقة اليد في القشرة الأمامية الحركية (المسؤولة عن التخطيط)، والقشرة الحسية (التي تعالج المعلومات الحسية الآتية من الجسم، كاللمس والشم).
نسيان الهموم الشخصية وتطوير "نظرية العقل"
فضلاً عمّا سبق، تُرغمنا قراءة الروايات على وضع همومنا ومشاريعنا الذاتية جانباً، وعلى تبَنّي هموم أبطال القصة ومصيرهم، وهذا يسمح لنا بفهم أحداث القصة من وجهة نظر الشخصية.
ولكن يجب أن ندرك أننا لا نشعر حقاً بمشاعر الشخصية (التي هي في النهاية كائنٌ من حبر وورق)، إنما ما نشعر به هو عواطفنا واستجاباتنا للرغبات والأفعال والمواقف التي يصفها المؤلف. لا شك في أنّ تطور هذه المشاعر هو ما يجعلنا نقلب الصفحات لنصل إلى نهاية الكتاب.
الجدير بالذكر أنَّ التمتّع بمهاراتٍ اجتماعيةٍ جيدةٍ، والتعرّف إلى مشاعر الآخر من عينيه، يعنيان حتماً التمتّع ب"نظرية عقل" متطورة.
تُعَدُّ نظرية العقل (theory of mind) أحد فروع العلوم الإدراكية، وهي مفهومٌ له علاقة بالتعاطف. تفترض هذه النظرية أنَّنا نستطيع أن نتوقع تصرفات الناس من حولنا بناءً على تجاربنا، إلى جانب معتقداتنا وأحاسيسنا وإدراكنا. تمكِّننا نظرية العقل أيضاً من فهم أنَّ الآخرين لديهم أفكارهم ورغباتهم وخططهم ونيّاتهم التي تختلف عمّا نمتلكه نحن.
من ناحيةٍ أخرى، لا تُحقق جميع أنواع القراءة النتائج ذاتها على صعيد تعزيز مشاعر التعاطف لدى القارئ. لإثبات ذلك، قام علماء بإجراء بحث نُشر في مجلة "Science"، قام على تكليف مجموعة من الأشخاص بقراءة رواياتٍ أدبيةٍ، وتكليف مجموعة ثانية بقراءة كتابات غير خيالية، أما المجموعة الثالثة فلم تُكَلَّف بقراءة أيِّ شيءٍ على الإطلاق.
بعد ذلك، قاسَ الباحثون نسبة تحسن المشاركين في اختبارات "نظرية العقل"، فكانت النتيجة أنَّ الأشخاص الذين تمّ تكليفهم بقراءة الروايات الأدبية أبدوا تحسّناً أكبر في اختبارات التعاطف.
في المقابل، لم يحصل الأشخاص الذين تمَّ تكليفهم بقراءة عملٍ غير خيالي، أو لا شيء على الإطلاق، على أيِّ تحسّنٍ ملموسٍ. مَرَدُّ ذلك إلى أن أعمال الخيال الأدبي تميل إلى التركيز على تنمية الشخصية وتعزيز الجانب الإنساني والإبداعي.
وهذا يؤكد أنّ الشخصيات والسيناريوهات المقترحة في الأدب الروائي هي أكثر قابلية لتحدّي توقعات القارئ، وجعله يتماهى معها، ودفعه إلى تغيير معتقداته وثوابته ونظرته إلى الحياة، وإلى الناس من حوله.
قراءة الروايات تُمكّننا من تطوير مهاراتنا، وفهم الأشخاص الآخرين حولنا بشكلٍ أفضل، واستيعاب ما يدور في أذهانهم من أفكار، وما يخططون له، خاصَّةً أنَّ الروايات تفتح المجال للتعرف إلى عيّنات عديدة من أناس جدد، قد لا نلتقي بهم أبداً في حياتنا الحقيقية، أو في البيئة التي نعيش ضمنها.
لمعرفة مدى التغيير الذي يُحدثه الأدب الروائي، يكفي أن نعرف أن دراسة أُجريت عام 2014، أظهرت أن طلاب المدارس الابتدائية والثانوية في إيطاليا والمملكة المتحدة أصبحوا أكثر تعاطفاً مع المهاجرين واللاجئين بعد قراءة سلسلة روايات هاري بوتر.
وقد أوضح الباحثون أنَّ: "عالم هاري بوتر يتميّز بتسلسل هرمي اجتماعي صارم، وتحيزات عديدة، مع أوجه تشابه واضحة مع الواقع".
في العام ذاته، وجد فريق بحث آخر أن الأشخاص الذين قرأوا رواية "أحلام الزعفران" (2009 )، وهي رواية عن امرأة مسلمة من أصل شرق أوسطي تعيش في نيويورك، تتعرض لاعتداءات عنصرية بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001، أصبحوا أقل عنصرية وتحيّزاً تجاه الأشخاص المنتمين إلى أديانٍ وأعراقٍ مختلفةٍ.
تملك الروايات إذاً القدرة على تغيير البشر نحو الأفضل، فمن يستطيع قراءة رواية "البؤساء" (1862) لفيكتور هوجو من دون الشعور بعذابات الفقراء والمهمّشين في الأرض، والتعاطف مع مصير جان فالجان، الذي دخل السجن 19 سنةً لأنه سرق رغيف خبز، أو فانتين التي باعت أسنانها وشعرها الذهبي الجميل لتشتري ثياباً لطفلتها؟
من يستطيع أن يقرأ رواية "آنا كارنينا" (1878) لليو تولستوي من دون أن يتألم لمصير هذه المرأة العاشقة، والإحساس بكل المشاعر المتناقضة التي مرّت بها، ولكن في الوقت عينه يتعاطف مع زوجها، الذي تسامح معها وربّى ابنتها من رجلٍ آخر؟
في عالمٍ يزداد توحّشاً يجب ألّا نتوقّف عن محاولة جعل حياتنا أكثر احتمالاً وأقلَّ قسوةً. قد تكون قراءة الأعمال الأدبية مدخلاً مهماً لتحفيز الأجيال الجديدة التي نشأت على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتادت استهلاك الأفكار الجاهزة المستوردة، بهدف دفعها إلى التعاطف مع معاناة الآخرين، ومواجهة الظلم الواقع عليهم.
كما تمكّن رواية "الأحمر والأسود" (1830) لستاندال، القارئ من الإحساس بمشاعر شاب فقير حاول التمرد على واقعه، والارتقاء اجتماعياً من خلال جمعه بين المواهب، والعمل الجاد، والخداع والنفاق. وفي النهاية يسمح لعواطفه بأن تخونه، لينتهي به الأمر تحت المقصلة، لأنه رفض الإذعان للمنطق الطبقي السائد في فرنسا، في الحقبة التي تلت سقوط نابليون بونابرت.
وإذا اتجهنا شرقاً فسوف نجد أن رواية "أعراس آمنة" (2004) لإبراهيم نصر الله، تجعلنا نشعر بحجم معاناة النساء الفلسطينيات في غزة المحاصرة، حيث الجوع والعدوان والظلم.
أما رواية "سندريلات مسقط" (2016) للكاتبة العمانية هدى حمد، فتُظهر معاناة المرأة في المجتمعات العربية الذكورية، من القهر والصمت الدائم. ولا بد من التنويه برواية "عشر نساء" (2010) للكاتبة التشيلية مارثيلا سيرانو، التي نكتشف من خلالها أنّ مشاكل النساء هي ذاتها، سواء في الشرق الأوسط أم في بلاد أميركا اللاتينية، فحيث ما ذهبنا نجد أن المرأة تعاني من التهميش والعنف الرمزي والجسدي، إضافة إلى الحكم عليها من خلال مظهرها الخارجي.
وربما تدفع هذه الروايات الكثيرين إلى تبَنّي قضايا المرأة والدفاع عن حقوقها، أو حتى السعي إلى تغيير القوانين التي تظلمها كإنسان أولاً.
من ناحية أخرى، يقول الباحث أوتلي إنَّ اختلاف عقلية القرّاء ونفسياتهم وخلفياتهم الثقافية، وأيضاً جيناتهم الوراثية، تجعلهم يتأثرون بدرجاتٍ متفاوتةٍ بقصةٍ معينةٍ، لذلك يحتاجون إلى قصص مختلفة تُراعي الفروقات بينهم.
كما ينبغي عدم استبعاد المذكرات والسِيَر الذاتية لأشخاصٍ معروفين، ما دام هناك قصصٌ قويةٌ عن أشخاصٍ مؤثرين، وعرضاً مُقنعاً للظروف التي تغلّبوا عليها، إذ سيتردد صداها في النفوس، وتترك انطباعاً دائماً.
سنأخذ مثالاً على ذلك سيرة الأسير المحرر الشهيد سمير القنطار، التي عنوانها "قصتي" (2011)، التي لا يمكن إلا أن تترك فينا أثراً كبيراً. فمهما كنا نظن أننا نعرف عن الأسرى ومعاناتهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، فإنَّ قراءة القصة تبقى أمراً مختلفاً تماماً عن سماعها بشكل إخباري، ولا يمكن إلا أن نتألم عندما نقرأ وصف سمير القنطار للتعذيب العنيف الذي لا يحتمله عقل، الذي تعرّض له بعد قيامه بعملية نهاريا، إلى درجة أن الطبيب المعالج بكى عندما رأى جسده المُثخن بالجراح.
كما أنَّ من يقرأ "قصة حياتي العجيبة" (1902) لهيلين كيلر سيتأثر بقوة عزيمة هذه المرأة المكفوفة الصماء، التي تغلّبت على إعاقتها، لتُصبح في ما بعد ناشطة سياسية وأديبة مشهورة عالمياً.
لا تتوقفوا عن القراءة!
في عالمٍ يزداد توحّشاً يوماً بعد يوم، يجب ألّا نتوقّف عن محاولة جعل حياتنا أكثر احتمالاً وأقلَّ قسوةً. قد تكون قراءة الأعمال الأدبية مدخلاً مهماً لتحفيز الأجيال الجديدة التي نشأت على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتادت استهلاك الأفكار الجاهزة المستوردة، بهدف دفعها إلى التعاطف مع معاناة الآخرين، ومواجهة الظلم الواقع عليهم، وهنا يبرز دور المدارس ونوادي القراءة، وأهميته في تنشيط ذلك.
مهما كان عمرك ومكانتك في الحياة، لا تتردد في الجلوس على كرسيٍّ مريحٍ، مع روايةٍ جديدةٍ من أجل تطوير عقلك وحياتك الاجتماعية!
المصادر
Les romans renforcent l'empathie : https://www.cerveauetpsycho.fr/sd/psychologie/les-romans-renforcent-l-empathie-6786.php#:~:text=Les%20diff%C3%A9rents%20tests%20et%20calculs,%2C%20et%20non%20l'inverse.
Véronique Larrivé, «Empathie fictionnelle et écriture en je fictif», Repères, 51 | 2015, pp 157-176.
Suanne Keen, «A Theory of Narrative Empathy», Narrative, Vol. 14, No. 3 (Oct., 2006), pp. 207-236
How Reading Fiction Increases Empathy and Encourages Understanding : https://www.discovermagazine.com/mind/how-reading-fiction-increases-empathy-and-encourages-understanding
Serge Tisseron, L'empathie au cœur du jeu social : vivre ensemble ou mourir, Editions Albin Michel, 2010.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.