ليس إلى عهد قريب أو مرحلة أقرب , بل كان هذا يحدث , كان أهلنا يشتغلون بالتجارة , وعندما أقول أهلنا فلا أقصد اصحاب قدس أو الحجرية وحدهم بل أشير إلى أهلنا من أقصى اليمن إلى أقصاها من عملوا بالتجارة !! , كان التاجر يتعامل بكلمة الشرف , إذا شخط صاحب صنعاء وجهه فاضمن حقك , ويكفي أن يكون بينك وبينه أرحم الراحمين , وإذا قال صاحب تعز في عدن للتاجر القادم من صعده ( بشرفي ) , خلاص أنتهت الحكاية !! وكان للعملة وجهها الآخر , فاذا بكر زبون واشترى منك , وقدم الآخر قلت له في صنعاء ( ابسر جاري يستفتح ) وفي عدن ( شوف اللي جنبنا ) ينكرأن لديه ما تطلب ليدفعك إلى الجار !! , وإذا أفلس جارك التاجر والجار إلى سبعين دكاناً هب الشارع كله ينقذ زميل المهنة !! , فما الذي حدث ؟؟؟ تأتي إلى الدكان الفلاني لتشتري السلعة الفلانية فيكذب عليك البائع بعد أن يحلف بأغلظ الأيمان !! , وإذا سألته إذا لم تجد عنده ما تطلب ( طيب أين ألاقيها ) فتكون الكذبة العجلى ( مدري ) وهو يعلم أنها موجودة عند جاره !!!, وللأمر وجهه الآخر , فيتصل بك فلان فتؤشر لأبنك أو بنتك ( قولي ما هلوش ) وعادك قبل دقائق تحدثهم عن أن الكذب حرام !! , وإذا سمعت أحد الأبناء بعدها يكذب على أمه نهرته وقمت تلقي خطاباً رناناً عن مضار الكذب وتنسى أنك علمتهم الكذب !!, السياسة صارت مقترنة بالكذب ولذلك نقول ابعدوا الدين عنها , والأحزاب تمارس عادة الكذب على أعضائها ليل نهار وعلى بعضها كل صبح !! والإعلام يزيف وعي الناس ونقول إعلام ومعظمنا مجرد ( مسربين ) لمراكز القوى والصراع , وانظر الكل يكذب بما يتعلق بالقضية الجنوبيه وسنكتشف في الأخير الكذب تم على البلاد كلها !!, ومدير المال يكذب , إذ يأتي إليه الموظف فيعده وأنت تعرف أنه يكذب !! وعندما تقول له بعد ذهاب الموظف : كيف تعده أو تعدهم وأنت عارف أنك تكذب ؟؟!! , يضحك في وجهك ( وأنا ما أعملك هم يعجبهم أن تكذب عليهم ) , وتستفسر منه : كيف ؟؟ يقول لك لقد أدمنا على أن نكذب على بعضنا والموظف عندما تكذب عليه يبقى على أمل ويشعر في أعماقه بالراحة حين يكتشف أنك كذبت فيولد ذلك لديه شعور بأنه ( مناضل ) وانظر فنذهب إلى أسواق القات والجزارة فيكذبون علينا ألف مرة ونخرج من عندهم بحالة من الزهو ( زدت على أبوه ) فتكتشف في البيت أنه زاد عليك فتجد لك موضوع وقت القات يطلع ( الحرارة ) تبكر الصبح ( واني ) والى الجزار فيزيد عليك وصاحب القات يزيد عليك ( حق اليوم أحلى وأطعم ) فهل أدمنا الكذب وصار علينا أن نكذب على أنفسنا حتى أمام المرآه إن لم نجد من يكذب علينا أو نكذب عليه !!! وصار يكذب علينا – بضم الياء – من خمسين عاما ونحن نصفق !!!!!ولا يزال المسلسل التركي مستمرا !!!
