متابعات رأى خبراء استراتيجيون ان تصاعد الحشد العسكري الدولي في الخليج والبحر المتوسط، يشي بالتحول من ردع إيران عن بُعد، إلى تبني استراتيجية الردع "المقيمة" في مواقع النفوذ الإيراني، وأكد الخبراء ان الدول الداعمة لطهران ستتخلى عن موقفها، وان اسرائيل ستقود مبادرة ضرب الدولة الفارسية. لفتت الحشود العسكرية الدولية أنظار المراقبين وخبراء الشؤون الاستراتيجية في مختلف دول العالم، وربط البعض بين الحشود غير التقليدية في مياه البحر الأبيض والبحر الأحمر والخليج العربي، وبين الاستعداد الدولي لأية محاولات قد تقوم بها إيران لزرع الغام في مياه مداخل مضيق هرمز، في محاولة منها لإغلاق المضيق وتعطيل حركة نقل نفط الخليج، فيما ذهب فريق من الخبراء إلى ان تلك الحشود تأتي في اطار الترجمة الفورية لواقع التحولات الاستراتيجية لدول عظمى من ملف طهران النووي، والتراجع عن اعتراضات سابقة بفرض عقوبات على الدولة الفارسية. "ثعالب البحر" في طريقها إلى مياه الخليج وجهات نظر المراقبين والخبراء الاستراتيجيين، جاءت على خلفية ما تناقلته تسريبات عبرية من معلومات حول استقبال البحر الابيض المتوسط لحاملة الطائرات الأميركية "ايزنهاور"، وصدور تعليمات لنظيرتها "ستنيس" بعدم البقاء كثيراً في الولاياتالمتحدة، والتوجه في آب (اغسطس) المقبل إلى مياه الخليج العربي، ووفقاً لخبراء استنطقتهم "إيلاف": يعني ذلك انه مع وصول حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" خلال الأيام القليلة المقبلة إلى شواطئ الإمارات العربية المتحدة، سيكون في المنطقة عينها قبالة شواطئ إيران خلال شهر آب (اغسطس) خمسة حاملات طائرات غربية، أربعة منهن أميركيات". وتشير التسريبات العبرية إلى أن حاملة الطائرات الأميركية "ايزنهاور"، وصلت مياه البحر الابيض المتوسط خلال الاسبوع الاول من شهر تموز (يوليو) الجاري، وجاء في بيان الأسطول الأميركي بوضوح، أن حاملة الطائرات التي يدور الحديث عنها ستعمل تحت أمرة الأسطول السادس الأميركي في مياه البحر الأبيض، فضلاً عن انها ستكون ايضا تحت قيادة الأسطول الاميركي الخامس، وهو الأسطول العامل في مياه الخليج العربي قبالة الشواطئ الإيرانية، وألمحت التسريبات عينها إلى انه يوجد حالياً في مياه الخليج العربي حاملتي طائرات أميركية، الاولى هى "انتربرايز"، والثانية هى "ابراهام لينكولن". في المقابل نقلت تقارير عبرية نقلها موقع "NFC" العبري عن دوائر عسكرية أميركية قولها: "إن الولاياتالمتحدة ستحشد إلى مياه الخليج العربي العشرات من مختلف أنواع الغواصات من طراز "ثعالب البحر"، القادرة على العمل ضد الألغام البحرية، إذ أن كل غواصة مزودة بمجسات وكاميرات تلفزيونية خاصة، تمكنها من رصد كافة انواع الألغام البحرية، بالإضافة إلى تزويد كل مجس بمواد متفجرة من شأنها ابطال عمل اللغم في الحال". وفي حديثه الخاص ل "إيلاف" يقول الخبير الاستراتيجي أحمد عز الدين: "انطلاقاً من تلك المعطيات تكون الولاياتالمتحدة ضاعفت من قواتها الخليجية، لصد اي محاولات من قبل إيران لإغلاق مضيق هرمز عبر زرع الألغام، وبالإضافة إلى تلك المعلومات، تضع الولاياتالمتحدة قبالة السواحل الإيرانية ثماني كاسحات الغام أميركية، كما وصلت مياه الخليج خلال الايام القليلة الماضية السفينة الحربية الأميركية "بونس"، المعدة خصيصاً لتكون قاعدة لنشاط الوحدات الخاصة، والمروحيات، والآليات البحرية القادرة على العمل ضد الألغام البحرية، ووحدات المارينز الإيرانية المعنية بزرع الألغام". مشاورات سرية بين خبراء بحريين ويضيف الخبير الاستراتيجي في حديثه ل "إيلاف" ان مضاعفة تلك القوات في مياه الخليج العربي، جاء بعد مشاورات سرية جرت بين خبراء بحريين من فرنسا وبريطانيا والولاياتالمتحدة، ووصلت تلك المشاورات إلى نتائج مفادها: "ان إيران لا تمتلك قوات عسكرية او وسائل قتالية متقدمة تكفي لإغلاق مضيق هرمز بصورة تعرقل حركة السفن، خاصة الحاويات النفطية، فكل ما يستطيع الإيرانيون عمله في المضيق هو زرع سلاسل من الألغام البحرية، المر الذي يمكنه عرقلة مسار حاويات النفط". وأضاف عز الدين ان الولاياتالمتحدة بانتشار قواتها البحرية في مياه البحر المتوسط والبحر الاحمر ومياه الخليج العربي، تؤكد انها على استعداد لمجابهة اي تهديد عسكري إيراني فور وقوعه أو مجرد التلويح به، فإذا ما بدأ الإيرانيون بنشر الغام بحرية في الممرات المائية الدولية، فسيجدون أمامهم قوات أميركية تعمل على إبطال مفعول هذه الألغام فور وضعها، كما انه اذا حاول الإيرانيون التشويش على حركة حاويات النفط في مضيق هرمز، فلن يحمل ذلك تأثيرات سلبية كبيرة على تزويد الاسواق العالمية بالنفط أو على أسعاره، إذ أن الاحتياطي النفطي في الأسواق العالمية يحتوي على كميات كبيرة من النفط، تكفي احتياجات العالم لمدة ستة اشهر كاملة على اقل تقدير. وفي حديثه ل "إيلاف" يرى الدكتور طارق فهمي استاذ العلم السياسية بجامعة القاهرة، ان الحشود العسكرية التي تشهدها منطقتي الشرق الاوسط والخليج على وجه الخصوص، تؤكد تحول الغرب في تعامله مع الملف النووي الإيراني من التهديد عن بُعد، إلى ما يمكن وصفه ب "الاستراتيجية المقيمة" والتدخل العسكري المباشر، ولعل هذا التحول النوعي في استراتيجيات الغرب، هو ما يقود إلى الاعتماد في ردع الدولة الفارسية على الأسلحة ومنظومات الرادار المبكر وغير المبكر، وأضاف الدكتور فهمي: "في هذه الحالة لا يمكن وصف القوات الغربية المرابضة في البحر الأبيض والأحمر ومنطقة الخليج ب "الحشود"، وانما ينطبق عليها تعريف الردع المقابل في مواقع النفوذ الإيراني، ومن غير المستبعد ايضاً ان يتحول هذا الردع إلى تظاهرات استراتيجية من قبل حلف شمال الاطلنطي "ال "ناتو"، تهدف إلى القيام بعمل عسكري". انتخابات الرئاسة بالتزامن مع حشد القوات وبحسب حديث الدكتور طارق فهمي، التحركات العسكرية التي يدور الحديث عنها، تأتي في أعقاب 5 مناورات عسكرية، اجرتها إيران خلال العام الجاري في اشارة إلى قدرات الدولة الفارسية على أرض الواقع، وربما يقود ذلك إلى الدخول في مرحلة جديدة من المواجهة، واذا كان البعض يعتقد أن الفترة المقبلة ستشهد انشغال الإدارة الأميركية بالانتخابات الرئاسية الوشيكة، فأغلب الظن انها تستطيع بالتوازي مع ذلك حشد قواتها للمواجهة في هذا التوقيت. وأضاف الدكتور طارق فهمي: "ان المواجهة المرتقبة مع إيران ستدور بالأساس انطلاقاً من عدة خلفيات، أولها: فشل المفاوضات الإيرانية التي تجريها الدول الخمس دائمة العضوية في الاممالمتحدة وألمانيا حول البرنامج النووي الإيراني، ثانياً: قيام الدولة الفارسية بعمل استراتيجي او نووي مباغت في مياه الخليج العربي، او بعبارة اخرى الانتقال من مرحلة الردع النووي إلى تجاوز العتبة النووية، إذ تشير التقديرات الأميركية والغربية بشكل عام إلى ان طهران ستصل إلى تلك المرحلة في ديسمبر المقبل، ثالثاً: وصول الدول المؤيدة لإيران (روسيا، والصين على سبيل المثال) إلى مرحلة توظيف الحدث لصالحها، بمعنى تبني بكين وموسكو لسياسة (المقايضات) ما يعني تنازل روسيا عن موقفها الداعم للدولة الفارسية، مقابل تخلي الولاياتالمتحدة عن التعامل عسكرياً مع نظام الأسد، او الملف العراقي مقابل ملف امن الخليج". وحول الجدل الدائر حول نشوب الحرب ضد إيران من عدمه، خاصة في ظل ما يتواتر من معلومات حول تعرض إيران لضربة عسكرية، يؤكد الدكتور فهمي في حديثه الخاص ل "إيلاف" :السؤال عن احتمالات تعرض إيران لضربة عسكرية، لم يعد يشغل بال المراقبين، قدر انشغالهم بتوقيت الضربة والجهة التي تبادر بها، فأنا اعتقد ان تبني الخيار العسكري مع إيران اصبح حقيقة دامغة، لا يعوزها سوى تحديد الوقت المناسب، والمؤكد أن اسرائيل ستقوم بتوجيه الضربة الأولى لمنشآت إيران النووية، ولن يخرج ذلك إلى حيز التنفيذ، إلا بعد تلقي الدولة العبرية الدعم غير المباشر من حلف ال "ناتو"، خاصة ان الحلف زار السواحل الاسرائيلية 4 مرات هذا العام، كما أن العلاقات بين الحلف وإسرائيل متينة، رغم أن الأخيرة ليست عضواً، كما أن الولاياتالمتحدة ستستبق تفعيل الخيار الإسرائيلي المسلح ضد الدولة الفارسية، بامداد حكومة تل ابيب بالدعم اللوجستي الكامل".