لا يستفز الإنسان شيء كتسفيه معتقده الديني أو الفكري والمساس به، وهذا ما يؤكده علماء النفس، وعلينا ان نعرف شيئاً واحداً – إن لم نقل حقيقة واحدة – هو أن من الصعب جداً جداً القضاء المبرم على معتقد ديني أو مذهبي وان كان غير سماوي أو سماوي تمازج مع ماهو وضعي واسطوري فما بالنا بالمعتقدات ذات الأصول الدينية الكتابية السماوية. من الصعب وربما المستحيل أن يتم طمس معتقد تأصل في وجدان من يؤمن به وشكل نفسيته وثقافته، بما له قداسة دينية، وإن كانت تلكم القداسة غير سماوية، بل وضعية فكرية كما هو في البوذية والكنفوشيوسية مثلاً. لقد جُرِبَتْ كل الوسائل من التسفيه والاحتقار، إلى الاضطهاد والقمع، إلى الحروب وسفك الدماء والإبادة الجماعية.. وفشلت جميعها في القضاء التام على ما هو مُعْتَقَدِيّ وفكري، بل كانت لها نتائج عكسية سواء من حيث ردود أفعال الاستفزاز في المعتقد، أو من حيث استهداف رموز ومرجعيات المعتقد المستهدف بالتصفيات الجسدية، التي جعلت الاتباع من العوام يحتفظون بما في ضمائرهم من معتقدات، لتظهر بعد حالة الكمون القسرية أو الوقائية بما هو أشد تعصباً وتطرفاً، ورفضها للآخر، وبمفاهيم أضافها الاتباع غير الملمين أو العوام البسطاء بعد أن فقدوا مرجعيات معتقدهم أو مذهبهم الذي تعرض للقمع والتنكيل، ولننظر على سبيل المثال إلى مذاهب الإسلاميين التي تعرضت لمحاولات طمسها وقمع معتنقيها وكيف دخلت عليها مفاهيم ناتجة عن ذلكم الاضطهاد على أيدي من توهم امتلاك كل الحقيقة، واعتقد أن معنى الصواب لديه لا سواه. إن التاريخ مليء بالعديد من الشواهد على ذلك وإذا ما كان الغربيون أو الغرب المسيحي قد استفاد من ذلك وحصر الأمر في دائرة اختلاف الرؤى بين المرجعيات القادرة على التحاور والتقارب كما هو الحال بين الكاثوليك والبروتستانت.. فإن الشرق الإسلامي لم يستفد شيئاً بل ها هو يسلك المسلك المناقض تماماً منذ نهاية القرن الماضي بصورة خاصة.. ومن شواهد ما نحذر منه أو ننبه إلى مخاطره ما تسيل من دماء العنف والقتل الجماعي، والتفجيرات الانتحارية تقرباً بدماء الأخوة في الدين المخالفين في المذهب، ليس فقط في الدول العربية حيث منابع التنوع المذهبي بل وفي دول إسلامية غير عربية وحيث توجد طوائف إسلامية، كأفغانستان، وباكستان، والهند وغيرها. نعرف وكما أفصح عن ذلك مفكرون وسياسيون غربيون وعرب أن ما يُعَدَّ أو ما تم إعداده للعرب أولاً والمسلمين ثانياً، هو الدخول في جحيم ومتاهات الصراع المذهبي (سني شيعي وما يتفرع من ذلك) وهذا ما لانحتاج إلى سرد أدلته كون السنة نيران ذلك المخطط، صارت من مفردات واقعنا المعاش وما يتصدر أخبارنا ويستغرق حوارنا وجدلنا. هذا الصراع الذي أطلت قرونه الشيطانية، ليقودنا أو ليهوي بنا إلى كل ما هو شر وهلاك، علينا أن نقول لمن أضله الله عن إدراك عواقبه، إن ما تشهده الساحة من صراعات دينية مذهبية وعرقية وتكفيرية.. يستحيل أن ينتصر فيها أحد، أو تمنح الغلبة لطرف على آخر. المتضرر الوحيد هو نحن، وفي المقدمة من جرتهم الغواية والأحقاد إلى التسابق في تنفيذ مخطط استهدف العرب والمسلمين فينفقون الأموال ويدفعون بغواة المتطرفين والعملاء لتدمير أمة لصالح عدو جعل من الصهيونية، وحماية وسيطرة كيانها في فلسطينالمحتلة الغاية التي لا تكتمل إلا بتحويل الصراع في المنطقة إلى صراع مذهبي تناحري بين المسلمين، وهو الصراع الذي يستحيل أن ينتصر فيه طرف على آخر، أو يستفيد منه غير واضع المخطط لا سواه، ويكفينا التأمل في مجريات ما يحدث في العراق وليبيا وسورية، وما يتشكل في اليمن، ويدعونا لمواجهته بصدق من يعترف بالمشكلة لا بمفهوم من يغالط نفسه. بقي أن نذّكر بذلكم الزعيم الإسلامي، الذي غير أمنيته من الصلاة في القدس، إلى الصلاة في الجامع الأموي بدمشق، وبالترويج من على منبر الأممالمتحدة من أن ما يحدث في سورية هي حرب مذهبية. وبما طرح في بداية الأحداث الدامية في سورية، من أن تلكم الدولة العربية ستقسم إلى ماسُمي بدول أصابع الموز.