فيما تشهد فنزويلا توتراً وهلعاً، إثر تظاهر مئات الآلاف من الأشخاص، ملوحين بأعلام بلادهم، مطالبين بإسقاط الحكومة واستقالة الرئيس نيكولاس مادورو، طفت التساؤلات عن مصير أكبر مناصري هذه الدولة في أمريكا، إيران، وحزب الله، وتركيا، المرتبطة بكاراكاس لأهداف خاصة، لم تغب عن المشهد الأخير، وعن القرار الأمريكي بسحب الاعتراف بشرعية مادورو. وما أن بدأت التظاهرات تجتاح كاراكاس ومناطق أخرى، حتى أعلن زعيم المعارضة في فنزويلا خوان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد. وتسارعت الأحداث بعد ذلك بنسق مجنون، بأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعترافه بغوايدو، رئيساً شرعياً للدولة الواقعة في أمريكاالجنوبية، في خطوة زادت الضغط على حكومة نيكولاس مادورو. وتوالت بعدها الاعترافات بالسلطات الجديدة، وعزل مادورو، فأعلنت كندا، ومنظمة الدول الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، والبرازيل، والأرجنتين، والبارغواي، وكولومبيا، اعترافها بزعيم المعارضة الفنزويلية، فيما رد مادورو على واشنطن بقطع العلاقات مع أمريكا، التي تجاهلت قراره وهونت من شأنه. إيران.. الحليف الاستراتيجي وستؤثر الأحداث المتسارعة حتماً على أكبر حلفاء مادورو في الخارج، خاصةً في الشرق الأوسط، بدايةً من إيران، الحليف الاستراتيجي لفنزويلا، إذ يرتبط البلادان بعلاقات اقتصادية وسياسية وثيقة، خاصةً منذ عهد الرئيسين السابقين الفنزويلي هوغو تشافيز والإيراني أحمدي نجاد. وارتبطت طهران وكاراكاس بعلاقات قوية من مبدأ "مواجهة الغرب"، وعلى رأسه الولاياتالمتحدة. ولم تقف هذه العلاقات عند حد التعاون التجاري، والنفطي، والاقتصادي، من استثمارات بمليارات الدولارات موزعة بين إنشاءات سكنية، وبنوك، ومصانع إنتاج سيارات، أو حتى التعاون السياسي، بل امتدت لتشمل خاصةً الأنشطة العسكرية، والاستخباراتية. وهو الأمر الذي دفع الاستخبارات الأمريكية، إلى اتهام حكومة فنزويلا، بتسهيل الحضور الإيراني في أمريكا اللاتينية، عبر شركات تجارية وظفها الإيرانيون للانطلاق نحو دول المنطقة. ولدعم حضورها في المنطقة استثمرت إيران في فنزويلا عبر شركاتها "إيران خودرو" لتصنيع السيارات، وشركة نفط "بتروفارس"، وغيرها من الشركات في مجال إنتاج الأسمنت، ومصانع للبتروكيماويات، وغيرها وضخت فيها مليارات الدولارات في فنزويلا. وإضافة إلى ذلك، أظهرت تقارير مسربة، أن الكثير من الإيرانيين التقنيين في هيئات مرتبطة بالمناجم والجيولوجيا في فنزويلا، والتي بدورها تجري دراسات بمساعدة إيران، لتخصيب اليورانيوم واستخدامه في الأسلحة النووية، التي تطورها طهران. ورغم العقوبات الأمريكية على كل من إيرانوفنزويلا منذ سنوات، والتي أدت إلى أزمة اقتصادية وانهيار اعتبره البعض "كارثياً" استمر البلدان في تعزيز تعاونهما، ليس دائماً لأهداف اقتصادية بحتةً، لكن على أساس الاشتراك في العداء للولايات المتحدة، التي تنظر بانزعاج للحضور الإيراني في حديقتها الخلفية بالقارة الأمريكية. وتسببت العقوبات في تدهور العملة المحلية في البلدين، خاصة في فنزويلا، وأوغل الفساد في مؤسسات البلدين، المتشابهين في فقدان استقلالية القضاء، وتعقد الوضع الاجتماعي وانهيار التوظيف، وارتفاع البطالة، وتوقف الحركة التجارية مع الخارج تقريباً. لكن ذلك لم يمنع طهران وكراكاس من التعاون فيما بينهما، ليبقى السؤال الآن، كيف سيتعامل نظام الملالي مع تداعيات الأزمة في فنزويلا؟ وهل سيؤثر ذلك على العلاقات الوثيقة بين البلدين، إذا أمسك زعيم المعارضة الفنزويلية بدفة الحكم بشكل رسمي في بلاده؟ حزب الله.. اللاتيني وبالحديث عن إيران، لا يمكن غض الطرف عن ذراع النظام الملالي في لبنان، ودول أخرى، والذي تنتشر سمومه حول العالم، خاصةً فنزويلا. واستغلت ميليشيات حزب الله الإرهابية، العلاقات الوطيدة بين إيرانوفنزويلا، لنقل جزء كبير من عليها عملياتها الإجرامية إليها، قبل تحويلها إلى برامج وخطط لزعزعة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وقبل أيام قليلة، كشف النائب المعارض للرئيس الفنزويلي، أميركو دي غرازيا، في تقرير بصحيفة أمريكية بالإسبانية "دياريو دي لاس أميركاس"، إشراف ميليشيات "حزب الله" على مناجم ذهب في فنزويلا لتمويل أعمالها الإرهابية حول العالم، بدعم ومباركة من السلطات الرسمية. وقال غرازيا إن حزب الله يمتلك منجمين للتنقيب عن الذهب ضمن مشروع "آمو"، وهو اختصاراً لاسم Arco Minero del Orinoco أي "قوس التعدين" الذي يمتد على مساحة 112 ألف كيلومتر مربع من ولاية "بوليفار" جنوب شرق فنزويلا، ومواقع أخرى مثل منجم "لاس روسيتاس" بالإضافة إلى "سيوداد بيار" وبحيرة "غوري"، بغرض تمويل عملياتها الإرهابية، لخدمة أجندة النظام الإيراني. وأشار المعارض الفنزويلي، إلى أن "تعاون حكومة مادورو مع حزب الله يعود بالنفع على الطرفين، فالحكومة تجني الكثير من الأموال بفضل هذا التحالف، بينما تجني الميليشيات عائدات اقتصادية مربحة، وتتحايل على العقوبات الدولية المفروضة عليها". وفنزويلا ليست الدولة الوحيدة التي تستغلها ميليشيات حزب الله، للنشاط فيها بهدف تمويل عملياتها، والابتعاد عن أنظار المراقبين لأنشطتها في الشرق الأوسط، بفضل انتشار عشرات المؤيدين الفنزوليين للحزب، بتوجيه من القيادة السياسية، إلى جانب وجود جالية كبرى من أصول لبنانية موالية له في دول أمريكية عدة. وفي هذا السياق كشفت تقارير صحافية في الأسابيع القليلة الماضية مثلاً، اعتقال السلطات الإكوادورية، شبكة لتهريب مخدرات تمول حزب الله ب 70 % من أرباحها، وقبلها بأعوام، اعتقلت كولومبيا شبكة تهريب مخدرات وغسيل أموال كانت على صلة بحزب الله. جاء ذلك باعتراف تاجر المخدرات وليد مقلد، رجل أعمال فنزويلي من أصل سوري، وهو أحد أخطر 5 مهربي مخدرات مطلوبين في العالم، قبض عليه في كولومبيا في 2011، وسُلم إلى فنزويلا بسبب تورطه في قضايا تجارة المخدرات وغسيل الأموال، التي أفرجت عنه لاحقاً. ومع استمرار الأزمة في كاراكاس، تساءل مراقبون حول مصير هذه العلاقة المشبوهة بين حزب الله وفنزويلا، حال تنحى مادورو عن حكم البلاد، فهل سيضع ذلك حداً لمشاريع حزب الله الشيطانية؟ تركيا.. حليف الشماتة جاءت ردة فعل أردوغان على ما يجري حالياً في فنزويلا متوقعة تماماً، حيث ذكرت وكالة الأنباء التركية الرسمية ، في نبأ عاجل صباح اليوم الخميس، أن أردوغان أعرب عن مساندته للرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، الذي دعاه قائلاً "انهض يا أخي". وتعد فنزويلا من أول دول أمريكا اللاتينية التي أقامت مع تركيا علاقات دبلوماسية، وتوطدت العلاقات بشكل مثير، في عهد مادورو وأردوغان، الذي يحتل مكانةً خاصةً لدى نيكولاس مادورو، الذي لم يتورع عن القول: "إنه زعيم العالم الجديد.. متعدد الأقطاب"، قبل أن يصفه ب "أخ وصديق لفنزويلا"، بمناسبة الزيارة التي أداها أردوغان إلى فنزويلا منذ أسابيع قليلة، لدعم اقتصاد كاراكاس ومساعدة حكومتها وشعبها، حسب الإعلام الرسمي التركي، في أوج الأزمة مع الولاياتالمتحدة. وبينما تعاني فنزويلا من تضخم مفرط، بسبب العقوبات الأمريكية عليها، شهدت تركيا أيضاً أزمة مالية ودبلوماسية مع الولاياتالمتحدة، ما عزز في نهاية المطاف "التحالف" بين تركي وفنزويلي ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وظهر ذلك علناً، في مناسبات عدة، آخرها وأهمها زيارة أردوغان لكاراكاس، الشهر الماضي، في أول زيارة رسمية لفنزويلا، ليعبر عن دعمه لمادورو، والذي ترجمه قائلاً: "القيود التجارية والعقوبات خديعة، ولا تؤدي إلا إلى مفاقمة عدم الاستقرار"، في تلميح واضح إلى واشنطن وعقوباتها الأخيرة على اقتصاد فنزويلا. وتعهد الرئيس التركي في الزيارة بمساعدة مادورو لمواجهة الأزمة الاقتصادية الحادة في البلاد، فيما دعا الرئيس الفنزويلي تركيا إلى الاستثمار في بلاده، واستغلال الاحتياطي المعدني الضخم في جنوب البلاد. وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، فوصل حجم التبادل الاقتصادي بينهما البلدين في العام الماضي إلى قرابة مليار دولار. ولكن، السؤال بعد اندلاع الأزمة، إذا أسقط حكم مادورو في فنزويلا؟ مع من سيتحالف أردوغان في وجه ترامب؟ وكيف ستكون العلاقات التركية الفنزويلية في ظل حكم المعارضة؟ ومع ارتفاع أصوات الشعب المطالبة برحيل مادورو، والمظاهرات التي تعم البلاد، يصعب توقع السيناريو المقبل والنهج الذي سيتبعه حلفاء فنزويلا، فهل تسعى إيران وميليشياتها بالتنسيق مع تركيا، لإعادة مادورو إلى كرسي الحكم، رغم الدعم والتأييد الدولي للمعارضة، والمطالبة الشعبية برحيله؟