29 عاماً مرت على تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو 1990، جرت خلالها مياه كثيرة، تغير فيها وجه اليمن لدرجة الغرق في حرب طاحنة، والسبب في ذلك الخلافات العميقة التي دبّت بين صانعيها، الذين لم ينجحوا في الحفاظ عليها، وتفرغوا لتنفيذ مشاريعهم السياسية، وعوضاً عن تثبيت عرى الدولة الجديدة بإجراءات سياسية واقتصادية، ذهبوا إلى ممارسة كل ما شأنه إحداث انقسام في أوساط الناس، في الشمال والجنوب على السواء. وحدة 22 مايو 1990 كانت نتاج اندماج نظامين سياسيين واقتصاديين مختلفين في كل من الشمال والجنوب، غير أن الهوية الجديدة للدولة لم تتمكن من القضاء على موروث النظامين؛ إذ بقيت المحفزات للاستفراد بالسلطة قائمة، خاصة في ظل نشوء تحالفات سياسية وقبلية جديدة، أفضت في نهاية المطاف إلى حرب أهلية عام 1994، نتج عنها شرخ كبير في تركيبة المجتمع، بالذات في الجنوب، الذي افتقد الحامل السياسي لدولته السابقة، بعد إقصاء الحزب الاشتراكي اليمني من الحكم بقوة السلاح. هيأت الحرب التي اندلعت بعد أقل من أربع سنوات على إعلان دولة الوحدة، الظروف لنشوء تحالفات جديدة على أنقاض الشراكات التي أسست الدولة، ومعها اختلت هويتها، بعد ما هيمن الطرف الحاكم في الشمال سابقاً عليها، حيث مارس حكامها الجدد الكثير من السلوكيات التي أضرت بمفهوم الشراكة السياسية وأصابته في مقتل، ونتيجة لهذا بدأ التململ يسود الجنوب، وتجسد لاحقاً في نشوء الحراك الجنوبي السلمي بدعوى معالجة الأوضاع في دولة الجنوب السابقة وإبعاد الهيمنة العسكرية والقبلية التي كرسها القادة المنتمون إلى النظام السابق في الشمال، قبل أن يتحول الحراك إلى مطالبات بالانفصال وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 1990. لم ينجح النظام المتخلق من مرحلة ما بعد حرب 1994 في فهم المطالب الجديدة للناس في الجنوب وفي الشمال معاً، ولهذا لجأ إلى أساليب عفا عليها الزمن في مواجهة التحديات التي واجهت دولة الوحدة، بخوض حروب داخلية أنهكت الدولة وعرضتها لاحقاً للانهيار، خاصة بعد الاحتجاجات التي شهدتها البلاد عام 2011، ومعها دخل اليمن نفقاً مظلماً لم يخرج منه حتى اليوم. أفسح النظام السابق المجال للجماعات المتمردة في كسب مساحة للحركة بشكل أكبر، وكان لعدم قدرته على الحفاظ على جوهر الوحدة، المتمثلة في الشراكة السياسية والمجتمعية الأثر الكبير في انهيار الدولة أمام عصابات مسلحة بهويات مختلفة، ولم يكن الانقلاب على شرعية الدولة من قبل جماعة الحوثي في سبتمبر من عام 2014 سوى ترجمة لذلك. اليوم تقف الوحدة أمام مفرق طرق، فهي تواجه تحديات جدية في ظل حالة الاستقطاب السياسي والاجتماعي في الشمال والجنوب على السواء، وعلى الرغم من مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي نادت بدولة اتحادية بمفاهيم مختلفة عن دولة الوحدة عام 1990، فإن هذا الطريق لا يزال شاقاً ومحفوفاً بالمخاطر.