لعل من أسباب تأخر البلد ولع المسؤولين بالتصريحات الوهمية عن الإنجازات وبراعتهم في ذلك لعدة أسباب من أبرزها: أولا: التخصص في الكلام منذ السنة الأولى- مسؤولية، وربما قبل ذلك. ثانيا: اصطناع علامات الرزانة والجدية على الوجه عند التصريح أو المقابلة. ثالثا: تفخيم الصوت قدر الإمكان. رابعا: الاعتناء بنمو الشارب. خامسا: تحريك العينين إلى الأعلى في أثناء الحديث فيما يشبه التأمل، أو إلى الأمام فيما يشبه الصرامة. سادسا: العناية بنمو البطن إن كانت قامة المسؤول قصيرة. سابعا: تقليل حركات اليدين والجسم قدر الإمكان. وفي هذه المنزلة ينافس المسؤولون الشعراء الذين (يقولون ما لا يفعلون) وبإمكانك أن تمخض كل تصريحاتهم خلال هذا العام 2013م الذي شارف على الانتهاء فلن تخرج منه إلا بزبدة يسيرة ولو مخضت كلامهم (مخض البخيلة) التي تطيل المخض لتستخرج أكبر قدر من السمن، ذلك لأن المسؤولين يرون الغاية من التصريح ليس الدلالة على الحقيقة، وإنما لفت النظر إلى أنفسهم أولا، والتأكيد على أهميتهم ثانيا، وأنهم قادة الشعب الممتازون ثالثا، حتى لا تدري عن أي مكان وزمان يتحدثون سوى زمانهم النفسي الموجود في أذهانهم فقط. ومن هنا أقترح إضافة (التصريحات) إلى فنون القول الأدبي، وهي تقابل فن التوقيعات القديم الذي كان يقوم به الخلفاء والوزراء والحجّاب، فإذا كانت التوقيعات القديمة (أيام العباسيين مثلا) تمتاز بإيجاز العبارة وجمالها وقوة التنفيذ نحو (ايها القاضي بقم، قد عزلناك فقم) فإن تصريحات المسؤولين المعاصرة تمتاز بسعة العبارة (الإطناب) وعدم التنفيذ، ويمكن بعد ذلك لدارسي الأدب والمختصين أن يدرسوا هذه الظاهرة من الناحيتين النفسية والاجتماعية، فربما درسوا القائل نفسيا من خلال تصريحاته، وربما درسوا السياق الاجتماعي والتاريخي الذي ولدت فيه تلك التصريحات وخرجوا علينا بجيش نسأل الله له ولنا العافية. ولأولئك المسؤولين مع الصحفيين قصص طريفة تبدأ أحيانا بالتوافق بين الطرفين، وأحيانا بالتوتر وربما (ارتفاع الصوت) ثم تنساب العلاقة فجأة على صداقة ومودة بما يذكر بقول جميل بثينة: وأول ما قاد المودة بيننا بوادي بغيض يا بثين سبابُ وهذا الانسياب الفجائي للعلاقة له أسباب يعرفها الطرفان لعل أبرزها سيلان أودية الخير بالعطاء، وخشية الصحفي من المسؤول أو خوفه من نقمته، وكأن لسان حاله يقول مع العباس بن الأحنف وقد سئم: قل ما بدا لك أن تقول فربما ساق البلاءَ إلى الفتى المقدارُ لكن البلاء كله يساق إلى المواطن المغلوب على أمره المحذوف من التصريحات غالبا ومن المقالات أحيانا.