أكد القاضي يحيى محمد الماوري أن الأزمة السياسية القائمة اليوم وما وصلت إليه من تصعيد خطير من خلال اللجوء إلى الأساليب غير الديمقراطية وغير الدستورية باتت تثير القلق والمخاوف الجدية وتطرح أكثر من سؤال حول مدى قدرة النخب السياسية اليمنية على تحمل المسئولية الوطنية ومعالجة الأزمة بالوسائل الديمقراطية في إطار الشرعية الدستورية وسيادة القانون واستشعار المسئولية الوطنية التي يتحملها الجميع تجاه الوطن ومصالحه العليا. جاء ذلك في محاضرة ألقاها مساء أمس الثلاثاء بالمركز اليمني للدراسات التاريخية وإستراتيجية المستقبل تحت عنوان: (الوحدة الوطنية وأزمة الفكر السياسي)، والتي تأتي في إطار فعالياته الأسبوعية. وبين القاضي المازوري: إن تجاوز البعض حدود الصراع السياسي المشروع إلى المساس بالوحدة يمثل خروجا على الإجماع الوطني والشرعية الدستورية، وان الواقع السياسي التائه والممزق للأحزاب والقوى السياسية في السلطة والمعارضة هو السبب في هذه الأزمة، أزمة الفكر السياسي اليمني منذ إعادة الوحدة وحتى اليوم وعجزه عن أي فعل ايجابي في عملية البناء والتحول الديمقراطي. وأوضح بان المصلحة الوطنية تستدعي المبادرة إلى إدارة حوار وطني واسع على قاعدة الشراكة الوطنية بين كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، بهدف معالجة الأزمة الراهنة ووقف تداعياتها الخطيرة. وقال أيضاً: "يمكننا أن نجد في مبادرة منظمات المجتمع المدني التي دعا إليها المركز في الأسابيع القليلة الماضية واستخلص المشاركون في حلقاتها النقاشية رؤية وطنية فكرية سياسية تعتبر مدخلاً عمليا وواقعيا للحوار الوطني الواسع من خلال تشخيصها الموضوعي الصادق لما يعتمل في ساحة الوطن من مخاضات سياسية واجتماعية بالغة الأهمية تحتمل التبشير بانطلاقة جديدة نحو التغيير والتجذير لمسيرة الوحدة والثورة والديمقراطية بقدر ما تحتمل التهديد والنيل من هذه المسيرة من قبل أعدائها والحاقدين عليها والعابثين بمقدراتها أيا كانوا وأينما كانوا وكيفما كانت مسمياتهم وبالتالي فأن الحوار يتوقف على تضافر جهود الخير في مواجهة الشر والإصلاح في مواجهة الفساد والإفساد ومحبة الوطن وأهلة في مواجهة الحقد والكراهية". وأشار إلى أن إنفراد المؤتمر الشعبي العام بالحكم قد أسهم في تكوين تحالف عريض بين خصومه السياسيين (اللقاء المشترك)، له تأثيره السياسي والإعلامي داخليا وخارجيا، مما شكل عبئا ثقيلا على حكومة المؤتمر الشعبي، إلى جانب أعباء الواقع الصعب الذي تمر به البلاد سياسيا واقتصاديا، واستغلال المعارضة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية للضغط على حكومة المؤتمر، والذي تسبب في تحجيم المساعدات الخارجية وإضعاف الاقتصاد الوطني، ومع ما صاحب حكومات المؤتمر المتعاقبة من مظاهر الفساد المالي والإداري والعجز عن معالجة الكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية وارتفاع حدة الضغوط الداخلية والخارجية فإنه أي المؤتمر الشعبي العام (أو بالأصح قيادة المؤتمر ممثلة بالأخ الرئيس علي عبد الله صالح) قد نجح في المحافظة على استمرار الحياة الديمقراطية والتعددية السياسية وحرية الصحافة، واهم منها المرونة السياسية في التعامل مع المعارضة والحرص على إن يجد الجميع في الوطن ملاذا أمنا (سياسيا وإعلاميا) دون حاجة إلى اللجوء والهجرة السياسية والإعلامية بحثا عن حرية الرأي الأمر الذي حرم المعارضة من احد أسباب التحريض والتشنيع على السلطة مع إن بعض قوى المعارضة والإعلام الحزبي والمستقل قد أساء استخدام هذه الحرية في إثارة المجتمع وتحريضه ليس ضد حكومة المؤتمر الشعبي العام فحسب وإنما تجاوز ذلك إلى المساس بأهم الثوابت الوطنية وهي الوحدة. وتطرق في حديثه إلى خصوصية الوحدة اليمنية واستقلال القرار السياسي اليمني، موضحا أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية قد أنعش الطموح القومي العربي في الوحدة وأعاد الروح للفكر القومي العربي الذي اعتبر قيام الوحدة اليمنية دليلا حيا على صواب رؤيته السياسية بحتمية الوحدة العربية الشاملة، لهذا استقبلت الجماهير العربية الوحدة اليمنية بحماس شديد مدفوعة بحنينها الذي طال أمده إلى تحقيق وحدة عربية شاملة يرتفع فيها شأنها وتستعيد بها كرامتها المهدورة. وأكد الماوري أن الوحدة اليمنية تعتبر ضرورة حياة وضمانة بقاء للمجتمع اليمني لا تقاس عليها بقية التجارب الوحدوية العربية حيث كانت بمثابة (إعادة اللحمة إلى الجسد الواحد).
وأوضح أن دولة الوحدة تواجه تحديات كثيرة داخلية وخارجية لاسيما وان قيامها اقترن بالديمقراطية والتعددية الحزبية وحرية الصحافة وإقرار مبدءا ألتداول السلمي للسلطة والذي يعني امتلاك المجتمع اليمني لأهم وسائل التغيير وإقامة الدولة اليمنية الحديثة فكانت مواقف بعض القوى الإقليمية التقليدية قد اتسمت في البداية بعدم الرضا غير المعلن ما لبث أن تحول إلى شعور عدائي علني ليبلغ ذروته بالتورط في الدعم المباشر لمحاولة الانفصال وفرض الحصار السياسي والاقتصادي على اليمن وشن الحملات الإعلامية والتحريض على شق وحدة الصف الوطني. كما أشار إلى أن الحزبين الحاكمين في الشطرين سابقا كانا السبب في تعميق أزمة الفكر السياسي من خلال انفراد النظامين بالسلطة وإقصاء بقية القوى السياسية الفاعلة عن المشاركة وحظر العمل السياسي واحتكاره في إطار الحزب الواحد (الحزب القائد)، واحتكار النظامين لصفات (الثورية والوطنية والوحدوية) ونفيها عن الآخرين من شركاء النضال الوطني في مرحلة الدفاع عن الثورة والجمهورية وحرب التحرير، وتجريم العمل السياسي، والإفراط في التصفيات الدموية للخصوم السياسيين. وقال: لقد نتج عن تلك السياسة رد فعل معاكس لدى القوى السياسية تمثل في انتهاج سياسة التآمر والانقلاب في مواجهة قمع النظامين، ومبدأ التصادم والعنف مع الآخر من أطراف العمل السياسي، وانتهاج القوى السياسية أسلوب التعبئة الفكرية ألأحادية وعدم القبول بمبدأ التنوع الفكري أو حتى بفكرة الحوار مع الآخر. وإشاعة ثقافة التخوين والتكفير والعمالة بين القوى السياسية (من تحزب خان)، (لا صوت يعلو فوق صوت الحرب). وأضاف قائلا: "في اعتقادي إن قضية كيفية تحقيق الوحدة وبمن كانت هي ابرز جوانب أزمة الفكر السياسي إذ أن كل طرف لم يكن يرى من سبيل إلى تحقيقها إلا عن طريق إسقاط النظام الأخر بالقوة، ولهذا خاض النظامان حربين شاملتين، وشهد الشطران عدة انقلابات، وأهدرت الكثير من الدماء، وخسر الوطن الكثير من خيرة أبنائه، وحرم الوطن من توظيف الأموال والموارد في تنميته وتطويره إلى حد العجز عن توفير مرتبات الموظفين في بعض المراحل والاعتماد على الغير في قطاع التعليم وميزانيات بعض المرافق والقطاعات الهامة ذات المساس بالسيادة الوطنية". وبين انه إذا كانت المشكلة اليمنية قبل الوحدة كما شخصها عبد الفتاح إسماعيل في وجود نظامين لشعب واحد، فإن هذه المشكلة قد رحلت إلى ما بعد الوحدة بكل أبعادها السياسية والفكرية والأيديولوجية وبكل ما تحمله من ميراث مثقل بالثارات السياسية والدموية التي تراكمت على مدى الثلاثة العقود السابقة على إعادة الوحدة. كما ان واقع الأحزاب والتنظيمات السياسية قد أظهر عجزاً مريعاً في استيعاب العملية السياسية، وفشلاً واضحاً في إدارة اللعبة الديمقراطية. وتابع قائلاً: لقد تعامل الحزبان خلال الفترة الانتقالية على أساس الشراكة الظاهرة والإعداد للإنفراد بالحكم بعد الفترة الانتقالية باطنا وهو نفس التفكير السائد لدى بقية القوى السياسية في المعارضة من حيث قناعاتها الفكرية تجاه التعددية الفكرية والسياسية بفعل تأثير الثقافة الشمولية على الجميع، وقد شهدت الفترة الانتقالية تنافسا محموما بين الحزبين الحاكمين على الاستقطاب وكسب الولاءات داخل أحزاب المعارضة مما أتاح الفرصة لتلك الأحزاب في الاستفادة القصوى من الدعم المادي والدرجات الوظيفية لأتباعها من قبل الحزبين (مما وسع دائرة الفساد المالي والإداري) مقابل تجنيدها إعلاميا وسياسيا من قبل الحزبين الحاكمين في شن الحملات الإعلامية والسياسية. وعلى المستوى القومي والدولي فقد تمت الوحدة في ظروف قومية ودولية بالغة التعقيد حيث شهد الوطن العربي اخطر أزمة قومية على اثر حرب الخليج الأولى وما نتج عنها من انعكاسات سياسية واقتصادية مباشرة على اليمن حملت دولة الوحدة الوليدة أعباء جسيمة لم تكن في حسابات أحد. فقد عاد إلى الوطن ما يقارب مليون مغترب دفعة واحدة اغلبهم لا يملك أكثر من نفقات عودته إلى حرض وفي ظل تلك الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة فتح الباب على مصراعيه لاستيعاب الكادر الوظيفي في الشطرين والذي بلغ ما يُقارب الثلاثمائة ألف حسب بعض التقديرات في القطاع المدني والقوات المسلحة والأمن بالإضافة إلى الكوادر المنتمية إلى جبهات المعارضة السياسية والعسكرية للنظامين قبل الوحدة تحت شعار (لا يجوز أن يتضرر أحد من الوحدة) كما تحملت دولة الوحدة كل الالتزامات الخارجية ومنها ديون الشطرين السابقة التي أنفقت على التسليح والتي بلغت في حدود 12 مليار دولار. ونوه إلى أن الاستفتاء على الدستور يعد من أهم انجازات تلك الفترة والذي نجح بتحالف الحزبين الحاكمين والأحزاب والتنظيمات القومية رغم معارضة التيار الإسلامي ومن تحالف معه ورغم عدم تضمين الدستور أحكاما صريحة على التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة والأخذ بالمنهج الديمقراطي. وأكد على أن الوحدة اليمنية ملك لكل الأجيال اليمنية وحق من الحقوق اللصيقة بشخصية كل مواطن يمني لا يملك أحد أن يقرها أو ينكرها وإنما هي مسلمة لا يجوز لأحد أن ينال منها أو يعتدي عليها.