ناشطون ومواطنون: الإفراج عن قحطان أولوية وشرط قبل خوض أي مفاوضات مع المليشيا    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    أنشيلوتي ينفي تسريبا عن نهائي دوري الأبطال    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تداعيات أزمة طوز خورماتو على علاقة بغداد بكردستان
نشر في نبأ نيوز يوم 28 - 11 - 2012

يعد الصراع بين المالكي والأكراد من الصراعات الممتدة في العراق، وهو يدور حول النفوذ والسلطة والموارد، وتعتبر أزمة طوز خورماتو الأخيرة إحدى مراحله، ولكنها قد تكون الأهم، فمن ناحية، تكشف هذه الأزمة عن أن المرحلة الانتقالية التي يمر بها العراق منذ انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة منه نهاية 2011، ليست أكثر سلاسة من المرحلة الانتقالية التي تمر بها مصر على سبيل المثال، أو من "مخاض" التغيير الذي تمر به سوريا.
فحكومة المالكي غير قادرة على بناء التوافق مع القوى الرئيسية في العراق، وهي السنة والأكراد، دون الوسيط الأمريكي، بل وتنزع كما تكشف عن ذلك أزمة طوز خورماتو إلى استعداء الأكراد الذين ظلوا حلفاء للمالكي منذ وصوله للسلطة في 2006. وهذا الوضع يجعل هذه الأزمة، اختبارا حقيقيا للنظام السياسي الذي أرسته واشنطن في العراق، والقائم على منطق "الشراكة" بين القوى الثلاثة الرئيسية في العراق، الشيعة والسنة والأكراد.
ومن ناحية ثانية، تكشف هذه الأزمة عن العديد من القضايا التي هي أشبه بقنابل "موقوتة"، والتي تم إرجاء التعامل معها في العراق، بدلا من معالجتها، والتي كان متوقعا أن تنفجر بمجرد انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة من العراق، وما حدث أنه نتيجة تزامن هذا الانسحاب مع الصراع الدائر في سوريا، والذي كان له ضغوطه على الوضع هناك، تم احتواء تلك القضايا بدلا من معالجتها، على نحو يخلق دائرة مغلقة من الأزمات، فالأزمة الحالية قد لا تكون الأخيرة.
وفي هذا الإطار، تحلل هذه الورقة الأسباب الداخلية والخارجية لهذه الأزمة، خاصة في ضوء تفاقم الصراع في سوريا، وتناقش كذلك التداعيات المحتملة لهذه الأزمة على شراكة الأكراد مع الحكومة العراقية.
أولاً: الأكراد "القنبلة" الموقوتة
تفجرت أزمة طوز خورماتو بين الجيش العراقي وقوات البشمركة، نتيجة تشكيل حكومة المالكي "قيادة عمليات دجلة" لتتولى تأمين المناطق المتنازع عليها، وكانت وزارة الدفاع قد أعلنت عن تشكيل هذه القيادة في 3 يوليو 2012، لتشرف على الوضع الأمني في ديالي وكركوك، ثم أضيف لها صلاح الدين.
وتعبر هذه الخطوة عن تجاهل واضح لاتفاق سبق أن أبرم بين القوات العراقية، وقوات البشمركة والقوات الأمريكية في 2008، والذي نص على تشكيل لجنة مشتركة من هذه القوات الثلاث تدير المناطق المتنازع عليها أمنيا، من خلال نقاط تفتيش مشتركة، إلى حين تسوية أوضاعها استنادا للمادة 140 من الدستور العراقي.
وقد مارست هذه القيادة الجديدة أعمالها فعليا في 16 نوفمبر الجاري، حين اتجهت لتفتيش أحد مقرات حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في طوز خورماتو جنوبي كركوك، واشتبكت مع قوات البشمركة هناك.
وقد استدعى تحرك هذه القوات ردود فعل من طرفي الأزمة، حكومة المالكي والأكراد، على مستوى التصريحات السياسية، وعلى مستوى التحركات العسكرية، على نحو ينذر بتجدد دائرة العنف spiral of violence، حيث أعلن مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان في 17 نوفمبر أنه أمر بإعلان "حالة التأهب في صفوف البشمركة في المنطقة التي تتمتع بحكم ذاتي".
كما تناقلت الصحف العراقية مع تصعيد الجيش العراقي لتحركاته، في المناطق المتنازع عليها، تصريح وزير البشمركة جعفر الشيخ مصطفى بأن "قوات البشمركة في موقف الدفاع عن نفسها، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا ما تعرضت لهجوم". كما دعا مسعود بارزاني قوات البشمركة "بأن يكونوا على أتم الاستعداد للتصدي لأي تطاول وتجاوز عدائي".
إلى جانب ذلك، حذر النائب في التحالف الكردستاني عن محافظة كركوك خالد شواني، من "اندلاع حرب" بسبب استفزازات القيادة الجديدة، واعتبر أن "الاجتماعات التي تعقدها قيادة العمليات موجهة ضد الأكراد بالدرجة الأولى" .
وقد كشفت هذه الأزمة عن دلالتين رئيسيتين. تتعلق الدلالة الأولى بأن هذه الأزمة هي نتيجة لسياسات حكومة المالكي منذ فترة ولايته الأولى، حيث يرغب رئيس الوزراء في السيطرة على المؤسسات الرئيسية في الدولة، السياسية والأمنية، بدلا من أن يتشارك في إدارتها مع القوى الأخرى، باعتباره الطرف الأقوى الذي يستطيع أن يفرض إرادته، واستنادا لتصريح أحد الدبلوماسيين الأمريكيين، يفضل المالكي أن يكون رئيس وزراء دولة "يسيطر فيها على المناطق الغنية بالنفط، بدلا من أن يكون رئيس وزراء المناطق الشيعية Shiistan".
وغياب هذه الشراكة يحول دون التوصل لحلول مرضية لكل الأطراف حول القضايا الخلافية، كما أنه يعني إفراغ ما تم الوصل إليه من اتفاقيات مسبقة من مضمونها، مثل اتفاق أربيل الذي شكل حكومة المالكي الحالية، والدستور العراقي الذي رغم ملاحظات القوى السياسية عليه إلا أنه يعد الوثيقة التي تضع قواعد اللعبة السياسية في العراق. حيث يعد سبب رئيسي في الأزمة الأخيرة هو عدم تشاور المالكي مع الأكراد حول تشكيل هذه القيادة الجديدة، ومحاولته تسويق فكرة "عدم دستورية" وجود قوات البشمركة، وعدم أحقيتها في التواجد في المناطق المتنازع عليها، وقفزه على الاتفاق الخاص باللجنة المشتركة الذي تم التوصل إليه في 2008.
وتتعلق الدلالة الثانية بأن تحالف القوى الكردية مع المالكي استنادا لاتفاق أربيل، لم يتعد كونه إجراء لبناء الثقة معه، تمهيدا لمعالجة القضايا الخلافية معه، والتي تدور حول درجة استقلال حكومة كردستان في إدارة مواردها عن الحكومة المركزية، وحول صلاحيات كل منهما في مواجهة الأخرى، خاصة فيما يتعلق بحدود دور قوات البشمركة، حيث يتعامل إقليم كردستان مع البشمركة على أنها قوة نظامية تابعة له، وتعتبر جزء من القوات العراقية، وتحصل على ميزانيتها من الميزانية الاتحادية، وأن نطاق عملياتها يمتد إلى المناطق المتنازع عليها في نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالي، وهي المناطق التي لم تتم معالجة وضعها بعد استنادا للمادة 140 من الدستور. بينما ترى حكومة المالكي أن الجيش العراقي هو المسئول عن تأمين الأوضاع في المناطق المتنازع عليها.
وقد تطور هذا الخلاف حول حدود الصلاحيات، إلى مواجهات وقعت بين فرق الجيش العراقي التي انتشرت في مدينة كركوك لحماية العرب والتركمان، وبين قوات البشمركة الموجودة هناك بعد انتخابات المجالس المحلية. كما تبنت حكومة المالكي خلال الأزمة الأخيرة، موقفا أكثر تطرفا، حيث اعتبرت قوات البشمركة خارج المنظومة الدفاعية العراقية، لأنها "غير خاضعة لسلطة القائد الأعلى للقوات المسلحة" كما يختلف الجانبان حول كيفية إدارة حقول النفط والغاز الواقعة في إقليم كردستان، فبينما تنزع حكومة الإقليم إلى التفرد بإبرام عقود النفط مع الشركات الأجنبية، ترى الحكومة المركزية أنها صاحبة الحق في ذلك
بعبارة أخرى، تسعى حكومة كردستان لمزيد من الاستقلالية، بينما ترفض حكومة المالكي في أكثر من مناسبة هذا المسعى، ودفعت نحو مزيد من المركزية في إدارة شئون البلاد بما يضمن تبعية الإقليم للحكومة المركزية. بينما يرى الأكراد في استمرار هذه السياسات، خطراً يهدد ما حصلوا عليه من مكاسب، خاصة وأن هناك حديث عن اتجاه إقليم كردستان إلى الإعلان عن حقه في تقرير المصير، إذا ما تم الإخلال بمواد الدستور التي تعالج القضايا الشائكة بين كردستان والحكومة المركزية، خاصة تلك المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وهذا ما أكده الرئيس العراقي جلال طالبان ورئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أكثر من مرة[
فعلى سبيل المثال، خلال احتفال إقليم كردستان بالذكرى السنوية السادسة والستين لتأسيس جمهورية مهاباد الكردية، في 21 فبراير 2012، أكد مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان، حق الإقليم في تقرير مصيره، كما أكد رافع عبد الجبار النائب من التحالف الوطني، على هذا الحق، وأشار إلى أنه "لا يمكن لأي طرف أن يحرم طرفا آخر من هذا الحق المعترف به دوليا" وهو ما تشير عدة تقديرات إلى أنه سيكون سبب تفجر صراع مسلح بين الاقليم وحكومة بغداد، ويمكن القول أن ما أرجأ استقلال الإقليم بعد انسحاب القوات الأمريكية المقاتلة، قد يكون الصراع في سوريا، فمشكلة بارزاني كما يشير لذلك أحد الدبلوماسيين الأمريكيين، أنه يدرك كلما "انتظر أكثر كلما زادت قوة حكومة بغداد، ولكن حاليا لا يمكن أن يعلن الاستقلال حيث لن تدعمه أي دولة" ثانياً: "تأثيرات" الصراع في سوريا
رغم ارتباط الأزمة الأخيرة بمشاكل هيكلية خاصة بالبنية الجديدة للسلطة في العراق، إلا أنه لا يمكن فهم مسار تطورها بعيدا عن تطورات الصراع الدائر في سوريا، فوفق العديد من التحليلات يعد العراق هو الدولة الثانية بعد لبنان التي ستتأثر مباشرة بما سينتهي إليه الوضع في سوريا، على نحو يؤكد ما ذهبت إليه عدة تقارير أمريكية منذ احتلال العراق بأن سوريا "هي بوابة الشر" للعراق.
فمن ناحية، هناك مخاوف من أن سقوط نظام الأسد سيترتب عليه اهتزاز قبضة المالكي على الدولة العراقية، وسيمثل ذلك مصدر إلهام للقوى السنية من أجل الثورة على المالكي، خاصة إذا وصل للسلطة في سوريا جماعات سنية، مثل الإخوان المسلمين، وهو ما سيعطي دفعة قوية للحزب الإسلامي العراقي الذي كان يرأسه الهاشمي، والذي يعتبر فرع الإخوان المسلمين في العراق. ومن ناحية ثانية، سيؤثر وضع أكراد سوريا بعد الأسد بدرجة كبيرة على النزعات الاستقلالية التي لدى حكومة إقليم كردستان، حيث يدرك العراق، أن استمرار بشار الأسد في السلطة غير ممكن، وأنه لا بد من الاهتمام بترتيبات ما بعد الأسد، ولذا لا يفضل العراق الانهيار غير المحسوب للأسد الذي يمكن أن يأتي بنخبة تعادي العراق، وإيران بطبيعة الحال.
ويمكن القول، أن موقف حكومة المالكي من الأكراد، مرتبط بموقفهم من الصراع في سوريا، ففي الوقت الذي تتبنى فيه حكومة المالكي موقف المؤيد لنظام بشار الأسد، والداعم لفكرة الحوار بينه والمعارضة، حتى أنه تشير عدة تقارير إلى تسهيل الحكومة حركة البضائع والأسلحة عبر الحدود مع سوريا دعما للأسد، كما وافقت الحكومة مؤخرا على إنشاء خط أنابيب النفط الممتد من إيران إلى سوريا عبر الأراضي العراقية.
وفي المقابل، يميل طالباني لدعم موقف الحكومة المركزية، بينما يدعم مسعود بارزاني رئيس اقليم كردستان المعارضة السورية، حيث تشير عدة تقارير إلى أن قوات البشمركة منعت في يوليو 2012 الجيش الاتحادي من عبور الحدود وصولا الى سوريا. كما أن هناك تخوف من قبل الحكومة، من تشكل تحالف ما بين إقليم كردستان وتركيا، يسمح بتوجيه ضربة ما لنظام الأسد، وفي هذا السياق يمكن فهم الاتهام الذي وجهه المالكي مؤخرا لكردستان، بسماحها للقوات التركية بالتواجد في الإقليم، بينما ترفض تواجد قوات الجيش الاتحادي.
ويدعم هذه المخاوف الدعم الدبلوماسي الذي تقدمه تركيا لإقليم كردستان في صراعه مع المالكي فخلال الأزمة الأخيرة على سبيل المثال، زار سفير التركي لدى بغداد كل من الرئيس العراقي ورئيس إقليم كردستان، دون أن يلتقي بالطرف الآخر للأزمة وهو حكومة المالكي كما صرح رجب طيب أردوغان في 21 نوفمبر الجاري بأنه "كنا نتخوف على الدوام من احتمال ان يتسبب (المالكي) بحرب طائفية، ومخاوفنا بدأت في هذا الوقت تتحقق شيئا فشيئا".
ثالثاً: تحول الأكراد من "الوسيط" إلى "الند"
ظل الأكراد منذ الانتخابات البرلمانية في 2009 يلعبون دور الوسيط بين القائمة العراقية ودولة القانون، حيث كان لهم دور محوري في التوصل لاتفاق أربيل رغم أنه لم ينفذ، كما لعبوا دورا مهما في أزمة انسحاب ممثلي القائمة العراقية من حكومة المالكي إثر تسييس قضية طارق الهاشمي وتحول الأكراد من كونهم "حلفاء" إلى "أنداد" للمالكي سيجعل حكومته بدون شركاء من خارج القوى السياسية الشيعية.
وما يدعم هذا التحول في موقف الأكراد ثلاثة عوامل رئيسية، يتعلق العامل الأول بإصرار المالكي على تقليص استقلالية إقليم كردستان، وهذا ما تؤكده الأزمة الأخيرة، حيث تفيد باتجاه المالكي للسيطرة على أجهزة الدولة الأمنية، إعمالا لمنطق الاستئثار بالسلطة، وهو ما سبق أن نفذه في مواجهة القائمة العراقية والقوى السنية وهذا يعني أن المواجهات بين المالكي والأكراد قد تنفجر في أي لحظة.
ويتعلق العامل الثاني، بغياب منطق الشراكة في تعامل الحكومة مع القوى الأخرى، وذلك نتيجة متغيرين. يتعلق المتغير الأول بحالة عدم الثقة بين القوى السياسية الرئيسية ، والتي هي من ميراث الماضي، ولم تتخذ أي اجراءات لتبديدها، وهذا ما يؤكده مخاوف الأكراد من تزايد قوة جيش الاتحادي، وذلك رغم اختلاف طبيعة النخبة الحاكمة اليوم في العراق عن النخبة التي حكمت قبل الاحتلال، سواء من حيث انتمائها الطائفي او انتمائها الأيديولوجي، وهذا ما تؤكده مخاوف مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان من بيع واشنطن طائرات F16 للعراق، حيث تحدث صراحة عن رفضه ذلك طالما كان المالكي في السلطة
كما تحدث وزير البشمركة بعد الأزمة الأخيرة عن مخاوفه من أن يعاود الجيش العراقي نهج التعامل مع الأكراد على نحو ما كان سائدا في عهد صدام حسين، حيث صرح بأنه "لدينا معلومات بأن 425 من كبار ضباط الجيش من رتبتي الفريق واللواء، وردت أسماؤهم في قوائم المساءلة والعدالة، ومنهم من اتهم بارتكاب جرائم ضد العراقيين"[.
ويتعلق المتغير الثاني، بغياب الوسيط الأمريكي، قبل أن تتم إعادة بناء الثقة بين الطرفين، حيث لعبت واشنطن دورbuffer بين هذين الطرفين طوال فترة وجودها في العراق، وشكلت لجنة مشتركة تتألف من القوات الأمريكية والعراقية والبشمركة لإدارة المناطق المتنازع عليها، وكانت تعمل على علاج أي مشاكل بين الطرفين، ومع انسحاب القوات المقاتلة من العراق، انسحبت القوات الأمريكية من اللجنة، وظلت اللجنة تتشكل من الجانبين العراقي والكردي، ويمكن القول أن هذا كان سبب رئيسي في تفجر الأزمة الأخيرة.
وتدرك واشنطن أهمية الدور الذي لعبه الأكراد في العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، وترى في استمرار هذا الدور "صمام أمان" لاستمرار النموذج السياسي للسلطة الذي خلقته بعد الاحتلال، والذي يقوم على التداول "السلمي" للسلطة، و"تمثيلية" القوى المختلفة في الحكومة، بصرف النظر عن حجمهم الحقيقي في الشارع، وضعف الحكومة المركزية الموالية لإيران في مواجهة حكومة كردستان المدعومة من تركيا.
ولذا حرصت واشنطن على محاولة معالجة قضية المناطق المتنازع عليها قبل إعادة انتشار قواتها في العراق، حيث طرح قائد القوات الأمريكية راي أوديرنو عدة خيارات لتأمين المناطق المتنازع عليها، شملت تشكيل قوات أممية استنادا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، أو استمرار العمل بالآلية التي أقرت منذ عام 2008 والتي بموجبها تم تشكيل نقاط التفتيش المشتركة، أو دمج قوات البشمركة في الجيش العراقي.
ونظرا لعدم موافقة الأطراف المعنية على الخيارين الأول والثاني، استمر العمل بنقاط التفتيش المشتركة، إلى أن انسحبت القوات الأمريكية المقاتلة نهاية 2011، وتدرك واشنطن أن السيطرة على هذه المناطق هو في إطار الصراع السياسي بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان، ودعمها أي من الطرفين سيعني عمليا خسارتها للآخر الذي هو حليف مهم لها في العراق، تتمتع بقدرة ما حتى الآن على التأثير في مواقفه.
ولذلك، لجأت واشنطن في الأزمة الأخيرة إلى الوساطة بين الطرفين، حيث وصل بغداد في 19 نوفمبر وفد أمريكي برئاسة مدير مكتب التعاون الأمني الأمريكي –العراقي الجنرال كاسلين، واجتمع مع وزير البشمركة، واقترح الوفد إعادة نشر قوات أمريكية في المناطق المتنازع عليها، وتزامن مع ذلك جهود بذلها نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن المسئول عن الملف العراقي[وجهود أخرى يبذلها رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، استنادا للمقترحات الأمريكية، وتشير عدة تقارير إلى نجاح هذه الجهود في تسهيل التوصل لاتفاق "مبدئي" بين حكومة المالكي وحكومة كردستان، بحيث يتم العودة للعمل بآلية اللجنة المشتركة، وفي إطار ذلك تعقد اجتماعات فنية بين القوات الاتحادية وقوات البشمركة للتوصل لصيغة نهائيةوأيا كانت هذه الصيغة النهائية، فإنها لن تكون بديل عن أهمية معالجة مشكلة المناطق المتنازع عليها، استنادا للمادة 140 من الدستور العراقي، أو استنادا لأي اتفاق جديد يتم التوصل إليه بين الحكومة المركزية وحكومة كردستان.
التنازل والتحدي الحقيقي
إن ضمان استمرار الأكراد كشريك في العملية السياسية في العراق، وليس كخصم، يتطلب من حكومة المالكي تقديم تنازلات حقيقية لهم، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الخلافية بين الجانبين، بحيث يتم وضع حلول دائمة لها، وتحديدا المناطق المتنازع عليها، ودور البشمركة، وبدون ذلك، لن تكون الأزمة الحالية في العراق هي الأخيرة، حيث من المتوقع أن يشهد أزمات أخرى خلال الفترة المقبلة، سيكون الأكراد طرف مباشر فيها.
فعلى سبيل المثال، لا يزال مستقبل قوات البشمركة غير واضح، خاصة في ضوء الخلاف على نطاق صلاحيات هذه القوات في مواجهة القوات العراقية خاصة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، وإذا ما تم بالفعل دمج البشمركة في الجيش العراقي، كما طالب بذلك مؤخرا بعض قيادات دولة القانون، وفي حال قبول الأكراد، سيعد ذلك نقلة حقيقية على طريق إعادة بناء الجيش العراقي، حيث سيكتسب طابعا "وطنيا" بعد أن غلب على تكوينه الطابع العربي والشيعي، ولكن ميراث عدم الثقة يظل عائقا أمام قبول الأكراد بهذا البديل. كما أن ما سينتهي إليه الصراع في سوريا سيكون له تأثيره على حجم التنازلات التي يمكن أن يقدمها كل من المالكي والأكراد للآخر، وذلك على ضوء تركيبة النخبة الجديدة التي ستحكم سوريا، ووضع أكراد سوريا فيها.
ورغم أهمية الدور الأمريكي في ضمان "سلمية" إدارة الصراع بين الأكراد والحكومة المركزية، كما يكشف عن ذلك محاولتهم التوسط في أزمة طوز، إلا أنه تظل هناك "حدود" لهذا الدور، نتيجة عامل رئيسي متعلق بحساسية قبول حكومة المالكي أي حلول أمريكية قبل أن يتم تبنيها وطرحها من قبل طرف عراقي ما، وذلك حتى لا تخل بصورتها كحكومة "لم يأت بها الاحتلال"، ونجحت حتى الآن في أن تحتفظ بعلاقات متوازية مع واشنطن وإيران. وفي هذا الإطار، يمكن فهم الدور الذي يلعبه حاليا رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، حيث تستند مبادرته التي قدمها إلى أحد المقترحات التي قدمها الوفد الأمريكي في زيارته للعراق التي سبق الإشارة إليها.
وتظل قدرة المالكي باعتباره رئيس الوزراء، على إدارة أزمة طوز، بالأدوات السلمية، والبناء على الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه حول هذه الأزمة، وإيجاد آليات تضمن استمراره، هي التحدي الحقيقي، خاصة وأن تفضيله خيار اللجوء للعنف يظل قائم، وكذلك الوضع بالنسبة للأكراد، خاصة مع استمرار حالة عدم الثقة بينهما.
* إيمان رجب
باحثة في الشؤون العراقية والخليجية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.