رئيس برلمانية الإصلاح يتلقى العزاء في وفاة والده من قيادات الدولة والأحزاب والشخصيات    ذكرى إعلان فك الارتباط.. جدار جنوبي راسخ لفظ الوحدة المشؤومة    خاصموا الانتقالي بود وأختلفوا معه بشرف    شراكة الانتقالي وتفاقم الازمات الاقتصادية في الجنوب    أين نصيب عدن من 48 مليار دولار قيمة انتاج الملح في العالم    هل يمكن لبن مبارك ان يحدث انفراجة بملف الكهرباء بعدن؟!    قاتلكم الله 7 ترليون في الكهرباء فقط يا "مفترين"    مظاهرة حاشدة في حضرموت تطالب بالإفراج عن السياسي محمد قحطان    "ضربة قوية لمنتخب الأرجنتين... استبعاد ديبالا عن كوبا أميركا"    يوفنتوس يعود من بعيد ويتعادل بثلاثية امام بولونيا    فيديو فاضح لممثلة سورية يشغل مواقع التواصل.. ومحاميها يكشف الحقيقة    شاهد :صور اليوتيوبر "جو حطاب" في حضرموت تشعل مواقع التواصل الاجتماعي    شاهد : العجوز اليمنية التي دعوتها تحققت بسقوط طائرة رئيس إيران    لليوم الثالث...الحوثيون يفرضون حصاراً خانقاً على مديرية الخَلَق في الجوف    صراعات داخل مليشيا الحوثي: قنبلة موقوتة على وشك الانفجار    ناشطون يطالبون الجهات المعنية بضبط شاب اعتدى على فتاة امام الناس    "يقظة أمن عدن تُفشل مخططًا إجراميًا... القبض على ثلاثه متهمين قاموا بهذا الأمر الخطير    اللجنة الوطنية للمرأة تناقش أهمية التمكين والمشاركة السياسة للنساء مميز    رئيس الوفد الحكومي: لدينا توجيهات بعدم التعاطي مع الحوثيين إلا بالوصول إلى اتفاقية حول قحطان    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    مجلس النواب يجمد مناقشة تقرير المبيدات بعد كلمة المشاط ولقائه بقيادة وزارة الزراعة ولجنة المبيدات    ثلاث مرات في 24 ساعة: كابلات ضوئية تقطع الإنترنت في حضرموت وشبوة!    إعلان هام من سفارة الجمهورية في العاصمة السعودية الرياض    لابورتا وتشافي سيجتمعان بعد نهاية مباراة اشبيلية في الليغا    رسميا.. كاف يحيل فوضى الكونفيدرالية للتحقيق    الصين تبقي على اسعار الفائدة الرئيسي للقروض دون تغيير    منظمة التعاون الإسلامي تعرب عن قلقها إزاء العنف ضد الأقلية المسلمة (الروهينغا) في ميانمار    منتخب الشباب يقيم معسكره الداخلي استعدادا لبطولة غرب آسيا    اتحاد الطلبة اليمنيين في ماليزيا يحتفل بالعيد ال 34 للوحدة اليمنية    البرغوثي يرحب بقرار مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية مميز    إيران تعلن رسميا وفاة الرئيس ومرافقيه في حادث تحطم المروحية    قيادات سياسية وحزبية وسفراء تُعزي رئيس الكتلة البرلمانية للإصلاح في وفاة والده    اشتراكي الضالع ينعي الرفيق المناضل رشاد ابو اصبع    مع اقتراب الموعد.. البنك المركزي يحسم موقفه النهائي من قرار نقل البنوك إلى عدن.. ويوجه رسالة لإدارات البنوك    مأساة في حجة.. وفاة طفلين شقيقين غرقًا في خزان مياه    وفاة طفلة نتيجة خطأ طبي خلال عملية استئصال اللوزتين    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    عبد الله البردوني.. الضرير الذي أبصر بعيونه اليمن    أرتيتا.. بطل غير متوج في ملاعب البريميرليج    الريال يخسر نجمه في نهائي الأبطال    تغير مفاجئ في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    مدارس حضرموت تُقفل أبوابها: إضراب المعلمين يُحوّل العام الدراسي إلى سراب والتربية تفرض الاختبارات    كنوز اليمن تحت رحمة اللصوص: الحوثيون ينهبون مقبرة أثرية في ذمار    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأغنية اللحجية ورقصاتها..القمندان.. ريادة وأسلوب خاص
نشر في نبأ نيوز يوم 06 - 01 - 2006

من يقرأ في الشعر العربي وينظر في نصوصه ونماذجه الكثيرة يجد صورتين متقابلتين منذ العصر الجاهلي: صورة تقليدية تعتمد على رسوم وتقاليد كثيرة, وصورة أغان خالصة تعتمد على رسوم وتقاليد كثيرة, وصورة أغان خالصة تعتمد على العزف والضرب على الآلات الموسيقية.
وتتخالف الصورتان في كثير من الجوانب, فالصورة الأولى صورة معقدة, ولعل خير ما يمثلها مطولات الشعر العربي في المديح والهجاء وما يتصل بهما, حيث نجد الشعراء يبالغون في صنع نماذجهم مبالغة أفضت بزهير في الجاهلية إلى أن يصنع المطولة من مطولاته في حول كامل, كما يقول الرواة ومن أجل ذلك كانت تسمى مطولاته باسم الحوليات.
وكان يقابل هذه الصورة من الشعر العربي أخرى لم تكن مطولات, وإنما كانت في أكثرها مقطوعات ولم تكن تدور حول المديح والهجاء وإنما كانت تدور غالباً حول الغزل ولم تكن تقال لتنشد وإنما كانت تقال لتغني وتصحب بالعزف والضرب على الأدوات الموسيقية ولعل خير اسم يمكن إن نطلقه على هذه الصورة هو اسم شعر الغناء أو الأغاني.
وهاتان الصورتان للشعر العربي استمرتا تتقابلان في عصوره المختلفة, وكانت صورة الأغاني أكثر من أختها التقليدية قابلة للتطور والتحول بحكم اتصالها بالغناء والموسيقى ولغة الناس الشعبية مما أحدث أخيراً في الأندلس الموشحات والازجال على نحو ما هو معروف, وقبل هذه الازجال والموشحات كانت تحدث تطورات واسعة في الأغاني لامنذ العصر العباسي بل منذ العصر الأموي, إذ نهض الحجاز" الجزيرة" بالغناء نهضة كبيرة آثرت تأثيراً شديداً في الأغاني هناك, وهو تأثير امتد إلى كل شيء فيها, امتد إلى لغتها إذ نرى الشعراء يتخذونها غالباً من لغة الناس المألوفة لأنهم يريدون أن يكونوا قريبين منهم, وامتد إلى موسيقاها, إذ نرى الشعراء يكثرون فيها من الزحافات والعلل, حتى يلائموا بين شعرهم وتقصيرات المغنيين والمغنيات وتمديداتهم. وأيضا فإنهم أخذوا يجزئون ويعدلون في صورة اوزانهم, حتى تحمل كل ما يريد المغنيون من أصوات وغناء. ص 5-6" الشعر والغناء في المدينة ومكه- د. شوقي ضيف".
لمحة تاريخية موجزة عن شعر الغناء اليمني:-
الشعر هو اللون الأدبي الأوفر حظاً لدى أهل اليمن, وعنايتهم به مسألة ليس بوسع أي كان إغفالها أو عدم التسليم بها, فلقد ظل الشعر وحده هو السمة المميزة للأدب اليمني إلى وقت غير بعيد, ولا بد من الاعتراف بأن اهتمام الأدباء في اليمن بألوان الأدب الأخرى, جاء في مرحلة متأخرة بعض الشيء ولليمن كما نعلم ويعلم الكثير شعراء رفدوا تاريخ الأدب بأعمال شعرية لفتت إليهم انتباه الكثير من النقاد والدارسين ولقد دللوا عبر مراحل مختلفة من التاريخ ومن خلال ما قاموا بتقديمه من إبداعات في هذا الميدان, على امتلاكهم لقدرات ليست بأقل من القدرات التي كان يمتلكها اندادهم من الشعراء في الوطن العربي.
وموروث اليمن الأدبي والشعر منه على وجه الدقة يعطي من الأدلة والبراهين ما يدعم القول ويؤكد صحته, ومامن شك في أن الشعر اليمني مازال كما كان وسيستمر منهلاً عذباً متاحاً لكل محبي الظامئين إلى المعرفة.
منذ خمسمائة عام أو يزيد ابتكر الشعراء في اليمن نوعاً جديداً من الشعر يشبه في بعض مظاهره شعر الموشحات الذي اشتهرت به بلاد الأندلس- وقد اتفق على تسمية هذا النوع المبتكر من الشعر بالشعر" الحميني" وذلك للفصل بينه وبين الشعر الفصيح أو" الحكمي" كما كان يسميه أهل اليمن.
والحميني كما عرفه الدكتور" محمد عبده غانم" في كتابة" شعر الغناء الصنعاني" ص 54 هو ذلك النوع من الشعر غير الملتزم بقواعد اللغة الفصحى ومفرداتها وعروضها(2).
ولمع الكثير من رواد الشعر الحميني أو الشعر الغنائي- وهو الاسم الذي سنعتمده في هذا البحث- مثل ابن شرف الدين والإنسي والعنسي وغيرهم. وبتعاقب المراحل التاريخية توارث الشعراء في اليمن هذا اللون الشعري وامتد معهم وما برحوا يكتبون ويتطرقون من خلاله إلى مختلف الأغراض المعروفة في الشعر كالغزل والوصف والمدح والرثاء.. الخ.
ولعل الانجذاب لكتابة القصيدة الغنائية بتركيبتها الجديدة أمر فرضته عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية فأهل اليمن وبحكم الهيمنة الاستعمارية الرجعية والطبيعة الجائرة لذلك النوع من أنظمة الحكم, وجدوا أنفسهم بمنأى عن كل معالم التحضر رغم أصالة روحهم الحضارية.
ولأن الشعراء في تلك الفترة كانوا أكثر الناس إدراكا لتلك الحقيقة,رأوا في الكتابة قصائدهم بلهجة العامة انسب الطرق للتواصل مع الغالبية العظمى من الناس, وهو ما يتيحه البناء الشعري المبتكر من حيث اتساعه لاستيعاب كثير من المفردات العامية.
ومما لاشك فيه إن الشعر الغنائي قد مر بمراحل عديدة تطور في أثنائها واكتسب الكثير من الخصائص والمميزات ولعب المبدعون من الشعراء دورهم في أحداث الكثير من ملامح التجديد فيه والموروثات الأدبية التي خلفها السلف تطالعنا بكل نواحي التطور التي مر بها هذا اللون الشعري.
في صنعاء كانت ولادته الأولى, إلا انه امتد لينتشر بعد فترة وجيزة من الزمن إلى كل اليمن واشتهرت به بعد صنعاء حضرموت ولحج وعدن ويافع وفي كل منطقة كانت له مميزات وخصائص تختلف عن بقية المناطق.
إلا أن صنعاء ولحج وحضرموت كانت من أكثر المناطق شهرة في شعر الغناء, وقد لمعت أسماء العديد من الشخصيات الأدبية فيها, والتي يعود لها كبير الفضل في تطور شعر الغناء اليمني.(3).
وقفة قصيرة حول تاريخ شعر الغناء في لحج:-
حبا الله منطقة لحج. بجمال طبيعي, ومنحها ماءً زلالاً ورقد الحب على أكتافها سنين طويلة, وحيثما تلفت تجد مبتغاك فاكهة وخضرة وماء ووجها حسناً.
وهي من ابرز المناطق اليمنية تاريخاً, قصدها الشعراء لينعموا بخيراتها لتجود قرائحهم, فهي ملهمة موحية يقول عمر بن أبي ربيعه:-
تقول عيسى وقد وافيت مبتهلاً
لحجاً ولاحت لنا الإعلام من عدن
منتهى الأرض يا هذا تريد بنا
فقلت كلا ولكن منتهى اليمن.
هكذا خلقت لحج في مبدأ الخلق والإبداع لتكون محراباً للفن وترتيل آياته وكان لابد من أن تلد فوق ما ولدت, وجدانها الإنساني وحاستها المرهفة', ومشاعرها الخلاقة المبدعة, في شخص مجموعة من أبنائها يصلون كل ذلك بأنامل الفن الخالدة وحناجره الصداحة بل في شخص رجال إذا ما سمعوا المياه في خريرها جعلوا من ذلك الخرير لحناً يرهف المشاعر وكأن إحساسهم بجمال الطبيعة يجعلهم يصوغون أعذب الكلام وأرقه وإذا حنت السماء وضجت رعداً وبرقاً وتنحنحت الجبال نافضة زوائد الجلاميد, أو تدافقت القطعان في الأودية والشعاب من خلف الرعاة, انتعشت قلوبهم وارتعشت أجنحة الخيال فيهم, تمخضوا إيقاعات ترقص الحجر والشجر.(4).
لحج كما تمت الإشارة تعد واحدة من المناطق التي اشتهرت بشعرها الغنائي وليس لدينا من المصادر ما يمكن الاعتماد عليه في تحديد تاريخ نشأة شعرها الغنائي ولكن الأرجح أنه انتقل إليها من صنعاء بعد فترة زمنية قصيرة وبما أن الغموض يحيط بالمراحل الأولية لتاريخ الشعر الغنائي في هذه المنطقة سنكتفي بالتعرض إلى اقرب فترة زمنية, وهي الفترة الواقعة بين القرن التاسع عشر والممتدة إلى الستينات من القرن العشرين ولعله من المفيد ان نتناول هذه المرحلة من خلال شخصية أدبية بارزة كان لها الفضل في ازدهار الشعر الغنائي في منطقة لحج لأننا من خلاله سنقف أمام أهم الملامح الشعرية لهذه المرحلة.(5).
أما في عصر ما قبل القمندان كانت الأغنية اللحجية تغنى على نمط الرقصات الشعبية" الفلكلور الشعبي" الرزحه- الدحفه- الدمندم- الشرح- الزفة- رقصة الحناء. أما الدان اللحجي فقد تميز في فترة ما قبل القمندان بهذين اللحنين.
وامرحبا بالهاشمي- وأطير كف النواح.(6).
أحمد فضل القمندان (ت 1947م):-
يرتبط تاريخ شعر الغناء في لحج باسم هذا الشاعر, لما له من إسهامات أدبية رائعة, ومن الأنصاف القول بان القصيدة الغنائية على يديه وفي زمنه وصلت من النضج حداً بعيداً, وله يرجع الفضل في تطورها وانتشارها فهو قد استطاع بما لديه من موهبة وبما يمتلكه من مقومات أدبية الارتقاء بمستوى القصيدة الغنائية شكلاً ومضموناً, واكسابها من الخصائص الغنية ما جعلها تقف بموازاة القصيدة الغنائية الصنعانية ذات الشهرة الواسعة وفي زمنه اشتهر فن الغناء في لحج واتسعت رقعة جمهوره اتساعاً لم يسبق له مثيل.
وما ينبغي ألا نغفله هو أن مؤثرات الأغنية الصنعانية برزت في بعض قصائده, وذلك في مستهل حياته الشعرية, لكنه وهذا في مرحلة لاحقه خرج عن تلك المؤثرات.
وأختط طريقاً خاصاً به, في كتابه القصيدة الغنائية وإضافاته المتعددة في هذه الميدان يمكن الوقوف عليها من خلال ابتداعه لعدد من الأوزان الجديدة وتمرده على شكل الموروث في بناء القصيدة الغنائية, الأمر الذي يجيز لنا أن نقول عنه بأنه كان رائداً من رواد الشعر الغنائي في لحج وقد ظهر في فترة القمندان الشاعر والمغني فضل ماطر, وهو من الشعراء الذين عاصروا القمندان, وسبقوه إلى قول الشعر على الحان فلكلورية شعبية مختلفة من الحان الرقصات الشعبية إضافة إلى وجود" ابن درينه" فقد كان هذا يجيد الغناء وكثيراً ما كان يصل صوتهما قوياً نفاذاً إلى مسامع القمندان خصوصاً في أوقات السحر, فقد كن ابن درينه مغنياً فقط, عكس زميله فضل ماطر الذي جمع بين قول الشعر والغناء, وسوف نورد, بعض أبياته التي كتبها على رقصة الدحفة" قال بو سعدان:.
قال بو سعدان
ترد العنا
قال بو سعدان
على أهل القريشي
الخيل في الشقعه
ما تخرج الا على شان
قد ركبو المدفع
والذي حل سفيان(8).
إلى جانب القمندان ظهر شعراء عديدون, ساهموا بنصيب وافر في تطوير شعر الغناء, فهم على سبيل الذكر لا الحصر" حسن أفندى- صالح فقيه" وغيرهم ممن تركوا لنا أعمالاً شعرية هي بحق من العلامات المميزة للشعر الغنائي في منطقة لحج, كما اتجه الشعر في هذه المرحلة إلى تناول الاغراض التقليدية المعروفة في الشعر, لكنهم اعطوا مساحة كبيرة للغزل كادت تطغي على كل ما ابدعه الشعراء آنذاك.
وقد كان الوجود الاستعماري من الأسباب الرئيسية التي واجهت اهتمام الشعراء إلى العناية بشعر الغزل دون غيره, لابعاد الناس عن الاهتمام بالقضايا الوطنية الهامة, ولكن ذلك لم يمنع القصيدة الوطنية الغنائية من الظهور.
وبسبب كثرة الأغنية الغزلية تمخض تطور في بعض جوانب الأغنية, من حيث مستوى اللغة الشعرية المستخدمة فيها.
كما امتلك الشعراء قدرة عجيبة في تطويع الألغاز الدارجة لرسم أجمل الصورة الشعرية, وتعد هذه المرحلة بحق من اخصب المراحل الشعرية التي عرفتها لحج.
وفي الفترة الأخيرة من حياة القمندان برزت تجليات جديدة في محتوى القصيدة الغنائية حيث نجد أن بعض القصائد تلتفت بقدر من التحفظ إلى ملامسة الظروف الاجتماعية الصعبة, وبدأت تنتقد بعض الظواهر السيئة الواقعة في تلك الفترة كذلك نجد من بين القصائد ما اتسم بالجرأة والخروج عن ما كان سائداً, واتجاهها للاستنكار الساخر لكل مظاهر البؤس والشقاء التي كان يعاني منها الإنسان اليمني.
كما عبر أصحابها عن رفضهم لحالة الجهل والتخلف ودعوا إلى العلم:
إذا رأيت على شمسان في عدن
قل للشبيبة بنفي هكذا لكمو
تاجاً من المزن يروي المحل في تبن
تاجاً من العلم يمحي الجهل في اليمن(9).
القمندان: الشاعر,,. العاشق.. الفلاح
هكذا وصف المرحوم مفتي الأدباء وشيخهم عمر الجاوي القمندان, قال عنه:
القمندان هو المطور الفحل للأغنية في لحج بل وخالق ألحانها وإيقاعاتها وأن أردنا إن نتحدث عن طابع الأغاني في المناطق اليمنية ونضع التسميات والمصطلحات الصحيحة لها فيمكن ببساطة إن نلغي كلمة لحج ونتحدث عن اتجاه القمندان في الأغاني اليمنية لأنه لم يكن شاعراً فحسب وإنما أيضا ملحناً وعازفاً ومغنياً.
قد يقول قائل أنه كغيره من مارس فن الطرب في اليمن منذ زمن بعيد, نعم كغيره وليس كغيره, لأنه يمثل الفارق الشاسع بين الخلق ومحاولة الإطراب, بين المبدع والمجدد بين من يأتي بشيء وبين من يحاول تحسين ما هو موجود.
فلقد كان القمندان يكتب الكلمات ويلحنها ويغنيها, وينسق إيقاعاتها ويخلق رقصات جديدة مواكبة لألحانه, والغريب في الأمر انه لم يكن مسفاً ولا ضحلاً بالرغم من اضطلاعه بدور أربعة مبدعين- الشاعر والملحن والمغني والمخترع الرقصة. قد لا نستطيع الآن أن نحط على نطاق التجربة الا شعره ولكن أولئك الذين يرون التلفزيون يستطيعون إن يستمعوا بالكلمة واللحن والإيقاع في" وأعلى امحنا" وغيرها من الرقصات الشعبية.
وشعر القمندان متدفق الأحاسيس قوى الصور معطاء لا يترك فرصة للمستمع في وقفة ولو بسيطة لكنه يرغمه على الاستمرار حتى النهاية بنوع من النشوة المكثفة التي تتفق وثراء الكلمات ورقتها, قلما يوجد شاعر مثله لا يسف مطلقاً منذ أول بيت حتى آخر بيت انه كالنهر الذي يحمل رسالة إلى المصب فلا يوقفه ما يؤخذ منه في الطريق ويكتسح كل الحواجز المصطنعة لا ينطبع إلا على شعره الغنائي فقط والذي هو الهدف من هذه الكلمات.
هل أعجبك يوم في شعري غزير المعاني
وذقت ترتيل آياتي وشاقك بياني
وهل تأملت يا لحجي كتاب الأغاني
ولا أنا قط صنعاني ولا أصفهاني
هل أسمعك فضل يوماً في الغناء ما أعاني
وكيف صاد المها قلبي وماذا دهاني
وأنت بالعود تتهنا وطعم المثاني
فهل دعاك الهوى يوماً كما قد دعاني
هذه الدفعة الشعورية القوية تطمح بالفعل إلى المصب, ترغم القارئ على التوتر والجري وراء الآبيات للوصول إلى النهاية بتوتر جم, ولكنه هنا رغم كل هذا يصل مع القمندان إلى النهاية الديباجه فقط" أو المدخل" أما.. ما هي القضية فيشرحها في " الدور" ثم" التوشيح" ثم" التقفيل" بنفس القوه والإحساس المستمر, وفي كل هذه الأدوار لم يحس الشاعر بالتعب في احساسه أو ينتابه الهزال المعتاد وهو يخلق من مشاعره صوراً جميلة وعلى العكس فقد مضت القصة إلى النهاية في أغنية كتبها وبنفس القوة.
يا ورد يا فل يا كاذي ويا ورد نرجس
بس الجفايا يا كحيل الطرف بس الجفا بس
حس الهوى لوّع الخاطر وحرق ومسمس
ساعة من الزين لوجادت مزونة شفاني
ويستمر عمر الجاوي في تعريف القمندان أو القمندار حسبما نادوه العامة قائلاً: والقمندار هو أحمد فضل بن على العبدلي , احد الامراء في لحج الذين اختاروا الفن ومضوا في طريقة دون التفاته إلى قوة السلطة وحبروتها ولو أن الامير استغل إمكانياته من أجل تطوير فن الطرب والرقص والشعر و" البستنه" بفضله اصبح بستان الحسيني ملجأ للجمال والطرب والشوق إلى الحبيب والأرض, ويمكن أن نقارن حبه لهذا النوع من النشاط الإنساني بالوريث الشرعي للإمبراطورية البريطانية شقيق جورج السادس... فلقد كانت لهذه القصة القمندان, طلب منه أن يختار.. ان يكون ملكاً لبريطانيا وفي هذه الحالة عليه آلا يتزوج من حبيبته التي لم تكن من فصيلة الأمراء, وكان صاحبنا" قمنداري" المزاج ففضل الزواج من حبيبته وترك الملك لليزابيث, أما القمندان فلم يطلب منه أن يكون ملكاً فقد كان أميرا لا يمارس" الإمارة" من الناحية الاجتماعية والأخلاقية. وفضل الإمارة من نوع آخر بقيت وستظل حتى وبعد وفاته.. مملكة الفن والطرب وكتابة الكلمات الرقيقة التي لازالت تصنع البهجة والسرور في قلوب البشر الذين يفهمونها, ثمة صعوبة كبيرة قد تواجه الذين يريدون إن يقرأوا شعر القمندان بحكم اللهجة اللحجية المحلية ولكن ما يمكن نمسكه في شعر القمندان بعد أن نعرف المفردات التي يستعملها هي أن اغلب الصور قد جاءت من الفصحى بل وينسجم أحيانا فيترجم من" أبي فراس الحمداني".
نعم أنا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لايذاع له سر
فيصفها باللهجة اللحجية:-
بابوي أنا ياضنا حالي من السجره
حاشا علي ألف حاشا ما أخرج المكنون
ما يسهر الليل إلا من ارق, إلى:-
ما يسهر الليل إلا من به القمره
وذي صبح جسمه الضاني كما العرجون
على ان هذا النقل الحرفي نادر في أغاني القمندان وإن كانت اغلب صوره بالفصحى فذلك لان ثقافته العربية كبيرة جداً, وقد زار كثيراً من البلدان العربية والآسيوية وكما يبدو من بعض أشعاره انه لم يتعرف على أوروبا إلا من خلال الكتب والصحف.
فقد سأل أخاه العائد من سويسرا:-
كيف أوروبا وما شاهدتموه
أجياع اعراهّ أهلها
اسويسر لند وحش كاليمن
في شقا جهل وبؤس ومحن
ومن سيرة القمندان الذاتية والتي يتناولها الناس, انه يقضي جل لياليه في بستان الحسين بين الأصحاب والصويحبات وكان يلحن ويكتب الشعر في نفس الوقت الذي تزداد فيه ضجة الأمسيات بالرقص والغناء لقد كان متطرفا للراحة والأنس خاصة في الحسين وقد تجاوز حتى في عدم التحديد لأنواع التسلية والأنس, فالخيام يرى أن بقاء الصحاب اجمل من كل شيء.
لاطيب في الدنيا بغير الشراب
ولا شجي فيها بغير الرباب
فتشت في أحوالها لم أجد
أجمل فيها من لقاء الصحاب
أما القمندار فإن الأصحاب بالنسبة له تأكيداً للأنس الذي يرغب فيه عن طريق الشم والطعم واللمس.
في الحسيني مست
والسمو طاب طاب
يسحبو الانس بين
في جناين عجاب
ثم صوت الرباب
والمطر والسحاب
اسكبوا لي شراب
بعد ماء الكزاب
قد دنى الانس كان
فاسقني والصحاب
خبرة جماعة واصحاب
الفل والورد سحباب
والعود والماء ينساب
قهوة فرتفل وعناب
أي قاب قوسين أو قاب
أن من يتتبع ديوان القمندان" المصدر المفيد" أو كتابة" هدية الزمن" يخرج بنتيجة واحدة وهي ان هذا الامير لم يشعر بتقاليد الامارة مطلقاً, فقد كان ينطلق في صورة واوصافة الشعرية من مواقع فلاحية وكانت قطعة الأرض الصغيرة هي أغلى ما تفتق عنه ذهنه:-
فين الذي بايسحره
أخاف يصبح ساحره
بأعطية في فالج فلج
أسير عينه والدعج
وفلج قطعة أرض في منطقة فالج. وينس انه أمير أمام الحبيب ويتنازل لمحبوبه حتى يتمنى:
ليتني قمري سجع في يراعه
ليتني عندهم بايطرحوني وداعه
ليتني في السمر بوري برأس المداعه
ليتني بنجري في معصمه أو ذراعه
ويكثر في التواضع:
عرف الندو والفل فاح
باسمره هنا لا الصباح
باشلك على عاتقي
قد يكون هذا التواضع أيضا نتيجة لصغر سلطنة أخيه, ولكنه رغم كل شيء يفرح فرحة المزارع الكادح بحصاد الأرض وينقي لهذا الفرحة مفردات مفرطة في المحلية والشعبية.
يا غربة الإحسان زال الجراد
وسال ماء السقوفي في كل مراد
فما على الزراع إن قيضوا
لحصدك الحصاد آن الحصاد
هذه الفرحة بزوال الجراد ومجيء السيول واوان الحصاد لا تأتي من أمير قال أحد جلسائه: إنه كان ينظر كل يوم من شرفته إلى مطعم شعبي تحت بيته وكان يردد.. كم أود أن أعيش مع هؤلاء, وبالفعل فقد كان يجالسهم بين الفينة والفينة, ولأنه يحب الفن وخاصة الطرب, كان يتألم عندما يخل العازف اللحن ويقال أن أحد المغنيين اخطأ أكثر من مرة في حفل زواج في عزف رقصة" واعلى محنا" فنزل من بيته عند الفجر وانتزع العود من المغني وذهب يعزف بنفسه.
إن كانت هذه حقيقة فذلك هو القمندان, وأن كانت أسطورة قد تخيله الناس هكذا ويكفي ان نقول انه كان من بين من عرفتهم اليمن عموماً انسانا حساساً عاشقاً وذا قدرة استثنائية على الالتقاط والتخيل والارتعاش والدهشة ذلكم هو الفنان الشاعر القمندان الذي معه ومن خلاله تحولت الدلتا بكل سحرها إلى الحان وإيقاعات هي حبات المطر وانداء الفجر وسحر الغروب وانتفاضة الربيع وجلاله المخادع, معها أصبحت لحج قبلة الآذان الصاغية والقلوب الهافية, ليصبح لليمن خلالها لوناً جديداً مفرداً ومتميزاً هو اللون اللحجي.(10).
هكذا أسس القمندان باني النهضة الفنية مدرسة جديدة للفن الغنائي تخرجت منها أجيال واصلوا الطريق وأضافوا فاشتهروا نذكر منهم حصراً: فضل محمد اللحجي- مسعد بن أحمد حسين- تكرير- فضل طفش- حسن طفش- هادي سعد سالم- احمد صال علي.
كما أن الشاعر والملحن الأستاذ عبد الله هادي سبيت الذي عاصر الفترة الأخيرة من حياة القمندان يعد من ابرز الشعراء الذين ساهموا في حمل القصيدة الغنائية إلى اتجاهات بعدت بها عن الأغراض التقليدية الموروثة في شعر الغناء, وبدأ سبيت يضمن قصائده معان افصحت عن هموم المجتمع إلا أن عوامل الكبت ومصادرة الحرية والرأي التي كان يمارسها الاستعمار ضربت حصاراً محكماً مثل هذه الأعمال الشعرية ومنعتها من التنفس الأمر الذي لم يساعد على اكتمال نموها مثل:-
يا شاكي السلاح شوف الفجر لاح
حط يدك على المدفع زمان الذل راح
واستمرت الأغنية اللحجية في ازدهارها بعد القمندان يقود لواءها عبد الله هادي سبيت الذي يعتبر أول الدعاة لتأسيس ندوات موسيقية في لحج, بغية التنافس الشريف. كما لا ننسى محمود علي سلامي- سالم زين عدس- مهدي علي حمدون- مسرور مبروك- علي عوض مفلس- حمود نعمان- والملحن الفذ صلاح ناصر كرد.(11)
عن: الثورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.