وإن قالوا فسادٌ فقل فسادُ.. ولكن اللذاذة في الفساد الكل يجمع على أن هناك فساد وفساد مستشري خطير يكاد يحبط ( والقصد أحبط) بلد ويضع (والقصد وضع) أمامها كل العراقيل المعوّقة للنمو والازدهار وسيصيب ( والقصد أصاب) الجميع، والجميع بلا استثناء لأن هناك دائماً حدود وبعد تكسر هذه الحدود تصبح الفوضى عارمة ويصبح "الجميع" داخل بوتقة من الفوضى الشديدة، بمعنى آخر الفوضى الفاسدة، أبا نواس لم يكن ينكر أن الخمر حرام بل كان يعلم تماما أنها حرام بالشرع والدستور وبقانون ذلك اليوم كونها في ظل دولة إسلامية ولكن كل ذلك لم يمنعه من شرب الخمر لأنه أصبح في حالة إدمان شديد لا تسمح له بتركه إلا لو أُتخذَ موقفا مشدداً في شأنه لا رحمة فيه، كذلك عندما رآه الخليفة وفي يده زجاجة من الخمر وبعد سؤال الرشيد له عما في يده؟، لم يستحِ أن يقول له: إنما هو لبن إحمرَّ خجلاً منك!، لتوصف بعد ذلك بالبداهة التي يتملكها .. نحن بالفعل أصبحنا في حالة "أبي نواس"، فالفاسد أو الأخ المسئول الفاسد أصبح لا يطيق نفسه بغير السرق والنهب وممارسة الفساد بكل أشكاله رغم أنه يعلم أنه فاسد وأنه مرتشي وأنه يأكل أموال المساكين، أموال الشعب وإذا ُسأل أو قابل أحدا ما زال فيه صوت ضمير فاجأه بسؤال يحمل: لماذا؟!، فلن يُحرَج الأول أبدا أو حتى يكتفي بالصمت!، بل سيظهر بداهته وسرعة جوابه وقد يقول: أنت فقط من يرى الدنيا بشكل آخر فما أقوم به حلال جداً، منبها ذلك الشخص إلى قرن الواحد والعشرين كأن الفساد أصبح حاضراً عادة اجتماعية وظاهرة يستغرب فيها التساؤل !!..
هكذا أصبح حالنا مع الفساد الذي تحول إلى أكثر من ظاهرة عامة بل أصبح لدى البعض منهج وطريقة تعامل ، والفساد ليس محصورا في الفساد الإداري أو المالي فقط بل تعددت أشكاله وتنوعت حتى فاقت على ألوان الطيف الزاهية فساد مالي وفساد إداري وفساد أخلاقي، فساد تعاملي، فساد أفراد، فساد مؤسسات، فساد أحزاب، فساد حكومة، وفساد معارضة، فساد شامل بما يعينه فكل فساد يجر إلى فساد ويخلق معه أصناف أخرى تندرج تحت اسمه وعنوانه الكبير، وكلاً حسب قدرته على الفساد والإفساد وكلما ازدادت القدرة ازدادت معها الشراهة ولا شيء يشبع الشراهة، لذا من الطبيعي جداً أن يكون الحال من سيء إلى أسوأ، فهناك رؤوس كبار فاسدة تأخذ من ميزانية الدولة والمال العام،وهكذا تدريجياً نهاية بالموظف الصغير الذي يأخذ نصيبه الفاسد من ميزانية المواطن الذي هو الآخر أصبح يبحث عن طريقة يساعد بها على إيجاد فتحة أخرى والجّلَ أن تكون هي فتحة جديدة تساهم في رفد الفساد برافد صغير يكبر مع الأيام، فبيروقراطية التعامل "الفاسدة أصلا" تجعل المواطن يبحث عن طريقة أسرع لإنجاز معاملاته أو تخليص أوراقه وسيكون الباب الآخر هو الرشوة أو الاستعانة بالوساطة والمحسوبية وهذا يخلق بابا دائم يساعد أيضا في الفساد الإداري ..
الفساد فتحة مثقوبة "مخرومة" في ظهر الوطن يتسرب منها كل شيء، وبالتالي على أولي الأمر إقفالها سريعا فهذا هو الحل الوحيد لأنه مهما كانت مصداقية وجدية الإصلاحات بينما قوة التسرب جارية لن نصل إلى نتيجة إلاّ عبارة عن دائرة فارغة لا ولن نستطيع إقفالها وإنما سنظل نجري معها دون أن نشعر، وسيأخذنا وقتا طويلا وطويل لذا فالحل يكمن في علاج المشكلة نفسها لا أعراضها كالدكتور الذي يعالج أعراض المرض فقط ويكتفي بذلك دون أن يصل إلى تشخيص فعلي لسبب المرض وبالتالي لن يستفيد المريض شيئا سوى المزيد من العلل التي ستخلقها تلك الأدوية المسكنة الموصوفة من قبل دكتور فاسد أيضا، ولهذا اشتدت زحمة الأمراض اليمنيين على خطوط الطيران للبحث عن علاج فعال قبل أن تتحول علة واحدة إلى عدة علل وهذا يقودنا إلى فساد المجال الصحي ، ومن المعروف أن الفساد في الجهات الخدمية الحكومية تصيب في ضررها أولاً المواطن بشكل أساسي ومباشر..
علينا وعلى مسئولينا أن يتذكروا حديث رسول الله (ص) القائل : «إنما اهلك من كان قبلكم انه إذا سرق فيهم الشريف تركوه!! وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فقطع دابر الفساد يجب أن يبدأ من فوق إلى تحت وعلى الجميع بلا استثناء، فقد أصبح البعض يردد حتى في "المقايل" بان أخذ شيء من حق الدولة حلال أو مقولة "ما جاء من الدولة قُبل" والقصد بأي طريقة جاء فهو مقبول ما دام من أملاك الدولة!!، فأصبح المال العام حلال عرفا وليس شرعا بالتأكيد والسبب في ذلك قد يعود إلى أن الفاسد الذي جميع الناس يعرفون انه فاسد يُعاقب بترقيته إلى مناصب أعلى وبالتالي أصبحت كثير من النماذج السيئة هي القدوة وتحولت مع هذه الأفكار والأشخاص موارد وإمكانيات الدولة إلى مصالح خاصة بدلاً من عامة وهذا قد يؤدي – إن لم يكن قد أدى- إلى انعدام ثقة المواطن بالدولة ولجوءه إلى أساليب ملتوية أو عنيفة وفي نفس الوقت يفتح الباب على مصراعيه في الحديث عن سلبيات الحكومة ونسيان أي ايجابيات حتى وان كانت موجودة .. أخيراً.. نحن لا نريد نزول ملائكة لتحل لنا مثل هذه المصائب التي تحولت إلى مظاهر، لأنهم ونحن نملك القليل القليل من العقل وبالتالي نحن نعلم استحالة ذلك ولكننا نريد بشرا يملكون صفة واحدة من صفات الملائكة أو لن نبالغ بصفة ملائكة، بل صفة واحدة من صفات البشر الغيورين على أوطانهم وحفظ ممتلكاتها والذين يعملون في سبل ارتقائها وتطورها بالفعل لا بالشعارات التي مللنا منها، فالمستثمر لن يأتي في ظل فساد إداري وبيروقراطي عفن وكذلك المواطن لن يشعر بالثقة في ظل وجود كل ذلك الفساد، إذاً .. نعم هناك فساد خطير باعتراف الجميع، ولكن ماذا بعد؟!، هل سنشعر بأثر ذلك على التنمية والاقتصاد وبالتالي التخفيف من رقعة وحدة الفقر والمرض بالنسبة للمواطن ، هل سنرى حربا حقيقة على الفاسدين بعزلهم ومعاقبتهم ، هل سنجد تطورا في شتى المجالات التي هي غارقة في أوحال الفساد ، هل سيكون "لا للفساد" عملا قبل شعاراً ؟! ، سننتظر الأيام لتجيبنا على هذه التساؤلات .
التوقيع.. مواطن يحلم ب"يمن" خالي فعلياً من هذا الشبح القاتل "الفساد".. شبح = فساد لا نراه ، ولكن نشعر بوجوده وآثاره المدمرة الداعية إلى التخلف في كل شيء. قاتل = لأن الفساد يؤدي إلى: (فقر ، قتال، جوع ، مرض =موت بطيء ، ومع سبق الإصرار والترصد)