الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    الدكتور محمد قاسم الثور يعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    رئيس مجلس القيادة يناقش مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي مستجدات الوضع اليمني مميز    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    النقد الدولي: الذكاء الاصطناعي يضرب سوق العمل وسيؤثر على 60 % من الوظائف    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    سرّ السعادة الأبدية: مفتاح الجنة بانتظارك في 30 ثانية فقط!    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    قصص مدهشة وخواطر عجيبة تسر الخاطر وتسعد الناظر    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما وراء زيارة الرئيس هادي إلى روسيا.. سوق رؤساء اليمن
نشر في نشوان نيوز يوم 09 - 04 - 2013

عاد الرئيس عبدربه منصور هادي الخميس الماضي إلى مدينة الحديدة بعد زيارة استغرقت أربعة أيام لجمهورية روسيا الاتحادية، واكتسبت الزيارة أهميتها في كونها الأولى له منذ توليه مقاليد الحكم في اليمن ، ولكونها أيضا تعد تقليدا رئاسيا للرؤساء اليمنيين السابقين الذين كانت زيارة روسيا تمثل لهم محطة هامة في حياتهم الرئاسية.

وتربط الدولتان علاقات تأريخية وثيقة قائمة على التعاون المشترك في مجالات التنمية والسياسة والاقتصاد، لكن تلك العلاقات اصطبغت بالذاكرة اليمنية بصبغة السلاح باعتبار روسيا هي المورد الأساسي للسلاح إلى اليمن منذ عقود.
تأريخ طويل من العلاقات
ولعبت روسيا دورا مؤثرا في مسيرة بناء الدولة اليمنية بسبب قدم العلاقات اليمنية الروسية التي بدأت قبل 85 عاماً، بعد أن استقلت اليمن عن الحكم العثماني، ووقعت أول اتفاقية بين الروس والإمام يحيى في الأول من نوفمبر 1928م، وهي عبارة عن معاهدة صداقة، أعيد إحياؤها في 31 اكتوبر من العام 1955م، وكان دافع اليمن من هذه المعاهدة البحث عن حلفاء جدد لمساندتها، والبحث عن مجالات تعاون اقتصادية يمكن أن يقدمها الاتحاد السوفيتي لليمن، ومن أجل تطوير تلك المعاهدة تم إيفاد أطباء واخصائيين سوفييت وخبراء إلى اليمن قاموا بالأعمال الأولية لبناء مرفأ جديد في منطقة رأس الكثيب بالحديدة.
وكان الروس يعتبرون اليمن بلدا تجاريا فطريا، وفتحوا باب التبادل التجاري مع اليمن بشكل بسيط، وفقا لما كانت تسمح به سلطة الإمامة الذين كانوا وحدهم كعائلة حاكمة المستفيدون من ذلك النشاط التجاري المحدود، بل إن الإمام يحيى أعطى قائمة للجانب الروسي بأسماء تجار معينين للتعامل معهم في بيع السلع الروسية، وكان أولئك التجار من المقربين منه، ومن أولئك التجار الشيخ السنيدار الذي طلب من موسكو توريد 100 طن من البن اليمني للاتحاد السوفيتي، وكذلك الشيخ شائف زهراء الذي أراد بيع 50 طنا من البن الحيمي مقابل شراء السكر والغاز والقماش.
وعلى إثر تلك التسهيلات قدم الروس في يناير م1931 محطة تلفون أتوماتيكي، وتم تكليف 100 جندي لمد الخطوط بين قصور الإمام والمؤسسات الحكومية، وفي مارس 1931م تم مد شبكة الخطوط الهاتفية إلى محافظات تعز والحديدة وحجة، حيث يتواجد أفراد العائلة الحاكمة من الأئمة، ويتمركز نفوذهم، وفي يوليو 1956م تم توقيع اتفاقية حول التعاون الاقتصادي بين اليمن والإتحاد السوفيتي، وبناء عليه إلتزم الإتحاد بتقديم المساعدة التقنية في إنشاء ميناء الحديدة.
وظلت العلاقة في المجال الاقتصادي والسياسي نشطة بعيدا عن تجارة السلاح حتى نهاية العام 1958م، ما عدا إهداء السوفيت للإمام أحمد طائرة (إيل – 14) في يوليو من نفس العام، سلمت لليمن في حفل مهيب في 12 سبتمبر واستلمها نائب وزير الخارجية محمد عبدالله العمري وحضر التسليم ثلث أعضاء الحكومة.
وفي ديسمبر 1959م تم التوقيع على بروتوكول معاهدة يوليو 1956م، والتزم الاتحاد السوفيتي بتسديد رواتب الموظفين العاملين في مشروع ميناء الحديدة، وتم تحويل المبلغ آنذاك عبر البنك الوطني السعودي في الحديدة الذي تملكه عائلة بن محفوظ اليمنية، وامتد التعاون المشترك ليشمل دراسة تقدمت بها روسيا للتنقيب عن النفط في تهامة والجوف.
بداية تجارة السلاح
ولذلك يمكن القول إن بداية العلاقات اليمنية الروسية كانت قائمة على التعاون الاقتصادي البحت في مجالات التنمية والتبادل الاقتصادي، بعيدا عن تجارة السلاح، التي كانت منعدمة، ولم تبدأ إلا بعد شعور النظام السياسي الحاكم بالحاجة للسلاح لمواجهة خصومه، وكانت أول زيارة يمنية لاستيراد السلاح وعقد صفقات توريد أسلحة هي زيارة ولي العهد البدر لموسكو مطلع العام 1958م، بعدما شعر بوجود مهددات قد تعترض طموحه في حكم اليمن بعد أبيه خصوصاً من أعمامه، وبعض المكونات الثورية التي كانت تسعى للوصول الى الحكم، وكان من مساوئ تلك الزيارة تحويل اليمن لسوق مفتوح للأسلحة الروسية، حيث سار على ذات الدرب رؤساء اليمن الجمهوري لاحقا، غير أن من الملاحظ أن الذهاب إلى موسكو لشراء أسلحة كان ينشط كلما مرت اليمن بظروف أمنية غير مستقرة، تستدعي التسليح ورفع الجاهزية القتالية، لمواجهة اضطرابات داخلية، أو حروب خارجية، ونتيجة لذلك أصبحت الأسلحة هي النوع الأول والشكل الوحيد من أشكال التبادل التجاري لليمن مع روسيا، وفاق استيراد السلاح بقية الأنواع التجارية الأخرى.
فبعد قيام ثورة سبتمبر 1962م استدعى الرئيس السلال سفير الاتحاد السوفيتي آنذاك كامينسكي من تعز إلى صنعاء، وعقد معه اجتماعا بحضور شخصيات كان السوفيت يطلقون عليهم (عبداللات) وهم عبدالله السلال وعبدالله جزيلان وعبدالله الضبي، وطالب باعتراف بلاده بالنظام الجمهوري، وتقديم المساعدات الاقتصادية والسياسية، وطالب بشكل خاص دعم الجيش اليمني وفتح باب التعاون العسكري، وفقاً لما ذكره الدبلوماسي الروسي أوليج بيريسيبكين الذي كان مترجماً وقتها وأصبح فيما بعد سفيرا لروسيا في اليمن أثناء حكم علي عبدالله صالح.
وكان من نتيجة ذلك اعتراف الاتحاد السوفيتي بالجمهورية اليمنية في 1 اكتوبر 1962م، أي بعد أربعة أيام من إعلان الثورة، وجاء طلب السلال للسلاح شعورا منه بحتمية المواجهات المسلحة مع الملكيين الذين أعلنوا الحرب على النظام الجمهوري، وفتحوا عدة جبهات عسكرية في خولان ومأرب وصعدة، فكان طلب السلاح من روسيا في عهد السلال أمرا فرضته الأحداث الأمنية التي واجهتها الجمهورية الوليدة في مهدها الأول.
السلاح بعد سبتمبر
ورغم مجالات التعاون الوثيقة بين النظام الملكي الإمامي قبل الثورة، فقد بدأت العلاقات الروسية اليمنية في عهد السلال بداية قوية لم تقيدها التحالفات السابقة مع الإمام، وكانت جوانب التعاون امتداداً للمجالات السابقة التي بدأتها روسيا قبل الثورة، خصوصا في جوانب التنمية كاستكمال تجهيز ميناء الحديدة، وتوسعت مجالات التعاون لتشمل جوانب تنموية اخرى، إضافة إلى التعاون العسكري الذي أصبح بابه واسعاً، فقد تولى الاتحاد السوفيتي بناء مطار الرحبة في صنعاء وتجهيزه فنياً، إضافة إلى تقديم خدمات عسكرية لدعم الجيش في مواجهة الملكيين.
ما يبدو مهماً في العلاقات الروسية اليمنية في عهد السلال هو تأثرها بموجة الاستقطاب الدولية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وأثناء الحرب الباردة، فقد رأت روسيا في قيام النظام الجمهوري في اليمن فرصة لنشر المبادئ الشيوعية وتصدير الفكر الاشتراكي، خاصة مع شعور موسكو وقتذاك لحاجة الجمهورية الوليدة في صنعاء للدعم والمساندة، مستغلة علاقتها الجيدة مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر، الذي كان يرتبط أيضا بعلاقات متينة مع قادة النظام الجمهوري في اليمن، ومن دلائل ذلكرسالة بعثها خروتشوف للسلال، قال له فيها إن ثورة سبتمبر فتحت لليمن الطريق نحو الاشتراكية، ولذلك فإن أول طائرة وصلت إلى صنعاء محملة بالمساعدات العسكرية والمعونات المادية كانت من روسيا، وأقلعت من مصر وتم طلائها من الخارج بعلم جمهورية مصر كجزء من التمويه، بل إن الروس كانوا يتفاخرون أن الدبابة العسكرية التي ضربت قصر البشائر الذي كان يتواجد فيه البدر عشية الثورة كانت روسية الصنع من طراز (ت 34).
في ظل تلك الظروف دعا الاتحاد السوفيتي الرئيس السلال لزيارة موسكو، وتمت الزيارة في مارس 1964م، وكانت أول زيارة لأول رئيس للجمهورية الأولى في الجزيرة العربية، بالنسبة للسلال فكان يرغب في مساندة موسكو له ليتمكن من مواجهة فلول الملكية وتثبيت النظام الجمهوري، وبالنسبة للاتحاد السوفيتي، فكان اهتمامهم يرتكز على عملية استقطاب الحلفاء لمواجهة النفوذ الأمريكي، ولذلك يحكي دبلوماسيون حضروا وقائع الجلسة الأولى للسلال والرئيس خروتشوف السكرتير الأول للحزب الاشتراكي السوفيتي، أن الاثنين تبادلا سب وشتم الإمبريالية الأمريكية والرجعية السعودية باعتبارهما خصماً مشتركاً لكليهما، واثناء تلك الزيارة تم توقيع معاهدة صداقة بين الشعبين وقعها السلال وليونيد بيرجنيسيف، وتواصلت مجالات التعاون التي قدمها الروس في الجانب العسكري أكثر من غيرها، حتى أصبح عدد الخبراء السوفيت الذين كانوا يقيمون في اليمن ويعملون في صنعاء والحديدة وتعز إلى 1500 خبير يسكنون في منطقة نقم بصنعاء مع عائلاتهم.
تراجع الاهتمام في عهد الارياني
في عهد الرئيس الثاني لليمن القاضي عبدالرحمن الإرياني تواصلت مجالات التعاون بين البلدين، وزار الإرياني موسكو في العام 1972م، لكن تلك العلاقة تراجعت وتراخت عما كانت عليه في السابق، بسبب الأحداث التي شهدتها اليمن أثناء حكمه، وأطلق عليها الروس جمهورية الشيوخ، في إشارة إلى أن شيوخ القبائل تمكنوا في عهده من الحصول على مزايا في الحكم والنفوذ أكثر من الحكم الإمامي، وجاء ذلك الفتور في الوقت الذي كانت الدولة في الجنوب قد بدأت بالفتوة، وتسعى إلى توثيق تحالفاتها الخارجية، فكانت روسيا هي الوجهة الأولى لها خاصة مع تبني الجبهة القومية التي حكمت في الجنوب للنظام الشيوعي الإشتراكي، وبالتالي تراجعت العلاقة بين الاتحاد السوفيتي والجمهورية اليمنية في الشمال أثناء الإرياني، واستمر ذلك حتى عهد الحمدي الذي لم يبد حماسا كبيرا في التحالف مع الاتحاد السوفيتي، رغم أنها اعتبرت قتله مؤامرة واستهدافا لقائد سياسي كان يتبنى نظاماً إصلاحياً ثورياً في المنطقة.
تضاعف النشاط في عهد صالح
عندما صالح للسلطة، كانت اليمن تعيش أجواء حرب، تخبو وتشتعل على الحدود مع الشطر الجنوبي، وكان ذلك كافياً لدفع صالح نحو بناء الجيش وتأمين الحدود، ورفض طلباً للمملكة السعودية في تمويل صفقة عسكرية من السلاح الأمريكي، وأدار وجهه نحو الاتحاد السوفيتي، فاستدعى سفيرها في صنعاء، وطلب دعم الاتحاد لليمن في الجانب العسكري، وتم على إثر ذلك زيارة صالح للاتحاد في 26 أكتوبر 1981م، كأول زيارة رسمية له، وجرى خلالها توقيع العديد من الاتفاقيات، بما فيها اتفاقية لشراء السلاح الروسي وتقديم الدعم المادي، وبلغت الإلتزامات العسكرية للاتحاد السوفيتي نحو اليمن حتى نهاية العام 1981م نحو مليار دولار أمريكي، بما في ذلك التزويد بالدبابات السوفيتية والطائرات وسلاح المدفعية والرشاشات.
في عهد صالح عادت العلاقة بين الاتحاد السوفيتي واليمن في شطرها الشمالي إلى وضعها السابق، من حيث التعاون والتحالف، وأدى اعتراف اليمن بجمهورية روسيا الاتحادية كوريث شرعي للاتحاد السوفيتي بعد تفككه إلى تعزيز تلك العلاقة، لكن مجالات التعاون العسكري وشراء أسلحة طغت على طبيعة تلك العلاقة، حتى تحولت اليمن في الأعوام الأخيرة –وفقا لوصف موقع روسيا اليوم- إلى زبون دائم لشراء مختلف أصناف الأسلحة،حيث أنفقت صنعاء منذ عام 1998م مبلغ ملياري دولار لشراء الأسلحة حصة السلاح الروسي منها تعادل النصف.
ووفقا لذات الموقع فقد زودت روسيا اليمن بالمقاتلات المتطورة ميج – 29 س م ت، والمروحيات مي – 17 والعربات القتالية للمشاة ب م ب – 2 وغير ذلك من المعدات العسكرية، وتضمنت العقود حول توريد المقاتلات والمروحيات مواصلة المشتريات، ومنذ عدة أعوام قدمت إلى الرئيس اليمني المروحية مي – 171 من طراز VIP . وفي مارس/آذار عام 2007 جرت مكالمة هاتفية بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السابق علي عبدالله صالح طلب فيها الأخير تقديم ارساليات عاجلة من المعدات الحربية إلى اليمن باسعار تسهيلية بسبب العمليات القتالية الجارية في محافظة صعدة، وتبدي روسيا من وقت لآخر استعداد المصانع الحربية الروسية لإعداد برامج تحديث وإصلاح الأسلحة المصدرة إلى الجيش اليمني سابقا وكذلك تقديم إرساليات كبيرة من قطع الغيار والمعدات.
زيارة هادي الأولى
تماثل زيارة هادي الأولى لروسيا زيارة الرئيس الراحل السلال للاتحاد السوفيتي من حيث الظروف الداخلية لليمن، والاستقطابات الدولية المتزايدة، ووجود أعداء وخصوم لليمن في الخارج، وما تمر به من مرحلة انتقالية تقتضي حشد المزيد من الدعم الدولي في سبيل توطيد النظام الجديد وتثبيت أركانه، فالصراع بين الملكيين والجمهوريين في عهد السلال، قريب في بعض أشكاله من الصراع الدائر بين الأطراف المحسوبة على ثورة الشباب، وجاءت إلى الحكم نتيجة تلك الثورة، كالرئيس هادي والقوى السياسية الأخرى المؤمنة بنهج الثورة، وبين بعض القوى المناهضة للعهد الجديد، وتحاول إعادة الحكم لعائلة صالح، كما أن أعداء الوحدة من المطالبين بالانفصال ويدعمون الفوضى بالجنوب من دول خارجية يشبهون إلى حد ما المجاميع الملكية التي فرت إلى دول الجوار، وكانت تغذي أعمال العنف والصراع في الداخل، ومثلما كان لدى السلال أثناء الحكم الملكي علاقات جيدة مع الاتحاد بسبب رئاسته لميناء الحديدة الذي أنشأه الاتحاد واستغلها فيما بعد لبناء علاقات جيدة مع السوفييت، فهادي له أيضا علاقات جيدة مع روسيا قبل صعوده إلى الحكم، فقد درس فيها وتلقى تعليمه العسكري، ويجيد التحدث باللغة الروسية.
ولذلك تأتي زيارة هادي إلى روسيا لتوثيق التحالف بين اليمن في قيادتها الجديدة مع الجانب الروسي، ومن المرجح أن الزيارة طغى عليها ملفان اثنان هما القضية الجنوبية، والتمرد الحوثي، فهادي يعول في زيارته على الروس تدخلهم لدى بعض القيادات الاشتراكية المحسوبة على روسيا لاقناعهم بالتخلي عن فكرة فك الارتباط، ودعم العنف في الجنوب، وحثهم على المشاركة في الحوار الوطني، وإيجاد حلول مناسبة للقضية الجنوبية، خاصة مع ارتباط أغلب مكونات الحراك الجنوبي فكرياً بالفكر الاشتراكي الذي كانت تتبناه روسيا من قبل، وتخرجهم من الكليات والمعاهد العسكرية الروسية، وبما أن روسيا مرتبطة بتحالف استراتيجي متين مع إيران فستكون على قائمة مجالات التباحث بين صنعاء وموسكو مناقشة التدخل الإيراني في اليمن، وقطع الطريق أمام التحالف الجديد الذي ينشأ بين الحوثيين وخلفهم إيران، وبين الرئيس السابق صالح، وتعويل كلا الطرفين (صالح والحوثيون) على دعم إيران ومساندة روسيا لها دولياً.
إضافة إلى ذلك ربما تشعر روسيا الآن أكثر من أي وقت مضى بأهمية توثيق علاقتها وتعزيزها مع اليمن، بسبب الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، وقرب انهيار النظام في سوريا.
والأمر الأهم هنا هو تزامن الزيارة مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني، الذي تتولى روسيا فيه كأحد الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ملف الحوار من مختلف جوانبه، وهو ما سيسهم في تهيئة الأجواء لاستمرار انعقاد المؤتمر، وتوفير فرص النجاح الكافية لاستكماله.
طبيعة الزيارة الحالية
من خلال الأخبار الرسمية التي بثتها وكالتا الأخبار في روسيا واليمن، فقد هيمن الجانب الاقتصادي على الزيارة أكثر من غيره، ما عدا حديث هادي لقناة روسيا اليوم عن أوضاع اليمن الداخلية والدور الروسي المؤمل في التدخل.
هادي عقد اجتماعا موسعا مع رجال أعمال روس، في مقر الغرفة التجارية والصناعية بالعاصمة موسكو، كما استقبل ممثل شركة غاز بروم الروسية، ودعاها إلى العودة إلى التنقيب عن النفط والغاز في القطاعات التي كانت تعمل بها، معلناً عن تقديم كل التسهيلات لها، وقال وزير الخارجية ابوبكر القربي لاحقا إن وفدا من ممثلي الشركات الروسية الكبرى سيزور اليمن في مايو القادم، من أجل إعادة الشركات الروسية التي عملت سابقا في اليمن.
أما رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف فقال في لقاء جمعه بالرئيس هادي بأنه يعول على تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا واليمن، و استمرار كافة الاتصالات واستئنافها في كافة القضايا التي كان بيننا فيها حوار، بما في ذلك نشاط الشركات والتعاون العسكري التقني و الإنساني على كافة المسارات.
لكن يبدو أن الأسلحة كان لها حضور قوي في طبيعة المباحثات الأولى بين هادي ونظيره الروسي، فقد نشر موقع روسيا اليوم مذكرة قال إنها صدرت يوم 3 أبريل الجاري عشية لقاء رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف بالرئيس هادي، وفيما لم يسمِ الموقع الجهة التي أصدرتها هل هي اليمن أم روسيا، قال إن المذكرة أوضحت أن اليمن مهتم بشراء المدرعات الخفيفة الروسية، و وسائل الدفاع الجوي والأسلحة الخفيفة، وتقول المذكرة إن اقتناء الأسلحة الخفيفة والذخائر من وزارة الدفاع الروسية، بالإضافة إلى المحركات الخاصة بناقلات الأفراد المدرعة التي سبق أن استوردت من روسيا يكتسب أهمية بالنسبة لليمنيين في الوقت الحاضر.
وجاء في المذكرة أيضا أن صنعاء مهتمة بشراء ناقلات الأفراد المدرعة "بي تي آر- 80 آ" ووسائل الدفاع الجوي وتطوير المدرعات من طراز "بي آر تي – 60 بي بي" و"بي آر دي أم – 2" المتوفرة في حوزة الجيش اليمني، وتحديث المروحيات القتالية، ومروحيات النقل، والصيانة الفنية لمقاتلات "ميغ – 29"، وإصلاح طائرات "إل – 76" و" آن – 26" على أيدي الخبراء الروس. و اضافت المذكرة أن اليمن تعتبر جهة مستوردة تقليدية للمنتجات العسكرية الروسية، لكن حجم التعاون العسكري التقني يعتبر متواضعا إلى درجة ما، بحسب المذكرة.
وكان مصدر عسكري روسي قال إن زيارة هادي ستناقش استئناف التعاون العسكري التقني مع اليمن، وقال المصدر: "لا نستبعد أن يطرح الرئيس اليمني خلال المباحثات مع القيادة الروسية قضية استئناف التعاون العسكري التقني مع موسكو"، مشيرا إلى أنه تم تجميد التعاون العسكري مع اليمن عمليا منذ بدء الاضطرابات في البلاد، وأضاف: "لم نتلق أية طلبات من هذا البلد بشأن توريد أسلحة جديدة، وصيانة وتحديث الأسلحة، والمعدات العسكرية السوفيتية والروسية الصنع التي تم توريدها سابقا".
هدايا في زيارات الرؤساء لروسيا.. بماذا عاد هادي؟
جرت العادة على منح وتقديم الهدايا في العرف الدبلوماسي لدى بعض الدول للطرف الآخر، كنوع من التعبير عن الود، واسترضاء النفوس وتهيئتها للتفاوض والحوار، بنفسية صافية، خاصة لدى الشخصيات التي تصنع القرار، والدبلوماسية الروسية واحدة من تلك الدول التي تعودت على إهداء الشخصيات السياسية التي تتعاون معها هدايا مادية من وقت لآخر، ويذكر أن البعثة الروسية التي زارت اليمن في عهد الإمام يحيى وبعد التوقيع على اتفاقية الصداقة في 1929م، قدمت هدايا للإمام وأولاده وكبار موظفي الدولة، فأهدت الإمام يحيى وابنه محمد بردعة للخيل لكل منهما، كما قدمت للإمام جرة وهاتفا اتوماتيكيا ومياه معدنية "بورجوبي" و "نارزان" حيث كان الإمام مريضاً.
وفي زيارة البعثة لليمن في 13 ديسمبر 1931م قدمت هدايا جديدة للإمام كالتالي:
- علبة ذهبية صغيرة مع 17 قطعة نقدية ذهبية للإمام يحيى.
- سيف مع غمده للإمام أحمد.
- ساعة ذهبية مع شعار الاتحاد السوفيتي للأمير محمد.
- ساعة ذهبية مشابهة أصغر قياسا لرئيس الوزراء القاضي عبدالله العمري.
- ساعة ذهبية أصغر قياسا لوزير الخارجية القاضي راغب بك.
أما عندما زار السلال الاتحاد السوفيتي كأول زيارة أهدى الرئيس خروتشوف السكرتير الأول للحزب الشيوعي السوفيتي ورئيس مجلس الوزراء السلال والوفد المرافق له هدية كانت كبيرة ومفاجئة، وهي طائرة (إيل-18) مع طاقمها، والطريف هنا أن الطائرة ظلت مع السلال يتنقل بها طوال رئاسته، وعندما عزل من الحكم تمسك بالطائرة وقال إنها هدية شخصية له، ورفض إعادتها للقصر الجمهوري، ولم يقتنع بمبررات الرئاسة الجديدة أن الطائرة منحت من السوفييت كهدية للجمهورية اليمنية يستخدمها أي رئيس يصل للحكم، ووصلت القضية إلى السوفييت الذين شعروا أن هديتهم سببت لهم إحراجاً كبيراً.
ما يدعو إلى الاستفهام هنا ما هي الهدايا التي حصل عليها الرئيس السابق علي عبدالله صالح وهو الذي زار روسيا أربع مرات طوال فترة حكمه؟ أما هادي فوحده والوفد المرافق له يعلم ماذا أهدت له روسيا في زيارته الأولى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.