العدالة الاجتماعية ذات شقين يكمل أحدهما الآخر، وتصل بينهما رابطة السببية المنطقية وعلاقة التابعية العلمية، فالشق الأول للعدالة الاجتماعية هو: «العدالة الاقتصادية»، وتعرف بأنها: «تسخير الازدهار الاقتصادي في سبيل الانتعاش الاجتماعي، ورفع مستوى الفئات العاملة والمنتجة والمعوقة والمحرومة وسائر الفئات التي تحتاج إلى الحماية الاجتماعية. أما الشق الثاني للعدالة الاجتماعية فهو العدالة السياسية: وهي توفير مناخ من الحرية والديمقراطية، يحافظ على كرامة الإنسان، وينمي شخصيته، ويعمل على تحرير بني البشر في كل مكان من التضييق العقلي والروحي، ويتفق مع التعاليم الدينية والقيم الأخلاقية والروحية، ويسعى لإيجاد التلاحم والترابط بين طبقات المجتمع، والحفاظ على سائر أجنحته بتزويد الأفراد بأنصبة متساوية من الحظوظ والإمكانات. وجعل القانون الآلة الكاملة للعدالة والتكافؤ والمساواة ولمنع جور الإنسان على أخيه الإنسان، والإيمان بأن القانون وجد من أجل الإنسان، وأن الإنسان لم يوجد من أجل القانون، وأن الحكومة خادم الشعب لا سيده!!. وجوهر العدالة في الأساس يتمثل في تحقيق العدالة في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذه العدالة لا تتحقق إلا من خلال تحرير الإنسان من كل استغلال اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي.. فالعدالة من أهم القواعد والأسس التي أرساها الإسلام لتنظم العلاقات بين أفراد المجتمع، وحث عليها سبحانه وتعالى في قوله: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل «. فالعدل أساس الحكم وبالعدالة يتحقق الأمن والطمأنينة سواء للحاكم أو المحكوم، فمتى سادت العدالة في مجتمع ما ساد فيه السلام والإخاء والمحبة والرخاء والاستقرار.. وخير دليل على هذا ما رواه رسول كسرى عندما جاء لمقابلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسأل الناس عنه فدلوه عليه فوجده نائماً تحت شجرة ملتفاً ببرده، فقال: حكمت، فعدلت، فأمنت، فنمت، يا عمر... فلله دره من عادل ضرب به المثل.. أين نحن اليوم من هذا العدل، وهذا الأمان الذي تحقق لحاكم حتى ينام تحت شجرة بدون حرس، ولم يعتمد على القوة ولا على الجواسيس.. وإنما سيج نفسه ومجتمعه الإسلامي بالعدالة.. وأثبت التاريخ على مر العصور بأنه لا يستقيم حال أي حاكم أو أي مجتمع ولا ينعم بالأمن والأمان إلا بتطبيق العدالة، وها هو عمر بن عبد العزيز يؤكد في هذا الشأن حيث قال: «لا يصلح المجتمع إلا بالعدالة». وما أحوجنا اليوم في بلد الإيمان والحكمة إلى هذه العدالة ونحن نعيش غياب الممارسة الحقيقية لهذه المفاهيم بل واختفاءها نهائياً في عصرنا الحالي، فيجب علينا استرجاع قيم العدالة حتى نعيد البناء القوي لمجتمعنا والشعور بالمحبة والأمان والطمأنينة الذي يعاني مجتمعنا من غيابه.. وإننا بحاجة إلى دولة حديثة أي الدولة التي ترتكز على المؤسسات وتحتكم إلى الشرعية الدستورية وشرعية القانون، هدفها النهوض بالمجتمع، وتحقيق التنمية الشاملة والعدالة الاجتماعية.. حيث إن ما نعانيه اليوم من مشاكل وأزمات سببها غياب العدالة.. إذ ساد في المجتمع الظلم والجور والحرمان.. وكم كنا نتمنى أن تقرن الوحدة والعدالة... لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.