شهد الاقتصاد اليمني خلال الستة عشر عاما الماضية منذ اعادة تحقيق الوحدة واعلان الجمهورية اليمنية في ال22 من مايو 1990م, عدد من التحولات الهامة التي تأتي تتويجا للسياسات والبرامج التّنمويّة والاقتصاديّة والسّياسيّة الناجعة التى اتخذتها الدولة لمواجهة التحديات الناجمة عن دمج اقتصادين كانا الى حد ما متباينين بالاضافة الى المؤثرات الخارجية الناجمة عن عودة المغتربين جراء أزمة الخليج الثانية .. وقد اتسمت الفترة من 1990 1994م بتراجع مستوى النشاط الاقتصادي وانخفاض معدلات النمو بسبب تفاقم الاختلالات المالية والنقدية نتيجة المماحكات السياسية التى سادت الفترة الانتقالية, فضلا عن الخسائر الفادحة التى تعرض لها الاقتصاد الوطني جراء أحداث فتنة محاولة الانفصال في صيف 1994 , وتأثيرات حرب الخليج الثانية وما ترتب عليها من توقف للمساعدات الخارجية وعودة ما يربو على مليون مغترب من دول الخليج وحرمان اليمن من تحويلاتهم التي كانت تساعد في فترات سابقة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وانتعاش النشاط التجاري. وعانى الاقتصاد خلال هذه الفترة من تقلبات حادة اتسمت بعدم الاستقرار بسبب الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية .. وبالرغم من نمو الناتج المحلي الاجمالي بمعدلات حقيقية بلغت في المتوسط 1ر4 بالمئة خلال تلك الفترة ,إلا ان هذا النمو لم يكن متولدا من القطاعات الاقتصادية الانتاجية بل كان نتيجة زيادة الانتاج النفطي والإنفاق الحكومي لمواجهة ترتيب البناء المؤسسي لدولة الوحدة. كما حقق الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي معدلات نمو سالبة في عام 1994 بلغت 5ر0 بالمائة, و شهد الانفاق العام خلال هذه الفترة نموا كبيرا تجاوز نمو الايرادات العامة ,مما ادى الى تنامي عجز الموازنة العامة ليصل إلى نحو 9ر14 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي بنهاية عام 1994م, وبالتالي اعتماد السياسة النقدية في تمويل عجز الموازنة على الاصدار النقدي الذي قاد بدوره الى ارتفاع العرض النقدي الى 6ر31 في المائة والتضخم الى 4ر49 بالمائة في العام نفسه. وانعكست الاجراءات النقدية التوسعية على انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية واضطراب سعر الصرف الذي تجاوز حاجز 165ريالا للدولار في عام 1995 فضلا عن المضاربة بالعملة والعقارات الذي ادى الى تدهور احتياطي البنك المركزي من النقد الاجنبي الى 300 مليون دولار ..اضافة الى ارتفاع المديونية الخارجية من 2ر8 مليار دولار في عام 1990الى 9ر9مليار في عام 1995 بمتوسط نمو 4 بالمائة , وقفزت نسبتها من 114 بالمائة الى 176 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي . كما شهدت هذه الفترة اختلالات اقتصادية في الموازين الكلية الخارجية إذ تزايد عجز الميزان الكلي للمدفوعات الى 7ر709 مليون دولار في عام 1994 نتيجة الانخفاض الحاد في تحويلات المغتربين وتوقف المساعدات والتحويلات الخارجية وارتفاع حجم الاعباء على القروض الخارجية وتصاعد قيمة الواردات. ولتجاوز تلك الاختلالات شرعت الحكومة منذ العام 1995م بتنفيذ حزمة من السياسات الإصلاحية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري ومنها تحرير سعر الصرف والتدرج في رفع الدعم وتحرير التجارة الخارجية, وانتهاج آلية السوق الحر ومنح القطاع الخاص دورا رئيسيا في النشاط الاقتصادي. كما شرعت في الاعداد المتوازي لبرنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري مع الخطة الخمسية الاولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى ارتكزت على ثلاثة محاور اساسية تتمثل بتصحيح الاختلالات الاقتصادية والمالية القائمة وتحقيق زيادات هامة في النمو الاقتصادي والانتفاع من المزايا النسبية للموارد البشرية والاقتصادية المتوفرة. وبالرغم من الصعوبات التي واجهت الاصلاحات في مراحلها الاولى, الا ان هذه الاجراءات أدت الى تحسن في الأداء الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو جيدة, حيث تم القضاء على الاختلالات المالية والنقدية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الناتج المحلي الاجمالي نموا بلغ 5ر5 بالمائة في المتوسط في ظل تراجع النمو السكاني من 7ر3 بالمائة إلى 5 ر3 بالمائة.. كما اسهمت القطاعات الاقتصادية الانتاجية السلعية والخدمية خلال الفترة 1995-2000م بدور رئيسي في تحقيق النمو بنسبة 6ر5 بالمائة للقطاعات السلعية و3ر6 بالمائة للقطاعات الخدمية وخفض الطلب المحلي الكلي الى الناتج المحلي الاجمالي من 120إلى 91 بالمائة, وهو ما ادى الى تحسن ملحوظ في ميزان الاقتصاد الكلي . وخلال نفس الفترة تميزت السياسة النقدية بالانكماش لتقليص النفقات الجارية والتدرج في رفع الدعم عن السلع الاساسية وصولا الى إلغائه في عام 99م ,مما ساعد على انخفاض عجز الموازنة إلى 1ر0 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 1996م, وارتفع الى 7ر6 بالمائة عام 1998م بسبب تراجع عائدات اليمن من الصادرات النفطية نتيجة هبوط اسعار النفط في الاسواق العالمية, ليتحول في العام 2000م الى فائض بلغ 4ر6 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. كما اثمرت السياسة النقدية التي انتهجتها الدولة عن تحقيق الاستقرار للريال مقابل العملات الاجنبية, وارتفاع الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني من حوالي 300 مليون دولار الى 6ر3مليارات دولار, وتحول العجز في الميزان التجاري الى فائض بنهاية عام 2000م وصل الى مليار و312 مليون دولار, فضلا عن الغاء 67 بالمائة من المديونية الخارجية, لتنخفض من 9ر9مليار دولار في عام 1995 تشكل 176 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي الى 5 مليارات دولار عام 2000م تشكل 60 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي . وبالرغم من تأثر الاقتصاد اليمني بالتطورات العالمية والاقليمية والمحلية خلال الفترة من 2001 2004م والمتمثلة باحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وغزو العراق , الا ان مؤشرات الاقتصاد نمت خلال نفس الفترة بمتوسط 2ر4 بالمائة في الناتج المحلي , وبمتوسط 9ر4 بالمائة في القطاعات غير النفطية. كما تمكنت الحكومة خلال هذه الفترة من تحقيق فائض في الموازنة بلغ 4ر2 بالمائة عام 2001م, ومن ثم السيطرة على العجز عند الحدود الآمنة خلال الاعوام التالية, وبحيث لايتعدى 3 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. واثمرت السياسة النقدية من تقييد نمو العرض النقدي عند 16 بالمائة في عام 2004م, والتضخم عند 10 بالمائة , وانخفاض نسبة النقد المتداول خارج البنوك من 37 بالمائة عام 2001 الى 32 بالمائة عام 2004, وارتفاع الاحتياطات الخارجية من النقد الاجنبي الى 7ر5 مليار دولار بنهاية عام 2004 لتغطي نحو 17 شهرا من الواردات . فيما تأرجح فائض الموازين الكلية الخارجية خلال الفترة صعودا وهبوطا وفقا لتقلبات اسعار النفط في الاسواق الدولية ,حيث حافظ الميزان التجاري على فائض تراوح ما بين 5ر766 مليون دولار و 8ر936 مليون دولار خلال عامي 2001 و2004 , والميزان الكلي للمدفوعات ما بين 2ر653 مليون دولار و 3ر532 مليون دولار, فضلا عن انخفاض الدين الخارجي الى 42 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي بنهاية 2004. كما ساهم القطاع الخاص خلال نفس الفترة بدور هام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التنوع والتوسع في الأنشطة الصناعية والزراعية والسمكية والخدمات , أثمرت عن زيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بمعدل يتراوح بين 7980 بالمائة . والى جانب ذلك شهد الأداء الاقتصادي خلال العام الماضي 2005م تحسنا ملحوظا, حيث سجل معدل نمو حقيقي بلغ 6ر4بالمئة مقارنة ب 87ر3 بالمئة عام 2004م ، ليرتفع بذلك قيمة الناتج المحلي الاجمالي بالاسعار الجارية الى 3033 مليار ريال عام 2005م (ما يعادل 7ر15 مليار دولار) مقابل 2552 مليار ريال (8ر13 مليار دولار) عام 2004م . سبأنت