مر الاقتصاد اليمني خلال الخمسة عشر عاما الماضية بعدد من الأزمات والتحولات بسبب الظروف المحلية والاقليمية والدولية وأيضا السياسات والبرامج التّنمويّة والاقتصاديّة والسّياسيّة التى اتخذتها الدولة لمواجهة تلك ألازمات. ويمكن القول ان الاقتصاد اليمني مر بثلاث مراحل: الأولى خلال الفترة من1990 1994 واتصفت بتراجع مستوى النشاط الاقتصادي وانخفاض النمو بسبب تفاقم الاختلالات المالية والنقدية نتيجة المماحكات السياسية التى قادت إلى حرب صيف 1994 بالإضافة إلى حرب الخليج الثانية وما ترتب عليها من توقف للمساعدات الخارجية التي كان يعتمد عليها الاقتصاد الوطني وعودة ما يربو على مليون مغترب من دول الخليج العربي وانخفاض التحويلات التي ساعدت في تلك الآونة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وإحداث انتعاش للنشاط التجاري. واتسمت المرحلة الثانية 1995 2000 بتحسن الأداء الاقتصادي وتحقيق معدلات نمو جيدة بفضل تنفيذ الحكومة حزمة السياسات الإصلاحية في إطار برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي والإداري ومنها تحرير سعر الصرف والتدرج في رفع الدعم وتحرير التجارة الخارجية,وانتهاج آلية السوق الحر ومنح القطاع الخاص دورا رئيسيا في النشاط الاقتصادي.. فيما كزت المرحلة الثالثة 2001 2005 على التخفيف من الفقر والحد من البطالة واصلاح الادارة والتوجه نحو اللامركزية المالية والإدارية والالتزام بالشفافية ومكافحة الفساد. *الناتج المحلي الإجمالي عاني الاقتصاد اليمني خلال المرحلة الاولى من تقلبات حادة اتسمت بعدم الاستقرار بسبب الاختلالات الاقتصادية الداخلية والخارجية . ورغم نمو الناتج المحلي الاجمالي بمعدلات حقيقية بلغت في المتوسط 1ر4 في المائة خلال تلك الفترة ,إلا ان هذا النمو لم يكن متولدا من القطاعات الاقتصادية الانتاجية بل كان نتيجة زيادة الانتاج النفطي والإنفاق الحكومي لمواجهة ترتيب البناء المؤسسي لدولة الوحدة ,وحقق الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي معدلات نمو سالبة في عام 1994 بلغت 5ر0 بالمائة . وشهد الانفاق العام خلال هذه الفترة نموا كبيرا تجاوز نمو الايرادات العامة ,مما ادى الى تنامي عجز الموازنة العامة ليصل إلى نحو 9ر14 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي بنهاية عام 1994م, وبالتالي اعتماد السياسة النقدية في تمويل عجز الموازنة على الاصدار النقدي الذي قاد بدوره الى ارتفاع العرض النقدي الى 6ر31 في المائة والتضخم الى 4ر49في المائة في العام نفسه. كما انعكست الاجراءات النقدية التوسعية على انخفاض القوة الشرائية للعملة المحلية واضطراب سعر الصرف الذي تجاوز حاجز 165ريال للدولار في عام 1995 فضلا عن المضاربة في العملة والعقارات الذي ادى الى تدهور احتياطي البنك المركزي من النقد الاجنبي الى 300 مليون دولار .. ولم يقتصر الامرعند ذلك الحد بل ارتفعت المديونية الخارجية من 2ر8مليار دولار في عام 1990الى 9ر9مليار في عام 1995 بمتوسط نمو 4 بالمائة ,وقفزت نسبتها من 114في المائة الى 176في المائة من الناتج المحلي الإجمالي , فيما تضاعفت اعباؤها من 30في المائة من اجمالي عائدات الصادرات غير النفطية الى 7ر73 بالمائة خلال نفس الفترة , وبالتالي اصبحت الحكومة عاجزة عن سداد ديونها, حيث بلغت الفوائد غير المسددة 4ر241 بالمائة من اجمالي الفوائد المستحقة في عام 1995. وعلاوة على ذلك شهدت هذه الفترة اختلالات اقتصادية في الموازين الكلية الخارجية إذ تزايد عجز الميزان الكلي للمدفوعات الى 7ر709 مليون دولار في عام 1994 نتيجة الانخفاض الحاد في تحويلات المغتربين وتوقف المساعدات والتحويلات الخارجية وارتفاع حجم الاعباء على القروض الخارجية وتصاعد قيمة الواردات. لعل ما يميز الاقتصاد اليمني انه مر بظروف تحول معقدة ناشئة من الجمع بين ضرورات الإصلاح الاقتصادي في إطار حرية السوق ، وبين الحاجة الى استمرار دور الدولة الاقتصادي في تأمين متطلبات هياكل البنى الأساسية للتنمية الشاملة،ولكي تنجح الجهود التخطيطية الحكومية في تحقيق الغايات والسياسات كان لابد من الشروع في الاعداد المتوازي لبرنامج الاصلاح الاقتصادي والمالي والاداري مع الخطة الخمسية الاولى للتنمية الاقتصادية والاجتماعية التى ارتكزت على ثلاثة محاور اساسية تتمثل في تصحيح الاختلالات الاقتصادية والمالية القائمة وتحقيق زيادات هامة في النمو الاقتصادي والانتفاع من المزايا النسبية للموارد البشرية والاقتصادية المتوفرة. وساعد التنفيذ المتزامن للبرنامج والخطة على تحقيق تحسن ملحوظ في اداء الاقتصاد الوطني خلال تلك الفترة , وتم القضاء على الاختلالات المالية والنقدية وتحقيق الاستقرار وزيادة النمو الاقتصادي,حيث حقق الناتج المحلي الاجمالي نموا بلغ 5ر5بالمائة في المتوسط في ظل تراجع النمو السكاني من 7ر3 في المائة إلى 5ر3في المائة.. كما اسهمت القطاعات الاقتصادية الانتاجية السلعية والخدمية خلال نفس الفترة بدور رئيسي في تحقيق النمو بنسبة 6ر5في المائة للقطاعات السلعية و3ر6في المائة للقطاعات الخدمية وخفض الطلب المحلي الكلي الى الناتج المحلي الاجمالي من 120إلى 91بالمائة, وهو ما ادى الى تحسن ملحوظ في ميزان الاقتصاد الكلي . وخلال نفس الفترة تميزت السياسة النقدية بالانكماش لتقليص النفقات الجارية والتدرج في رفع الدعم عن السلع الاساسية وصولا الى الغائه في عام 99م ,مما ساعد على انخفاض عجز الموازنة إلى 1ر0 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي في عام 1996م, وارتفع الى 7ر6 بالمائة عام 1998م بسبب تراجع عائدات اليمن من الصادرات النفطية نتيجة هبوط اسعار النفط في الاسواق العاملية, ليتحول في العام 2000م الى فائض بلغ 4ر6 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. كما اثمرت السياسة النقدية التي انتهجتها الدولة عن تحقيق الاستقرار للريال مقابل العملات الاجنبية, وارتفاع الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني من حوالي 300 مليون دولار الى 6ر3مليارات دولار, وتحول العجز في الميزان التجاري الى فائض بنهاية عام 2000م وصل الى مليار و312 مليون دولار, الى جانب الغاء 67 في المائة من المديونية الخارجية, لتنخفض من 9ر9مليار دولار في عام 1995 تشكل 176 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي الى 5 مليارات دولار عام 2000م تشكل 60 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي . * المرحلة الثالثة20012005 تأثر الاقتصاد اليمني خلال هذه المرحلة بالتطورات العالمية والاقليمية والمحلية والمتمثلة في احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وغزو العراق ,وعكست هذه العوامل نفسها على مؤشرات الاداء الاقتصادي ,إذ نما الناتج المحلي الاجمالي خلال الفترة 20012004 بمتوسط 2ر4 بالمائة وبلغ متوسط معدلات النمو في القطاعات غير النفطية 9ر4 بالمائة.. وتمكنت الحكومة خلال هذه الفترة من تحقيق فائض في الموازنة بلغ 4ر2 بالمائة عام 2001م, ومن ثم السيطرة على العجز عند الحدود الآمنة خلال الاعوام التالية, وبحيث لايتعدى 3 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي. كما تمكنت السياسة النقدية من تقييد نمو العرض النقدي عند 16 بالمائة في عام 2004م, والتضخم عند 10 بالمائة , وانخفاض نسبة النقد المتداول خارج البنوك من 37 بالمائة عام 2001 الى 32 بالمائة عام 2004, وارتفاع الاحتياطات الخارجية من النقد الاجنبي الى 7ر5 مليار دولار بنهاية عام 2004 لتغطي نحو 17 شهرا من الواردات . فيما تأرجح فائض الموازين الكلية الخارجية خلال الفترة صعودا وهبوطا وفقا لتقلبات اسعار النفط في الاسواق الدولية ,حيث حافظ الميزان التجاري على فائض تراوح ما بين 5ر766 مليون دولار و 8ر936 مليون دولار خلال عامي 2001 و2004 , والميزان الكلي للمدفوعات ما بين 2ر653 مليون دولار و 3ر532 مليون دولار, فضلا عن انخفاض الدين الخارجي الى 42 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي بنهاية 2004. كما ساهم القطاع الخاص خلال نفس الفترة بدور هام في التنمية الاقتصادية والاجتماعية من خلال التنوع والتوسع في الانشطة الصناعية والزراعية والسمكية والخدمات , أثمرت عن زيادة مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي بمعدل يتراوح بين 7980 بالمائة .