مفاجأة وشفافية..!    تحرك نوعي ومنهجية جديدة لخارطة طريق السلام في اليمن    الدوري الايطالي ... ميلان يتخطى كالياري    "هذا الشعب بلا تربية وبلا أخلاق".. تعميم حوثي صادم يغضب الشيخ "ابوراس" وهكذا كان رده    فوضى عارمة في إب: اشتباكات حوثية تُخلف دماراً وضحايا    شاهد.. شخص يشعل النار في سيارة جيب "جي كلاس" يتجاوز سعرها مليون ريال سعودي    القوات الجنوبية تصد هجوم حوثي في جبهة حريب وسقوط شهيدين(صور)    عاصفة مدريدية تُطيح بغرناطة وتُظهر علو كعب "الملكي".    الدوري المصري: الاهلي يقلب الطاولة على بلدية المحلة    الحوثيون يطورون أسلوبًا جديدًا للحرب: القمامة بدلاً من الرصاص!    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بعد فوزها على مقاتلة مصرية .. السعودية هتان السيف تدخل تاريخ رياضة الفنون القتالية المختلطة    بلباو يخطف تعادلًا قاتلًا من اوساسونا    نهاية الحوثيين : 4 محافظات تُعلن تمردها بكمائن قبلية ومواجهات طاحنة !    كوابيس أخته الصغيرة كشفت جريمته بالضالع ...رجل يعدم إبنه فوق قبر والدته بعد قيام الأخير بقتلها (صورة)    إطلاق سراح عشرات الصيادين اليمنيين كانوا معتقلين في إريتريا    أطفال غزة يتساءلون: ألا نستحق العيش بسلام؟    الاحتجاجات تتواصل في الحديدة: سائقي النقل الثقيل يواجهون احتكار الحوثيين وفسادهم    شاهد:ناشئ يمني يصبح نجمًا على وسائل التواصل الاجتماعي بفضل صداقته مع عائلة رونالدو    مصر تحمل إسرائيل مسؤولية تدهور الأوضاع في غزة وتلوح بإلغاء اتفاقية السلام    احتكار وعبث حوثي بعمليات النقل البري في اليمن    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    المبيدات في اليمن.. سموم تفتك بالبشر والكائنات وتدمر البيئة مميز    السلطة المحلية بمارب: جميع الطرقات من جانبنا مفتوحة    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    سلطة صنعاء ترد بالصمت على طلب النائب حاشد بالسفر لغرض العلاج    توقعات بارتفاع اسعار البن بنسبة 25٪ في الاسواق العالمية    مقتل شاب برصاص عصابة مسلحة شمالي تعز    اختتام دورة مدربي لعبة الجودو للمستوى الاول بعدن    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل الأمني بمحافظة أبين    في لعبة كرة اليد: نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    بسمة ربانية تغادرنا    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تونس تحتفل يوم غد بالذكرى ال49 للاستقلال وبمسيرة حافلة من الانجازات حققت قفزات تطورية هائلة في شتى المجالات
نشر في سبأنت يوم 19 - 03 - 2005

تحتفل تونس يوم غد الأحد بالعيد الوطني ال49 لذكرى استقلالها من الإحتلال الفرنسي بعد نضال طويل ومرير من اجل الحرية ونجحت حركة المقاومة في تونس من استرجاع حرية بلادها وكرامتها فحصلت على استقلالها في 20 مارس 1956 م .
وكانت تونس بموقعها ومواردها الطبيعية والبشرية تمثل فريسة عظيمة تثير لعاب الدول الاستعمارية الكبرى كإنجلترا وفرنسا وإيطاليا، وكانت فرنسا أكثرهم لهفة على افتراس هذه الدولة الصغيرة وأشدهم رغبة في التهامها في أقرب فرصة، فلما وقعت الجزائر في قبضتها سنة 1830م اشتعلت رغبتها في السيطرة على تونس وتأمين حدود ممتلكاتها الاستعمارية في شمال إفريقيا ومنع الدول الأوروبية المنافسة من السيطرة عليها .
وانتهزت الحكومة الفرنسية بعض الحوادث البسيطة على الحدود الجزائرية التونسية لتنفيذ مخططها لغزو تونس حيث حدث أن عبرت قبيلة "بنو خمير" التونسية الحدود الفاصلة بين تونس والجزائر واقترفت بعض أعمال السرقة والنهب المعتادة بين القبائل في تلك المنطقة، فقام القنصل الفرنسي في تونس بإبلاغ الباي محمد الصادق بأن الجنود الفرنسيين سيعبرون الحدود إلى بلاده لتأديب هذه القبائل، وطلب منه أن يعاون الحملة الفرنسية على أداء واجبها، وإقرار الأمن والسلام على الحدود، لكن الباي رفض هذا الطلب، وحاول من جانبه أن يتدخل لتأديب القبيلة المعتدية، لكن هذا لم يكن كافيا لمنع فرنسا من عملية الغزو التي استعدت لها.
في ذلك الوقت كانت القوات الفرنسية على الحدود تنتظر الإشارة للعبورإلى تونس فلما جاءتها الأوامر بالتحرك، اجتازت الحدود في 24 من إبريل 1881م دون مقاومة تذكر , ولم يكن في حساب الباي أن يبدي مقاومة أمام جحافل الفرنسيين، فاحتلت القوات الفرنسية "الكاف" و"طبرقة"، وفي الوقت نفسه أنزلت فرنسا بعض قواتها التي أبحرت من ميناء طولون في بنزرت، وبعد احتلالها تقدمت القوات الفرنسية صوب العاصمة، وعسكرت على مقربة منها في 12 من مايو 1881م .
وكان الباي في أثناء ذلك يرفض فكرة الحماية على بلاده، أملا في أن تتدخل الدول الأوروبية إلى جانبه أو أن يرسل السلطان العثماني أسطوله إلى تونس، لكن ذلك لم يحدث.
وفي اليوم نفسه الذي عسكرت فيه القوات الفرنسية قدم القنصل العام الفرنسي إلى الباي نسخة من المعاهدة المطلوب التوقيع عليها، وأعطى الباي مهلة حتى الساعة التاسعة مساء لقبول هذه المعاهدة أو رفضها.
واجتمع الباي بكبار رجال دولته، وعرض عليهم الأمر، وكان الحاضرون يميلون إلى الرفض وإعلان المقاومة والجهاد وتعبئة الأمة لذلك، لكن ذلك لم يجد آذانا صاغية، أمام تهديد الفرنسيين بخلع الباي محمد الصادق عن العرش وتنصيب أخيه "الطيب باي" مكانه إذا رفض التوقيع على المعاهدة، وكان ممثلو الاحتلال الفرنسي ينتظرون في غرفة مجاورة للحجرة التي اجتمع فيها السلطان برجاله، وبعد ساعتين من الاجتماع خرج باي تونس حاملا نسختي المعاهدة وقد وقع عليهما، وبذلك انتهى الاستقلال الفعلي لتونس، بعد توقيع المعاهدة التي عرفت بمعاهدة "باردو" وتضمنت هذه المعاهدة تقييد سلطة الباي ووضعه تحت حماية فرنسا، وسلبت تونس كل مقومات الدولة المستقلة .
لم يرضخ الشعب التونسي لاحتلال فرنسا لبلاده تحت عنوان "براق" وهو إعلان الحماية واشتعلت الثورة في معظم أنحاء تونس وعجزت فرنسا عن وقف العمليات الحربية في تونس، واتضح أن القبائل التي تسكن شرقي تونس وجنوبها أظهرت رفضها وعداءها للطريقة التي خضع بها الباي لطلبات الفرنسيين، وعلت الأصوات داعية إلى الجهاد والبذل والعطاء، وفي الوقت نفسه اتصلت رسل السلطان العثماني بالمجاهدين تعلن رفض السلطان للمعاهدة ووقوفه إلى جانب الشعب، وتمكن الثوار من قطع المواصلات، وفرت معظم جنود الباي إلى الثائرين، وأعلن المسلمون الجهاد ضد الفرنسيين.
فوجدت فرنسا نفسها تعاني مشكلة كبيرة في السيطرة على البلاد وتطلب تعاون الأسطول الفرنسي مع الجيش وحشد قوات جديدة بلغت خمسا وأربعين ألف جندي لمنع المقاومة .
و تزعم حركة المقاومة في قابس "علي بن خليفة"، إلى جانب كثيرين قادوا الثورة في صفاقس والقيروان، وكان الأولى أن تنتظم هذه الجهود تحت لواء واحد، وقد حاول علي بن خليفة أن يوحد القيادة في شخصه، واجتمع لهذا الغرض مع مجاهدي صفاقس والقيروان، لكن جهوده لم تكلل بالنجاح بعد أن أصر زعيم كل منطقة أن يتولى الأمر بنفسه، فاستطاعت فرنسا أن توقع
بهم واحدا بعد الآخر.
وكان من جراء ذلك أن سقطت قابس في أيدي المحتلين الفرنسيين بعد مقاومة شديدة، لكن المجاهدين كان يعوزهم الأسلحة الحديثة، ولم تستطع أسلحتهم القديمة أن تحقق النصر أمام قوات مدربة تمتلك القوة والتخطيط الحديث، ونجح الفرنسيون في احتلال المدينة القديمة ذات التاريخ العتيق في 28 من شعبان 1298ه.
وانسحب علي بن خليفة، وظل يقاوم قوات الاحتلال مدة تقرب من أربع سنوات،حتى أنهكت قواه، واضطر للجوء إلى طرابلس مع عدد كبير من أتباعه، في الوقت الذي قضت فيه القوات الفرنسية على المقاومة في صفاقس والقيروان.
واشتدت فرنسا في القضاء على حركة المقاومة التونسية حتى ضعفت حركة الجهاد، وبدأت حركة استيطان فرنسية في تونس، وتمتع هؤلاء المستوطنون الفرنسيون بالنصيب الوافر من ثروات البلاد وخيراتها .
كل تلك الاحداث ادت الى تأسيس حزب تونس الفتاة سنة 1908م وبرزت شخصية عبد العزيز الثعالبي على الساحة السياسية الوطنية، غير أن الفرنسيين حلوا هذا الحزب 1911م وألقوا القبض على قادته.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أطلقت بعض الحريات بعدما وقف ثمانون ألف مقاتل تونسي بجانب فرنسا في حربها، وانطلق وفد تونسي برئاسة الثعالبي إلى باريس لعرض قضية بلاده على مؤتمر الصلح، إلا أن الحلفاء المنتصرين لم يستمعوا إلى آمال الشعوب المستعمرة، فاتجه الثعالبي إلى الرأي العام العالمي، وأصدر كتاب "تونس الشهيدة"، منددًا فيه بالاستعمار الفرنسي، وقرأ التونسيون هذا الكتاب، والتقوا جميعًا على فكرة المطالبة بالدستور، وتقدموا بطلبهم إلى الباي الذي وعدهم بإجابة مطالبهم، وإزاء هذا الوعد تكون الحزب الحر الدستوري.
ونشأ الحزب الدستوري مطالبًا بمنح تونس نظامًا دستوريًا، وعارض الثعالبي خطة الحزب وهدفه؛ لأنه كان يتمسك بفكرة الاستقلال التام، إلا أنه اعتبر هدف الحزب خطوة أولى نحو هذا الاستقلال، وعلى هذا الأساس تعاون معهم، بل ترأس هذا الحزب مدة من الزمن، وكانت عواطفه نحو الاستقلال التام سببًا دائمًا في المشكلات بينه وبين بعض أعضاء الحزب من الشباب، الذين تربوا في المدارس الفرنسية، ويرون البدء بالإصلاحات الداخلية، ومنها إنشاء مجلس تشريعي يشترك فيه الأوروبيون والتونسيون، وقيام حكومة مسؤولة أمام المجلس التشريعي؛ فاضطر الثعالبي إلى العمل بصفته الشخصية، وسافر إلى باريس غير أنه اعتُقل بتهمة التآمر على سلامة الدولة الفرنسية، ثم أُفرج عنه .
وقد أظهر الباي محمد الناصر تعاطفه مع الحزب، وخشيت فرنسا من التقارب بين الناصر والثعالبي، خاصة بعد المظاهرات التي خرجت يوم وصول رئيس الجمهورية الفرنسية "ألكسندر ميلران" إلى تونس الذي صرح بأن "تونس" ستظل مرتبطة بفرنسا إلى الأبد؛ فشَنَّ الدستوريون والباي حملة عنيفة على هذا التصريح، وهدد الباي بالتنازل عن العرش إذا رفضت طلباته الإصلاحية، فعمَّت المظاهرات العاصمة، إلا أن موت الباي المفاجئ والمُريب جعل أزمة العرش مع فرنسا تمر دون شيء؛ إذ تولى الحكم أحد البايات الموالين لفرنسا، وهو محمد حبيب سنة 1922م.
وسافر وفد تونسي إلى باريس لعرض مطالبه، لكن الأبواب سُدَّت في وجهه؛ فالتونسيون كانوا يتقدمون بمطالب متواضعة؛ ظنًا منهم أنهم سيحصلون عليها، إلا أن الواقع كان يشهد بأن فرنسا لم تكن تستمع لهم، فكانوا يطالبون بأن يتساووا مع المستعمرين الفرنسيين، وأن يشاركوا في الحكم، على خلاف ما كان يطالب به الثعالبي؛ وهو الاستقلال.
وعندما تولى لوسيان منصب المقيم العام الفرنسي في تونس وافق على بعض مطالب أعيان تونس فألغى حالة الطوارئ، وسمح لأكثر من عشرين صحيفة بالصدور، وشهر الحزب الدستوري برئاسة الثعالبي، وبدأت فرنسا في إحداث تغييرات إدارية في تونس، ومنها إنشاء المجلس الكبير الذي يُمثَّل فيه الفرنسيون بضعف عدد الأعضاء التونسيين، والقوانين الجديدة في الجنسية؛ حيث فتح باب التجنس بالجنسية للمواطنين التونسيين، وهو قانون انتفع به اليهود، ولم يقبل الحزب الدستوري هذه الإصلاحات المبتورة، وقاوم المسلمون هذه الإصلاحات الشكلية اجتماعيًا وعقائديًا؛ فقاطعوا كل مسلم طلب الجنسية الفرنسية، لذا لم يزد من قبلوا التجنس بالفرنسية عن ألفيْ شخص.
فبدأ لوسيان في محاربة الوطنيين، وأصاب الركود الحزب الدستوري لمدة امتدت تسع سنوات، والتجأ رئيسه الثعالبي إلى الخارج، إلا أن الحياة عادت إلى هذا الحزب بسبب بعض رعونة التصرفات الفرنسية؛ حيث أقيم تمثال عام 1925م في العاصمة التونسية ل"أسقف لافجري" المبشر الشهير، كذلك تم تخصيص حوالي مليوني جنيه من الميزانية التونسية لمجمع كنسي
وصفه أحد الأساقفة بأنه سيكون مظهرًا للصليبية الجديدة المسالمة.
أدت هذه الأحداث إلى تاسيس اتحاد الشباب التونسي المثقف معًا، وإعادة إصدار جريدة "صوت التونسي"، وجريدة "صوت العمل"، وبرزت في تلك الفترة شخصية الشاب "الحبيب بورقيبة"، صاحب الاتجاه الجديد المطالب بالإصلاحات الداخلية؛ مثل فصل السلطات، وإقامة مجلس نيابي، وظهر هذا الاتجاه جليًا في مؤتمر الحزب الدستوري سنة 1933م، وكانت تلك بداية الانقسام في الحزب الدستوري، وتأسيس حزب جديد يحمل اسم "الحزب الدستوري الجديد"
برئاسة محمد الماطري، والحبيب بورقيبة سنة 1934م، ونجحت فرنسا في إثارة الفرقة بين الدستوريين القدامى والجدد.
وقد اقترنت فكرة التحرير السياسي عند بورقيبة وحزبه الجديد بفكرة التقدم الاجتماعي؛ لذلك كان مستعدًا لإدماج الفرنسيين والتونسيين في بيئة ديمقراطية واحدة، وإمكان التعاون مع فرنسا، بل إنه ذهب إلى القول بأن وضع تونس الجغرافي يحتم عليها التعاون مع فرنسا.
واتجه الحزب الجديد إلى الطبقة العاملة، وأصبحت الحركة النقابية العمالية جزءًا من تاريخه؛ فاعتقلت فرنسا بعض قياداته لمدة عام ونصف، ثم أطلقت سراحهم، وسُمح للحبيب بورقيبة بالسفر إلى باريس للتفاوض؛ حيث اقترح الفرنسيون فكرة السيادة المزدوجة، وهذا المبدأ يجعل للمستوطنين الفرنسيين حقًا ثابتًا في الاشتراك في إدارة البلاد.
وقد تزامن في ذلك الوقت عودة الثعالبي إلى تونس 1937م وإضراب العمال التونسيين، فأحس شبان الحزب الدستوري الجديد بأن زعامتهم مهددة، فعمدوا إلى تغيير سياسة الحزب، وأيدوا الإضرابات العمالية، وسعوا لقيادتها، وبدأت تتأكد زعامة بورقيبة بعدما اعتُقل مع ثلاثة آلاف شاب من الحزب، وصدر مرسوم بحله وحظر نشاطه؛ بسبب اشتعال الحرب العالمية الثانية.
وجاءت الحرب العالمية الثانية لتكون تونس فيها مسرحًا للعمليات الحربية بين المحور والحلفاء لمدة سبعة أشهر، وعاشت فترة في ظلال السيطرة الألمانية، وتولى الباي محمد المنصف الحكم في تونس في منتصف 1942م، وتلقى الباي عرضا من الألمان بالتعاون معهم نظير إسقاط الحماية، وعرض عليه الحلفاء الانضمام إليهم، إلا أن الباي رأى الاستفادة من تلك المساومات المؤقتة لتقوية مركزه؛ فاختار حكومة وطنية دون استشارة المقيم الفرنسي، وأشرك الحزبين الدستوري والجديد فيها، فعزل الفرنسيون الباي بعد القبض عليه، ثم أُلقي القبض على
بورقيبة، إلا أنه استطاع الفرار من معتقله والسفر إلى القاهرة على أمل أن تعاونه الدول العربية في تحرير بلاده.
وانضم بورقيبة في القاهرة إلى لجنة "المغرب العربي"، التي يرأسها المجاهد الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي، وأحدث ذلك تحولا هاما في اتجاه الحزب الدستوري الجديد نحو التضامن العربي.
أما في تونس فتولى قيادة الحزب نيابة عن بورقيبة "صالح بن يوسف" الذي عقد مؤتمرا سنة 1946م أصدر ميثاقًا وطنيًا أعلن فيه سقوط نظام الحماية، وأكد صفة تونس العربية؛ فهاجمت فرنسا المؤتمر، وقبضت على زعمائه، ونكلت بالوطنيين. أما الفترة التي قضاها "بورقيبة" في القاهرة، فقد كانت الجامعة العربية والعرب مشغولين بقضية فلسطين، ولم يجد اهتماما بقضية تونس، فاتجه إلى فرنسا، وأجرى محادثات غير رسمية مع الفرنسيين، وأظهر استعدادًا لعقد معاهدة مع فرنسا تضمن لها امتيازات إستراتيجية واقتصادية في تونس، إلا أن باريس رفضت مفاوضته على أساس عدم اعترافها بشرعية الحزب الدستوري الجديد.
عندها ادركت فرنسا ضرورة الإسراع في الاتفاق مع بورقيبة، والتخلص من الشروط القاسية في الاتفاقيات السابقة، وذلك عندما رأت أعلان روبير شومان –وزير الخارجية الفرنسية- أن فرنسا تسعى إلى تحقيق الاستقلال الداخلي لكل الدول التي تؤلف الاتحاد الفرنسي، فأعلن بورقيبة موافقته على هذا التصريح، وشكلت في تونس وزارة لمفاوضة فرنسا، إلا أن المستوطنين الفرنسيين رفضوا هذا الاتجاه، ورضخت لهم فرنسا، واستخدمت فرنسا عنفًا شديدًا ضد الوطنيين التونسيين، فعرضت مشكلة تونس على مجلس الأمن الدولي، لكن المجلس أخذ بوجهة نظر فرنسا في عدم اختصاصه بالنظر في المشكلة التونسية، وتعاطف الباي محمد الأمين مع شعبه، وأشركه في الحكم بعدما كوّن مجلسا من 40 شخصًا من أعيان تونس، ورفضت فرنسا ذلك، فنشطت حركة النضال الوطني، وبدأت التجمعات الوطنية تظهر في كثير من الأماكن، وعمّت الاضطرابات البلاد، وبدأ الوطنيون في اغتيال المستوطنين الفرنسيين، ونمت حركة المقاومة المسلحة، وشكل المستوطنون الفرنسيون فرقا انتقامية.
ووقف الباي بجانب الحركة الوطنية، فبدأت فرنسا في اتباع سياسة مرنة، عندما بدأت حركة المقاومة تؤتي ثمارها، وتزامن ذلك مع هزيمة فرنسا الشنيعة في الهند الصينية سنة 1954م؛ لذلك بدأت في التفاوض، واشترطت وقف المقاومة، فوافق بورقيبة على وقف الكفاح المسلح، وسلم ثلاثة آلاف مقاتل أسلحتهم، ورغم ذلك توقفت المفاوضات بسبب سقوط الحكومة الفرنسية، ثم عادت مع حكومة "إدجار فور فيفري" الذي التقى ببورقيبة في باريس في أبريل 1955م، وانتهى اللقاء بالتفاهم على إصدار تصريح مشترك يقيد كلا الطرفين بحل وسط، وانتهى الأمر بتوقيع اتفاقيات في 1 يونيو 1955م حصلت فيها تونس على صلاحيات السيادة الداخلية، وإقامة علاقات اقتصادية بين البلدين، وضمت حقوق الفرنسيين المكتسبة أثناء الحماية مع احتفاظ فرنسا بشؤون الخارجية والدفاع.
كانت هذه الاتفاقيات نجاحًا لفرنسا أكثر منها لتونس، ولا أدل على ذلك من أن بورقيبة نفسه رأى فيها مجرد مرحلة نحو الاستقلال؛ لذلك عارضها صالح بن يوسف الأمين العام للحزب، واتهم بورقيبة بالخيانة، ودعا إلى مواصلة الكفاح، واستعادت بعض مجموعات ازدياد نفوذ وأنصار صالح بن يوسف في انتخابات الجمعية التأسيسية التي ستضع دستورا للبلاد، ومعنى ذلك هو زوال نفوذ فرنسا من تونس، يضاف إلى ذلك تطور الثورة الجزائرية وازدياد وطأتها على الجيش الفرنسي.
وسعى بورقيبة أيضا لقطع الطريق على "ابن يوسف"، فسافر إلى باريس، والتقى مع رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة "جي موليه" واتفقا على منح تونس الاستقلال من حيث المبدأ، وأعلن في 20 مارس 1956م أن تونس دولة مستقلة ذات سيادة تتولى شئون الدفاع والخارجية بنفسها مع الاحتفاظ ببعض الامتيازات لفرنسا.
وعاد بورقيبة إلى تونس، فاستقالت وزارة الطاهر بن عمار، وعهد إلى بورقيبة بتشكيل وزارة جديدة تبدأ بالبناء على أساس أن البلاد قد حصلت على الاستقلال، وتشكلت الوزارة الجديد برئاساته، فتخلص من خصومه السياسيين، ثم أعلن في 25 يوليو 1957م إلغاء منصب الباي ، وأعلن الجمهورية، وتسلم رئاستها، وبدأت مرحلة جديدة في حياة تونس .
وتعيش الجمهورية التونسية الأن حالة من الإستقرار في شتى المجالات وحققت قفزات تطورية هائلة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية والثقافية وغيرها، كانت نتاجا لتأكيد التونسيين على جدارتهم بحياة كريمة ودولة عصرية يحترم فيها الفرد وتصان حقوقه ويمتلك مصيره وتنمو فيها طموحاته.
وتشير الاحصائيات الاقتصادية الى ان الاقتصاد التونسي خلال عشرين سنة مضت، حقق نموا سنويا يتجاوز/5 / في المائة، وارتفعت الاستثمارات الخارجية المتدفقة الى تونس من 101 مليون دينار تونسي عام 1987م الى قرابة مليار دينار خلال العام الماضي 2004م.
وقد حققت الاصلاحات التونيسية التى اجرتها الحكومة مؤخرا نتائج ايجابية ابرزت القدرة التى اكتسبها المجال الاقتصادي على احتواء عوامل الانعكسات الخارجية والتعامل مع التقلبات الظرفية حيث حقق معدل نمو قدره 7ر3 بالمائة خلال الفترة 2002 /2004م، وتحسين مستوى دخل الفرد ليبلغ 3553 دينارا تونسيا عام 2004م.
وكان وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي محمد النوري الجويني قد أعلن في أغسطس من العام الماضي ان بلاده تمكنت خلال العامين الماضيين من استقطاب استثمارات بقيمة مليار و980 مليون دينار تونسي ، وكان لاتفاق الشراكة بين تونس والاتحاد الاوروبي لتسويق السلع التونسية في السوق الاوروبية التي يزيد مستهلكيها على 350 مليون مستهلك من ذوي الدخل المرتفع أثر طيب على استقطاب الاستثمار الخارجي في تونس.
وبموجب الاحصائيات فان قطاع الصناعات المعملية في تونس بلغت مساهمته 35 في المائة من النمو الاقتصادي التونسي، فيما سجل القطاع السياحي خلال العام الماضي/6 /ملايين سائحا قادما من مختلف الدول والقارات، وزيادة في اقبال السياح غير المقيمين بنسبة 10 في المائة.
واستطاعت تونس من خلال احداث البنك التونسي للتضامن الهادف الى توفير فرص تمويل لاصحاب المبادرات من الحرفيين وحاملي الشهادات في انشاء مشاريع مدرة للدخل من خلال 50 الف فرصة عمل خلال العام الماضي للقضاء على البطالة، كما تم دعم جهود البنك بانشاء صندوق وطني للتشغيل ليكون آلية للتشغيل موجهة الى كل الفئات الاجتماعية وبذلك الحد من البطالة وزيادة دخل الفرد، وتحقيق نمو اقتصادي.
ونتيجة لكل تلك المؤشرات فقد انخفظت نسبة الفقر في تونس الى 4 في المائة من اجمالي نسبة السكان، وحققت في مجال التعليم نسبة تمدرس بلغت 99 في المائة من الاطفال، وارتفعت حصة القطاع الصحي من الناتج القومي من 3ر4 في المائة عام 1987 الى 3ر6 في المائة عام 2003م.
وفي المجال السياسي فقد شهدت تونس منذ العام 1989م إصلاحات سياسية شاملة،وهو العام الذي شهد انطلاقة التنافس السياسي بين الأحزاب التى وصل عددها اليوم إلى ثمانية احزاب، تلى ذلك الانتخابات البرلمانية 1994م التي جرت لأول مرّة على أساس نظام النسبية، الذي مكن أحزاب المعارضة من دخول البرلمان ،ويشغل حاليا 6 أحزاب معارضة 34 مقعدا في البرلمان التونسي.
وتعدى هذا التحول النوعي في الممارسة السياسية التعددية في تونس صعيد الانتخابات البرلمانية ، ليشمل الانتخابات الرئاسية ،بعد إقرارتعدد الترشيح لرئاسة الجمهورية، وهو الأمر الذي تجسد لأول مرة في انتخابات 24 أكتوبر/تشرين أول 1999، بالاضافة الى إجراء استفتاء حول الدستور، وإدخال إصلاحات نوعية على المجلة الانتخابية (القانون الانتخابي)ومجلة الصحافة(قانون الصحافة) وجملة من النصوص الأخرى، ساهمت في وضع أسس بناء مجتمع ديمقراطي تعددي في الجمهورية التونسية.
وفي ثاني انتخابات رئاسية شهدتها تونس في 24 اكتوبر من العام الماضي وسط مراقبة دولية مكثفة لضمان نزاهتها، اسفرت عن فوز الرئيس زين العابدين بن علي مرشح الحزب الحاكم في تونس عن منافسيه الاربعة من احزاب المعارضة.
اما عن العلاقات اليمنية التونسية فيرتبط البلدان بعلاقات متينة وقديمة في مختلف المجالات، تطورت على مدى العقود الماضية، وشهدت قفزات نوعية منذ اعادة تحقيق الوحدة الوطنية في يمننا الحبيب في 22 مايو 1990م.
ووصف السفير التونسي بصنعاء عبدالجليل عزوز العلاقات السياسية بين بلاده واليمن، بأنها ممتازة وتاريخية، لافتا في حديث سابق لوكالة الانباء اليمنية (سبأ) إلى أن 20 بالمائة من التونسيين، من أصول يمنية دخلت تونس خلال الفتوحات الإسلامية الأولى، وتغريبة بني هلال في القرن الحادي عشر، فضلاً عن أنها تستمد تميزها وامتداها من العلاقات الودية الحميمة بين فخامة الاخ الرئيس على عبد الله صالح وفخامة الرئيس زين العابدين بن على, مؤكدا تطابق وجهات النظر اليمنية التونسية إزاء مجمل القضايا والمستجدات الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
ولعل من ابرز مظاهر النمو في العلاقات الثنائية بين تونس واليمن إنتظام انعقاد اللجنة الوزارية المشتركة بالتناوب بين عاصمتي البلدين وعلى اعلى المستويات، حيث ستعقد هذه اللجنة دورتها التاسعة مطلع ابريل القادم بالعاصمة صنعاء، برئاسة وزيري خارجية البلدين الدكتور ابو بكر القربي، والدكتور عبدالباقي الهرماسي، لمناقشة افاق التعاون بين البلدين الشقيقين.
كما سيكون للاسبوع التجاري التونسي المزمع اقامته بصنعاء في سبتمبر القادم اثر ايجابي في تنشيط الجانب التجاري بين اليمن وتونس، وسيفتح افاقا جديدة ورحبة للتبادل التجاري بين البلدين الشقيقين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.