لابد من وقفة تقييمية أمام ما يصاحب العدوان الاسرائيلي على غزة من تصدع فلسطيني، وما يحيط به من مواقف خارجية لا مبالية ومتهادنة مع الممارسات الصهيونية، بغية استخلاص ما يستفاد منها من عبر على صعيد شأننا الوطني. ووقفة مماثلة إزاء تداعيات الوضع اللبناني لا تخلو أيضاً من الاستفادة التي نرمي إليها، وحبذا لو نعمل النظرة التقييمية في كافة الأزمات المشتعلة في مناطق ممتدة على الخارطة العربية والإسلامية ومحيطها من الدول النامية. وندعو إخوتنا في أحزاب المعارضة وتلك المنضوية في إطار المشترك خاصة للانضمام إلى هذه العملية علّ الجميع يصلون إلى موقف مشترك يستوفي شروط الموضوعية ويتمثل واجب المسئولية السيادية، ويبنى على حسابات المصلحة الوطنية في ما يتعلق بالتعامل مع المحيط الخارجي، وفي الصدارة منه مكوناته المتحكمة في القرار الدولي والمصدرة للمشاريع المشعة ببريق الحريات والحقوق الانسانية، والتي تصيب البعض بفقدان المناعة تجاه اختراقاتها. ويتسع المجال في مختلف مناطق الصراع لاستلهام التقديرات التي تواجهنا بحقيقة الانعكاس الخطير والفادح لحالة الشقاق والتصدع على الشأن الوطني، وكيف أن ذلك يثير الشهية العدوانية عليها، ويفتح الثغرات إن لم يمهد الطريق أمام مخططات اقتحام ومصادرة مقدراتها الوطنية وحقوقها السيادية. ولا جديد في الأمر يثير الدهشة وإنما هو ذلك التناغم في السلبية الوطنية تجاهها ما يسترعي الانتباه ويستثير الضمير ويستدعي التنبيه إلى محاذيرها ومخاطرها. ويزيد الطين بلة أن يكون التدافع التبعي للمصدر الخارجي من قوى المعارضة رغم تأكيدات الصمت تجاه حرب الإبادة الاسرائيلية للفلسطينيين أن الشأن العربي بعيد كل البعد عن مجال الهم أو الاهتمام الدولي والعربي خاصة. ولا يتعدى أي ترحيب يبديه تجاه الهرولة إليه كونه عملية توظيف استغلالي للأمر في خدمة أغراضه السياسية. ونرى في الأزمة اللبنانية المثل الأحدث على أن الصراعات السياسية الداخلية تجلب البوارج الحربية إلى شواطئها مثلما تمهد التوجهات الانتقامية الطريق أمام اقتحام الدبابات لأراضيها دون أن يكون في وسع من في السلطة أن يحكم، ولا في قدرة المواطن أن يطمئن لساعة واحدة على حياته، ليدخل الجميع في دوامة الهاجس اليومي المسكون بمشاعر الموت والنهاية فلا حاضر مأمون ولا مستقبل مضمون. وتعمق نذر الانقسام والتمزق إلى دويلات من قسوة الاحساس بفقدان الوطن والمواطنة والمرادف الواقعي لحالة الضياع. ويتحمل العنصر المحلي المسئولية الأولى عن تعريض وطنه للاستهداف وتسهيل مهمة النيل منه وفق الاعتبارات التي تراعي حق الطرف الخارجي في السعي إلى خدمة مصالحه، وأن يكون السكوت أو الهروب من تحمل المسئوليات المتصلة بأحداث الاعتداءات التي تطال الأبرياء بإزهاق أرواحهم وأخذهم بجريرة الدفاع عن أرضهم وامتلاك قرارهم، فإن فيه ما يثير الشكوك بل يؤكد الحاصل منها حول حرية إطلاق تلك المشاريع الإصلاحية وما تحويه من إدعاءات توفير الحماية للحريات والحقوق الانسانية. والنتيجة أننا نعيش في عالم المصالح وكيفما يقدره ويقرره الكبار ويبنون في ضوئه حساباتهم ويحددون توجهاتهم السياسية المحتشدة بمفارقة تغليب الانحياز لاسرائيل كما يحدث للقضية الفلسطينية على غلبة موازين مصالحهم مع العرب. وكيف لا يفعلون ذلك والجانب العربي وعلى المستوى الحزبي هذه المرة يصر على مواصلة السير في الاتجاه المعاكس لقضايا وحقوق الأمة، وليزداد معه الإقبال والارتماء في أحضان الغير كلما اشتد في عدوانيته. ونميل إلى ذلك في الوقت الذي نحن بحاجة ماسة ومصيرية فيه لموقف يعيد الاعتبار للحجم الكبير لمصالح الغير عند الطرف العربي. ولن يكون ذلك بدون جعل الآخر يحس بفداحة ومرارة ما ينتظره إن لم يتخذ جانب الموقف العادل وخطوة في اتجاه الشراكة الوطنية والعربية خير من الهرولة إلى الشرك الخارجي.