الشام واليمن، اسمان متلازمان منذ القدم، ولعل السبب لا يعود الى ان بلاد الشام كانت الوجهة الرئيسية للهجرات اليمنية القديمة.. بعد الانهيار والتمزق وتفرق أيدي سبأ - بل يعود الى ماهو اهم وهو المقوم الحضاري للبلدين، وموقعهما المتميز، كتميز مناخها وطيب اراضيهما. ان التلازم بين اليمن والشام يفوق أي تلازم بين بلدتين على وجه الارض فما ذكرت الشام إلا وذكرت اليمن والعكس.. وما أكثر الامثلة على ذلك جغرافيا واقتصاديا ودينيا وثقافياً، وشعراً ونثراً.. ومن تلك الامثلة شعراً قول الشاعر: هي شامية اذا مااستهلًّت وسهيل اذا استهل يماني اما اقتصادياً فمن شواهدنا، رحلة الشتاء والصيف لتجارة قريش حيث كانت شتاء الى اليمن، وصيفاً الى الشام، والى جانب ذكر بلاد الشام وبلاد اليمن في القرآن الكريم.. فان رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم عندما ابتهل الى الله داعياً لمن أحب من البلدان وأمًّل عليها فقد قال «اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا... إلخ».. وفي الموروث الثقافي الشعبي ومنه الامثلة الشعبية المعبرة عن وجدان الشعوب وتجاربها نجد قولهم (فلان لم يطل عنب الشام ولا بلح اليمن) وهو مثل فرضه التلازم المشار اليه حيث قيل: بلح اليمن رغم تميز بلدان عربية بجودة بلحها وتميزه على مافي اليمن التي لم تشتهر بغير البن والعنب وفي التعظيم الشعبي للملكوت الآلهي نجد المقولة «يامن الشام شامك واليمن يمانك» انه لتلازم عجيب يستحق البحث والدراسة ولهذا لا نستغرب انعكاس ذلك على العلاقة والتواصل بين الشعبين هنا وهناك وكيف يتجسد ذلك حبا ومشاعر وتقارب، وليس بالمصادفة ان تكون خطوة اليمن الاولى للخروج من عزلته نحو الشام، حيث كانت أول بعثة طلابية يبتعثها الامام يحيى حميد الدين الى بلاد الشام وتحديدا لبنان.. وكذلك في الجانب الفني الغنائي، كما فعل الفنان المرحوم محمد سعد عبدالله والفنان المرحوم علي بن علي الآنسي كما كان لي نصيب من ذلك، حيث كانت بوابتي للدخول بقصائدي الغنائية هي بلاد الشام ومن دمشق تحديداً. إنه الشام البلد والاهل الاقرب وان بعدت المسافات.. البلد الذي نحس بجراحه وآلامه كما نحس بها في أجسادنا، خاصة جراء هذه المحنة التأمرية الخبيثة التي يمر بها. اني قلق على الشام اكثر من قلقي على مسقط رأسي، اما لماذا..؟ فلاحساسي ان لليمن حكمة مشهود لها وهي كفيلة بحمايته من الانزلاق والانحدار، ولأننا في اليمن تركنا أسلحتنا نائمة على مافي بطونها ولأني لم اسمع يمنيا يقبل بتدخل اجنبي في بلاده، وان وجد من يقبل بشيء من ذلك فلا يجرؤ على المجاهرة به، في الوقت الذي اسمع فيه اصواتاً سورية، تطالب بتدخل الناتو في بلدها على غرار ماحدث في ليبيا لأني في اليمن لم اسمع غير نفر من الشواذ فكرياً من يروج لمذهبية او عنصرية ليقود البلاد الى محارقها، ولأنه لايوجد يمني يمكن ان يسمح بقتل ابناء وطنه الابرياء بمثل تلك التفجيرات الانتحارية التي حدثت في دمشق وغيرها من المدن السورية. إنهم يعملون على تدمير الشام المتماسك ثقافياً، وفكرياً من خلال المذهبية التي اذا ماكنا قد شممنا روائحها الكريهة تنبعث مما تشهده الساحة السورية، فان قرون تلك المؤامرة المذهبية قد اطلت بقرونها الشيطانية من شرارة الاقتتال يوم امس الأول في شمال لبنان بين من وصفوهم عمداً بعلويين وسنيين.. ليضاف الحادث الى مكونات سبقته.. لعل الجميع بتذكرونها. نسأل الله ان يحرس الشام وتقول له كما قال شاعره الكبير سعيد عقل: شآم أهلك أحبابي وموعدنا اواخر الصيف أن الكرم يعتصر