في هذه الزاوية اخترت هذا الأسبوع من كتاب المعارض السعودي المهندس يوسف الهاجري مايتعلق بتدخل النظام السعودي في الشأن اليمني الداخلي في عهد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح وكيف كان يحاول صالح حينها مقاومة الضغوطات السعودية ولكنها كانت تفرض نفسها على مجريات السياسة اليمنية بحكم تواجد عملاء السعودية داخل السلطة الحاكمة.. يقول مؤلف الكتاب : وضع الرئيس علي عبد الله صالح وصل إلى الحضيض في السنة الأولى لحكمه .. فقد تعرض لمحاولة إغتيال، كما حصلت محاولة إنقلاب عسكري في أكتوبر 1978م. أي بعد ثلاثة أشهر فقط من توليه الحكم كما اندلع القتال بين بلاده واليمن الجنوبي في فبراير مارس 1979وقد توقع العديد من المراقبين أن يتجه الرئيس صالح بسرعة نحو الاعتماد على السعودية وقبائل الشمال من أجل ضمان استمرارية حكمه، ولكن يبدو انه لم يتعجل ذلك بانتظار أن يتمكن من بلورة سياسة يمنية جديدة تقوم على استقلالية القرار السياسي الداخلي والخارجي لليمن، وتطبيع العلاقات مع الشطر الجنوبي لليمن.. وقد تضمن هذا الحل مخاطر جمة .. حيث إنه إذا ما فشلت الجهود فإن هناك احتما لا لاندلاع القتال مرة أخرى مع الجنوب ومع الجبهة الوطنية القومية من ناحية، وتوتر للعلاقات مع السعودية والقبائل الشمالية من ناحية أخرى بسبب محاولاته تحسين العلاقات مع الجنوب ولذلك فإن كلا من السعودية والولاياتالمتحدة سعيا إلى تعميق العلاقات في البداية واستخدم الرئيس جيمي كارتر حقه في إرسال السلاح إلى الخارج في الحالات الاستثنائية دون استشارة الكونجرس لأول مرة وذلك لإرسال صفقة سلاح أميركية إلى اليمن بلغت قيمتها 300 مليون دولار أميركي.. كما ان السعودية كانت متفائلة من ميل صالح إلى جانبها خاصة مع استمرار عبد الله الأصنج كوزير لخارجية اليمن وهو المعروف بولائه للسعودية، واستمرار محمد خميس، وهو الآخر معروف بقربه لأقطاب الحكم السعودي كرئيس للمؤسسة الأمنية الوطنية ذات النفوذ العالي كما أنه قام بتعيين الشيخ مجاهد أبو شوارب كنائب لرئيس الوزراء، والشيخ مجاهد ينتمي إلى قبيلة حاشد التي يترأسها عبد الله الأحمر الموالي للسعودية ويعتبر هذا التعيين أهم حدث قبلي منذ أن أبعد الرئيس الحمدي القبليين من الحكومة في عام 1975 م.. ولكن الرئيس صالح خيب آمال السعوديين والأمريكان في بداية حكمه فقد أعلن أنه لا يقبل أن تستغل القوى الكبرى خلافات بلاده مع الشطر الجنوبي لإملاء سياساتها على بلاده .. كما أن السعودية أصيبت بصدمة نتيجة إقصاء عبد الله الأصنج من منصبه كوزير للخارجية، وعزل محمد خميس من مسؤوليته الأمنية، وذلك في منتصف 1979 م وقد كانت خطوة الرئيس صالح المفاجأة هي إبرامه صفقة سلاح ضخمة مع الاتحاد السوفييتي في أواخر صيف 1979 قدرت ب 600 مليون دولار، تضمنت طائرات ميغ 21، ودبابات ثقيلة حيث بدأت في الوصول إلى اليمن في سبتمبر، وبدلا من طرد المستشارين السوفييت حسب ما كانت تتوقعه الولاياتالمتحدة فقد زادعددهم بسرعة فائقة. وقد أرجع المراقبون سبب التحول المفاجئ لليمن تجاه السوفييت إلى رغبة النظام اليمني في إعطاء إشارة إلى كل من السعودية والولاياتالمتحدة بضرورة اللباقة في التعامل مع اليمن، وهو إشارة إلى محاولة السعوديين التحكم في مسير الأسلحة الأميركية التي يمولونها عبر الاشتراط على اليمن باستخدامها ضد اليمن الجنوبي والجبهة الوطنية الديمقراطية المدعومة من قبلها، والتي ترابط على الحدود بين اليمنين، وبينما لم ترض السعودية بأقل من سحق المعارضة اليسارية بل اليسار كله في الجزيرة العربية كانت رغبة الرئيس صالح في ذلك الوقت حل الاختلافات مع الجبهة الوطنية الديمقراطية، وتحسين العلاقات مع اليمن الجنوبي وشعر صالح بمرارة الشروط السعودية الأميركية على بلاده ورغب في استقطاب ميول بعض العناصر العسكرية في البلاد فكان الالتفات نحو الاتحاد السوفيتي هو الأسلوب الأمثل في نظره.. وقد وصل التوتر حد المواجهة العسكرية المسلحة حيث قيل في بداية 1980 أن خمسة جنود يمنيين قد قتلوا على الحدود السعودية واليمن، وقالت الصحف الغربية حينها أنها محاولة سعودية للضغط على اليمن لمنعها من الاقتراب من اليمن الجنوبية أو من السوفيت الا أنه لا بد من القول إن هذا التوتر لم يخرج إلى السطح إ لا قليلا، واتبعت السعودية سياستها الاعتيادية في التكتم على الأحداث السلبية في البلاد خاصة مع وجود محمد عبده يماني كوزير للإعلام السعودي آنذاك، حيث يحلو لأبناء الجزيرة العربية تسميته وزير النفي. كما أن النظام الحاكم في اليمن دأب على نفي هذه الأخبار وسماها «إشاعات» طمعًا منه في الأموال السعودية، وقد ازدادت وتيرة النفي في ربيع عام 1980 من قبل الجانبين، ولكن بقيت إشاعات تسري هنا وهناك عن اختلافات بين النظامين.. ووافقت السعودية وبعد لقاءات بين الجانبين على تقديم مساعدات تنموية للميزانية اليمنية للعام المالي 1980 -81 م حيث قام الرئيس اليمني بزيارة للسعودية في أغسطس.. وقد عادت العلاقات للتوتر مرة أخرى بين البلدين في 1981 بينما استأنف البلدان نفيها، وتحدثت بعض التقارير عن مواجهات حدودية بين القوات السعودية واليمنية أدت إلى قطع المساعدات السعودية لليمن في بداية السنة وقدتحدث بعض المسؤولين اليمنيين حول فشل السعوديين في منع التهريب عبر الحدود مع اليمن الأمر الذي يقلل من العائدات الحكومية ويضر بالموردين، حيث كانت الحكومة تفرض ضرائب على المستوردات..أما الحدث الأبرز في العلاقات بين البلدين عام 1981 فقد كان القبض على وزير الخارجية السابق عبد الله الأصنج في شهر مارس بتهمة الخيانة العظمى على أساس اتصالاته الخاصة مع السعودية، وقد حصل هذا بعد شهرٍ -واحدٍ فقط من العملية الغامضة بمقتل محمد خميس المسؤول الأمني السابق ، وقد أدى هذا إلى مزيد من تدهور العلاقات بين البلدين والضغط الاقتصادي السعودي على اليمن. * يتبع