الدعوة لوقف العدوان علينا ورفع الحصار عن بلدنا هي من حيث المبدأ موضع ترحيب منا وإن كنا نعتقد قطعاً أن أية دعوة لوقف الحرب لا تتطرق إلى المسؤولية عن تبعاتها و المعالجات الموضوعية لآثارها هي مجرد كلام فارغ لا معنى له ولا قيمة حتى لو كان الداعي هو وزير دفاع أكبر قوة عسكرية وسياسية في العالم.. صحيح أنه من المفترض أن نرى في دعوة وزير الدفاع الأمريكي لوقف الحرب تحولا جوهريا وحدثا يستحق التفاؤل وتعليق الآمال عليه فالولاياتالمتحدة هي القوة العظمى والمدير التنفيذي للأمم المتحدة وهي الراعي الأكبر لتحالف العدوان وسنده العسكري والسياسي في هذا العدوان والحصار وبدونه ما كان بن سلمان ليشن عواصفه الرعناء ولا كان لصاحب قرية الإمارات طموحات إمبراطورية لا تخطر تميم ببقاء الخلافة الإخوانية وبالتالي فإن كل تحول في الموقف الأمريكي سيقلب الأمور رأساً على عقب ويعيد أباطرة المشيخات النفطية المنفوخة إلى أحجامهم الطبيعية عدولاً وعقال حارات ويرجع بن سلمان إلى مجموعته المفضلة من العاب البلايستيشن والإكس بوكس في قصر أبيه العامر غير أنه لكي نرى في الدعوة الأمريكية تحولاً حقيقياً وحدثاً ذا بال يستحق التعامل معه بجدية وتعليق الآمال عليه يجب أولاً ان نفترض أن الولاياتالمتحدة على الضفة الغربية للمحيط الأطلسي لم تكن تعرف خلال الثلاث سنوات والنصف شيئاً عن هذا العدوان والحصار وجرائم التحالف وانتهاكه لكل الأعراف الإنسانية وقيم العالم الحر وهذا ليس صحيحاً أو نفترض أن مرابي قلعة الرأسمالية قد شبعوا من حليب الخليج وملوا ضروع أبقاره وهذا يناقض تصريحات الرئيس الأمريكي وإدارته أو نفترض أن الضمير الأمريكي صحا فجأة وهذا رغم أن الله يهدي من يشاء لا يوجد مؤشر عليه أو نفترض أن الساسة الأمريكيين كانوا مغفلين طوال الفترة الماضية ولم يكتشفوا إلا الآن عبثية هذا العدوان وفشله أو أنهم كانوا يعتقدون أن إيران تقع في جنوب الجزيرة العربية حتى دلهم مدرس جغرافيا نبيه على موقعها في الضفة الشرقية للخليج.. الدعوة الأمريكية لوقف الحرب ليست جديدة.. فنحن نسمعها منهم منذ أكثر من ثلاث سنوات وليست جادة وإلا لوقفت الحرب فوراً, فالولاياتالمتحدة في هذا العدوان ليست في موقع الداعي والمناشد وإنما صاحب القرار النهائي في وقف الحرب والحصار أو استمرارهما وبإمكان الإدارة الأمريكية باتصال هاتفي فقط لإيقافها.. في الخليج أن تحسم الأمر الدعوة الأمريكية قد تكون جزءاً من مقتضيات الحملة الانتخابية التشريعية القادمة أما ما أعقبها من تصعيد التحالف لعملياته فيقول لنا أن الدعوة لم تكن أكثر من تحفيز للتحالف على تحقيق انجاز عسكري يمكن استثماره على طاولة التفاوض وأقصى ما يمكن لحسن الظن أن يفترضه هو أنها فرصة أمريكية أخرى للتحالف مدفوعة الثمن قد تكون الأخيرة وقد لا تكون.