مواطنون يتصدون لحملة حوثية حاولت نهب أراضي بمحافظة إب    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    مطالبات حوثية لقبيلة سنحان بإعلان النكف على قبائل الجوف    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    4 إنذارات حمراء في السعودية بسبب الطقس وإعلان للأرصاد والدفاع المدني    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشحر ... وثالوث العدوان الصليبي والتدخل التركي والصراع الداخلي !
نشر في 26 سبتمبر يوم 27 - 08 - 2021

من مآسي تاريخ اليمن الحديث والمعاصر وحتي وقتنا الحاضر انه مع بداية كل قرن تتعرض اليمن لعدوان وغزو خارجي تكون فاتورته باهضه الثمن تتمثل في احتلال السواحل والجزر والموانئ اليمنية ومن ثم التوغل نحو الداخل . فمع مطلع القرن السادس عشر الميلادي حينما تعرضت اليمن بسواحلها وجزرها وموانيها سواء على البحر الأحمر او بحر العرب والمحيط الهندي للغزو الصليبي المتمثل بالتواجد البرتغالي واليوم في مطلع القرن الواحد والعشرين تواجهه اليمن عدوان 2015 م .
فالشحر إحدى الموانئ اليمنية التي تعرضت منذ خمسة قرون لغزو صليبي واليوم صورة المأساة تتكرر بتعرضها لعدوان واحتلال خارجي .
الوسيط التجاري
للشحر تاريخ طويل وهو جزء من تاريخ حضرموت فقد كانت تحت سيطرة دولة سبأ وملوكهم ثم خلفهم ملوك دولة حضرموت ومن ثم الحميريين هذا فيما يخص التاريخ القديم مع تعرضها لسيطرة خارجية ابان الاحتلال الفارسي لليمن قبيل الإسلام . جغرافيا كانت الشحر تطلق قديما على المنطقة الساحلية الواقعة ما بين عمان وساحل حضرموت جميعا . أما اليوم فهي أكبر مديريات محافظة حضرموت وتضم أربعة مراكز متباعدة ومترامية الأطراف وهي الديس الحامي والريدة وقصيعر وغيل بن يمين وهي منطقة غنية جدا بتراثها وخيراتها النفطية والمعدنية والثروة السمكية . وتقع على سطح متسع من الشاطئ الذي ينحدر تدريجيا الى البحر وكان لها قديما سور له بوابتان تعرف إحداهما بسدة العيدروس والأخرى بسدة الخور وقد خرب هذا السور وبقيت سدة العيدروس قائمة كمعلم تاريخي . وتتسم المياه الاقليمية لمدينة الشحر بالعمق والهدوء ويعد الساحل الشحري ساحلا طويلا حيث يمتد من الشرق الى الغرب بحوالي مائتي ميل . وميناء الشحر كان من ضمن موانئ حضرموت ذات الشهرة التجارية الواسعة آنذاك نظرا لموقعه الجغرافي المهم . اما عن تسمية ميناء الشحر بهذا الاسم فقد عرفت في النقوش اليمنية القديمة باسم (يمنة الساحل )كما عرفت باسم سوق الشحر كذلك سميت الشحر بالأسعاء ويرى بعض المؤرخين بان هذه التسمية مشتقة من اسم الملك الحضرمي العزيلط أو العز اليازوس الذي انشأ ميناء الأسعاء بعد ان احتل ميناء قنا من قبل مملكة سبأ, كذلك كان لها عدة اسماء اخرى . واصبح يقوم بدور الوسيط التجاري بين الهند وبين دول البحر المتوسط عن طريق التجارة البحرية في المحيط الهندي والبحر الأحمر إلى جانب الطرق البرية عبر الجزيرة العربية وحتى الشام ومصر والعراق .
قابض الحنجور
اقتصاديا كانت الشحر وميناؤها التجاري تعد من اكبر المراكز التجارية في السواحل الشرقية الحضرمية وقد أضفى ميناء الشحر على المدينة اهمية كبرى وجعلها تزدهر اقتصاديا حيث ربط سواحل حضرموت وداخلها بالعالم الخارجي فكانت السفن المحملة بالبضائع من شرق افريقيا ومصر والهند وغيرها ترسو في هذا الميناء وفي المقابل كانت المنتجات الحضرمية تجمع في ميناء الشحر التي كانت سوقا تتم عن طريقها عملية التبادل التجارية في البيع والشراء وبذلك اصبح الميناء مجال جذب للتجار كما اصبح مطمعا لكثير من القوى السياسية الداخلية والخارجية خاصة البرتغالية مطلع القرن السادس عشر الميلادي نظرا لأهمية مردودة المالي الناتج من الرسوم والضرائب والمكوس المفروضة على تجارة الصادرات والواردات . ومما يدل على الأهمية الاقتصادية لمدينة الشحر ومينائها انه كان يطلق على من يحكم ميناءها لقب (قابض الحنجور) لأنه يستطيع بالسيطرة على الشحر أن يخنق التجارة أو أي نشاط خارجي وإن هذه الاهمية الاقتصادية لميناء الشحر لم تكن وليدة تلك العصور الحديثة بل كانت تعود بجذورها إلى فترات قديمة ففي العصر القديم كان ميناء الشحر يعتبر أعظم ميناء واكبر مركز تجاري في جنوب اليمن تأتيه السفن التجارية من مختلف المناطق وهي مشحونة بأصناف السلع وانواع المتاجر .اما في العصر الاسلامي فكانت القوافل تتجه الى شمال الجزيرة العربية في رحلة الصيف وتأتي الى جنوب الجزيرة العربية في رحلة الشتاء حيث تقف اضطراريا في ميناء الشحر للحصول على منتجات الشرق الأقصى .
الحملة الصليبية
عندما وصل قائد الحملة البرتغالية (فاسكو دي جاما) إلى كاليكوت التي تقع على الساحل الغرب للهند سنة 1498م قال : (الآن طوقنا رقبة الإسلام ولم يبق إلا جذب الحبل فيختنق ) وفي سنة 1502م عهد الى جزء من اسطوله بحراسة مدخل البحر الأحمر عند مضيق باب المندب ومهاجمة السفن العربية ومنعها من المتاجرة في المحيط الهندي الا بتصريح خاص منه وكان يقطع الطريق على اي سفينة يلتقي بها في طريقة كما كان يعمل على تفريغ السفن مما بها من البضائع . أن الدافع الديني في غزو البرتغاليين لموانئ اليمن بما فيها ميناء الشحر كان من اهم الدوافع الصليبية الاستعمارية في الوصول الى الاماكن الاسلامية المقدسة من خلال تلك الموانئ الى جانب اطماع اقتصادية . حيث تابع البرتغاليون جهودهم الدينية بأطماع اقتصادية فبدأوا الخطوة الثانية لتحويل طرق التجارة العالمية وذلك بمهاجمة السفن الإسلامية عند مدخل البحر الاحمر والخليج العربي والاستيلاء عليها كما هاجم البرتغاليون جزيرة سقطرى في عام 1507م بقيادة الفونسودي البوكيرك واقاموا بها حصنا للإشراف على تجارة البحر الأحمر والمحيط الهندي وفي نفس العام استولوا على هرمز مفتاح الخليج العربي . وفي عام 1513م هاجم البرتغاليون جزيرتي (زيلع وبربرة) والتي كانت آنذاك تعد جزر يمنية وجعلوا من هذه الجزر مراكز لهم للاستيلاء على السفن العربية القادمة من البحر الاحمر ومن ثم تحطيمها وفي نفس العام قام البوكيرك بمهاجمة ميناء عدن ولكنه فشل في احتلالها لحصانتها ولدفاع اهلها المستميت عنها فتوجه نحو جزيرة كمران واستولى عليها غير انه اضطر لمغادرتها بعد ان ادرك استحالة بقاء حامية برتغالية فيها لصعوبة تزويدها بالماء والطعام واحاطة الخصوم بها من كل جانب .
ذريعة المحتل
ونتيجة لفشل الحملات البرتغالية في السيطرة على البحر الاحمر وموانئه وتهديد الاماكن المقدسة فقد توجهت انظارهم لاحتلال موانئ جنوب اليمن ومن ثم تحقيق سيطرتهم على تجارة الهند ومن أهم تلك الموانئ ميناء الشحر المتحكم في الطريق البحري بين المحيط الهندي وبحر العرب والبحر الاحمر . سياسيا كانت الشحر منذ القرن الخامس عشر الميلادي تخضع لحكم سلاطين آل الكثيري وفي أثناء حكم السلطان بدر بن عبدالله الكثيري (أبو طويرق) للشحر تعرض الميناء لهجوم برتغالي غير أن تلك المحاولة باءت بالفشل وكان في عام 1520م . لكن أول هجوم برتغالي منظم على الشحر كان في عام 1522م عندما جاءوا إليها في أربع عشرة سفينة بقيادة القائد البرتغالي ( دون لويس) وقد ذكر أحد المؤرخين بأن حجة وذريعة البرتغاليين في غزو الشحر آنذاك تعود أن تاجرا برتغاليا يدعى (ألفونس دي فيجا ) مات في الشحر وان السلطان بدر الكثيري استولى على أمواله حسب ادعاءاتهم فطلب قائد الاسطول البرتغالي تسليم تلك الأموال له دون تأخير . وقد تصدى أهالي الشحر لذلك الهجوم ودارت عدة معارك استمرت ثلاثة أيام في مقاومة شديدة قتل خلالها عدد كبير من أعيان الشحر وعلمائها الذين استبسلوا في الدفاع عن مدينتهم وقد عمد البرتغاليون خلال ذلك الهجوم إلى نهب منازل الأهالي ومتاجرهم وإحراق أعداد كبيرة منها مما ألحق الخراب والدمار بها غير أن البرتغاليين انهزموا بعد ذلك هزيمة نكراء واضطروا لمغادرة ميناء الشحر واتجهوا نحو جزيرة دهلك وكان لمقاومة اهل الشحر سبب في عدم استقرار البرتغاليين في الشحر وفشل محاولتهم في احتلال ذلك الميناء الاستراتيجي ثم واصلت الحملة البرتغالية طريقها حيث اغارت على عدن وضربتها بالمدافع عدة أيام غير أنها فشلت ايضا نتيجة لمقاومة سكانها لذلك الهجوم .
التنافس الدولي
ورغم هزيمة البرتغاليين لكنهم استمروا في ارسال العديد من الحملات محاولين السيطرة واحتلال موانئ اليمن ومنها الشحر فحملة عام 1524م اجبرت حاكم عدن عبدالملك بن محمد بن داوود على عقد معاهدة تنص على أن يدفع عدن جزية سنوية للبرتغاليين وعلى ان تفتح ميناءها للسفن البرتغالية . ومن ثم ارسلت حملات عامي 1526 و1527م لكنها فشلت في احكام قبضتها على البحر الأحمر ومينائي عدن والشحر . وفي عام 1528 م عاودوا محاولاتهم لغزو سواحل حضرموت ومنها الشحر حينما ابحرت عشرين سفينة برتغالية بقيادة انطونيو من جوا بالهند متوجها نحو بحر العرب لاعتراض السفن المتوجه إلى البحر الاحمر ولكنه لم يغامر بمهاجمة الشحر لوجود سفن حربية عثمانية بقربها . مما جعل البرتغاليون يغيروا سياستهم حيث لجأوا الى سياسة الاحتكاك المباشر بسكان السواحل عن طريق التجارة وذلك تنفيذ للسياسة التي اعلنها القائد لوبو وهي السعي للسيطرة على تلك الموانئ والبلاد . ومع التواجد العثماني بالمياه الشرقية وسيطرتهم على مصر وازالة الدولة المملوكية ومن قبلها الدولة الصفوية اصبحت الدولة العثمانية الند والقوى المنافسة للبرتغاليين لذا اصبح الخطر البرتغالي على السواحل والموانئ يتمثل في قرصنة وتهديد للسفن ومن ذلك ما حدث عام 1530م حينما قامت سفينة برتغالية بالهجوم على احدى المراكب القريبة من ميناء الشحر . ويلاحظ ان البرتغاليين لم يكونوا على استعداد آنذاك للدخول في معركة حربية مع العثمانيين خاصة وان الدولة العثمانية كانت في أوج قوتها فكان هدف البرتغاليين هو جمع المعلومات عن تلك الموانئ تمهيدا للهجوم الاكبر عليها فيما بعد . كما حدث في عام 1531 م حينما وصلت سبع سفن حربية برتغالية لميناء الشحر وقامت بالاستيلاء على عدة مراكب وهاجموا سكان الشحر بمدافعهم فتصدى لقتالهم أحد البحارة العثمانيين مع عدد من اهالي الشحر وانهزم البرتغاليين .
ساحل الموت
لذا فالفترة التي تلت الحملة البرتغالية الأولى على ميناء الشحر في عام 1522م حتى عام 1531م لم يقم البرتغاليون خلالها بالهجوم عسكري كبير غير ان احتكاكهم بميناء الشحر تكرر اكثر من مرة عن طريق ارسال حملات والهدف منها جمع اكبر قدر من المعلومات عن جغرافية الميناء وعن الاوضاع السياسية التي كانت تمر بها المنطقة ومراقبة العثمانيين البحرية في ذلك الميناء وغيره من موانئ اليمن اضافه الى ما حققوه من مكاسب اقتصادية من جراء اعتدائهم على السفن والمراكب العربية التي تمر بذلك الميناء الا ان احتلال ميناء الشحر كان الامل الذي ظل يراود البرتغاليين . ولذلك فكروا بإعداد حملة عسكرية أكبر لتحقيق تلك الهدف خاصة وانهم صاروا على دراية بالسواحل اليمنية وجزرها وموانيها بعد احتلالهم لبعضها لفترات محددة . ولذا توجهوا نحو ميناء الشحر في 1535م وصادف وصولهم اليها وجود السلطان بدر الكثيري فيها وكذلك بعض رجال القبائل اليمنية الشمالية الذي فروا من الجوف وصعدة نتيجة لسيطرة الإمام شرف الدين على صعدة آنذاك - وكأن التاريخ يعيد نفسه قوى محلية في صراع داخلي بينهما فيما غزاة محتلون يتوغلون في اليمن فالمماليك مازالوا في سهل تهامة والعثمانيين يطوقون السواحل والبرتغاليين يهاجمون الموانئ اليمنية - وكان السلطان بدر قد استعد لملاقاة البرتغاليين هذه المرة استعداد كبير فلما وصلوا الى الميناء قام السلطان بالسيطرة على سفنهم حيث وقعت معركة كبيرة بين الطرفين بحرا وبرا وقد تصدى الشحريون للبرتغاليين تصدي الابطال ورأى البرتغاليون ما لم يعهدوا مثله قط في الماضي من النزال والكفاح وكان اكثر القتلى من البرتغاليين الذين اضطروا إلى طلب الامان من السلطان بدر خاصة بعد ان علموا بوقوع معظم سفنهم في قبضته وقد بلغ عدد المأسورين منهم سبعين أسيرا فيما تمكن مائة شخص منهم الهرب بإحدى سفنهم كما عثر جنود السلطان على عدد منهم وهم مستخفون في خرابات وبيوت مهجورة بعد هزيمتهم الساحقة . كما قدم بعض البرتغاليين الى ميناء الشحر من جهة سواحل شرق افريقيا ولكن السلطان بدر قبض عليهم وضمهم الى من سبقهم من الأسرى .
بذرة الصراع
وقد تمثلت السياسة الجيدة التي انتهجها السلطان بدر الكثيري في مواجهته الخطر البرتغالي عن طريق كسب ود الدولة العثمانية للاستعانة بها فيما بعد ضد الأطماع البرتغالية خاصة في ظل انشغاله بإخماد الفتن والثورات الداخلية سواء من داخل الاسرة الكثيرية او من المناطق والقبائل المحيطة به والتي كانت تهدد أمن الشحر ومينائها بل إن تلك الأحداث كثيرا ما كانت تصرفه عن الاستعداد الجاد لمواجهة الخطر البرتغالي . وقد كانت لتلك السياسة في اعتماده على عناصر غير حضرمية كالعثمانيين آثارها السيئة حيث أثارت ضده بعض أهالي حضرموت حيث وصلت إلى الشحر أول قوة عثمانية عام 1519م تحت قيادة احد كبار القادة العثمانيين رجب التركي وكان اول عمل حربي قام به السلطان بدر هو السيطرة على شبام وانتزاعها من آل محمد الذين استقلوا فيها ومن ثم توجه الى مدينة تريم وسيطر عليها بعد حصار دام عشرين يوما وبعدها زحف نحو مناطق حضرموت الداخلية لإخضاعها لسلطانه . ولكن سياسته هذه في مواجهه الصراع الداخلي وقيامه بإعلان تبعية بلاده اسميا للسلطان العثماني سليمان القانوني والاعتراف بالولاء له اثارت عليه بعض زعماء القبائل الحضرمية منهم الشيخ عثمان العمودي شيخ وادي دوعن الذي اعلن رفض هذه السياسة وانحاز الى الامام شرف الدين وتكونت بذلك جبهة سياسية معارضة لسياسة السلطان بدر ودارت بينهم معارك شديدة حيث قام الشيخ عثمان بشن الغارات في الساحل والداخل وعلى حصون السلطان بدر التي كان قد شيدها ضد هجوم البرتغاليين وقد استمرت الحروب بينهم لفترة طويلة الى ان تم عقد الصلح بينهما عام 1549م وبقي كل منهما بعد ذلك في موضعه لا يتعرض للآخر . اما بالنسبة لموقف آل كثير من تلك السياسة التي انتهجها السلطان بدر فقد وجد من عارض موقفه ذلك وفي مقدمتهم ابنه الامير عبدالله بن بدر الكثيري لذلك قرر الامير عبدالله القبض على ابيه وابعاده عن ميدان السياسة وتمكن الامير عبدالله بمعونة بعض اعوانه من الهجوم على والده وهو بحصن سيئون فألقى القبض عليه عام 1568م . - من المفارقة التاريخية لسياسة اليمنية الشمالية والجنوبية آنذاك كانت تسير بخط واحد ففي الشمال ارغم الإمام مطهر ابيه الإمام شرف الدين لتنازل له عن الإمامة دون اخوته وفي الدولة الكثيرية نفس السيناريو يتكرر لاحقا - وتولي الأمير عبدالله بن بدر الكثيري شؤون البلاد ليدخل مع اخيه جعفر الذي كان امير على ميناء الشحر في صراع على السلطة في حين تناسوا الخطر البرتغالي والتمدد العثماني في سواحل اليمن وموانئها وجزرها ومن ثم التوغل نحو الداخل والوصول الى عاصمة اليمن .
الحماقة السياسية
فتلك فترة زمنية من تاريخ اليمن السياسي والعسكري تتكرر مآسيها بحماقة متزايدة فالتوغل الأجنبي نحو الداخل في ظل صراع داخلي وعدم وجود دولة يمنية مركزية قوية قادرة على صد مطامع البرتغاليين والمماليك ومن ثم العثمانيين بل وجدت قوى محلية لم تكتفي بإشعال نار الصراعات الداخلية بل استنجدت واستعانت بقوى خارجية ضد خصومهم وهذا ما نجده يتكرر وكأن اليمنيين لم يستفيدوا من دروس الماضي ومآسيه بل يستحضروا تلك الأخطاء التاريخية والسياسة الحمقاء بكل صورها القبيحة وكوارثها المدمرة ونتائجها الفادحة بحق اليمن وشعبه ووحدة أرضيه حيث صارت اليمن ميدان صراع لتلك القوى الخارجية لتحقيق مطامعها وأهدافها الاستعمارية مع وجود تواطؤ داخلي لبعض القوى المحلية مع الغزاة والمحتلين . لذا فمن لا يقرئ التاريخ لا يحق له الحديث عن السياسة وادارة شؤون دولة لأن فاتورة الخيانة ستكون مكلفة بحق الوطن والأجيال القادمة ! .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.