أعادنا المخرج المسرحي الرائع الاستاذ عبدالعزيز عباس وعدد من الشباب أمس الى زمن ازدهار الحركة الفنية والمسرحية بالتحديد في الجنوب قبل الوحدة ، وذلك عبر العمل المسرحي "مبدعون ولكن " للشاب ابوبكر الهاشمي احد طلاب المسرح في معهد جميل غانم للفنون بعدن والذي حصل العام الماضي على جائزة رئيس الجمهورية للشباب 2013 على هذه القصة. المسرحية تحكي معاناة الشباب المبدع في كل المجالات الشعر القصة الموسيقى الرسم التمثيل خلال فترة ما بعد الوحدة وتحديدا في الجنوب عندما بسط نظام صنعاء عقب اجتياحه في عام 94 يده ليدمر كثير من القيم والتقاليد لينشر ثقافة جديدة لم يعرفها الجنوب من قبل ، المسرحية عكست انتشار ثقافة الهيمنة على الممتلكات العامة و إلغاء الفنون بكثافة أشكالها والتي كانت تشكل رئة التنفس لكثير من الشباب للتعبير عن مكنوناتهم وابداعاتهم وتفجير طاقاتهم الإبداعية .. وعكست المسرحية كيف استفحلت ظاهرة التطرف الديني بين الشباب بسبب الفراغ بعد ان قطع النظام القادم من صنعاء كل صلة بين الجنوب والفنون ، بل وصل حد التكفير بالإبداع والتجريم بالمسرح وتحريم بقية الفنون الاخرى ، متزامنة مع تمدد ظاهرة الفكر الديني التكفيري المتعصب عبر غسل أدمغة الشباب للانخراط في كيانات إجرامية تحت ستار الدفأع عن الدين بقتل الأبرياء .. المسرحية حقاً رائعة فكرة وإخراجا ، ما أدهشني وجعلني اتسمر لأكثر من ساعة ونصف تلك الكوكبة من الشباب الذين أتقنوا أدائهم في تشخيص الواقع الذين كانوا هم ضحية تلك الثقافة القادمة من جحور التخلف في الشمال لتكون بديلة لثقافة تربوا عليها وهي التسامح في الدين وعدم الغلو فيه .. ثقافة يتعايش فيها الجميع رجل الدين مع رجل الفن مع الأديب .. ان المسرحية وبحق يجب ان تشرف اليمن في جولة عربية بل وأوروبية للتعريف بحقيقة الوضع ونزعة الشباب الى الانطلاق أسوة بكل شباب العالم .. المسرحية تختصر الف خطاب سياسي لشرح ان الإرهاب باسم الدين ليس ثقافة عامة بل هي ثقافة دخيلة على مجتمعنا ومرفوضة أيضاً. شكرًا للعزيز المخرج المبدع الاستاذ عبدالعزيز عباس الذي كرمني بدعوة لحضور العرض الاول للمسرحية في قاعة فلسطينبعدن .. شكرًا للشباب الذين أعادوني الى زمن فرقة المسرح الطليعي بالمعلا والفرق الفنية التي كانت منتشرة في كثير من مناطق عدن ومحافظات الجنوب .. شكرًا لهم على إصرارهم في السير بالنهوض بالفن المسرحي وإعادته الى فترة ازدهاره في الجنوب .. شكرًا للأصدقاء المسرحيين الكبار المخرج جميل محفوظ الممثل المبدع فؤاد هويدي والفنان محمد مكرم وآخرين الذين حضروا لدعم الممثلين الشباب في عملهم هذا الذي تزامن مع الحملة العسكرية التي يقوم بها الجيش للقضاء على مراكز واوكار الإرهاب ، على الرغم من القصة كتبت قبل اكثر من ثلاثة أعوام واستطاع المخرج بمهنيته ان يحولها الى عمل مسرحي عال المستوى في خلال شهرين اي قبل بدء حملة الجيش ، مما يعكس رغبة شعبية في رفض المجتمع للإرهاب او ترهيب المثقفين باسم الدين.
