سلاح وهدية حج للشاب الجريح الذي اثار اعجاب الجميع في استقبال العليمي بمأرب    الوية العمالقة تتحدث عن طرد الحوثيين من المحافظات الجنوبية    أول "قتيل أمريكي" في البحر الأحمر .. ومحمد علي الحوثي يعلق!    صادم للانتقالي.. الكشف عن تحركات أمريكية لحل "القضية الجنوبية" بعد تصريحات الرئيس العليمي وفقا لهذه الخطة!!    السد يتوج بطلاً لكأس أمير قطر    الهيئة العامة لحماية البيئة تشكو من تدخلات وزارة الزراعة في رقابتها على مبيدات الصحة وتكشف عدم التنسيق معها    الامتحانات وعدالة المناخ    مصدر مقرب من انتقالي شبوة يصدر تصريح صحفي ردا على بيان حزب الاصلاح فرع المحافظة    ترحيب عربي ودولي بقرار "العدل الدولية" وقف الهجوم على رفح ومطالبات بتطبيقه فورا    غموض يكتنف وفاة الطفلة حنين القطوي بعدن: لا أدلة على الانتحار    مليشيات الحوثي تصدر بيانا بشأن منعها نقل الحجاج جوا من مطار صنعاء إلى السعودية    السعودية تعلن عن الطرقات الرئيسية لحجاج اليمن والدول المجاورة للمملكة للتسهيل على ضيوف الرحمن    كيف يزيد الصيف أعراض الربو؟.. (نصائح للوقاية)    استشهاد وإصابة 4 مدنيين بانفجار لغم من مخلفات المليشيات غربي تعز    حملة طبية مجانية في مأرب تقدم خدماتها لأكثر من 839 من مرضى القلب بالمحافظة    انهيار جنوني لأسعار الصرف وقفزة سريعة وجديدة للسعودي والدولار أمام الريال اليمني مساء اليوم الجمعة    يامال يودع تشافي على طريقته الخاصة    رئيس تنفيذي الإصلاح بحجة: الوحدة نقطة تحول مهمة في تأريخ اليمن الحديث    مصرع قيادات حوثية بارزة في انفجار غامض بمنزل صالح!    وزير المياه يناقش آلية التنسيق والتعاون مع مجموعة المانحين الرئيسيين لليمن    اليابان بطلة العالم للجودو "أبوظبي 2024"    قرارات مفاجئة لنجمين في الهلال والنصر السعوديين قبل النهائي    مانشستر يونايتد يقرر إقالة إيريك تن هاج    توقيع اتفاقية بين اليمن والامارات بحضور وزير الخارجية.. والكشف عن تفاصيلها    عالم يرد على تسخير الإسلاميين للكوارث الطبيعية للنيل من خصومهم    بعد استراليا ..تحرك اوروبي وشيك لمواجهة تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية    الفن والدين.. مسيرة حياة    عن طريق أمين جدة السعودية.. بيع عشرات القطع الأثرية اليمنية في لندن    أحدث ظهور للفنان ''محمد عبده'' بعد إصابته بالسرطان.. كيف أصبحت حالته؟ (فيديو)    احباط تهريب 213 شخصًا من اليمن ومداهمة أوكار المهربين.. ومفاجأة بشأن هوياتهم    دورة الانعاش القلبي الأساسي للطاقم الطبي والتمريضي بمديرية شبام تقيمها مؤسسة دار الشفاء الطبية    بصعوبة إتحاد النويدرة يتغلب على نجوم القرن و يتأهل إلى نصف النهائي    الدوري الايطالي ... سقوط كالياري امام فيورنتينا    تصحيح التراث الشرعي (32) أين الأشهر الحرم!!؟    محاولات التركيع وافتعال حرب الخدمات "يجب أن تتوقف"    المهندس "حامد مجور"أبرز كفاءات الجنوب العربي تبحث عنه أرقى جامعات العالم    الروس يذّكرون علي ناصر محمد بجرائم 13 يناير 1986م    السعودية تقدم المزيد من الترضيات للحوثي    إعلان سعودي رسمي للحجاج اليمنيين القادمين عبر منفذ الوديعة    رونالدو يفاجئ جماهير النصر السعودي بخطوة غير مسبوقة والجميع ينتظر اللحظة التاريخية    احتجاز نجم نادي التلال العدني وثلاثة صيادين في معاشيق: نداء عاجل لإطلاق سراح أبناء صيرة المقاومين    نجل القاضي قطران: والدي معتقل وارضنا تتعرض للاعتداء    منارة أمل: إنجازات تضيء سماء الساحل الغربي بقيادة طارق صالح.    بنك اليمن الدولي يرد على شائعات افلاسه ويبرر وقف السحب بالتنسيق مع المركزي .. مالذي يحصل في صنعاء..؟    بنك مركزي يوقف اكثر من 7شركات صرافة اقرا لماذا؟    الحكومة تطالب دول العالم أن تحذو حذو أستراليا بإدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب    سنتكوم تعلن تدمير أربع مسيّرات في مناطق سيطرة الحوثيين مميز    نايف البكري يدشن صرف البطاقة الشخصية الذكية لموظفي وزارة الشباب والرياضة    وزير الأوقاف يحذر ميليشيا الحوثي الارهابية من تسييس الحج والسطو على أموال الحجاج    شاب سعودي طلب من عامل يمني تقليد محمد عبده وكاظم.. وحينما سمع صوته وأداءه كانت الصدمة! (فيديو)    للوحدويين.. صنعاء صارت كهنوتية    ما بين تهامة وحضرموت ومسمى الساحل الغربي والشرقي    وهم القوة وسراب البقاء    "وثيقة" تكشف عن استخدام مركز الاورام جهاز المعجل الخطي فى المعالجة الإشعاعية بشكل مخالف وتحذر من تاثير ذلك على المرضى    شاب يبدع في تقديم شاهي البخاري الحضرمي في سيئون    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آمال عوّاد رضوان تفتحُ آفاقَ جَمالٍ جديدةً عبْرَ تجربتِها الشّعريّةِ!
نشر في شهارة نت يوم 23 - 08 - 2013

كلّ مرّةٍ أتوسّلُ ذلكَ الجَمالَ المُختفي في أعماقي، كنسيمٍ يُلامسُني حينَ انبلاجِ فجرٍ جديدٍ وقراءةِ الشّعر، أتوسّلُهُ بوُدّ، حتّى عاهدتُ الحبيبةَ في لقاءٍ مفتوحٍ على سفوحِ نهْرِنا الجميل، وبمنتهى الشّجاعةِ، أن أمنحَ العالمَ ما هو أكثَ بقاءً مِن الحُبّ، ذلك الصّدق المَسكون بوطنٍ يَجمعُنا..
هذا ما هامسَتني به أعماقي، وأنا أعيشُ لحظاتِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، في مساحاتِها الشّعريّةِ المُعشوشبةِ، في ديوانها "رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقودٍ"، فتقول ص 10:
(آمَال؛ لَيْستْ سِوَى طِفْلَةٍ خَضْرَاءَ انْبَثَقَتْ مِنْ رَمَادِ وَطَنٍ مَسْفُوكٍ فِي عُشٍّ فِينِيقِيٍّ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدْ! أَتَتْ بِهَا الْأَقْدَارُ، عَلَى مُنْحَنَى لَحْظَةٍ تَتَّقِدُ بِأَحْلاَمٍ مُسْتَحِيلَةٍ، فِي لُجَّةِ عَتْمٍ يَزْدَهِرُ بِالْمَآسِي، وَمَا فَتِئَتْ تَتَبَتَّلُ وَتَعْزِفُ بِنَايِ حُزْنِهَا الْمَبْحُوحِ إِشْرَاقَاتِهَا الْغَائِمَةَ، وَمَا انْفَكَّتْ تَتَهَادَى عَلَى حَوَافِّ قَطْرَةٍ مُقَدَّسَةٍ مُفْعَمَةٍ بِنَبْضِ شُعَاعٍ، أَسْمَوْهُ "الْحَيَاة"!).
يُشكّلُ (الشّعرُ والوجودُ عندها) بؤرةً رؤيويّةً تأويليّةً تعدّديّةً، تُدركُ الكينونةَ، بوصْفِها انفتاحًا للموجود، "على أنّ الإنسانَ لا يَستطيعُ معرفةَ ما لا يُمكنُ حسابُهُ، أي أنْ يَصونَهُ في حقيقتِهِ، إلّا انطلاقًا مِن مُساءلةٍ خلّاقةٍ وقويّةٍ، تُستمَدُّ مِن فضيلةِ تأمّلٍ أصيل.." )!
من هنا بدأتْ رحلتي، حيثُ تبدأ رحلةُ الشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان، بقلقٍ مُستمرٍّ، متصاعدٍ، مُتفاعلٍ معَ أشياء الكوْنِ والحياة، وبمُساءلةٍ خلّاقةٍ وقويّةٍ، تُستمَدُّ مِن فضيلةِ تأمُّلٍ أصيلٍ.. ولا ألو جهدًا أنْ أبحثَ في مَظانّ أشعارِها، المُفعمةِ بالبحثِ الدّؤوبِ عن جَماليّةِ الحياةِ وكُنهِ الكوْن..
(الشعرُ صياغةٌ وضربٌ مِنَ التّصويرِ، "على حدِّ تعبيرِ الجاحظ، وانفعالٌ وجدانيٌّ يستجيبُ لنداءاتِ الطبيعةِ، مُعتمِدًا الإيقاعَ، اللّغةَ، الصّورةَ، مَحطّاتٍ تُساهمُ في إبداعِهِ وتَشَكُّلِهِ، وهي تحتضنُ مَضمونًا إنسانيًّا، إضافةً الى تقاناتٍ فنّيّةٍ مُضافةٍ، كالحوارِ المونولوجيّ، والتّذكيرِ، والتّذكُّر، والاستذكارِ، والتنقيطِ، والقناعِ، والرّمزِ، توظّفُها الشاعرةُ آمال لتقديمِ رؤيةٍ أو فكرةٍ مِن جانبٍ، وإضفاءِ جَماليّةٍ على نصِّها مِن جهةٍ أخرى، باسترجاعِ الأشياءِ الضائعةِ، عبْرَ حُلمِيّةٍ تعتمدُ اللّغةَ المُكثّفةَ المُتميّزةَ بانزياحاتِها عن المألوفِ، عبْرَ مَناخاتِها المُتجاوزةِ لمَوضوعاتِها والمُتقاطعةِ، وعبرَ عناصرِ الذّاكرةِ والواقعِ بكلّ موْجوداتِهِ..)!
تقولُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان ص 15 بقصيدة "أقمْ محرقةَ أقمارِكَ بأدغالِ مائي":
غَبَشُ شَهْقَةٍ سَحَّها أَرِيجُ اللَّيْلِ عَلَى شَلاَّلِ غِيَابِكَ/ فَاضَتْ شَجَنًا خَرِيفِيًّا عَلَى مَرْمَى وَطَنِي/ هَا الْمَوْتُ كَمْ تَاهَ فِي نَقْشِ مَجْهُولٍ/ كَمْ هَدْهَدَتْهُ هَمَسَاتُ فُصُولِكَ/ وَبِسِكِّينِ وَهْمِهِ الْمَاضِي/ كَمْ قَصْقَصَ حِبَالَ ضَبَابِكَ! / يَااااااااااااه/ كَمْ رَاوَغَهُ هَمْسُ تَأَوُّهِكَ:/ أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي/ بِرُفَاتِ طَيْفِي الْمَسْلُوبِ/ وَتَبَدَّدْ بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ!/.
(وهنا تَحضرُ روحُ الشّاعرةِ آمال بجَمالها الفاضح، لتعيشَ غيابَ الآخرِ، تاهَ في نقشٍ مَجهولٍ، ولهذا كانتْ دعوتُها الانفعاليّةُ بقوْلِها:
(أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي)، وهنا تكمنُ رؤيتُها الجَماليّةُ، باتّخاذِها الماءَ قيامةَ حياة..
يقول هيجل: (إنّ للفنِّ هدفيْن: الأوّلُ أساسٌ، ويَتمثّلُ في تلطيفِ الهمجيّةِ بوجهٍ عامٍّ وتهذيبِ الأخلاق، والثاني نهائيٌّ، وهو كشفُ الحقيقةِ، وتمثيلُ ما يَجيشُ في النّفسِ البّشريّة)! إذن؛ الهدفُ يَكمنُ في الكشفِ عن كلِّ ما هو جَماليٌّ وجوهريٌّ في النفس، وتحفيزِها في مُؤثّراتٍ جَماليّةٍ مِن خلالِ اللّغة.
يقول عنها أدونيس:
(اللّغةُ أكثرُ مِن وسيلةٍ للنّقلِ أو للتّفاهمِ، إنّها وسيلةُ استبطانٍ واكتشافٍ، ومِن غاياتِها الأولى أن تُثيرَ وتُحرّكَ، وتَهزَّ الأعماقَ، وتفتحَ أبوابَ الاستبطان. إنّها تُهامسُنا لكي نصيرَ أكثرَ ممّا تهامسْنا لكي نتلقّن. إنّها تيّارُ تحوُّلاتٍ، يَغمرُنا بإيحائِهِ وإيقاعِهِ وبُعدِهِ. هذه اللّغةُ فعلٌ، نواةُ حركةٍ، خزّانُ طاقاتٍ، والكلمةُ فيها أكثرُ مِن حروفِها وموسيقاها، لها وراء حروفِها ومقاطعِها دمٌ خاصٌّ، ودورةٌ حياتيّةٌ خاصّة، فهي كيانٌ يَكمُنُ جوهرُهُ في دمِهِ لا في جلدِهِ، وطبيعيٌّ أن تكونَ اللّغةُ هنا إيحاءٌ لا إيضاحًا).
تقولُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان ص28 في قصيدة "وحدكِ تُجيدينَ قراءةَ حَرائقي":
(أَنَا يَا ابْنَةَ الْمَاءِ/ مَنِ اغْرَوْرَقَتْ دَهَالِيزُ دَهْشَتِي بِغصَّةِ زَبَدِي/ اسْتَغَثْتُ:/ أَلاَ هُبِّي نَوَافِيرُ رَمْلِي/ اِسْتَحِمِّي بِبُحَيْرَةِ ضَوْءِ حَبِيبَتِي!/ كَظَبْيَةٍ دَافِئَةٍ/ رَابَطْتِ عَلَى حُدُودِ انْشِطَارِي/ وَعُيُونُ أَصْدَافِكِ تُطَارِدُ رِيحِي!/ أَيَا كَآبَةَ فَرَحِي/ لِمَ أَلْقَيْتِ بِيَاقُوتِ صَخَبِكِ عَلَى حَوَاشِي كَبِدِي/ وَوَلَّيْتِ تَرْقُصِينَ/ تُدَغْدِغِينَ بِقَوْسِكِ الْمَاسِيِّ/ شِرْيَانَ غُرُوبٍ يَنْزِفُنِي؟)
بهذهِ اللّغةِ الشّعريّةِ المُراوغةِ في فننٍ وارفٍ مِنَ الجّماليّة، تتبلورُ رؤيةُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، ولذلك، فإنّ (شوبنهور يَسمو بالقيمةِ الجَماليّة، ويَضعُها في أعلى مكانٍ ومستوى، يُمكنُ أن يَرقى إليهِ الإنسان).
فيُقرّرُ شوبنهور في كتابه "العالم إرادة وتمثّلًا": إنّ العالمَ حيثُ يَظهرُ ويتحوّلُ في إدراكِنا إلى تصوُّرٍ، ولكنّهُ في حقيقتِه وجوهرِهِ إرادةٌ، وانّ هذه الإرادةَ الّتي هي جوهرُ موجوداتِ هذا العالم وحقيقتُهِ، ما هي إلّا قوّةً عمياءَ غيرَ عاقلة، والغايةُ مِن الفنّ عندَ شوبنهور، هي الوصولُ إلى نوعٍ مِن الغناءِ التّامّ، أو الغبطةِ الشّاملةِ، الّتي تتحقّقُ إرادةُ الفنّانِ عن طريقِها، ومِن خلالِ إبداعِهِ الفنّيّ!
وكانتْ تُداخلُني عدّةَ أسئلة، مِن خلال استمراري في قراءةِ مساحاتِ آمال الشّعريّة، عبرَ تجاربِها الكثيرةِ الّتي تبلورَتْ عن إنتاجٍ عيانيٍّ مِن الشّعر، مُردّدةً: (وَكُنْتِهِ رَغْوَةَ لُؤْلُؤٍ/ كُنْهَ صَدَفَةِ رَبِيعٍ تَغْشَى شِفَاهَ تَوَسُّلٍ مَزَّقَتْنِي/ تَنْدَهُ مِلْءَ الشَّهْوَةِ)!
فشهوةُ آمال هي البحثُ عن الجَمال ومَلاذاتِ الحُبّ، ثمّ رؤيا الاقتراب مِن الآخر، كوْنه قطبًا كونيًّا مُعادِلًا لحقيقةِ الحياةِ، وسفينتُها المُبحرةُ في هذا هي اللغة، وبهذا التعبير عن الحُبّ، من خلال اللّغةِ الّتي يَقولُ عنها أدونيس:
(اللّغةُ أكثرُ مِن وسيلةٍ للنّقلِ أو للتفاهم، إنّها وسيلةُ استبطانٍ واكتشافٍ، ومِن غاياتِها الأولى أن تُثيرَ وتُحرّكَ، وتهزَّ الأعماقَ، وتفتحَ أبوابَ الاستبطان. إنّها تُهامسُنا لكي نصيرَ أكثرَ ممّا تُهامسُنا لكي نتلقّن. إنّها تيّارُ تحوّلاتٍ يَغمرُنا بإيحائِهِ وإيقاعِهِ وبُعدِهِ. هذه اللّغةُ فعلٌ، نواةُ حركةٍ، خزّانُ طاقاتٍ، والكلمةُ فيها أكثرُ من حروفِها وموسيقاها، لها وراء حروفِها ومَقاطعِها دمٌ خاصٌّ، ودورةٌ حياتيّةٌ خاصّة، فهي كيانٌ يَكمنُ جوهرُهُ في دمِهِ لا في جلدِهِ، وطبيعيٌّ أن تكونَ اللّغةُ هنا إيحاءً لا إيضاحًا).
إذن؛ إيحاءاتُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان مِن خلالِ لغتِها الشفّافة، والمُنسابةِ إلى رُبى الروح، ترقصُ أبدًا في مِحرابها، لتتلوّنَ بالمُغايرة، وحسبَ قابليّةِ الشاعرةِ والموقفِ الّذي يَكتنفها.
ومِن هذه المَسارات، (اتّجهت القصيدةُ العربيّةُ الجديدةُ في سِياقاتِ تطوّرِها وتحديثِها المُتنوّعة، إلى الاشتغال على المعنى الشعريّ، بوصْفِهِ تجربةً تتجاوزُ حدودَ الدّلالةِ الكبرى، لتدخلَ في فضاءِ السيمياء، فكانَ المكانُ موضوعًا رئيسًا وأوّليًا مِن موضوعاتِ هذهِ التّجربة. وبما أنّ الجسدَ الشاغلُ الأساسُ للمكان، والمُنتجُ الأوّلُ للمعنى، فقد احتفتْ بهِ القصيدةُ الجديدة، وقاربتْهُ بمناخٍ مُختلفٍ ورؤى مُتعدّدةٍ، غيرَ أنّ ذلك لم يكنْ بالعمق والأصالةِ المطلوبَيْنِ عندَ الكثيرين، لكنّهُ عند البعض الآخر الواعي لحساسيّاتِ مُفرداتِهِ وخلفيّاتِها، كان عميقًا وأصيلًا ومُنفتِحًا على فضاء الموضوع.) ص138 تمظهرات.
تقول الشاعرة آمال عوّاد رضوان ص32 في قصيدة "طعمُكِ مُفعَمٌ بعِطرِ الآلهةِ":
:مُهْرَةَ رُوحِي الْحَافِيَة/ أَلاَ هُزِّي عَتْمَةَ وَجْهِي الذَّاوِيَة/ سَرِّحِيهَا نَوْرانِيَّةَ عَدَالَةٍ فِي مَسَامَاتِ جِهَاتِ مَوازينِكِ/ عَلَّنِي أَنْغَمِسُ بِكِ خُبْزَ بَرَاءَة/ لاَ تُقْصِينِي أَيَا طُوفَانِيَ الْمُشْتَهَى/ نَوَافِيرُ فَرَارِكِ فَجَّرَتْ ضَوْئِيَ اللَّيْلَكِيّ/ طَاغِيَةُ الْحُمْرَةِ بَاتَتْ شَهْقَاتُ خَيَالِي الْكَافِرِ/ كَجَذْوَةٍ مُجَمَرَّةٍ غَدَتْ خَفَقَاتِي!/
ثَنَايَا انْكِسَارَاتِي/ مَا فَتِئَتْ تُؤْنِسُنِي بِصَوْتِكِ الْمُتَهَجِّدِ/ حُضُورُكِ .. مَا انْفَكَّ يُبْهِرُنِي صُدَاحُهُ/ يَجْلِبُ لِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ الْمَطَرَ/ يَجْعَلُنِي أَذْرِفُ كُلَّ عَنَادِلَ لِبْلاَبِي/ مَنْ يُنْجِدُنِي مِنْ سَطْوَةِ صَوْتِكِ/ حِينَ تفْتَحُ لِي غِرْنَاطَةُ السَّمَاء؟/ أَو حِينَ أَنْهَمِرُ غُيُومًا عَلَى كُلِّ مَوْجَةٍ/ تَنْدَاحُ مِنْ شَفَتَيْكِ "حَيَاتِي"؟
هذه الانطواءاتُ الشّعريّةُ العازفةُ على إيقاع اللّغة، تُظهرُ بوضوحٍ مَدى تعلُّقِ الشاعرة بالبحثِ الجادِّ والمُقلق، عمّا يُعادل رؤاها من أمكنةٍ افتراضيّة، سواء جسديّةً أو من أمكنةِ الطبيعة، لتكونَ مَحلَّ تَزاوُرِ آمال ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال، وأوراقُها مَبسوطةٌ أمامَها، تَستقبلُ احتراقاتِ الذّات..
أي؛ (أنّ الشاعرَ يُسَخّرُ كلّ ما يملكُ مِن طاقاتٍ فنّيّةٍ، في سبيلِ خلقِ الصورةِ، ونقلِها إلينا بكاملِ صِفاتِها وخصائصِها، وبما يَتلاءمُ وواقع تجربتِهِ في القصيدة، فهو "يُصوّرُ الأشياءَ كما يراها، يلتقط ظلالَها الهاربة، وأشكالَها المُتغيّرة، لكي يَجعلَنا نحسُّ بها، كما يُحسُّ هو بها"، بثباتِها، وحركتِها، وفعاليّاتِها المُتنوّعةِ والمُتعدّدةِ، وهي تخضعُ لطبيعةِ التجربة، وكيفيّةِ حضورِها الشعريّ في القصيدة.)!
وهنا لا بدّ مِنَ الالتفاتِ إلى مسألةِ الإدراك، (فوظيفةُ الإدراكِ والفهمِ هي التّمييزُ بينَ محتوياتِ الوعي وتصنيفِها، وبينَ اللّذات الّتي تُصاحبُ عمليّاتِ التّمييزِ والتّصنيفِ، هذه هي الّتي يتكوّنُ منها جَمالُ العالم المَحسوس)!
فقولُها: (نَوَافِيرُ فَرَارِكِ فَجَّرَتْ ضَوْئِيَ اللَّيْلَكِيّ)، عالمٌ لا مَحسوسٌ، يُقابلُهُ قولُها: (يَجْلِبُ لِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ الْمَطَرَ/ يَجْعَلُنِي أَذْرِفُ كُلَّ عَنَادِلَ لِبْلاَبِي)، عالمٌ محسوسٌ بحضورِ مادّيتِهِ المَلموسةِ عبْرَ الجسدِ، وكلا القوليْنِ تَعاملتْ معهما بطريقةٍ مُغايرة، أفضتْ إلى انقلابِ الصّورة.. أي عمدَتْ إلى تحريكِ الصورة.
(وغالبًا ما يتّكئُ الشاعرُ على "الفعل"، في تحريكِ مُفرداتِ الصورةِ وتَشعيرِها، بوصفِهِ الأدلّةَ الأولى الفعّالةَ في تحريك مُفرداتِ الصورةِ الشعريّة، إذ يُشكّلُ "الوجه الظاهر لحركةِ الصورة، ومِن ثمّ افتقار الصورة إلى الفعل، يَسلبُها دون شكٍّ تلكَ الطاقة على الحركة، ويُكسبُها نوعًا مِن السكون"، لتستقرَّ في القصيدة، على أنّها صورةٌ ثابتةٌ تنعدمُ فيها قابلةُ الحركةِ والتفاعل) ص98 الأداة الشعريّة.
فالأفعال: هُزّي، سَرِّحيها، وغيرها من أفعال الحركة، جعلتْ مِن الصورة ذاتَ شِعريّةٍ مُنفعِلةٍ نحوَ التأسيس، بتبلوُرِ رؤيةِ وموقفِ تجاه الحياة..
وأبقى هنا أردّدُ ما قالَهُ المُبدعُ الكبيرُ أدونيس:
(التغيرُ لا الثباتُ، الاحتمالُ لا الحتميّة ذلك ما يسودُ عصرَنا، والشاعرُ الّذي يُعبّرُ تعبيرًا حقيقيًّا عن هذا العصر، هو شاعرُ الانقطاع عمّا هو سائدٌ ومقبولٌ ومُعمّم، هو شاعرُ المفاجأةِ والرفض، الشاعرُ الذي يَهدمُ كلّ حدّ، بل الذي يُلغي معنى الحدّ، بحيث لا يبقى أمامه غير حركةِ الإبداع، وتفجُّرِها في جميع الاتّجاهات. هكذا تتّجهُ القصيدةَ العربيّة، لكي تصبحَ ما أسمّيه "القصيدة الكلّيّة" القصيدة التي تُبطلُ أن تكونَ لحظةً انفعاليّة، لكي تصبحَ لحظةً كونيّة، تتداخلُ فيها مختلفُ الأنواع التعبيريّة).
من هنا، أجدُ هذا الزخم الانفعاليّ العقليّ الذي تمتاز به الشاعرة آمال عوّاد رضوان، أعطاها القدرةَ الواضحةَ والواثقةَ في صنع مُغايراتٍ شعريّةٍ، بثّت إشاراتٍ إلى تكوين رؤيةٍ وموقفٍ، امتدّا عبرَ تجربتِها الشّعريّةِ الكبيرة ..
مصادر البحث :
كتاب (تمظهرات القصيدة الجديدة)، أ.د.محمد صابر عبيد عالم الكتب الحديثة. إربد الأردن الطبعة الأولى 2013 م ص138.
كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد، سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي، رقم 14، 2008م، ص98.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.