الرقابة الحزبية العليا تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقه    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    بينها مطار صنعاء .. اتفاقية لتفويج الحجاج اليمنيين عبر 5 مطارات    الاحتلال يواصل توغله برفح وجباليا والمقاومة تكبده خسائر فادحة    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    صعقة كهربائية تنهي حياة عامل وسط اليمن.. ووساطات تفضي للتنازل عن قضيته    انهيار جنوني للريال اليمني وارتفاع خيالي لأسعار الدولار والريال السعودي وعمولة الحوالات من عدن إلى صنعاء    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    "استحملت اللى مفيش جبل يستحمله".. نجمة مسلسل جعفر العمدة "جورى بكر" تعلن انفصالها    باستوري يستعيد ذكرياته مع روما الايطالي    فودين .. لدينا مباراة مهمة أمام وست هام يونايتد    انهيار وافلاس القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    فضيحة تهز الحوثيين: قيادي يزوج أبنائه من أمريكيتين بينما يدعو الشباب للقتال في الجبهات    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    الحوثيون يتكتمون على مصير عشرات الأطفال المصابين في مراكزهم الصيفية!    الطرق اليمنية تبتلع 143 ضحية خلال 15 يومًا فقط ... من يوقف نزيف الموت؟    رسالة حاسمة من الحكومة الشرعية: توحيد المؤتمر الشعبي العام ضرورة وطنية ملحة    خلافات كبيرة تعصف بالمليشيات الحوثية...مقتل مشرف برصاص نجل قيادي كبير في صنعاء"    الدوري السعودي: النصر يفشل في الحاق الهزيمة الاولى بالهلال    في اليوم ال224 لحرب الإبادة على غزة.. 35303 شهيدا و79261 جريحا ومعارك ضارية في شمال وجنوب القطاع المحاصر    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    بن مبارك يبحث مع المعهد الملكي البريطاني "تشاتم هاوس" التطورات المحلية والإقليمية    الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة أمريكية MQ9 في سماء مأرب    قيادي حوثي يسطو على منزل مواطن في محافظة إب    السعودية تؤكد مواصلة تقديم المساعدات والدعم الاقتصادي لليمن    مسيرة حاشدة في تعز تندد بجرائم الاحتلال في رفح ومنع دخول المساعدات إلى غزة    المطر الغزير يحول الفرحة إلى فاجعة: وفاة ثلاثة أفراد من أسرة واحدة في جنوب صنعاء    بيان هام من وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات من صنعاء فماذا قالت فيه ؟    ميسي الأعلى أجرا في الدوري الأميركي الشمالي.. كم يبلغ راتبه في إنتر ميامي؟؟    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    شاب يمني يساعد على دعم عملية السلام في السودان    أعظم صيغ الصلاة على النبي يوم الجمعة وليلتها.. كررها 500 مرة تكن من السعداء    الخليج يُقارع الاتحاد ويخطف نقطة ثمينة في الدوري السعودي!    مأرب تحدد مهلة 72 ساعة لإغلاق محطات الغاز غير القانونية    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا لكرة القدم للمرة ال15 في تاريخه    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    600 ألف دولار تسرق يوميا من وقود كهرباء عدن تساوي = 220 مليون سنويا(وثائق)    وعود الهلآّس بن مبارك ستلحق بصيف بن دغر البارد إن لم يقرنها بالعمل الجاد    المملكة المتحدة تعلن عن تعزيز تمويل المساعدات الغذائية لليمن    وفاة طفل غرقا في إب بعد يومين من وفاة أربع فتيات بحادثة مماثلة    شاهد: مفاجأة من العصر الذهبي! رئيس يمني سابق كان ممثلا في المسرح وبدور إمراة    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آمال عوّاد رضوان تفتحُ آفاقَ جَمالٍ جديدةً عبْرَ تجربتِها الشّعريّةِ!
نشر في الرأي الثالث يوم 22 - 10 - 2013

كلّ مرّةٍ أتوسّلُ ذلكَ الجَمالَ المُختفي في أعماقي، كنسيمٍ يُلامسُني حينَ انبلاجِ فجرٍ جديدٍ وقراءةِ الشّعر، أتوسّلُهُ بوُدّ، حتّى عاهدتُ الحبيبةَ في لقاءٍ مفتوحٍ على سفوحِ نهْرِنا الجميل، وبمنتهى الشّجاعةِ، أن أمنحَ العالمَ ما هو أكثَ بقاءً مِن الحُبّ، ذلك الصّدق المَسكون بوطنٍ يَجمعُنا..
هذا ما هامسَتني به أعماقي، وأنا أعيشُ لحظاتِ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، في مساحاتِها الشّعريّةِ المُعشوشبةِ، في ديوانها "رحلةٌ إلى عنوانٍ مفقودٍ"، فتقول ص 10:
(آمَال؛ لَيْستْ سِوَى طِفْلَةٍ خَضْرَاءَ انْبَثَقَتْ مِنْ رَمَادِ وَطَنٍ مَسْفُوكٍ فِي عُشٍّ فِينِيقِيٍّ مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدْ! أَتَتْ بِهَا الْأَقْدَارُ، عَلَى مُنْحَنَى لَحْظَةٍ تَتَّقِدُ بِأَحْلاَمٍ مُسْتَحِيلَةٍ، فِي لُجَّةِ عَتْمٍ يَزْدَهِرُ بِالْمَآسِي، وَمَا فَتِئَتْ تَتَبَتَّلُ وَتَعْزِفُ بِنَايِ حُزْنِهَا الْمَبْحُوحِ إِشْرَاقَاتِهَا الْغَائِمَةَ، وَمَا انْفَكَّتْ تَتَهَادَى عَلَى حَوَافِّ قَطْرَةٍ مُقَدَّسَةٍ مُفْعَمَةٍ بِنَبْضِ شُعَاعٍ، أَسْمَوْهُ "الْحَيَاة"!).
يُشكّلُ (الشّعرُ والوجودُ عندها) بؤرةً رؤيويّةً تأويليّةً تعدّديّةً، تُدركُ الكينونةَ، بوصْفِها انفتاحًا للموجود، "على أنّ الإنسانَ لا يَستطيعُ معرفةَ ما لا يُمكنُ حسابُهُ، أي أنْ يَصونَهُ في حقيقتِهِ، إلّا انطلاقًا مِن مُساءلةٍ خلّاقةٍ وقويّةٍ، تُستمَدُّ مِن فضيلةِ تأمّلٍ أصيل.." )!
من هنا بدأتْ رحلتي، حيثُ تبدأ رحلةُ الشّاعرةِ آمال عوّاد رضوان، بقلقٍ مُستمرٍّ، متصاعدٍ، مُتفاعلٍ معَ أشياء الكوْنِ والحياة، وبمُساءلةٍ خلّاقةٍ وقويّةٍ، تُستمَدُّ مِن فضيلةِ تأمُّلٍ أصيلٍ.. ولا ألو جهدًا أنْ أبحثَ في مَظانّ أشعارِها، المُفعمةِ بالبحثِ الدّؤوبِ عن جَماليّةِ الحياةِ وكُنهِ الكوْن..
(الشعرُ صياغةٌ وضربٌ مِنَ التّصويرِ، "على حدِّ تعبيرِ الجاحظ، وانفعالٌ وجدانيٌّ يستجيبُ لنداءاتِ الطبيعةِ، مُعتمِدًا الإيقاعَ، اللّغةَ، الصّورةَ، مَحطّاتٍ تُساهمُ في إبداعِهِ وتَشَكُّلِهِ، وهي تحتضنُ مَضمونًا إنسانيًّا، إضافةً الى تقاناتٍ فنّيّةٍ مُضافةٍ، كالحوارِ المونولوجيّ، والتّذكيرِ، والتّذكُّر، والاستذكارِ، والتنقيطِ، والقناعِ، والرّمزِ، توظّفُها الشاعرةُ آمال لتقديمِ رؤيةٍ أو فكرةٍ مِن جانبٍ، وإضفاءِ جَماليّةٍ على نصِّها مِن جهةٍ أخرى، باسترجاعِ الأشياءِ الضائعةِ، عبْرَ حُلمِيّةٍ تعتمدُ اللّغةَ المُكثّفةَ المُتميّزةَ بانزياحاتِها عن المألوفِ، عبْرَ مَناخاتِها المُتجاوزةِ لمَوضوعاتِها والمُتقاطعةِ، وعبرَ عناصرِ الذّاكرةِ والواقعِ بكلّ موْجوداتِهِ..)!
تقولُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان ص 15 بقصيدة "أقمْ محرقةَ أقمارِكَ بأدغالِ مائي":
غَبَشُ شَهْقَةٍ سَحَّها أَرِيجُ اللَّيْلِ عَلَى شَلاَّلِ غِيَابِكَ/ فَاضَتْ شَجَنًا خَرِيفِيًّا عَلَى مَرْمَى وَطَنِي/ هَا الْمَوْتُ كَمْ تَاهَ فِي نَقْشِ مَجْهُولٍ/ كَمْ هَدْهَدَتْهُ هَمَسَاتُ فُصُولِكَ/ وَبِسِكِّينِ وَهْمِهِ الْمَاضِي/ كَمْ قَصْقَصَ حِبَالَ ضَبَابِكَ! / يَااااااااااااه/ كَمْ رَاوَغَهُ هَمْسُ تَأَوُّهِكَ:/ أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي/ بِرُفَاتِ طَيْفِي الْمَسْلُوبِ/ وَتَبَدَّدْ بِفَرَاشِي الأَزَلِيِّ!/.
(وهنا تَحضرُ روحُ الشّاعرةِ آمال بجَمالها الفاضح، لتعيشَ غيابَ الآخرِ، تاهَ في نقشٍ مَجهولٍ، ولهذا كانتْ دعوتُها الانفعاليّةُ بقوْلِها:
(أَقِمْ مِحْرَقَةَ أَقْمَارِكَ بِأَدْغَالِ مَائِي)، وهنا تكمنُ رؤيتُها الجَماليّةُ، باتّخاذِها الماءَ قيامةَ حياة..
يقول هيجل: (إنّ للفنِّ هدفيْن: الأوّلُ أساسٌ، ويَتمثّلُ في تلطيفِ الهمجيّةِ بوجهٍ عامٍّ وتهذيبِ الأخلاق، والثاني نهائيٌّ، وهو كشفُ الحقيقةِ، وتمثيلُ ما يَجيشُ في النّفسِ البّشريّة)! إذن؛ الهدفُ يَكمنُ في الكشفِ عن كلِّ ما هو جَماليٌّ وجوهريٌّ في النفس، وتحفيزِها في مُؤثّراتٍ جَماليّةٍ مِن خلالِ اللّغة.
يقول عنها أدونيس:
(اللّغةُ أكثرُ مِن وسيلةٍ للنّقلِ أو للتّفاهمِ، إنّها وسيلةُ استبطانٍ واكتشافٍ، ومِن غاياتِها الأولى أن تُثيرَ وتُحرّكَ، وتَهزَّ الأعماقَ، وتفتحَ أبوابَ الاستبطان. إنّها تُهامسُنا لكي نصيرَ أكثرَ ممّا تهامسْنا لكي نتلقّن. إنّها تيّارُ تحوُّلاتٍ، يَغمرُنا بإيحائِهِ وإيقاعِهِ وبُعدِهِ. هذه اللّغةُ فعلٌ، نواةُ حركةٍ، خزّانُ طاقاتٍ، والكلمةُ فيها أكثرُ مِن حروفِها وموسيقاها، لها وراء حروفِها ومقاطعِها دمٌ خاصٌّ، ودورةٌ حياتيّةٌ خاصّة، فهي كيانٌ يَكمُنُ جوهرُهُ في دمِهِ لا في جلدِهِ، وطبيعيٌّ أن تكونَ اللّغةُ هنا إيحاءٌ لا إيضاحًا).
تقولُ الشاعرةُ آمال عوّاد رضوان ص28 في قصيدة "وحدكِ تُجيدينَ قراءةَ حَرائقي":
(أَنَا يَا ابْنَةَ الْمَاءِ/ مَنِ اغْرَوْرَقَتْ دَهَالِيزُ دَهْشَتِي بِغصَّةِ زَبَدِي/ اسْتَغَثْتُ:/ أَلاَ هُبِّي نَوَافِيرُ رَمْلِي/ اِسْتَحِمِّي بِبُحَيْرَةِ ضَوْءِ حَبِيبَتِي!/ كَظَبْيَةٍ دَافِئَةٍ/ رَابَطْتِ عَلَى حُدُودِ انْشِطَارِي/ وَعُيُونُ أَصْدَافِكِ تُطَارِدُ رِيحِي!/ أَيَا كَآبَةَ فَرَحِي/ لِمَ أَلْقَيْتِ بِيَاقُوتِ صَخَبِكِ عَلَى حَوَاشِي كَبِدِي/ وَوَلَّيْتِ تَرْقُصِينَ/ تُدَغْدِغِينَ بِقَوْسِكِ الْمَاسِيِّ/ شِرْيَانَ غُرُوبٍ يَنْزِفُنِي؟)
بهذهِ اللّغةِ الشّعريّةِ المُراوغةِ في فننٍ وارفٍ مِنَ الجّماليّة، تتبلورُ رؤيةُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان، ولذلك، فإنّ (شوبنهور يَسمو بالقيمةِ الجَماليّة، ويَضعُها في أعلى مكانٍ ومستوى، يُمكنُ أن يَرقى إليهِ الإنسان).
فيُقرّرُ شوبنهور في كتابه "العالم إرادة وتمثّلًا": إنّ العالمَ حيثُ يَظهرُ ويتحوّلُ في إدراكِنا إلى تصوُّرٍ، ولكنّهُ في حقيقتِه وجوهرِهِ إرادةٌ، وانّ هذه الإرادةَ الّتي هي جوهرُ موجوداتِ هذا العالم وحقيقتُهِ، ما هي إلّا قوّةً عمياءَ غيرَ عاقلة، والغايةُ مِن الفنّ عندَ شوبنهور، هي الوصولُ إلى نوعٍ مِن الغناءِ التّامّ، أو الغبطةِ الشّاملةِ، الّتي تتحقّقُ إرادةُ الفنّانِ عن طريقِها، ومِن خلالِ إبداعِهِ الفنّيّ!
وكانتْ تُداخلُني عدّةَ أسئلة، مِن خلال استمراري في قراءةِ مساحاتِ آمال الشّعريّة، عبرَ تجاربِها الكثيرةِ الّتي تبلورَتْ عن إنتاجٍ عيانيٍّ مِن الشّعر، مُردّدةً: (وَكُنْتِهِ رَغْوَةَ لُؤْلُؤٍ/ كُنْهَ صَدَفَةِ رَبِيعٍ تَغْشَى شِفَاهَ تَوَسُّلٍ مَزَّقَتْنِي/ تَنْدَهُ مِلْءَ الشَّهْوَةِ)!
فشهوةُ آمال هي البحثُ عن الجَمال ومَلاذاتِ الحُبّ، ثمّ رؤيا الاقتراب مِن الآخر، كوْنه قطبًا كونيًّا مُعادِلًا لحقيقةِ الحياةِ، وسفينتُها المُبحرةُ في هذا هي اللغة، وبهذا التعبير عن الحُبّ، من خلال اللّغةِ الّتي يَقولُ عنها أدونيس:
(اللّغةُ أكثرُ مِن وسيلةٍ للنّقلِ أو للتفاهم، إنّها وسيلةُ استبطانٍ واكتشافٍ، ومِن غاياتِها الأولى أن تُثيرَ وتُحرّكَ، وتهزَّ الأعماقَ، وتفتحَ أبوابَ الاستبطان. إنّها تُهامسُنا لكي نصيرَ أكثرَ ممّا تُهامسُنا لكي نتلقّن. إنّها تيّارُ تحوّلاتٍ يَغمرُنا بإيحائِهِ وإيقاعِهِ وبُعدِهِ. هذه اللّغةُ فعلٌ، نواةُ حركةٍ، خزّانُ طاقاتٍ، والكلمةُ فيها أكثرُ من حروفِها وموسيقاها، لها وراء حروفِها ومَقاطعِها دمٌ خاصٌّ، ودورةٌ حياتيّةٌ خاصّة، فهي كيانٌ يَكمنُ جوهرُهُ في دمِهِ لا في جلدِهِ، وطبيعيٌّ أن تكونَ اللّغةُ هنا إيحاءً لا إيضاحًا).
إذن؛ إيحاءاتُ الشاعرة آمال عوّاد رضوان مِن خلالِ لغتِها الشفّافة، والمُنسابةِ إلى رُبى الروح، ترقصُ أبدًا في مِحرابها، لتتلوّنَ بالمُغايرة، وحسبَ قابليّةِ الشاعرةِ والموقفِ الّذي يَكتنفها.
ومِن هذه المَسارات، (اتّجهت القصيدةُ العربيّةُ الجديدةُ في سِياقاتِ تطوّرِها وتحديثِها المُتنوّعة، إلى الاشتغال على المعنى الشعريّ، بوصْفِهِ تجربةً تتجاوزُ حدودَ الدّلالةِ الكبرى، لتدخلَ في فضاءِ السيمياء، فكانَ المكانُ موضوعًا رئيسًا وأوّليًا مِن موضوعاتِ هذهِ التّجربة. وبما أنّ الجسدَ الشاغلُ الأساسُ للمكان، والمُنتجُ الأوّلُ للمعنى، فقد احتفتْ بهِ القصيدةُ الجديدة، وقاربتْهُ بمناخٍ مُختلفٍ ورؤى مُتعدّدةٍ، غيرَ أنّ ذلك لم يكنْ بالعمق والأصالةِ المطلوبَيْنِ عندَ الكثيرين، لكنّهُ عند البعض الآخر الواعي لحساسيّاتِ مُفرداتِهِ وخلفيّاتِها، كان عميقًا وأصيلًا ومُنفتِحًا على فضاء الموضوع.) ص138 تمظهرات.
تقول الشاعرة آمال عوّاد رضوان ص32 في قصيدة "طعمُكِ مُفعَمٌ بعِطرِ الآلهةِ":
:مُهْرَةَ رُوحِي الْحَافِيَة/ أَلاَ هُزِّي عَتْمَةَ وَجْهِي الذَّاوِيَة/ سَرِّحِيهَا نَوْرانِيَّةَ عَدَالَةٍ فِي مَسَامَاتِ جِهَاتِ مَوازينِكِ/ عَلَّنِي أَنْغَمِسُ بِكِ خُبْزَ بَرَاءَة/ لاَ تُقْصِينِي أَيَا طُوفَانِيَ الْمُشْتَهَى/ نَوَافِيرُ فَرَارِكِ فَجَّرَتْ ضَوْئِيَ اللَّيْلَكِيّ/ طَاغِيَةُ الْحُمْرَةِ بَاتَتْ شَهْقَاتُ خَيَالِي الْكَافِرِ/ كَجَذْوَةٍ مُجَمَرَّةٍ غَدَتْ خَفَقَاتِي!/
ثَنَايَا انْكِسَارَاتِي/ مَا فَتِئَتْ تُؤْنِسُنِي بِصَوْتِكِ الْمُتَهَجِّدِ/ حُضُورُكِ .. مَا انْفَكَّ يُبْهِرُنِي صُدَاحُهُ/ يَجْلِبُ لِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ الْمَطَرَ/ يَجْعَلُنِي أَذْرِفُ كُلَّ عَنَادِلَ لِبْلاَبِي/ مَنْ يُنْجِدُنِي مِنْ سَطْوَةِ صَوْتِكِ/ حِينَ تفْتَحُ لِي غِرْنَاطَةُ السَّمَاء؟/ أَو حِينَ أَنْهَمِرُ غُيُومًا عَلَى كُلِّ مَوْجَةٍ/ تَنْدَاحُ مِنْ شَفَتَيْكِ "حَيَاتِي"؟
هذه الانطواءاتُ الشّعريّةُ العازفةُ على إيقاع اللّغة، تُظهرُ بوضوحٍ مَدى تعلُّقِ الشاعرة بالبحثِ الجادِّ والمُقلق، عمّا يُعادل رؤاها من أمكنةٍ افتراضيّة، سواء جسديّةً أو من أمكنةِ الطبيعة، لتكونَ مَحلَّ تَزاوُرِ آمال ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشّمال، وأوراقُها مَبسوطةٌ أمامَها، تَستقبلُ احتراقاتِ الذّات..
أي؛ (أنّ الشاعرَ يُسَخّرُ كلّ ما يملكُ مِن طاقاتٍ فنّيّةٍ، في سبيلِ خلقِ الصورةِ، ونقلِها إلينا بكاملِ صِفاتِها وخصائصِها، وبما يَتلاءمُ وواقع تجربتِهِ في القصيدة، فهو "يُصوّرُ الأشياءَ كما يراها، يلتقط ظلالَها الهاربة، وأشكالَها المُتغيّرة، لكي يَجعلَنا نحسُّ بها، كما يُحسُّ هو بها"، بثباتِها، وحركتِها، وفعاليّاتِها المُتنوّعةِ والمُتعدّدةِ، وهي تخضعُ لطبيعةِ التجربة، وكيفيّةِ حضورِها الشعريّ في القصيدة.)!
وهنا لا بدّ مِنَ الالتفاتِ إلى مسألةِ الإدراك، (فوظيفةُ الإدراكِ والفهمِ هي التّمييزُ بينَ محتوياتِ الوعي وتصنيفِها، وبينَ اللّذات الّتي تُصاحبُ عمليّاتِ التّمييزِ والتّصنيفِ، هذه هي الّتي يتكوّنُ منها جَمالُ العالم المَحسوس)!
فقولُها: (نَوَافِيرُ فَرَارِكِ فَجَّرَتْ ضَوْئِيَ اللَّيْلَكِيّ)، عالمٌ لا مَحسوسٌ، يُقابلُهُ قولُها: (يَجْلِبُ لِي مِنْ كُلِّ فَجٍّ الْمَطَرَ/ يَجْعَلُنِي أَذْرِفُ كُلَّ عَنَادِلَ لِبْلاَبِي)، عالمٌ محسوسٌ بحضورِ مادّيتِهِ المَلموسةِ عبْرَ الجسدِ، وكلا القوليْنِ تَعاملتْ معهما بطريقةٍ مُغايرة، أفضتْ إلى انقلابِ الصّورة.. أي عمدَتْ إلى تحريكِ الصورة.
(وغالبًا ما يتّكئُ الشاعرُ على "الفعل"، في تحريكِ مُفرداتِ الصورةِ وتَشعيرِها، بوصفِهِ الأدلّةَ الأولى الفعّالةَ في تحريك مُفرداتِ الصورةِ الشعريّة، إذ يُشكّلُ "الوجه الظاهر لحركةِ الصورة، ومِن ثمّ افتقار الصورة إلى الفعل، يَسلبُها دون شكٍّ تلكَ الطاقة على الحركة، ويُكسبُها نوعًا مِن السكون"، لتستقرَّ في القصيدة، على أنّها صورةٌ ثابتةٌ تنعدمُ فيها قابلةُ الحركةِ والتفاعل) ص98 الأداة الشعريّة.
فالأفعال: هُزّي، سَرِّحيها، وغيرها من أفعال الحركة، جعلتْ مِن الصورة ذاتَ شِعريّةٍ مُنفعِلةٍ نحوَ التأسيس، بتبلوُرِ رؤيةِ وموقفِ تجاه الحياة..
وأبقى هنا أردّدُ ما قالَهُ المُبدعُ الكبيرُ أدونيس:
(التغيرُ لا الثباتُ، الاحتمالُ لا الحتميّة ذلك ما يسودُ عصرَنا، والشاعرُ الّذي يُعبّرُ تعبيرًا حقيقيًّا عن هذا العصر، هو شاعرُ الانقطاع عمّا هو سائدٌ ومقبولٌ ومُعمّم، هو شاعرُ المفاجأةِ والرفض، الشاعرُ الذي يَهدمُ كلّ حدّ، بل الذي يُلغي معنى الحدّ، بحيث لا يبقى أمامه غير حركةِ الإبداع، وتفجُّرِها في جميع الاتّجاهات. هكذا تتّجهُ القصيدةَ العربيّة، لكي تصبحَ ما أسمّيه "القصيدة الكلّيّة" القصيدة التي تُبطلُ أن تكونَ لحظةً انفعاليّة، لكي تصبحَ لحظةً كونيّة، تتداخلُ فيها مختلفُ الأنواع التعبيريّة).
من هنا، أجدُ هذا الزخم الانفعاليّ العقليّ الذي تمتاز به الشاعرة آمال عوّاد رضوان، أعطاها القدرةَ الواضحةَ والواثقةَ في صنع مُغايراتٍ شعريّةٍ، بثّت إشاراتٍ إلى تكوين رؤيةٍ وموقفٍ، امتدّا عبرَ تجربتِها الشّعريّةِ الكبيرة ..
مصادر البحث :
كتاب (تمظهرات القصيدة الجديدة)، أ.د.محمد صابر عبيد عالم الكتب الحديثة. إربد الأردن الطبعة الأولى 2013 م ص138.
كتاب (عضوية الأداة الشعرية) أ.د.محمد صابر عبيد، سلسلة كتاب جريدة الصباح الثقافي، رقم 14، 2008م، ص98.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.