باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاسلاميون في اليمن.. براغماتية سياسية وجمود أيدولوجي.. د. فؤاد الصلاحي
نشر في يمنات يوم 06 - 11 - 2012

الحديث عن الاسلاميين في اليمن يقصد به الحديث عن حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تأسس في 13 سبتمبر 1990 بعد اربعة اشهر من اعلان الوحدة اليمنية فهو حصيلة تجميع للجماعة الاسلامية (الاخوان المسلمين) مع حلفائها من مختلف القوى الاجتماعية (تجار, عسكر, قبائل, سلفين) ثم اتسعت قاعدتهم الاجتماعية بين افراد الطبقة الوسطي وهم من ابناء الفلاحين (ابناء الريف) القادمين الى المدن من اجل التعليم والوظيفة الحكومية وكذلك الطلاب العائدين من البعثات التعليمية ومخرجات الجامعات والمعاهد المحلية, وهنا تغلغل الاخوان في مختلف النقابات المهنية والجمعيات الخيرية لمزيد من استقطاب الشباب والانتشار في اوساط المجتمع.
ويرى بعض الباحثين أن التجمع اليمني للإصلاح تكون منذ الإعلان عنه في المؤتمر العام الأول من الإخوان المسلمون أو بالأحرى التيار الإسلامي الذي يمثل حجر الزاوية, والجناح القبلي "رموز قبلية حاشد – ثم امتدادها إلى قبيلة بكيل", ومستقلون يمثلون مجموعات التجار والفئات الاجتماعية المختلفة, ومن التكنوقراط والحداثيين الليبراليين.
في هذا السياق يروي الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر في مذكراته أن تأسيس حزب الاصلاح جاء بطلب من الرئيس علي عبد الله صالح الذي اراد منه أن يكون واجهة سياسية معارضة للحزب الاشتراكي اليمني, الشريك الثاني للمؤتمر والرئيسي اللذين أعلنا الوحدة.
وبغض عما أشار إليه الشيخ في مذكراته فقد كانت طبيعة المرحلة تدفع إلى تأسيس تجمع إسلامي تعبيراً عن رغبتهم التاريخية في تشكيل تنظيم سياسي؛ خاصة وأن الساحة أصبحت مفتوحة لتعدد الحزبي والسياسي وانهم لا يردون انفراد المؤتمر والاشتراكي بالدولة والمجتمع انطلاقا من كونهما الحزبان الحاكمان للشطرين قبل الوحدة, وللعلم فأن أول انتخابات تنافسية بعد الوحدة عام 1993م أظهرت الاسلاميين كقوة سياسية كبيرة احتلت المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد البرلمانية.
إضافة إلى ما سبق من مبررات تأسيس حزب الاصلاح فأن رغبة الشيخ الاحمر المحمومة في الحفاظ على تزعم اليمن الموحد تحت راية القبيلة "حاشد" والحفاظ على النفوذ المطلق في السلطة كانا عاملان اساسيان لدعم الشيخ تأسيس الحزب, بل ويكون أول لا يأس له مع أن القيادة التاريخية للإسلامين كانت من خارج البنية القبلية.
ومن هنا سنركز على خصوصية الاسلاميين في اليمن في اطار واقع قبلي وتجربة انفتاح سياسي (لا اقول تحت ديمقراطي) لم تكتمل معالمها, كما أن الاسلاميين في اليمن على العكس من نظرائهم عربياً لم يكونوا في تعارض مع الدولة – النظام السياسي – بل كانوا متوافقين معها وفي علاقات تكامل وظيفي, الامر الذي مكنهم من التعدد افقيا وعموديا داخل كل مؤسسات الدولة والمجتمع..
ومع ذلك لم يستفيدوا من هذا الوضع في تحديث أفكارهم السياسية وبرامجهم بل ظلت حبيسة أيدولوجيات منغلقة مع مرونة ملفتة للاهتمام إعلاميا وسياسياً (مرونة ظروفية مؤقتة) حيث تحولت تحالفاتهم وتبدلت علاقاتهم السياسية أكثر من مرة ضمن لعبة توسيع التحالفات بينهم وبين القوى السياسية الحزبية والقوى القبلية, استنادا الى تكتيك سياسي اعتمدوا عليه وهو عدم الركون إلى تحالفات استراتيجية مع النظام خاصة في مرحلتي السلال والحمدي في حين تحالفاتهم استراتيجية مع نظام الرئيس صالح وهم من كانوا يدركون أهمية النظام وتحالفاتهم معه, لكن هذا الأمر لم يمنعهم من تحالفات استراتيجية من المكون القبلي.
وهنا تبرز ملامح الاسلاميين في اليمن حيث نظراتهم في المحيط العربي يعملون في سياق مديني وفي داخل التنظيمات الحزبية والجمعوية في حين أسلاميوا اليمن يتحركون ضمن التجمعات القبلية والرموز الريفية لتشكل لهم سنداً اجتماعياً..!
الديمقراطية عند الاصلاح
إسلاميو اليمن من خلال حزب الاصلاح أكبر الاحزاب الدينية يقدمون تبريرات متعددة لقبولهم مفهوم الديمقراطية والمشاركة السياسية في إطار تعدد الاحزاب, وتأسيساً على ذلك يقدمون رؤيتهم للدولة ذاتها وكل المفاهيم التي ترتكز عليها عملية الحداثة السياسية ويربطها اسلاميوا اليمن بمفهومهم الشريعة ومنظومتهم الفقهية التي تشكل خلاصة اجتهاداتهم.
وهم ما يذهبون إليه أن (الدولة ضرورة اجتماعية ووسيلة شرعية لازمة, غايتها حراسة الدين وبسط العدل ورعاية مصالح المواطنين), ووجود الاسلامين في مؤسسات الدولة السيادية انما لضمان صدور التشريعات كافة وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها العامة, (وتمثيل التعددية السياسية والحزبية الأساس المكين لتداول السلطة وانتقالها سلمياً بين الجماعات والقوى السياسية المنظمة, كما تمثل أفضل الصبغ الكفيلة باستيعاب المعارضة ومنحها مشروعية العمل من خلال الوسائل الشوروية الديمقراطية..
ولما كانت الديمقراطية قد ظهرت باعتبارها ابجدية الاجتماع السياسي المدني في مسار التطور البشري فهي لذلك لا تمنح بل يمكن بلوغها من خلال السعي الدائم وخوض معارك كسبها باستمرار, هنا تم التأسيس المعرفي والتنظيمي للديمقراطية من خلال حضور الدولة ولوازمها الدستورية, اضافة الى مشروعها الثقافي انطلاقا من أن الديمقراطية ليست إجراءات وآليات عمل فحسب, بل هي أيضاً ثقافة ومنظومة قيم ولذلك يمكن القول أن العلمانية هي الأساس المعرفي للديمقراطية, وحضور قيم العقلانية والعلمانية والحداثة معناه حضور ممكنات بناء الديمقراطية, ومثلما تكون الديمقراطية ساحة الممارسة السياسية الحرة فالعلمانية ساحة الممارسة العقلية الحرة..
ويذهب اسلاميوا اليمن نحو رفض الاطار الفلسفي والمعرفي للديمقراطية والنظر إليها كعملية إجرائية, وهنا أيضاً يتم ربط مشروعية العمل السياسي وفق نظرهم بكافة أشكاله بمنظومة القيم والمعايير المستمدة من عقيدة المجتمع وشريعته الإسلامية وهو تعبير يعكس الشعار والمعتاد لكل الاسلاميين (الاسلام هو الحل) فلا سياسية أو اقتصاد أو ثقافة الا اذا وافقت الشريعة وفق رؤيتهم لها او وجد لها تبريرا منها وفق اجتهادهم, وهم لذلك يرون ان سلامة ونجاح النظام السياسي القائم على تعدد الأحزاب رهن بتحقق أمور أربعة رئيسية:
1- التزام الأحزاب والتنظيمات السياسية بالإسلام عقيدة وشريعة, والانطلاق من رؤية موحدة للثوابت العقدية والوطنية ومواطن الاجتماع التي لا يجوز الخلاف فيها أو الاختلاف عليها.
2- قدرة الأحزاب على تحمل مسؤولية العمل السياسي وربط نفسها بالمجتمع وثوابته العقدية والوطنية..
3- تعزيز مبدأ التعددية السياسية وتحويله إلى إحدى الحقائق الراسخة في المجتمع الوطني, ومقاومة أي توجيهات من أي طرف كان لإعادة المجتمع اليمني إلى واحدية الرأي السياسي المؤيدي إلى السلطة القهرية التي تعتمد على الجيش والأجهزة الأمنية لإخضاع المجتمع لمآربها وأهوائها وأطماعها, وأن ترسيخ التعددية السياسية والحزبية في المجتمع يكون بتأسيسها على أرضية صلبة من الثوابت العقدية والوطنية
4- ضمان قيام التعددية السياسية على المنافسة الشريفة في إطار الالتزام بعقيدة المجتمع وشريعته الإسلامية وبثوابته الوطنية
5- التداول السلمي للسلطة هو جوهر الشورى والديمقراطية وأسلوبها الأمثل لحل مشكلة الصراع على السلطة بمختلف مستوياتها.
تحالف الاسلاميين مع القبيلة
يعتبر المجتمع اليمني مجتمع مركب يتصف بتعدد البنى القبلية والعصبوية التي تناقض نظام الدولة وضوابطها, ووفقاً لذلك يعكس واقع اليمن وتاريخه الاجتماعي ديمومة القوى التقليدية العصبوية التي يميل افرادها وجماعاتها الى حياة اللادولة.. اضافة الى ذلك فالعقل السياسي لدى المجتمع لا يتحكم فيه شكل نظام الحكم ونصوصه الدستورية والقانونية فحسب بل هو محكوم ايضاً بقوة الموروث الاجتماعي الثقافي والدولة اليمنية في سعيها الى التحديث والتنمية..
- كانت ولا تزال – تعتمد آليات تقليدية بل وتعيد إنتاج البنى والثقافة التقليدية وهي في ذلك تزاحم عمليات التحديث أو تشوهها.
عمليات تبرز أهم معوقات بناء الدولة اليمنية الحديثة وأهم إشكالات الاندماج الاجتماعي, فالاحتكار العصبوي للسلطة والثروة تكمن دلالاته في التعبير عن غياب دولة العموم التي تسمح بتداول المواقع والمراتب ومؤسساتها وترسخ وجودها في المجتمع عملت على دعم شيوخ القبائل "شراء الولاء السياسي للنخبة الحاكمة".
وهنا نكون أمام عملية تصنيع المشائخ من قبل الدولة (الاجهزة الامنية بالأساس) حيث يتم دعم بعض الشخصيات غير الفاعلة اجتماعياً, وتمكينها من النشاط العام كبديل أو منافس لشيوخ ذو مكانة تقليدية في مناطقهم..
وأصبح التمويل الحكومي للمشائخ يقلل من اعتماد الشيوخ على تمويل قبائلهم, وهنا تزايد الانفصال بين الشيوخ وإفراد قبائلهم وأصلح المشائخ يحظون بمكانة سياسية واجتماعية وبتمويل الحكومة, وهذا الاخير يترجم عمليا بدور سياسي لشيوخ القبائل من خلال احتلالهم مواقع وظيفية هامة في مؤسسات الدولة وفي عضوية البرلمان الامر الذي مكنهم من فرض منظومتهم الثقافية في الكثير من التشريعات والقوانين أهمها مدونة الاحوال الشخصية وقانون الانتخابات وقانون السلطة المحلية..
في هذا السياق كان ارتباط الاسلاميين بالقبيلة ورموزها المشيخية, ليس من باب الدعوة الدينية بل من باب الحماية والمساندة والقوة التي تمنح الاسلاميين فاعلية كبيرة داخل المجتمع بل وفي مقابلة السلطة اذا لزم الامر, خاصة وان الاسلاميين لم تكن علاقاتهم بكل الرؤساء وحكامهم بذات العلاقة مع نظام صالح بل كانت علاقاتهم فيها كثير من التوجس وضعف الارتباط مع السلال 62-67 وفي أيام الارياني 67- 73 ظهروا كقوة من خلال حلفائهم في القبيلة والمؤسسة العسكرية, وخفت صوتهم وضمرت حركتهم خلال حكم الحمدي 74 – 77 ثم عادوا للظهور القوي والفاعل مع نظام علي عبد الله صالح 78 – 90 وزاد في فاعليتهم مع صالح خلال دولة الوحدة من خلال حزب الاصلاح المعبر عن تكتل الاسلاميين وحركتهم..
استثمار الاحداث
وكانت الاحداث السياسية مجالا لاستثمارها جيدا من الاسلاميين فالصراع بين شطري اليمن تصدره الاسلامين بحجة أنهم يحاربون الكفرة والعلمانيين في الجنوب لصالح نظام الشمال الاسلامي ثم تزايد دورهم الجهادي تجاه احزاب اليسار في شمال اليمن حينما أسس اليساريون جبهة وطنية لإسقاط النظام فعمد هذا الاخير جبهة اسلامية تتصدى للجبهة الوطنية ولتكون معول هدم ضد نظام الجنوب وهنا تغلغل الاسلاميون في الريف اليمني واستقطبوا قيادات قبلية وريفية وكثير من الشباب تحت مسمى محاربة الشيوعية.
منذ بداية تشكل الاسلاميين تنظيميا وبلورة حضورهم كانت وجهتهم نحو القبيلة كسند اجتماعي ولاحقا سند سياسي, مع العلم ان الاسلاميين في اليمن هم امتداد لحركة الاخوان في مصر وهي حركة سنية وقياداتها الاوائل في اليمن سنة في المذهب إلا أنهم خلقوا علاقات وثيقة مع القبيلة ذات المذهب الزيدي وذلك لاعتبارات اجتماعية وسياسية تظهر مخاوفهم من النظام السياسي.
ولان رموز قبيلة حاشد قيادات في الدولة كانت لهم في مرحلة لاحقة موقع الصدارة في قيادة التيار الإسلامي خاصة منذ اعلانه كحزب سياسي, ولان القبيلة هي اقوى التنظيمات التقليدية مع استمرار ضعف مؤسسات المجتمع المدني التي لا تزال في طور النشأة ولان الاحزاب التحديثية كانت تعادي القبيلة وترى فيها رموزا للتخلف, تم توظيف هذا الأمر كسند دعائي للإسلاميين وتأليب القبيلة ضد خصومهم..
ولأن قبيلة حاشد هي ذاتها قبيلة الرئيس صالح وغالبية قياداته العسكرية والأمنية فكانت علاقة ثنائية بين الرئيس والشيخ في اطار حزبين وتكتلين سياسيين يتقاسمان مصلحة مشتركة ومصالح خاصة متعددة ومتباينة أحياناً, ومع غياب القضاء السياسي العام الذي تبرز فيه عملية التنافس والصراع وفق محددات قانونية ودستورية يستمر المجال السياسي التقليدي في التعبير عن نفسه وإعادة انتاج نفسه باستمرار من خلال الرعاية للبنى التقليدية السابقة لقيام الدولة وهنا يكون التمثيل السياسي عصبوي وجهوي في تعبيراته, ووفقاً لذلك يجوز لنا الحديث عن محاصصة تشاركية على أساس جهوي وقبلي, وهنا تكون الانتخابات لا على أساس جمهور ينتخب مرشح بل توازنات جهوية وقبلية ترشح ممثليها.
بشكل عام الاسلاميين وحزب الاصلاح يقدمون انفسهم كتنظيم لا مذهبي لكنه لا يرفض التكوين القبلي بل يجد فيه صفات تتوافق مع الخطاب الاسلامي (وفقا لتصورهم ومنظورهم) ومن ثم لا تناقض بين القبيلة والاسلاميين بل ذهبوا لتعظيم القيمة الاجتماعية للقبيلة ومنظومتها الثقافية والقيمية, وهنا وقفت القبيلة في صف الاسلاميين بغض النظر عن عضوية افراد القبيلة في حزب الاصلاح, فالقبيلة كانت تتمرد وتناصب العداء كل النظم والاحزاب التي تقلل منها أو تبخس فاعليتها مثلما حدث من تمرد وصدام بين القبيلة والرئيس الحمدي, ومن هنا ظهر تحالف قوي بين الزعامات القبلية الحاشدية خصوصا وبين الاسلاميين.
وللعلم الاسلاميين كانوا في ما قبل 90 يرفضون الحزبية ويعدونها سلبية مدمرة للمجتمع وثقافته ثم تكيفوا مع التغيرات عام 90 واسسوا حزبا وقبلوا بقواعد اللعبة الديمقراطية وفقا لتمدد تحالفاتهم مع القبيلة والعسكر والرموز التجارية زد على ذلك اتساع قواعدهم من أبناء الطبقة الوسطى وابناء الفلاحين القادمين الى المدن للبحث عن فرص عمل وتحسين حياتهم.
تحالف الاسلاميين مع السلطة
في هذا السياق يرى بعض الباحثين من داخل الصف الاسلامي ان الاسلاميين في اليمن نسخة يمنية من أصل حركة الاخوان في مصر, وان مشاركتهم السياسية لم تأتي من خلال نضال اجتماعي ونقابي وحزبي بقدر ما كان بفعل دعوتهم ضمن تحالفات سياسية واجتماعية اعتدها النظام السياسي اليمني في أطار صراعاته المتعددة خلال حقيبتي الستينات والسبعينات والتي تعتبر أكثر مراحل عدم الاستقرار السياسي في اليمن.
ثم بعد ذلك جرى اعتماد تأصيل شرعي لمشاركتهم في السلطة, هذا التأصيل ليس إلا تبرير لاحقا لمشاركتهم واندماجهم في لعبة السلطة ومحدداتها في الغنيمة والاستملاك السياسي.
وإذا كانت مشاركتهم قد تمت قبل أن يتم التأصيل الشرعي وفقا لما عبروا عنه في برنامجهم السياسي المعلن في فترة ما بعد 90 هنا ظهر منهم من يشرعن المشاركة السياسية وفقا لقاعدة عدم التصادم مع الحاكم أو الخروج عليه خاصة وإن الفوائد التي تجني من المشاركة كثيرة ومفيدة لتقوية حركتهم وتوسيع نشاطهم داخل مؤسسات الدولة والمجتمع في آن واحد, وهنا تتجلى النزعة البراجماتية (الذرائعية/النفعية) والتي تجعل من المشاركة السياسية غاية والتأصيل الشرعي وسيلة.
وبالرغم من تملك الاسلاميين لفرص جيدة في الحضور والنشاط العلني منذ بداية تشكيلهم وتزايدت فرصهن مع ارتباطهم المباشر والاستراتيجي مع نظام صالح فأنهم استمروا في حالة انغلاق فكري وفقهي جعلوا من رؤيتهم السياسية ايدولوجية منغلقة على الكثير من متغيرات السياسية والمجتمع خاصة تلك المتغيرات التي ترتبط بالأفكار والرؤى والمبادئ اعتقادا منهم أنها تنتقص من مثلهم الاسلامية التي تعد ركيزة ومنطلق ثابت لمرجعيتهم وأسسها الفكرية والعقدية.
وبالرغم من قبولهم مبدأ التعددية السياسية والحزبية والإقرار بمسار تحولي نحو الديمقراطية وتمكين المرأة من المشاركة السياسية فقد قبلوا كل هذه التغيرات وفقا لاشتراطات اكدوا عليها في برامجهم السياسية حيث تم الربط بين قبول الديمقراطية والتعددية ومشاركة المرأة بما لا يتعارض مع الشريعة وضوابطها.
وهنا كان انفتاحهم تكتيكياً على العمليات والممارسات واعتماد منظومة من الاجراءات الادارية والسياسية والإعلامية التي تعكس ما يقولون عنه انفتاحا تجاه المتغيرات لكن منظومتهم الفكرية ومرجعتيهم لا تزال بعيدة عن استيعاب مفردات الحداثة السياسية وفق فلسفيتها وإطارها المعرفي والدلالي.
ومع متغيرات سياسية نجمت عن اعلان الوحدة بين شطري اليمن وما رافقها من اعلان وإقرار التحول الديمقراطي (الانفتاح السياسي) فقد قبل الاسلاميين هذا التحول واكدوا على اهميته من منطلق نفي احتكار السلطة من الحزبين الحاكمين سابقا ولشرعنة وجود الاسلاميين كحزب فاعل ولأنهم يمتلكون تحالفات قوية فان حضورهم الحزبي دفع بهم الى المرتبة الثانية في اول انتخابات نيابية عام 93.
ووفقاً لذلك أصبحوا شركاء وفق ائتلاف ثلاثي في الحكومة اعتمادا على وجودهم في البرلمان ككتلة ثانية قوامها 64 نائباً, وهنا قدموا تبريرات متأخرة لعملية قبلوا بها وشاركوا فيها وحصدوا نتائج سياسية كبيرة من مشاركتهم, بل وتزايدت مشاركتهم بنهم شديد وبرغبة في الاستقواء والاقصاء للآخر في حرب صيف 94 التي انتصر فيها الطرف الشمالي ومعه حزب الاصلاح الذي صعد نشاطه في احتلال ووراثة مواقع الاشتراكي في المحافظات الجنوبية من خلال الانتخابات البرلمانية 97والتي تمت مقاطعتها في الاشتراكي وبعض حلفائه.
هنا انفرد المؤتمر والاصلاح بالبرلمان وعمدوا إلى تغيير الدستور – ولا اقول تعديله – لانهم عملوا على تغيير اكثر من 50 مادة وتعديل 30 مادة اخرى وفقا لنزعات المنتصر ومطامحه السياسية, وهنا دخل الاسلاميين في حكومة ائتلاف ثنائي مع المؤتمر استمر تحالفهم حتى عام 2006 ثم خرجوا من الائتلاف وارتبطوا بالمعارضة من خلال اللقاء المشترك, هنا فقط بدأ الإسلاميون خطا معارضا الى حد ما لنظام صالح وقدموا لهذا الامر تبريرات شرعية وفقهية متعددة.
عن: إيلاف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.