في كل مشاهد وغزوات الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام كان الأنصار والمهاجرون يظهرون تميزهم كل على حدة فتظهر كتائب الأنصار مستقلة عن المهاجرين بمقاتليها وقياداتها لكي يُظهر كل فريق بلاءه في مواجهة الأعداء وهم على قلب رجل واحد.. وفي الفتوحات الإسلامية كانت تبرز قبائل العرب كل تحت قيادتها ليظهر تميزها وبلاؤها.. ولقد سمعت في صنعاء المجاهد العظيم ياسر عرفات يتحدث أن القيسية (أهل العراق) واليمانية (أهل اليمن) الذين فتحوا فلسطين مع المجاهد صلاح الدين لا تزال آثارهم إلى الآن في أنحاء فلسطين فهذه قرية قيسية وهذه يمانية ولقد كانوا كذلك حين فتحوا الأندلس وجاهدوا فيها كل تحت قيادة مستقلة متنافسين على النصر والفتح. هذه مقدمة تصفع من يحاول التفريق بين حليفي مقاومة الغزاة وأذنابهم من المؤتمر الشعبي العام وأنصار الله فكلهم على قلب رجل واحد في مواجهة الأعداء وكل يظهر تميزه ولا ضير. وبعد فقد كان يوم 26 مارس في صنعاء يوما مشهودا بكل المقاييس حيث هب أبناء اليمن من كل حدب وصوب ليشهدوا يوم التحدي والصمود في مواجهة الأعداء. بالنسبة لي كنت أنتظر أن يمر زمن ليس بالقصير حتى تنمحي آثار الربيع العبري الفاسد ويعاد الاعتبار للتبع اليماني العظيم الشامخ علي عبدالله صالح بعد أن تحالفت ضده قوى الشر وأساطين الفساد ودويلات النفط الصهيوالأمريكية بإمكاناتها وإعلامها وأدواتها العسكرية والمشيخية وكل السياسيين الفاسدين.. لكن الانتظار لم يطل "فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض". الحشود الملايينية التي ملأت العاصمة كلها وليس فقط ميدان السبعين والتي تقاطرت من كل النواحي من خارج العاصمة لا تتسع لها إجراءات الأمن ولا السلامة ولكن تحوطها عناية الله بحيث انتهى المهرجان ولا تزال الحشود لا تجد طريقها لمكان المهرجان تؤكد حقيقة أن المال والسلطة والدعاية ليست سببا في حشد الملايين واكتساب الولاء لشخص أو مكون من المكونات وأن هناك إرادة إلهية فوق كل ذلك تجمع القلوب على الولاء. هذا الجمع الذي لم تشهد مثله اليمن منذ خلق الله الأرض فيما نعلم يؤكد حقيقة أن الحكمة مرتكز أساسي للزعامة وأن الإيمان بالله والصدق معه في كل حال تغني عن المال والسلطان والدعاية ولا تغني هذه كلها عنها فلكم أنفق الفاسدون أعداء اليمن والمتآمرون عليه من داخله وخارجه ليغيروا وجه الحقيقة وربما أحسوا بأنهم نجحوا في الوصول لما يريدون لبعض الوقت ولكن الحقيقة ظهرت لتمحوهم وتمحو آثارهم ليبقى الحق هو الشامخ والخالد. ظهور التبع اليماني تحت تحليق طائرات آل سعود واختراقاتها لحاجز الصوت ومراقبتها الدقيقة لما يدور تحتها، وكلمته القوية الحكيمة المتحدية ثم انصرافه وسط ذهول الجميع يؤكد حقيقة أن العناية الإلهية تحرس الحق وأهله وأن الباطل مخذول ولو حشد أساطيل البر والبحر والجو وتقنيات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل وما سواها. رأيت الفرح في وجوه الناس والتحدي والأمان رغم شيوع السلاح وعدم قدرة الأجهزة الأمنية على كثرتها على الوصول إلى منتهى المحتشدين. ورأيت الصور والأعلام تغطي المركبات وترتفع عليها.. رأيت أمة تتوحد محبة وطوعا في زعامة ورأيت زعامة تعبر عن ضمير أمة في صلابة وشجاعة وتحدٍّ وثبات. ورأيت صنعاء تحض اليمن ورأيت اليمن تقبل على صنعاء وتمنحها ولاءها. فوق كل المعاني التي حملها حشد السبعين بمناسبة ذكرى العدوان والغزو والصمود أمام هذا الحلف الشيطاني اللعين فإن هناك أمراً آخر حققه هذا الجمع العظيم وهو أنه أهال الثرى على بقايا جيفة الربيع العبري اللعين وأساطينه ليس في اليمن فحسب بل في أرجاء الوطن العربي المنكوب به، وأن التبع اليماني وجّه الركلة الأخيرة لجيفة الربيع القذرة. وسننتصر بعز عزيز أو بذل ذليل ولن تخذل أمة هذه حالها.