من المرجح -إن لم نقل المؤكد- أن انزعاج المملكة العربية السعودية أو مملكة بني سعود من استعادة اليمانيين للوحدة السياسية لوطنهم في ال22 من مايو 1990م، لم يكن بأقل من انزعاجها من الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) وإن لم تظهر ذلك علنا منذ بدأت أشرطة الكاسيت المناهضة والمكفّرة لاستعادة الوحدة، تتدفق من العاصمة السعودية الرياض بصوت عبدالمجيد الزنداني، الذي أوهمهم أن أشرطته يمكن أن تُحدث في اليمنيين ما أحدثته الأشرطة التحريضية للإمام الخميني ضد نظام شاه إيران. كما أن مملكة بني سعود لم تجد المبرر أو المدخل -بحكم الظروف الدولية حينها- لشن عدوان عسكري يعيق اليمنيين من استعادة وحدة أرضهم.. وعليه فقد عملت جاهدة على تحيّن الفرصة التي تمكنها من محاربة وحدة اليمن وإضعافه وتمزيقه إلى أكثر من كيان.. حتى وجدت فرصتها في المماحكات السياسية التي حدثت بين القيادة اليمنية الوحدوية، والتي كان للعناصر المرتبطة بالسعودية دور بارز في إذكائها وإشعالها ووضع التعقيدات والاشتراطات حتى عندما ذهبت القوى السياسية اليمنية للتوقيع على اتفاق المصالحة الوطنية في المملكة الأردنية برعاية الملك الحسين بن طلال رحمه الله. وعليه فقد كان لبني سعود ما سعوا من أجله، وهو إشعال فتيل الحرب بين شرطي اليمن عام 1994م أي بعد ثلاث سنوات على استعادة الوحدة اليمنية، وتم إعلان بيان الانفصال من قبل الطرف الذي دعمته السعودية ووجد من الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي ليواصل حرب انفصال جنوباليمن عن شماله إلى أن هُزم كعادة أي صراع واقتتال تشهده اليمن، يكون المنهزم فيه هو الطرف الذي تدعمه مملكة بني سعود، وما أكثر الشواهد على ذلك (منذ تمرد الإدريسي في أربعينيات القرن الماضي إلى يومنا هذا). لقد هُزم الطرف الموالي لنهج بني سعود رغم ما دُعم به من إمكانيات بما فيها تزويده بالطائرات المقاتلة الأكثر حداثة كالميج 21 الروسية وهي الطائرات التي لم تحصل عليها يومها -كما أعتقد- سوى دولة عربية أو دولتين فقط، كما أن بني سعود، قد حشدوا ما قدروا عليه لدعم تلك الحرب الانفصالية وإضعاف اليمن، وهذا ما لم توثق له مواقف بعض الدول التي تحالفت مع المال السعودي وحسب، بل ونوعية الأسلحة التي تركها المنهزمون أمام إرادة الشعب اليمني قبل قيادته الوحدوية، ولعل الذاكرة لم ولن تنسى تصريح ذلكم الشيخ الخليجي الذي يتباهى بتوحيد سبع من المشيخات الخليجية ويعلن عزمه تمزيق اليمن إلى أربعة أشطار، وهذا ما يفعله أولاده اليوم. لم يقلها جزافاً أو مبالغة، بل لأنهم يريدون إضعاف اليمن وإبعاده عن أي مكانة مؤثرة في المنطقة ليس بإعادته إلى شطرين كما كان، بل أربعة، ولأن هناك رغبة قديمة يتوارثها بنو سعود من أبيهم عبدالعزيز، في أن تقتطع حضرموت من اليمن، وأن يكون لمملكتهم منفذاً على بحر ثالث يمكّنهم من النفوذ العسكري والتجاري. يقول الكاتب السعودي يوسف الهاجري في كتابه (السعودية تبتلع اليمن) "وقد كان عبدالعزيز آل سعودي يعتقد -أو لربما يحلو له أن يعتقد- بأنه يمكن له أن يستولي على سائر مناطق الجزيرة العربية بنفس العنوان وبذات السهولة، وقد كان يسيل لعابه -أشد ما يسيل- على إطلالة (المملكة) على بحر ثالث كالبحر العربي تفتحها على العالم الخارجي بصورة أكبر وتوسع لها مجال الحركة..". وها نحن اليوم نواجه مخطط الأربعة الأشطار وتسليم حضرموت إلى أتباعهم من القاعدة وداعش الذين يدّعون بسذاجة أنهم يحاربونهم بعد أن يدفعوا بهم إلى جبهات البيضاء ومأرب (النفطية) ويدفعوا بالمزيد من قواتهم، لأن تحل محلهم خاصة في حضرموت. وهكذا اختتم بنو سعود القرن العشرين بعدوان على اليمن ووحدته ليستهلوا القرن الحادي والعشرين بأبشع جرائم اعتداءاتهم على الجار الذي استعصى عليهم بشدة وبأس ووطنية رجاله ونسائه. يتبع....